بسم الله الرحمن الرحيم
الفرزدق يمدح زين العابدين
الاخوة الاعضاء : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
اقدم لكم اليوم قصيدة من اروع قصائد الشاعر الفرزدق :
والقصة أنه عندما دخل هشام بن عبد الملك وكان وليَّ عهد المسلمين وأبوه الخليفة يدخل إلى الحرم المكي ليطوف بالبيت ومعه موكبه الباهر وحرسه الساهر.
يدخل فإذا بالطواف يكتظ بالناس، وإذا بهم يتدافعون جميعاً ليلتفوا حول رجل من الطائفين وتراهم يمدون أعناقهم بلهفة وشوق كل منهم يريد أن يرى طلعته الناصعة.
هنا يتعجب الأمير فينظر وإذا به رجل يتلألأ وجهه كالبدر وبيده خيزران، فيزيد عجبه من تدافع الناس واقتتالهم على رؤيته والسلام عليه، بينما لم يلتفتوا له ولم يأبهوا بمجيئه وهو ابن الخليفة!!
لم يستطع هشام استلام الحجر الأسود فجيء له بكرسي فجلس عليه ينتظر انفراج الزحام. هنا يتقدم أحد حاشية الخليفة من أهل الشام قائلاً: أيها الأمير من هذا الرجل؟
فيجيبه الأمير وعلامات الاستغراب والاستفهام والتعجب قد علت وجهه: لا أدري لا أعرف من هذا؟؟!!
وكان الشاعر الأموي (الفرزدق) يقف عن قرب ويسمع هذا الحوار فهنا تتحرك مشاعره وتلتهب عواطفه وتنقدح قريحته الشعرية فيقفز أمام الخليفة في قوة وثبات متغنياً بهذه الأبيات المرتجلة التي أوحاها له هذا الموقف فكان مما قال:
هَـــذا الّـــذي تَـعــرِفُ البَـطْـحـاءُ وَطْـأتَــهُ *وَالـبَـيْــتُ يـعْــرِفُــهُ وَالــحِـــلُّ وَالــحَـــرَمُ
هــــذا ابــــنُ خَــيــرِ عِــبـــادِ الله كُـلّــهِــمُ * هـــذا الـتّـقــيّ الـنّـقــيّ الـطّـاهِــرُ الـعَـلَــمُ
هـــذا ابـــنُ فـاطـمَـةٍ، إنْ كُـنْــتَ جـاهِـلَــهُ * بِـــجَـــدّهِ أنْــبِــيَــاءُ الله قَـــــــدْ خُــتِــمُـــوا
َولَـيْــسَ قَـوْلُــكَ: مَـــن هــــذا؟ بـضَـائــرِه * الـعُـرْبُ تَـعـرِفُ مـــن أنـكَــرْتَ وَالـعَـجـمُ
كِـلْـتــا يَــدَيْـــهِ غِــيَـــاثٌ عَـــــمَّ نَـفـعُـهُـمَـا * يُـسْـتَـوْكَـفــانِ، وَلا يَـعـرُوهُــمــا عَـــــــدَمُ
سَــهْــلُ الخَـلِـيـقَـةِ، لا تُـخـشــى بَــــوَادِرُهُ * يَـزِيـنُـهُ اثـنــانِ: حُـســنُ الـخَـلـقِ وَالـشّـيـمُ
حَــمّــالُ أثــقــالِ أقـــــوَامٍ، إذا افـتُــدِحُــوا * حُـلــوُ الـشّـمـائـلِ، تَـحـلُــو عــنــدَهُ نَــعــم
مـــا قــــال: لا قــــطُّ، إلاّ فــــي تَـشَـهُّــدِهِ * لَـــــوْلا الـتّـشَــهّــدُ كـــانَـــتْ لاءَهُ نَـــعَـــمُ
عَــــمَّ الـبَـرِيّــةَ بـالإحــســانِ فـانْـقَـشَـعَـتْ * عَـنْـهــا الـغَـيـاهِـبُ والإمْــــلاقُ والــعَـــدَمُ
إذ رَأتْــــــهُ قُـــرَيْـــشٌ قــــــال قـائِــلُــهــا * إلــــى مَــكَــارِمِ هــــذا يَـنْـتَـهِـي الــكَـــرَمُ
يُغْـضِـي حَـيـاءً، وَيُـغـضَـى مـــن مَهـابَـتِـه * فَـــمَــــا يُــكَــلَّـــمُ إلاّ حِـــيــــنَ يَـبْــتَــسِــمُ
بِــكَــفّــهِ خَـــيْـــزُرَانٌ رِيـــحُـــهُ عَـــبِــــقٌ * مـــن كَـــفّ أرْوَعَ، فـــي عِرْنِـيـنِـهِ شـمَــمُ
يَــكـــادُ يُـمْـسِــكُــهُ عِـــرْفـــانَ رَاحَـــتِـــهِ * رُكْـــنُ الحَـطِـيـمِ إذا مــــا جَــــاءَ يَـسـتـلـم
الله شَــــرّفَــــهُ قِــــدْمـــــاً، وَعَـــظّـــمَـــهُ * جَـــرَى بِـــذاكَ لَـــهُ فـــي لَـوْحِــهِ الـقَـلَــمُ
أيُّ الـخَـلائِــقِ لَـيْــسَــتْ فـــــي رِقَـابِــهِــمُ * لأوّلِـــيّــــةِ هَـــــــذا، أوْ لَـــــــهُ نِــــعــــم
مَـــــن يَـشــكُــرِ الله يَـشــكُــرْ أوّلِــيّـــةَ ذا * فـالـدِّيـنُ مِـــن بَـيــتِ هـــذا نَـالَــهُ الأُمَــــمُ
يُنـمـى إلــى ذُرْوَةِ الـدّيـنِ الـتـي قَـصُــرَتْ * عَنـهـا الأكـــفُّ، وعـــن إدراكِـهــا الـقَــدَمُ
مَـــنْ جَــــدُّهُ دان فَــضْــلُ الأنْـبِـيــاءِ لَــــهُ * وَفَــضْــلُ أُمّــتِــهِ دانَـــــتْ لَـــــهُ الأُمَـــــمُ
مُـشْـتَـقّــةٌ مِـــــنْ رَسُــــــولِ الله نَـبْـعَــتُــهُ * طَــابَــتْ مَـغـارِسُــهُ والـخِــيــمُ وَالـشّــيَــمُ
يَنْـشَـقّ ثَــوْبُ الـدّجَـى عــن نــورِ غـرّتِــهِ * كالشـمـس تَنـجـابُ عــن إشرَاقِـهـا الـظُّـلَـمُ
مـــن مَـعـشَـرٍ حُـبُّـهُـمْ دِيــــنٌ، وَبُـغْـضُـهُـمُ * كُـفْـرٌوَقُـرْبُــهُــمُ مَــنــجـــىً وَمُـعــتَــصَــمُ
مُـــقَـــدَّمٌ بـــعـــد ذِكْــــــرِ الله ذِكْـــرُهُــــمُ * فـــي كـــلّ بَـــدْءٍ، وَمَـخـتـومٌ بـــه الـكَـلِــمُ
إنْ عُـــدّ أهْـــلُ الـتّـقَــى كــانــوا أئِـمّـتَـهـمْ * أوْ قيل: «من خيرُ أهل الأرْض؟» قيل: هم
لا يَـسـتَـطـيـعُ جَـــــوَادٌ بَــعـــدَ جُــودِهِـــمُ * وَلا يُـدانِـيــهِــمُ قَـــــــوْمٌ، وَإنْ كَـــرُمُــــوا
هُـــمُ الـغُـيُـوثُ، إذا مـــا أزْمَـــةٌ أزَمَــــتْ * وَالأُســدُ أُسـدُالـشّـرَى، وَالـبــأسُ مـحـتـدمُ
لا يُـنـقِـصُ الـعُـسـرُ بَـسـطـاً مـــن أكُـفّـهِـمُ * سِـيّــانِ ذلــــك: إن أثَــــرَوْا وَإنْ عَــدِمُــوا
من هو يا ترى؟ ذلك هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب- رضي الله عنهم جميعاً