الشاعر محمد عوض الكريم القرشي -سراج وضاء

الشاعر محمد عوض الكريم القرشي: سراجٌ وضاء .

عِشقتُو من نظرة وهوَّ قلبو خالي
وكيف الطَريقَة البيهَا يتِم وِصالي

ملمس شِعرك حريري في وجدان تاريخ الأغاني منذ زمانك وأنت في أوج سموك في الأربعينات من القرن الماضي مُتخفياً ،
وفي الخمسينات منتشراً وفي الستينات صباحاتك عمت المدائن وهي تتشكل من قرى تلهث لتلحق بالمدن الوريفة .
في أواخر الستينات رحلت لغيبة كُبرى ، وفي يوم زفاف رفيقك " عثمان الشفيع " أحس بأن قطعة من لحمه رحلت ،
فخرج من مجلس فرح العُمر وجلس وحيداً وبكى فقد أحس بأن الوديعة قد استردها صاحبها .

بصوتك المتشرب روعة وتطريباً وعمقه الأخاذ سمعنا أغنية وحيدة بصوتك إذ حفظتها مكتبة الإذاعة السودانية ،
و نعلم أن رفاقك ومُحبي فنك كانوا يتقاطرون ويتجمعون في مجلس أنسك يا بهي المراتب ،
لديهم كل أغانيك بصوتك في مُتحف الأسرة حيث مرقدك وإبريق وضوؤك وفراش نومك .
عروس الرمال التي سماها الصحافي عبد الله رجب في سالف العصر والأوان كانت " الأُبيِّض " مرتع صباك واخضرار حروفك
يا نعيماً سقانا من بساتينه الباسقة .
من يا تُرى يحتفظ بجمارك توقد في القلوب التي تشتهي وتعشق ؟
كنت سيدي سلطان زمانك . رغم ضخامة البنية كنت رقيق الحاشية مفتوناً بالجمال ،
رفيقاً كريماً مع أهلكَ ، ومع الصحاب وثمار الخير تنضح عند مرآك.

يوم قالوا لي الأقمار عليمة
إنك تراها وتلمس لليمة
يا ريتني أبقى سعيد
وأشوفها ديمة
يا فني جود وانصفني ديمة
يا لحني أشدو شِعراً قويمة

تصور الأقمار عرِفتْ غُناكَ
نزلت من السماوات لسُمو حِداكَ
وازدانت الحفلة والنور تجلى
يا ربي زيد في الحُب والعفة سيمة
فلتسألوني في عيد الكواكب
الفيهُ نور الدُنيا صفاهُ ساكِب

كان صديقنا " عبد الرافع سليمان " من الزمن الجميل ونحن في الثانوية يُردد علينا " عيد الكواكِب " ،
ونحن نراوح جيئة وذهاباً أيام أعوادنا الخُضر . كانت النسائم طيبة والغمام يُظلل الشمس والمطر يكسو الأطراف عُشباً أخضر ،
فأم درمان صغيرة الحاشية كانت قرية تتكئ على النيل فبيوت اللبِن أكواخ حنين .
قال عبد الرافع يروي من شِعرك :

سألوني مين عنك عَرفتهم
أيه الصفات عنك خبرتهم
شافوا الجمال منك أقنعتهم
طولتَ لكِنك أنا يا حبيب الروح
أعفيني من ظنك
محبوبي الجميل
لحن الحياة منك وما تقول نسينا الماضي وصرنا ناسينك

لم تزل سيدي في مقال الكرم الباذخ : محمد عوض الكريم القرشي هاشاً باشاً بيننا ،
ما جلسنا جلسة صفاء إلا وأنتَ سيد فرحنا ، تلُفنا بمعاطف الفتنة وترمي لنا نرد الهوى ،
وتكتب عن اللاتي قتلننا ثم لم يُحيينَّ قَتلانا .

من بساتين شعرك الغناء وألحانك كنت شاعراً ومُلحناً ،
قبلك كان عبد الرحمن الريح : ينظم الشِعر ويلحنه . يجد المرء الشعر عندك سهلاً من أعطاف حديث الناس ،
مُشرباً بالمحبة والعواطف النبيلة . مموهاً بالتاريخ كأنك تقص سيرة حياتك وأنت بين أصدقائك في "الأُبيِّض " .
كريماً تجتمع أمم الأصدقاء عندك . فرِحاً مُشرقاً بهم .

.............

منقول من بوست / عبد الله الشقليني

...نواصل

لاتزال قناديل الشاعر الضخم ود القرشى تضى ليالى السمارعلى مر العصور..
وللذين لازموه فى سهر ليله الطويل ..تباريح كل ذلك الشوق المعنى..
وود القرشى يتوسط الجمع ..والحضور على شكل هلال ينتصف....يضم
زهرة شباب العاصمه ونجوم لياليها ورهط من العشاق والاحباب...
وهو جالسا مواجها لهم..فى جلبابه السكروته ..وصندوق الثقاب فى يده .
ثقاب ابومفتاح وارد تشكوسلفكايا جمهورية الشيك وقتها...ويصدح بصوته..
الشجى...الذى يخترق حشا الليل ويجذب بمغنطيس تاثيره الكواكب والنجوم..
وتتقارب المسافات ويلتحم الافق...والترديد..ينحر صبايا العشق فى كل تلك الدواخل المرهفه....
يسبى..ويأتلق..ويحترق..ويضى يشتعل..وينادى فى تبعثره بذلك الوحيح الذى يضطرم ويضطرب...
عشقتو من نظره..وهو قلبه خالى .
كيف الطريقه البيها يتم وصالى......
سألت مين يا ناس ذاك المثالى..
النايره وجناته....زوالشكلو حالى..
ويهل على كالطيف....وتضوى الليالى..
انا عقلى طاش فيك يا غزالى..
وقالوا لى دا الملهم....ياملهم...يامنعم...

وتحلق الانغام ..وياخذ سحر ذلك الصوت الندى..خفقات المشاعر ونبضات الشعور على متن...
اجنحته الى مدى ذلك الارتقاء الممتد...حيث الغفوه وخدر الارتخاء فى مقامات عراض
بيكاسو ..الفنان...
لعلك اردت بحفرنبشك هذا..ان تعيد صدى الرنين من اول...وتعيد ايقاعات الطرب..وتعيد الاحياء ..
بجرس وحس..وذكرى..لهذا الشاعر الضخم الفنان..
نسال لروح ود القرشى الطاهره .ذلك المقام المحمود فى جنان الرحمن.بقدر ما اسعد الخلق..
واثرى وجدانهم بصبوة ذلك العشق الصبا والجمال...
وكثافة الاعزازلك ..وان تفتح تلك البوابات لتخرج كنوزها فى هذا الزمن المجحف ..الزمن العاصى القاسى المتوحش المستوحش
..الذى غطته نوافير الدم المراق.وانكمشت فيه مساحات الحب...واصابها الجدب والجفاف..ولم تعد تلك الايام بكل ذلك النضار الوريف...
اعزازى لك وانت تسكب علينا عطور ذلك المنح..وتريحنا بدعاش خريف الذكريات الممطر...

"محمد عوض الكريم القرشي ". فأنت من بطون عشاق الفن والشعر القويم ، والعواطف النبيلة التي كانت تزخر بها ساحة الشعر والغناء منذ زمن بعيد . ففي الأربعينات قدم للمطرب الأستاذ : أحمد المصطفى أغنية " يلاك يا عصفور " :

يلاك يا عصفور نغني ليهو
أنا لي حبيب مغرم بغير عليهو
*
يلاك يا عصفور نغشى الخمائل
عشان نشوف حبي كالبانة مايل
راد قُربهُ منكَ ..وأحكي ليه عنك ..غرد بفنك
إن شاء الله يسمع منك ولي يجامل
*
قوم حكّم الأوصاف
أنا من عيونهُ بخاف
*
دمت سيدي وأنت المرهف الذي عرفناك ، عفيف السيرة ، نفي السريرة .
*

كتب الأستاذ عمر الفحيل عن لقاء ود القرشي بالشفيع في موقع الغرة الإلكتروني مقالا ضافيا نورد هنا مقتطفات منه
وعمر بجانب خبرته في الإعلام هو فنان موهوب وهو أول من غنى من الشباب للشفيع وود القرشي.

نتناول في هذا المقالة علاقة الشاعر محمد عوض الكريم القرشي بالفنان المطرب عثمان الشفيع والذي شدا بتلك الأشعار عبر أثير إذاعة أم درمان فتذوقها أهل السودان قاطبة. قطع الشفيع مئات الاميال من شندي إلى الابيض ليلتقي بشاعر تشاء الاقدار أن يكون معه ثنائيا أثرى وجدان الشعب السوداني قاطبة بأغنيات لا ينكر أحد أنها اصبحت الآن من صميم تراثه الفني الخالد.

عن ذلك اللقاء في مذكراته التي نشرها المهندس الكاتب جعفر محمد حامد في كتابه "صداح حاضرة كردفان – محمد عوض الكريم القرشي" و الذي صدرت طبعته الاولى عام 1999، يقول ود القرشي:
" ذات يوم أخبرنا حمد اب ورقة أحد تجار الابيض البارزين ومن مواليد شندي المتمة، أن صديقهم الفنان عثمان الشفيع سيزور الابيض لقضاء اسبوع مع أبناء المتمة. عثمان آنذاك كان الفنان المحلي لتلك المنطقة، ولم يعرف بعد في العاصمة كفنان إذ لم يكن قد قدم أغنية من قبل عبر الإذاعة. وصل عثمان الشفيع الابيض وكرمه أبناء المتمة بحفل ساهر جمع الكثيرين. كنت أحد الذين وجهت لهم الدعوة، ذهبت متأخرا الى مكان الحفل وقضينا أمسية ممتعة تجاذبنا فيها أطراف الحديث مع الفنان الزائر فكان أن أعجب جدا بقصائدي وألحاني، فعرضت عليه فكرة التعاون الفني بيننا وافق مشكورا في الحال وإكراما لصداقتنا مع أهل المتمة. قضى عثمان الشفيع وقتا ممتعا بالابيض وغادرنا الى الخرطوم وذلك بعد أن زودته بأغنية (القطار المَرَّ) وأغنية (دا مدلل سيبوه).
وصل الفنان عثمان الشفيع أم درمان وأشترك في أول سهرة في نادي الخريجين بأم درمان وقد كان ناجحا للغاية، وقد استعيدت وصلاته الغنائية أكثر من مرة ولما أصبح الصبح إذا بها على كل لسان وبعد مضي ثلاثة أو أربعة أيام سمع مجتمع الأبيض بل سمع السودان كله صوت الفنان عثمان الشفيع وأغانيه الكردفانية الجديدة"

هذه الملاحظات التي دونها القرشي بخط يده هامة للغاية. أولها أن صوت عثمان الشفيع قد انطلق عبر الإذاعة بعد زيارته للأبيض وإلتقائه بالشاعر القرشي الذي ذكر أن الشفيع جاء كفنان محلي من المتمة وليس عثمان الشفيع النجم الذي عرفناه. ثم تأمل في عبارة: " وأعجب جدا بقصائدي وألحاني" مما يؤكد الأقوال المتواترة التي تشير إلى أن ود القرشي كان يقدم قصائدة للمطربين ملحنة على طبق من ذهب... وليس أدل على ذلك من تلك الروح المتسقة والتجانس في اللحن في ثلاث أغنيات كتبها الشاعر و لم يغنيها الشفيع وهي (يلاك ياعصفور) التي غناها أحمد المصطفى و(حنتوب الجميلة) من أداء فنان ود مدني الخير عثمان وأخيرا (عدت ياعيد بدون زهور) التي سمعها السودانيون بصوت الفنان على ابراهيم اللحو ... ففي هذه الأغنيات الثلاث يبدو اللون اللحني لود القرشي واضحا.. وهي من أجمل ما غنى أولئك المطربون.

كتب سفيان ابوقصيصة :

اولا الشكر للاستاذ عبدالله الشقليني على هذا البوست...
مداخلتي هنا تتعلق باول اغنيه غناها الفنان عثمان الشفيع عبر الاذاعه كذلك احيائه لحفل نادي الخريجين ثم بداية علاقته بالشاعر والملحن محمد عوض الكريم القرشي، كما يرويها الفنان عثمان الشفيع بنفسه في برنامج كتاب الفن الذي كان يعده و يقدمه الاستاذ محمود ابو العزائم عبر اذاعة صوت الامه السودانيه، وهو برنامج كان يعنى بدور الاغنية السودانيه في صناعة التكامل القومي..
يقول الفنان الشفيع انه لما غنى في الاذاعه لم يكن يعلم مسبقا انه قادم على خطوة كهذي، اذ يذكر انه كان في زيارة صديقه صلاح الدين محمد سعيد الجمل بمدينة الخرطوم بحري الذي دعاه بدوره الى زيارة صديق بام درمان وهو حسين طه زكي مدير الاذاعه انذاك، ثم توجها سويا (الشفيع وصلاح الدين الجمل) الى الاذاعه حيث كان يعتقد انه في منزل الاستاذ حسن طه زكي (انا جاي على اساس انو دا البيت الجايين نقعد ونساهر فيهو) و كان (بيت الحقيقه عادي جدا ما فيهو اي حاجه تدل على انو دا غير بيت)..هنا دعاه الاستاذ حسين طه الى غرفة البث (فتح لي باب بتاع اوضه عادي جدا جدا دخلت فيهو...في يافطه صغيره مكتوب فيها سكوت..انا اترددت..الراجل دا عندو هنا عياده و لل ايه...) واعطاه تعليمات بداية البث (النور الاحمر دا لما ينور ليك انت ابتدي غني)...(وانا لا محضر اغنية وما عندي اي حاجه اقدما)...(وطوالي خطرت في بالي انو اغني انا الباسم الفتان احييت خيالي)...وكان هذا في العام 1943...
الباسم الفتان قدمها له الشاعر مبارك المغربي في زياره للفنان الشفيع لمدينة دنقلا وهي مجاراة لأغنية الشال منام عيني للفنان ابراهيم الكاشف ولم تكن مسموعه من قبل...
اذن اول اغنية غناها الفنان عثمان الشفيع عبر الاذاعه هي اغنية الباسم الفتان للشاعر مبارك المغربي في العام 1943..قبل التقائه بالشاعر والملحن عوض الكريم القرشي وكذلك كان حفل نادي الخريجين الذي كان لصالح نادي الزوارق والتجديف...
ثم التقائه الاستاذ ودالقرشي...

كتب عصمت العالم :

وفتحت تلك البوابات التى تدفق منها عطر تلك الانفاس .لتغرق الكون..بتلك الرؤى الجمال..
وبذلك الشهق الرطيب..المنعش والمفرح
ولقد شدى ود القرشى...
ورب الكون ..امر..
ولعلها الحالم سبانا..احب طرفه الكحيل....
وسطوة وسلطنة ومدارج ومدارك ود القرشى تتمدد وتنتشر وتغرق اطراف الكون .بذلك
النفس الطرب..وعذب الكلام والالحان...والانغام..ولقد عرف ود القرشى هو قبلة لزائرى مدينة الابيض
من كل الاطراف..فى ليالى انسه الجميله..وهو عرف بالوفاء لمجمع اصدقائه..ودعنى احكى لك هذه القصه...
فى 1955 اجتمع نفر من اصدقائه معه فى الابيض وكان قد تم نقلهم للمديريات الجنوبيه....كانوا شله..
جمعتهم الصداقه والعشره والطرب وعشق الجمال..كان من بينهم الفاضل الشفيع...واحمد سند...وعبد الباسط عبيد..
ليلها ادوا قسم الوفاء لبعضهم فى حالة حدوث اى مكروه لاحد منهم.على الباقين ان يعتزلوا المجتمع لفترة سنه...
وغادروا الى توريت..ووقع التمرد واستشهدوا فيه...فحمل ود القرشى رحاله ومعه تابعه...واتجه الى هيبان..ومكث بها
3 سنوات متصله اعتزل فيها الناس والمجتمع..واكتشف وجوده هناك مجموعة مفتشين من القاضئيه عندما تعطلت عربة الكومر
التى كانت تقلهم فى الطريق..ودلهم احد الاشخاص ان فى هذه المنطقه رجل من الابيض ..كان من بين المفتشين صديقه الاستاذ حسين يوسف
وذهبوا الى تلك المنطقه وفجئوا بانه ود القرشى الذى لم يعرف احد اين هو خلال تلك السنوات الطوال.....وطلبوا منه الرجوع الى الابيض...
والا سيجمعون كل اصدقائه ويأتون اليه هنا..ووعدهم بذلك..واخبرهم بانه كان يستمع لفنان جديد ظهر فى الاذاعه السودانيه..كان يقصد الفنان
الكابلى..وارسل له مع الاستاذ حسين يوسف قصيدة قابلنى يا هاجر....والكابلى كان وقتها يعمل بالقضائيه زميلا للاستاذ حسين يوسف..
قابلنى يا الهاجر...
هجرك اضرا..
طال..واستمرا...
امل عشقتو ..وراح..
وعشقت بعده الراح..
حبيبى..هجرك اضرا..

كان تأثير ود القرشي على الفنان عثمان الشفيع قويا جدا على مواصلة مشواره الفني واخذه منحىً صاعداً، فقد عانى الفنان الشفيع كثيرا لأتخاذه ذلك المسار لا سيما وانه كان العائل الوحيد لأهله بعد وفاة والده، وان الغناء لا يعدو ان يكون مجرد اشباع رغبه ولا بد ان ينتهي مفعولها عند الوصول الى تلك الحاله، الا ان اللقاء بالمبدع الشاعر الملحن محمد عوض الكريم القرشي كان البوصلة التي حددت الاتجاه الفني للمبدع الفنان عثمان الشفيع وجذبته اليه انجذابا، (والحقيقه يعني انا لغاية ما وصلت محمد في الابيض، ابداً ما كان عندي الفكره الل هي انو انا استمر اغني كفنان..)، فعند وصوله مدينة الابيض كان ضمن من قابلهم اضافة الى ابناء منطقته من المتمه والاستاذ ود القرشي، عازفي العود والكمان بشير عمر وعثمان زين الملازمان لمحمد عوض الكريم القرشي..(الاتنين بيعزفو عزف، في العاصمه هني يمكن عدد من الناس الكانو بيعزفو اعواد ممتازين..بشير كان يعني درجه اولى ممتاز في العزف في العود..)، ولكن كانت دهشته العظيمه عند سماعه غناء المبدع الاستاذ ود القرشي الى الحد الذي فاق خياله، في ان تجتمع الكلمة واللحن مع ذلك الصوت الجميل، (طلبت منو على انو اسمع غناهو دا زاتو..يلاك يا عصفور، حبيتوما حباني ويا فتاتي..)، الى ان قال الفنان عثمان الشفيع (انا ما كنت متخيل انوهذا الرجل يعني يقول الكلام دا ويكون صوتو في نفس الوقت جميل بالشكل دا..!)
وغنى عثمان الشفيع ما طاب له ان يغني مما حدا بالاستاذ ود القرشي في اليوم الثاني ان يشرع في نظم قصيدة رب الجمال.

المالك شعوري
انا لي فيك امال
رب الجمال
رب الجمال
رب الجمال كفاه
الناير سماه
الغامر رضاه
تلمس سر عظمته
وتهرب من لقاه

الا ان الفنان عثمان الشفيع ووفق ما كان مقرراً ان يمكث في الابيض اسبوعاً واحداً، او اقله، امتدت اقامته فيها الى شهر او اكثر...و (وجودي مع محمد في الابيض، يمكن يكون دا السبب الخلاني رجعت الى الاذاعه وجيت استعدلت الاذاعه واستعدلت الغنا..)
وغادر الفنان الشفيع الابيض، حاملاً معه رصيداً بأربع اغاني..(رب الجمال، يا جديدا في كل لحظه اشتاق ليك تكفيني لمحه، خداري ما بخلي....) ولم يتذكر الرابعه..!

فى مسيرة الشاعر الضخم ود القرشى محطات كان دائما قطار الجمال يغشاها ويتوقف فيها..وربما تصيب عجلات ذاك القطار تلك الحراره القصوى التى تجعل كل تلك العربات تتوقف ازمان تنتظر ان يفرج عنها لتعاود المسير.. وتنتظر ان يفتح لها السينافور...
ونغشى فى ذلك التوقف..تلك المنصات العراض..اعنى روائع ود القرشى التى صاغها كلمات يانعه مبهجه ومذهله .وثريه ومتدفقه..وحنينه ..ومنحها من فيوض الحانه ذلك التطريب وتلك الالحان البديعه...
رب الفن ....
تعال يا رب الفن يا سيدى..
وفيك نظمت الدرقصيدى..
تعال ..تعال...ااااا

رب الشعورااااا

المالك شعورى ..انا لى فيك امال..

رب الجمال....
اااااا

رب الجمال..رمز الجمال..
لى مين اشتكيكا...
انا المجبور عليكا..
كفاى الاحتمال..
رب الجمال.رمز الجمال..

ونواصل فى منصات انطلاق الشاعر الفنان ود القرشىاااااااا

كتب جعفر اسماعيل :

أخي الحبيب الأستاذ عبدالله الشقليني
لك عميق الشكر وأنت توثق لهذين العملاقين اللذين أثريا وجداننا بأجمل الألحان وأجمل كلمات الشعر الغنائي . لست أنسى أيام الدراسة بخور طقت الثانوية عندما يُسمح لنا بالذهاب إلى الأبيض أيام الجمعة فنجتمع وأصدقائي في مقهى (جروبي) ونستمع لأغنيات الشفيع من مسجل المقهى ..يا لها من ذكريات عطرة .

انت الملاك السامي يا رب الشعور
أحييت قلوبنا
كانت سويعات ملكت شعورنا
كم كنت بينا ونشتاق تزورنا **

حيث انت بدر الكل يا باهي نورنا
ونورت دورنا وبعدت عنا **
انت الحبيب اللي احبابو منا
انت الأليف الما جار او تجنى **

لله يا الهباش صورت جنه
فياحة بالحيا والحب والمحنه **

لمتين تجينا نتبادل الأشجان وبلقاك نفرح
في بهونا الشفاف يا روحي نمرح
مزمارنا يا داوود فاق واصدح
عهد الرشيد عدناه وكنا أمرح**
_________
**الراحل باهي نور والهباش من الأصدقاء المقربين للشاعر ود القرشي **
كنت استمع لهذه الأغنية قبل الذهاب إلى السرير مساًء فأنام نوما عميقا .

تحياتي ومودتي

دعنا نتفق مكامن مواجع الرسم بالكلمات يلتحف دائما مخمل ترف حنو وحنية رعش الاحساس...
وقتها تكون تركيبة الكلمات قد خمرت على نسج نفح فيه ابتداء وابتراد..تغلفه حواشى دفء الاحاطه
فى الليم وفى رفقة الزمن وفى طلاع النضارحين تشرق فى تعالى عطائها .فنغمر.وتبهر..وتحتل
وتسافر بثقل الكون على تلك الاجنحه الرقاق....وودالقرشى تشربت رعشاته بفيض كل البراءات الجمال..
.وهو يسبح فى ملكوت استشعاره تساقط عليه الكلمات من منابعها الجمال..بسيطة التركيب.سهلة التكوين.
مرعشة..منعشه حنينة فياضه شامله مؤثره..ورقيقة دفيقه.تخترق استار الدواخل وتحرك المشاعر وتطوف بخفة العشق ودل الدلال...
وتردد مسارب الاحساس فى انعاش يتحور ويتجول..ويسرح فى اعتلاء افاق عراض....
يا حليلو .ريدنا النبيل...
لتبقى اقيونات السؤال الحائر....المستدام....
هل من عوده .ليا...؟؟؟
لتبقى مسافات مساحات الهجر فى سفرها الطويل معلقة على احاطة كل ذلك التمنى التوقع...ورنين جرس الحدث...
يجلجل فى بيداء النفس ...فى رجاء التمنى المستحيل...لتبقى المشاعر هى هى بما تحمله من ود ووفاءوانتماء..
بيكاسو الفنان...
الامثله كثيره فى سفر مناجاة الشاعر الضخم ودالقرشى وهو ينسج الوشائج والمحبه والرفقه والصداقه فى زمن عمر..
كانت فيه لطوائف المجتمع ذلك الرونق الجمال...وهوفى محفل تواجده حيث يجتمع عيون ا لمجتمع وكبار الموظفين
وناس الاداره والفنانين..ويضمه ليل السهرالطويل..حيث تشرق كواكب ونوم ليل ذلك التجانس الانسجام..وحيث تفرخ المشاعر عن كل تلك الاغنيات..
الشاعر محمد عوض الكيم القرش..سيظل هو ذلك الفيلق الركاب...فى قصائده الاغنيات تجد كل انواع ومعارف وطرب.وانتماء.وتوحد
والنزام وفن.....وربط قومى فريد....
ولعل ..
احبابنا وين الليل.....فى اى ليله...!!!
ستظل هى اجراس ذلك النداء المتصل....
كثافة الاعزازاااااا

الأستاذ / الفنان المطرب " عثمان الشفيع " وهو في صورة ضوئية يعزف العود قبل الحادث الذي أدى لبتر ذراعه

الحادث الذي أدى لبتر ذراع المطرب ( عثمان الشفيع ) (1)

كان لحادث بتر يد المطرب الفنان " عثمان الشفيع " كبير اثر في الستينات ، وقد كان المطرب يتغنى بآلة العود ويُلحِّن بها ، في شراكة مع الشاعر والملحن " محمد عوض الكريم القرشي " . ونورد هنا نص الحوار الذي أجراه " ميرغني البكري " في ذلك التاريخ السحيق من الستينات الذي صدر في أحد أعداد مجلة " زهرة الأغاني " ونأتي به هنا للتوثيق :
حوار أجراه الأستاذ ( ميرغني البكري ) :

لقد كان لخبر الحادث الليم الذي تعرض له فنان القلوب عثمان الشفيع . رنت حزن أصابت الوسط الفني ولم يفق منها بعد .. كما أن خبر بتر ساعده كان هو الآخر له وقع الصاعقة في قلوب معجبيه واصدقائه ، ولم لا ؟! فالشفيع العصفور المغرد لم يكن فناناً ألهب المشاعر فحسب ، ولم يكن أيضا فناناً غنى للوطن والوطنية فقط . وأيضاً لم يكن مطرباً مجدداً ، غنى وأجاد وابدع وكفى ، إنما بجانب هذا ، وفوق ذاك فقد كان إنساناً ألوفاً صديقاً للجميع محبوباً لديهم ومفضلاً عندهم ، لهذا عندما فاح الخبر وجَمَ الكل وبكوا في حسرة ولوعة مشفقين على مصيره .
ونواصل
*

الحادث الذي أدى لبتر ذراع المطرب ( عثمان الشفيع ) (2)
ويستمر الأستاذ ( ميرغني البكري ) في حواره مع المطرب عثمان الشفيع :

وبعد ، فإن الحادثة التي تعرض لها هذا الفنان لهي حادثة أليمة مفجعة لو أصابت اي كائن من كان لترنح وسقط منهاراً ، ولكن الجميل والأمر الذي يدعو للمفخرة ، أن الشفيع بشجاعته وصبره قد استطاع أن يجتاز المحنة بسلام .
ولكي نرضي تساؤل معجبي وعشاق وأصدقاء الفنان الذي غنى للوطن وللجدود ، وللملامة والقطار والذكريات ، فقد حملتُ جانباً من الأسئلة التي تدور في الخواطر يصحبني المصور " غالب رخا " وذهبنا إليه في حجرة الألم بمستشفى الخرطوم .
ومن ثم كأمر لابد منه ، فقد جرت الدردشة فكان أولها هذا السؤال :
س :
لقد كنت أعرف حين أصبت بأنك من المفروض أن تكون بالعاصمة لتصحب زملاءك في رحلاتهم الفنية للأقاليم لصالح شهر الجنوب ، فيا تُرى ما الذي جعلك تسافر فجأة إلى شندي ؟
ج :
والله تقدر تقول أقدار وقسمة ونصيب ، فلقد كنت بالفعل متأهباً للسفر مع زملائي ولكن حدث أن تلقيت نبأ من العائلة بشندي يفيد بوفاة زوج خالتي ، لهذا كان من الواجب ذهابي أولاً للتعزية ، وثانياً للمشاركة في المأتم ، فالتقاليد تحتم ذلك .
*

الحادث الذي أدى لبتر ذراع المطرب ( عثمان الشفيع ) (3)
ويستمر الأستاذ ( ميرغني البكري ) في حواره مع المطرب عثمان الشفيع :

س :
المعروف أن أسلم الطرق التي توصل إلى شندي هي القطار ، القطار الذي تغنيت به أبدع أغانيك ، فلماذا لم تستقله بدلاً عن " اللوري " الذي انقلب بك وتسبب في هذه الكارثة الأليمة ؟
*
هنا ضحك الشفيع ابو اللحن والنغم وطبعاً كانت ضحكة ساخرة متشحة بالألم وأجاب :
ج :
أهي دي براها يمكن أن تسميها إحدى تصرفات القدر ، لأنه مما تحركت من المنزل في صباح تلك الجمعة 17/7/ 1967 م ، ونيتي أن استقل القطار ، ولم أفكر ، ولم يخطر ببالي أن أستقل " لوري " أو خلافه ولكن حدث وأنا في طريقي إلى المحطة بأن وجدت ذلك اللوري متأهباً للسفر إلى " شندي " . ومن ثم غيرت رأيي وتركت فكرة السفر بالقطار ، وفضلت أن أستقله من أجل أن يوصلني في وقت مبكر ، وهكذا نقدر فتضحك الأقدار ، وصدق من قال درب السلامة للحول قريب .

الحادث الذي أدى لبتر ذراع المطرب ( عثمان الشفيع ) (4)
ويستمر الأستاذ ( ميرغني البكري ) في حواره مع المطرب عثمان الشفيع :

س :
الحقيقة أنا عاوز أتابع الموقف خطوة بخطوة ، لهذا أريد أن أعرف ماذا كنت تفعل بالضبط عندما انقلب اللوري ؟
ج :
منذ أن بارح اللوري " بحري " وسيره الطبيعي للغاية . لهذا فقد اطمأنيت ، ورحت في نوم عميق نتيجة للإرهاق والسهر ولم اصحو إلا عندما اتقلب اللوري ، وكل حمولته على يدي اليسرى التي كانت بخارج سيخه ، والحادثة وقعت ما بين محطتي " الميجا" و " بانقا" .

واستطرد الشفيع قائلاً :
ولولا مرور القطار ووقوفه عندما شاهد سائقه الحادثة ،لما أُنقذ أحد من الذين اصيبوا ، والغريب أن هذا القطار كان هو نفس القطار الذي " أبيت " أن أستقله .؟!

الحادث الذي أدى لبتر ذراع المطرب ( عثمان الشفيع ) (5)
ويستمر الأستاذ ( ميرغني البكري ) في حواره مع المطرب عثمان الشفيع
س :
نعود لقصة الألم مرة أخرى ، فالكل يريد أن يعرف ما هي الأسباب التي أدت إلى بتر يدك .. أهي نتيجة كسر ، أم أن هناك أسباب أخرى ؟
ج :
بالضبط الحصل أنه ما أن وصلت العاصمة حتى أجريت لي إسعافات عاجلة ، ومن بعدها بدءوا في إجراء كشف دقيق لمعرفة أسباب الآلام التي كنتُ أشكو منها ، وفي هذه الأثناء بدأت يدي تكف عن الحركة ، كما أن لونها بدأ يسود حتى شارف لون الفحم ، وبعد مجهود شاق وبحوث عديدة اتضح لهم أن الأسباب التي كانت ناتجة عن أحد الشرايين التي تقطعت حين سقوط اللوري ولم تجر بها خياطة في حينها ، ونجم عنها هذا الألم .. ومن ثم لم يكن هناك أمل للعلاج ، فقرروا بترها .
*

» أغاني الحماسة والسيرة ( توثيق ) - د. أحمد القرشي
» وفاة الشاعر / الحاردلو
» الشاعر / صديق مدثر ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟