جاء محمد ود الفكي إلي أم درمان من منطقة غنية بالنغم، وفي قلبها مدينة
كبوشية التي يجوز أن نطلق عليها عاصمة الغناء إذا جاز التعبير، فهي مدينة
عريقة في فنون الغناء والطرب. وإلي جانب فنون الغناء فإن المنطقة غنية
بالمدائح النبوية، والإنشاد، وفنون الدوبيت قولاً وتطريباً.كما أن
الشيخ محمد ود الفكي بحكم نشأته الدينية (علماً بأن والده الفكي بابكر كان
فقيهاً متمكناً ذائع الصيت، وقد ساءه انصراف ابنه للغناء) علي دراية بفنون
التجويد وضبط الأصوات ومخارج الحروف. قد استفاد ود الفكي من هذه الحصيلة
من ناحية، ومن ناحية أخري أفاده عدم الانتماء إلي إحدي المجموعات القبلية
في العاصمة أن يصبح مطرباً عاماً، وهو بالتالي أول مطرب سوداني يخرج من
إطار الانتماء القبلي إلي رحابة الانتماء القومي. وقد اعتمد ود الفكي في
بداية مشواره الفني علي ما حمله معه من فنون النغم وجاء به من منطقته
كبوشية، ثم سرعان ما سعي إلي التجديد متعاوناً مع شباب العاصمة الذين
يعبرون عن روح عصر جديد، ومن هـؤلاء يوسف حسب الله ومحمـد عثمان بـدري
وإبراهيم العبادي.ويثبت الأستاذ السر قدور أن ود الفكي أصبح بعد
فترة مطرب المدينة الأول، وطور أسلوبه في الغناء، واتخذ لنفسه أسلوباً
وسطاً بين ألحان الغناء الشعبي وألحان المدائح النبوية. وقد تأثر في هذا
الأسلوب الجديد بالبيئة النغمية المتنوعة في أم درمان. وبدأ الشعراء
الشباب يؤلفون له الرميات الجديدة. وكان أكثرهم إبداعاً في هذا اللون
الشاعر محمد ود الرضي الذي طور أسلوب الرميات فجعل كل مجموعة منها تمثل
وحدة فنية (عضوية) بعد أن كان المطرب يقدمها متنـاثرة وأحيـاناً متنافرة.
ومـن أشهر رميات ود الرضي «طابق البوخة»:طابـق البوخـةقام نـدا يهتـفنام من الدوخـةإيـده عاقباهـوالجدلة مملوخـةلي معالق الجوفموسة مجلوخـةوتمثل
الرميات الإيقاعية التي استخدم فيها ود الفكي إيقاع العصاية أو النقر
بالعصاية المرحلة الثانية في تطور فنه الغنائي. وقد شارك في هذه التطور
شعراء كان لهم القدر الأكبر في ميلاد الأغنية السودانية، يأتي في طليعتهم
العبادي وأبو صـلاح وعمر البنا، ولا تزال قصائـدهم الغنائيـة هي الدرر
الغوالي في التراث الثري لحقيبة الفن.