وثمانية يا ام شفيف لا تفني ولاتزول ...
ذكر المصنف رحمه الله أولاً: الآيات المتعلقة بإثبات صفة الوجه كقوله تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:27] وهذه الآية من سورة الرحمن، وقبلها قوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:26-27] فأثبت الفناء للمخلوقات على ظهر هذه الأرض، بقوله: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] وكل:كما هو معلوم من ألفاظ العموم، التي تدل على فناء المخلوقات كلها، وليس المقصود العموم المطلق، وإنما هو العموم بحسبه، كما في قوله تعالى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا [الأحقاف:25] فإن من المعلوم أن المعنى: تدمر كل شيء قابل للتدمير بها، يعنى: بالريح، كبيوتهم وما أشبه ذلك، ولذا قال: فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف:25] فآثار مساكنهم لا تزال باقية، فمن المعلوم أنها لا تستطيع أن تدمر السماء ولا الأرض. ومثله قوله تعالى عن بلقيس: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل:23] فقوله: (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) لا يعني العموم المطلق، وإنما هو عموم بحسبه، يعني من كل شيء مما يؤتاه الملوك عادةً، من المال والخدم والحشم والأعوان والشرط وغير ذلك. فقوله جل وعلا هنا: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] هذا عموم لكنه بحسبه، ولهذا فهناك أشياء لا تفنى، وقد عدها بعض أهل العلم ثمانية، كما ذكر السيوطي: ثمانية حكم البقاء يعمها من الخلق والباقون في حيز العدم هي العرش والكرسي ونار وجنة وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم (وعجب) يعني العظم الموجود في أسفل ظهر الإنسان، وذكر في بقية البيت الأشياء التي لا تفنى وهي الأرواح، واللوح والقلم، وغيرها: فهذه ثمانية أشياء، وأما ما عداها فإنه كتب عليها الفناء والزوال، ثم استثنى وقال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:27] والآية إنما سيقت في مساق المدح فقوله: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] ليس مدحاً، إنما يأتي المدح ويكمل إذا قال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:27] فبعدما حكم بالزوال والفناء للمخلوقات على ظهر هذه البسيطة، استثنى وبين بقاء الله عز وجل فقال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:27] ذلك أن الله عز وجل حي لا يموت، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: {أنت الحي الذي لا يموت والإنس والجن يموتون} وقال الله عز وجل: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ [الفرقان:58] وذلك أن حياته عز وجل حياة كاملة تامة، وهي صفة لذاته بخلاف المخلوق فإن حياته حياة ناقصة، قد أفاضها عليه ربه جل وعلا، ومنحه إياها،فيسلبها منه متى شاء، ولهذا قال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:27] وقوله: (ذو الجلال) فهذه صفة للوجه ولهذا جاءت مرفوعة بـ(ذُو)؛ لأنها صفة لـ(وجه) وهو فاعل وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:27] فهي صفة للوجه