فرعون الأغنية السودانية يقلب أوراق السياسة والفن..
السبت, 04 فبراير 2012 09:21
حاورة: عبد الرحمن جبر: تصوير سفيان البشرى
فنان كبير ترك بصمة واضحة لا تخطئها عين، امتد عطاءه الوطني والعاطفي وشمل كل الأجيال، أُطلقت عليه العدد من الالقاب منها (الأمبراطور) و(الفرعون) وغيرها، لكنها أقل قيمة مما قدمه لهذا الوطن، فيكفي ذكر اسمه فقط حتى تهتز كل القلوب والعقول.. إنه الفنان الكبير الدكتور محمد وردي هذا الهرم الغنائي العملاق.. (آخر لحظة) جلست إليه بمنزله وأتحفنا بكرمه الفياض في الاستقبال، وكرم آخر في الرد على كل الأسئلة الساخنة بشجاعة يحسد عليها وليست غريبة عليه فهو محمد وردي وكفى.. أدرنا معه حوار مطول جمع بين الفن والسياسة وغيرها من المواضيع التي تهم الساحة الغنائية في السودان.. فكانت ردود الفرعون وردي على النحو التالي:-
لفن بصفة عامة رسالة في مختلف المجالات.. ماهو الدور الذي لعبه الفن تاريخياً من أجل استقلال السودان عبر الأغنية على مدى الحقب السياسية المتعاقبة؟
- رسالة الفن هي التعبير عن واقع الناس، بمعنى أن الفن لا يمكن أن (يعرض خارج الدلوكة) ويكون في حسبانه مشاكل وهموم الناس ورؤيتهم للمستقبل وتعميق روح الأمل عندهم، واستمرار الفن يطالب بالتقدم.. لذلك يعتبر الفن ناقد لا يرضى بواقع الحال أياً كان.. وكان للأغنية دور كبير عبر تاريخ السودان لمقاومة المستعمر من مهيرة الشايقية ضد الاستعمار التركي التي غنت «يا الباشا الغشيم قول لي جدادك كر»، وحسن خليفة العطبراوي غنى «يا غريب يلا لي بلدك»، وغيرها من الأعمال، وأنا لم أمارس الغناء في تلك الفترة لكن الفنان السوداني تغنى لجنود الوطن وللبلاد وهذا يؤكد مواكبة الفن لجميع ظروف الوطن.
الفن بمختلف دروبه.. هل تعتقد بأنه أدى رسالته في المجالات الأخرى؟
- نعم الفن ساهم في مختلف قضايا الوطن من تنديد القبلية، ومساندته لمؤتمر الخريجين قبل الاستقلال بالغناء والمال، وهكذا كان الفن في السودان يساهم في جميع المؤسسات الخدمية.
السياسة والفن.. أوجه الشبه والقواسم المشتركة والخطوط المتباعدة؟
- أنا ضد الفنان السياسي المباشر، ولكن لا يوجد أي فاصل بين الفن والسياسة لأن السياسة في الأساس عبارة عن «صحن فول ورغيف العيش»، فالشعب يكافح من أجل لقمة العيش والتعليم والعلاج وغيرها والفن هو تعميق هذه المطالب، وهناك من يتحدث عن أن الفن ليس له أي دخل بالسياسة وهذا (مغفل) فالفن تنويري وتثقيفي لذلك يجب أن يشارك في جميع ظروف وأحول البلد.
هل تعتقد بأن من حق الفنان أن (يضرب) أو يتوقف عن عطائه لأي أسباب سياسية أو غيره؟
- التوقف الفردي مرفوض، ولكن اتحاد الفنانين لو له أي رأي أو مشاكل أو مواقف مع الدولة وأجهزتها الإعلامية التي تجحف في حق الفنانين عليهم أن (يضربوا) عن العمل كما (أضربوا) في السابق ضد الإذاعة والتلفزيون.
نصيب الأغنية (الوطنية) ضئيل جداً مقارنة بالأعمال العاطفية؟
- الأغنية الوطنية لا تعني الغناء للوطن في المناسبات وهذه النوعية من الغناء تحتاج لصدق، ولا يستطيع أي فنان التعبير وإلهاب مشاعر الشعب، فمن لا يملك هذه الخاصية فاليمتنع عن الغناء للوطن حتى لا تكون الأغنية الوطنية ركيكية وسهلة الكلمات والألحان بمعنى (مضيعة للوقت)، وعلى مدى تاريخ الأغنية الوطنية في السودان كانت تلهب أحاسيس ومشاعر الناس، فأنا مثلاً حضرت ثورة أكتوبر وثورة أبريل والأغنية الوطنية كان لها دور كبير جداً في المشاركة وسط الشعب، فعندما أُجبِر الرئيس السابق إبراهيم عبود بالتنازل عن السلطة تغنيت «أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باقِ» واستمرت أناشيد أكتوبر من «شعبك يا بلادي» و«أكتوبر الأخضر» وغيرها وكلها أعمال من مواليد ثورة أكتوبر.. وفي ثورة أبريل تغنيت «بنبنيو البنحلم بيهو يوماتي» و«يا شعباً تسامى» و«عرس السودان» و«وطنا بي اسمك كتبنا ورطنا» و «عرس الفداء» و«يا شعباً لهبت ثورتك»، وهذه الأناشيد الوطنية تركت أثر كبير جداً في الشعب منذ تلك الفترة وحتى الآن.. فعندما يكون الفنان صادقاً ولديه معرفة بوطنه.. تاريخه وجغرافيته وحياته واجتماعياته يتعمق في الغناء للوطن، ولكن لا أعتقد بأن أي فنان يستطيع أن يفسر علاقته بالثورة وبالجمهور.
مقاطعاً.. هل تعني بهذا الحديث أن الغناء للوطن يحتاج لنوعية خاصة من الفنانين؟
- نعم.. لذلك محمد الأمين كان ظهوره في ملحمة ثورة أكتوبر ولكن لا تستطيع أن تحسب الآن أي فنان آخر كان له الحمية والوطنية في التعبير عن الثورات.
رأيك في الوضع السياسي الراهن؟
- الوضع السياسي الحالي أدخل شمال السودان في مطب، أولاً التقسيم الذي حدث في الجنوب والذي ظهرت آثاره بوقف البترول والتحرش الموجود بين الشمال والجنوب ومشكلة دارفور ثم جنوب كردفان والنيل الأزرق، فعدم المرونة في سياسة النظام الحاكم أدخلت السودان في أمر ضيق فمهما إدعى النظام بأن الحالة مستقرة فهناك ظواهر تدل على أنهم غير قادرين على وحدة البلاد ولا على علاقتنا مع الجيران ولا التقدم للأمام.
هل قدمت أي تنازلات سياسية أم رأيت أن الحالة العامة قد تحسنت سياسياً؟
- انفعل شديداً وقال: أتنازل لمن وعن ماذا..!! فأنا يا عبد الرحمن لم أعود للوطن من أجل النظام ولكن لإجراء عملية تغيير الكُلى، ودعوتي للجلسة في منزل الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين فهو من بلدياتي وأنا أقدره وأحترمه كثيراً، فقد ضمت الجلسة السيد رئيس الجمهورية وعدد من الوزراء وكانت جلسة عادية لم أقدم فيها أي تنازلات ولم يكن فيها أي خلاف أو وفاق بيننا إلى أن جاءت ظروف الانتخابات الأخيرة والتي أعلنت فيها موقفي بالتصويت لياسر عرمان ولكنه انسحب، فالحكومة أخذت موقفي هذا بأنني أقف ضدها ولم تحترم حرية ارادتي.
مقاطعاً.. أثارت علاقتك مع الراحل جون قرنق والحركة الشعبية العديد من التساؤلات والاستفهامات.. ما سر هذه العلاقة؟
- الراحل جون قرنق صديق عزيز جداً وفقده السودان كثيراً ولو كان موجوداً لتغيَّر الوضع الحالي، وليس عيباً أن أنتمي للحركة الشعبية لأنها حركة لتغيير السودان القديم لسودان جديد وأنا مؤمن جداً بهذا الطرح.
هل ترى بأن المناخ الحالي ملائم للتعبير بحرية أم أن هناك تحفظات؟
- أبداً لا توجد أي حكومة شمولية تستطيع إعطاء حرية الرأي كاملة فالرأي رأيها، بدليل أن هنالك الآن مسألة ايقاف الصحف، ومسألة جذب الفنانين لها، ويكفي أن قانون مجلس المهن الموسيقية والمسرحية تمت إجازته ووضعت قياداته من فنانين منتمين للنظام مثل علي مهدي وصلاح مصطفى وعبد القادر سالم، والنظام الحاكم وضع هذا المجلس ولكن اخترقه بنفسه بدعوى أن القانون هو لحماية الملكية الفكرية، ولكن مع ذلك الادعاء أتوا بفنانين في عيد الاستقلال استباحوا اغنياتي وأنا موجود، وسبق أن تغنيت في عيد الاستقلال الماضي ومنحني رئيس الجمهورية وسام الانجاز والجدارة، فهل شخص يحمل وسام الجدارة تنتهك حقوقه الفكرية والمادية وياتوا بفنانين يرددوا أعمالي دون استشارتي مثل كورال كلية الموسيقى والدراما وسيف الجامعة وعصام محمد نور وعمار السنوسي وغيرهم، وبصراحة أكثر هذا القانون كذب واضح.
مقاطعاً.. هل تعني بهذا الحديث أن مجلس المهن الموسيقية والمسرحية غير صالح للدفاع عن حقوق الفنانين؟
- نعم.. فالفنان لو لديه أعمال غنائية وجمهور لا يرتضي اطلاقاً بأن يكون موظفاً، فقيادة مجلس المهن الموسيقية والمسرحية الحاليين يتقاضون أجرهم من الحكومة ولو كانوا يمتلكون أي شعبية أو قاعدة جماهيرية لما ارتضوا لأنفسهم ذلك، بل كان الأجدر بهم أن يتقاضوا أجورهم من أعمالهم الغنائية ولكنهم (مفلسين) فنياً، فأي موظف يستطيع أداء علمهم هذا ولكن ليس الفنان لأن الفنان يعتمد على فنه وابداعه وعطائه وتقدير الجمهور له.
صرحت من قبل وعبرت عن غضبك في ترديد أغنياتك الوطنية من قبل بعض المطربين في أعياد الاستقلال؟
- نعم.. وهذا (إفلاس)، فاذا كان الفنان لا يستطيع الغناء لوطنه منذ الاستقلال وحتى الآن ويستعين بأعمال الغير بدون أي (خجل) فما معنى ذلك غير (إفلاس فني)، وثانياً تشجيع الدولة لهذه المسألة هي إنتهاك لحقوق فنان أعطى الوطن الكثير ولديه القدرة على العطاء أكثر والزمن كفيل باظهار الحقائق أما الزبد فيذهب جفاء.
هل تعني بهذا الحديث بأنك سوف تتجه لمقاضاة كل المطربين الذين تغنوا باعمالك؟
- نعم كلهم بما فيهم الدولة.. لسماحها بهذا العبث السخيف.
دور المطربين كان ضعيف في تعزيز الوحدة قبل عملية الانفصال بين الشمال والجنوب؟
- لم يكن ضعيفاً بل كان غائباً تماماً ولم يظهر لهم أي دور، بل بالعكس هنالك فنانين هللوا وفرحوا كثيراً بالانفصال وشاركوا الصحفي الطيب مصطفى أفراحه بذبح الثيران وتغنوا لذلك ومنهم أعضاء في مجلس اتحاد الفنانين وهذا شيء مؤسف للغاية بل يعتبر من أسوأ ما فعله الفنانين في تاريخ السودان لأنهم فرحوا لتقسيم وطنهم.
قيام وزارة خاصة بالثقافة.. هل خدم القضايا الثقافية أم أنها كانت اسماً على غير مسمى؟
- ليس هناك أي تقدم تحرزه هذه الوزارة ولا تمتلك أي تخطيط لاعطاء الفرصة للمبدع الحقيقي من أجل إبراز أعماله، وأعتقد أن عمل هذه الوزارة هو (عبث) واستهانة بالإنسان السوداني كمستمع وكمثقف.
هل تعني بهذا الحديث أن وزارة الثقافة الاتحادية لم تقوم بالدور المنوط بها حتى الآن؟
- ضحك وقال ساخراً: أنا لا أعرف الدور المناط بيها شنو..!! ولا هي ذاتها شنو..!! فهل هي وزارة شكلية فوقية..!! هذا الوزارة لم تخدم الفن في شيء.
عفواً محمد وردي.. وزارة الثقافة الاتحادية أقامت الأماسي الموسيقية في الخرطوم وأم درمان.. ألم تخدم هذه الخطوة الغناء في شيء؟
- هذه الأماسي «كلام فارغ» ولم تخدم أي شيء، فماذا قدمت.. وماهو الإبداع الذي حوته.. وما السبب الحقيقي من قيامها.؟ فهي عملية دعاية من وزير الثقافة لنفسه، فهل سمع الناس إبداع في تلك الأماسي، وهل قدمت بها أغنية جديدة رسخت عند المستمع، وكلها دعاية فارغة وأهدرت أموال الدولة، وكنت أتمنى أن تصرف هذه الأموال في الابداع الحقيقي ولكنها تصرف على كل من هبَّ ودبَّ.
هاجمك أحد أئمة المساجد في الأيام القليلة الماضية وأتهمك بالكفر وغيره؟
- إمام المسجد كاذب، فأنا لم أرى في حياتي إمام مسجد يصلي بالناس ويكذب، فقد قال إن وردي بلغ سن الـ (90)، وأنا عمري (79) عاماً، وأعطاني (11) عاماً مجانية (كتر خيرو)، واتهمني بالمساهمة في (أعياد الكفار ويقصد أعياد الميلاد)، فنحن نعترف بسيدنا عيسى عليه السلام كنبي، فعلى ماذا الهجوم إذن..!.. فأنا تغنيت في أعياد الميلاد خاصة وأنها تصادف أعياد الاستقلال، فالمسيحيين أخواننا في الوطن ولم تكن هناك أي مشكلة في التعايش بيننا على الاطلاق، فنحن نشاركهم أفراحهم وأحزانهم لتعميق الأخوة والمواطنة، ومثل حديث إمام المسجد غير الموفق هذا يخلق فتنة.
تقصد بهذا الحديث بأن هناك أيادي خفية تحارب الغناء؟
- نعم.. وإمام المسجد الذي هاجمني هذا «عينة» منهم، وقبل ذلك جاءت جماعة أمام مبنى اتحاد الفنانين (وشتمونا)، ولكن إذا كان هؤلاء كفروا الإمام الصادق المهدي..!! فهذه جرأة غير عادية.
ما رأيك في اتجاه عدد كبير من الفنانين لتجربة المديح النبوي الشريف عبر قناة ساهور الفضائية وإذاعة الكوثر؟
- هذه فوضى وعبث وتقليل من قيمة القداسة الدينية، فقد عرضت ساهور والكوثر مدائح عديمة القيمة وجه الشبه فيها كيفية كسب المال بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمديح للمصطفى عليه السلام «عندو ناسو» لأنه يحتاج لقدسية وخشوع وليس تغني وتنشد مدائح بألحان أغنيات مثل «القمر بوبا» و«سمسم القضارف» واحدهم يمدح ويقول «رسول ذي ده اصلوا ما شفنا» فهذا تقليل من قيمة القداسة الدينية، فأنا عندما استمع لأولاد الماحي يمدحون الرسول صلى الله عليه وسلم أشعر وأحس بصدقهم في حب الرسول ولكن حب «القروش» ظاهر عند الآخرين.
مقاطعاً.. هل تعني بأن قناة ساهور وإذاعة الكوثر ساهمتا في تدني الذوق العام للاستماع للمدائح النبوية الشريفة؟
- نعم.. فقد هبطت بمستوى المدائح النبوية ومستوى التذوق لها، وهي تعمل على تدني هذه الرسالة العظيمة بأعمال «هشة وغثة»، وأنا لا أدري من أين تأتي قناة ساهور وإذاعة الكوثر بهذه الأموال التي تصرفها على أشباه الفنانين الذين فشلوا في الغناء فأتجهوا للمديح وفشلوا فيه أيضاً، وهذا سؤال محير، فقناة ساهور وإذاعة الكوثر تهبطا بالرسالة وعلى النظام الحاكم إيقافهما فوراً .
بمناسبة القنوات الفضائية.. بصراحة شديدة أصبحت تتجنب استضافتك لارتفاع أجرك المادي؟
- نعم.. ولكن الواضح أن بعض القنوات (أفلست) لأنها قامت بدون تخطيط، فأنا لم أسجل طوال الفترات السابقة عمل كبير إلا في قناة الشروق بعد أن أوفت بالتزاماتها المادية تجاهي، والآن أنا بصدد أن أسجل لها كل أغنياتي الوطنية من الأول إلى الآخر وهذا سرد لتاريخ السودان الحديث.
الساحة الفنية الآن بعيون محمد وردي؟
- ليست مثل السبعينيات أو الثمانينيات، ولم يحدث قبل الآن أن يُجلد الفنان بقانون النظام العام بسبب تصاديق الحفلات، وهذا الفعل سبب إرهاب للفنانين، بالإضافة إلى أن هناك فبركة في قانون حقوق الملكية الفكرية، فالقانون الذي تقدمنا به عام 1986م رفضه الوزير كمال عبد اللطيف ووضع القانون الحالي، فمشكلتنا الأساسية مع الإذاعة والتلفزيون فكيف تحل لأن هذه الأجهزة هي الخصم والحكم في نفس الوقت، وهناك (بلبلة كبيرة) في القانون، فهو قانون مزيف ومن وضعوه أخترقوه ولم يحترموا الإبداع الفكري للفنان.
انتشرت في الآونة الأخيرة الإساءات بين المطربين على صفحات الصحف بصورة لا تشبه الفن وأسلوب الفنان؟
- ديل ما فنانين، فقط يرفعوا أصواتهم في الصحف وليس لديهم أعمال فنية يتحدثون عنها، وهذا فراغ إبداعي وسقوط، وهؤلاء فنانين غير مؤدبين ينشروا غسيلهم ال######.
بصراحة.. أنتم متهمين بمحاربة الفنانين الشباب وكادت أن تنعدم عملية تواصل الأجيال؟
- «أنا لا أحارب أحد» وأسعى لتواصل الأجيال لضرورته، واتجهت لذلك بنفسي لمساعدة الشباب ولكن بعد تمحيص دقيق جداً لم أجد فنان شاب أفضل من طه سليمان لأنه صاحب صوت رائع وأداء رائع وتطريب عالي جداً لذلك تعاونت معه بالألحان، فتواصل الأجيال لم ينعدم وما أقوم به مع طه سليمان هو جزء من هذا التواصل، ولكن بصراحة إنعدم التواصل في أشياء كثيرة ومجالات عديدة.
وردي قلت من قبل بأن الأصوات الغنائية النسائية الموجودة حالياً ضعيفة جداً؟
- نعم.. ومازلت عند رأيي، فالأصوات النسائية الحالية تحتاج لتربية صوتية وهي أصوات غريبة، وللأسف الشديد هذا لا يحدث إلا في السودان، فالصوت الجميل هو الصوت المدرب الذي يعرف المقامات التي يغني فيها والتي تتناسب مع صوته وللأسف هذه المعرفة غير موجودة.
الألقاب التي أطلقت عليك وأنت أهلاً لها مثل «الأمبراطور والفرعون والعملاق» وغيرها.. هل كنت تحلم بالوصول إلى ما أنت فيه الآن من نجاحات؟
- لكل مجتهد نصيب، فكل تلك الألقاب أطلقها عليَّ الجمهور إلا لقب (الفرعون) الذي أطلقه عليَّ صديقي العزيز الأستاذ الراحل حسن ساتي ويرجع سر هذا اللقب للعلاقة التاريخية بالفراعنة فهم جزء من تراثنا النوبي، وأنا لست مثل مغنواتية اليوم الذين يطلقون الألقاب على أنفسهم.
من تقصد بالمغنواتية الذين يطلقون الألقاب على أنفسهم؟
- مثل أحمد الصادق، فماذا قدم هذا المغنواتي، فهو عديم إبداع ولم يقدم شيئاً حتى الآن وهو نتاج عن تدني الذوق العام، وكما يقال «هذا عطاء من لا يملك لمن لا يستحق».
ألا تعتقد بأن هناك اختراق للثقافة السودانية من قبل المطربين العرب وفُرضَت علينا؟
- نعم هناك اختراق للفن والثقافة السودانية بدليل أن الآن أصبحت (العروس) السودانية تزف بزفة على الايقاعات المصرية والغربية وغاب الفن والتراث السوداني، ولذلك يجب أن نقف ضد الاختراق الثقافي ونغلق الأبواب في وجهه.
هل تعني بأن لديك أفكار جديدة لذلك..تُرجِع طريقة الزفة السودانية لأصلها؟
- نعم.. نحن نمتلك من الايقاعات السودانية ما يكفي لصنع وعمل زفة العروس، واشتركت في ذلك مع الشاعر اسحق الحلنقي في إنتاج عمل جديد بايقاعات «السيرة» ونال إعجاب الجمهور، وذلك لوقف التغول الأجنبي وحماية التراث السوداني.
من واقع خبراتك الفنية الطويلة.. كيف ننقل الأغنية السودانية للخارج؟
- وسائل الإعلام التي تنقل الفنان المحلي للخارج ضعيفة جداً وليس لديها أي اهتمام بالمبدعين، والفنان السوداني الجيد ينجح في أي مكان مثلما نجحنا نحن في أفريقيا، ولدينا تراثنا الحقيقي ولكننا لم نوجه ثقافاتنا في الاتجاه الصحيح فنحن أفارقة أكثر من عرب لذلك يجب أن نوجه أعمالنا صوب أفريقيا.
رأيك في برنامج (أغاني وأغاني)؟
- لا أعتقد بأن هناك ضرورة لهذا البرنامج فليس لديه أي وجود، فما معنى أن يحضروا فنانين لترديد أعمال الفنانين الراحلين أو الحاليين فأين أعمالهم الخاصة.!
ألا تخاف من أن تخلق لك هذه الردود والاجابات الملتهبة أي عداوات؟
- أولاً أنا لا اخاف على الإطلاق، والأهم من ذلك أن الحقيقة عمرها ما كانت مخيفة، وأنا أتحمل نتيجة وتبعات كل ما قلته.
أخيراً الفرعون محمد وردي ماذا تود أن تقول؟
- أولاً أنا أشكر صحيفة (آخر لحظة) لشجاعتها، وأشكرك أنت بالأخص يا عبد الرحمن فقد نشرت لي من قبل أحادث وتصريحات كثيرة وهذه هي رسالة الصحافة الحقيقية بدون أي تزييف أو خوف لذلك أشكركم.
اخر لحظة
----------------
العربية : رحيل فنان إفريقيا الأول السوداني محمد وردي جماهير غفيرة تدافعت في موكب مهيب لوداعه ضم كل أطياف المجتمع
خيّمت حالة من الحزن والبكاء على قطاعات واسعة من المجتمع السوداني عقب سماعهم وفاة فنان السودان وإفريقيا الأول الموسيقار محمد عثمان وردي عن عمر ناهز الثمانين عاماً، حيث توفي في ساعة متأخرة من مساء السبت بمستشفى فضيل بالخرطوم.
وتدافعت جماهير غفيرة وفي موكب مهيب ضم كل ألوان الطيف السياسي والفني الرياضي والاجتماعي، تقدمه نائب الرئيس السوداني د. الحاج آدم، وعدد كبير من قادة الدولة وأهل الفن والثقافة بالسودان، إضافة إلى أعداد ضخمة من محبي الفنان الراحل إلى مقابر فاروق وسط العاصمة الخرطوم لتشيعه إلى مثواه الاخير، وقد استمرت مراسم الدفن التي حضرتها لأول مرة وفي ظاهرة استثنائية أعداد كبيرة من النساء والبنات، منذ الفجر حتى منتصف نهار اليوم، وسط تغطية إعلامية واسعة من قبل الإعلام المحلي والإقليمي والدولي حضرها مراسل "العربية.نت" بالخرطوم.
وكان الفنان محمد وردي يعاني من مرض الفشل الكلوي قبل أكثر من ولكن تعافى منه بعد أن أجريت له عملية زراعة كلى ناجحة في تسعينات القرن الماضي، ولكن في الأسبوع الماضي قد تعرض لوعكة صحية مفاجئة بسبب التهاب حاد وحموضة في الدم أدخل على إثرها للعناية المكثفة، ثم ساءت حالته الصحية بعد أن عانى من زيادة الضيق في التنفس.
وقال الامين العام لاتحاد الفنانين السودانيين الفنان حمد الريح في تصريحات خاصة لـ"العربية.نت" من داخل مقابر فاروق أثناء مراسم تشييع الراحل، إن وفاة وردي تعني الكثير جداً لكل الناس، مضيفاً "نحن نعزي بعض كسودانيين وهو ملك السودان كله".
شعلة فنية متقدةوأكد رائد المسرح السوداني أمين اتحاد الفنانين العرب السابق د. علي مهدي لـ"العربية.نت" أن رحيل الفنان وردي يمثل له على المستوى الشخصي إحساس عميق بفراغ كبير، أما على المستوى الإنساني فقد قال إن وردي كان مبدعاً ومؤثراً على المجتمع السوداني وعلى المجتمع الاقليمي والدولي، لكنه أضاف "أن صور محمد وردي ستظل في حياتنا لتركه أثره البالغ على المجتمع ولأنه عبر بأغنياته عن وجدان هذه الأمة بصدق وأمانة وأشواقها للتحرر الوطني وللتنمية الاجتماعية والاستقلال والحرية والديمقراطية".
وأشار مهدي الى أن الفقيد كان قد عبر عن الأفكار الإنسانية الخلاقة بتحويلها الى إبداعات غنائية وموسيقية، وتوقع أن يشكل فقد وردي دافعاً للمبدعين السودانيين للمزيد من الابداع وأن يذهبوا على خطه في صناعة الأغنية السودانية واللونية الخاصة التي أوصلته الى أن يكون فنان إفريقيا الاول وأن يكون محبوباً في العواصم العربية والإفريقية وأن يكون له ذلك التأثير في المستوى العالمي، وختم قائلاً: "أعتقد أن ساحات التعازي الآن مفتوحة في كل مكان".
ووصف الاتحاد العام للصحافيين السودانيين في بيان له الراحل محمد وردي بعملاق الفن والأدب والإبداع ليس على المحيط الداخلي وإنما المحيط العربي والإفريقي، لقد كان شعلة فنية متقدة وكان على الدوام وردي رمزاً شامخاً عطر سماوات الإبداع تغنى للوطن وللإنسان وللطبيعة عبر ألحان خالدة وأشعار باسقة جميلة هفت إليها القلوب.
ويمثل الفنان محمد وردي لكثير من قطاعات الشعب أسطورة الفن السوداني، حيث ولد في يوليو من عام 1932 بقرية صوداردة بشمال السودان، حيث عمل في بداية حياته معلماً، وكان ناشطاً نقابياً في رابطة المعلمين السودانيين، وبدأت مسيرته في عام 1957، وارتبط اسمه بالأناشيد الوطنية وله 88 أغنية للوطن برز فيها التوجه اليساري الثوري خاصة في بداية حياته، لكنه خلف كذلك العديد من الأغنيات العاطفية.
وغنى للعديد من الشعراء السودانيين من بينهم محمد مفتاح الفيتوري وصلاح محمد إبراهيم ومحمد المكي إبراهيم وإسماعيل حسن وإسحاق الحلنقي ومحجوب شريف وعمر الطيب الدوش، واكتسب شعبية كبيرة خلال مسيرته الفنية في العديد من الدول الإفريقية خاصة إثيوبيا وأريتريا
العربية
------------------
اعلانات قوقل
صباح الحزن أيها السودان الجميل !
خالد عويس
روائي وصحافي سوداني
Khalidewais2012@gmail.comسيمر وقتٌ طويل
قبل أن يولد - إن ولد -
(سوداني) نبيل هكذا
غني بالمغامرة هكذا
إنني أغني جماله بكلمات تئن
وأتذكر نسيماً حزيناً بين أشجار (النخيل)..
الشاعر الإسباني، فدريركو غارسيا لوركا
,,,,
يا محبوبي
لا تبكيني
يكفيك ويكفيني
فالحزن الأكبر ليس يقال
الشاعر السوداني، محمد الفيتوري
,,,,
• لن يمر يومٌ أكثر مشقة وحزناً على هذا الشعب الحزين الحزين أكثر من هذا اليوم. ذهب محمد وردي، أطول النخلات في السودان، وأبهى الأقمار المعلقة في سمائه، وأحلى العنادل.
• مَن مثل وردي عمّر وجدان السودانيين الجمعي بأغنيات الحب وسوناتات العشق في أصدق صوره ! مَن مثله وظّف عبقريته الموسيقية ليرسم الحب في المشهد السوداني كائناً بجناحين من ضوء !
• مَن مثله أغنى أرواحهم حتى الثمالة..حتى الثمالة بشرابٍ صافٍ في عشق وطن، كان يراه وردي على طريقته، شامخاً فتياً عاتياً، حراً ديمقراطياً !
• مَن غنى لشهداء الحرية في السودان مثله، مَن غسل أقدام بيعانخي وتهارقا والمهدي والخليفة ومهيرة والمك نمر وعلي عبداللطيف والماظ بماءٍ النيل المقدّس، ورشّّ على تيجانهم عطر الصندل المخبوء في جوف صوته !
• لم يكن أسطورة في الغناء السوداني وحسب، لم يكن إمبراطوراً في إفريقيا وحسب، كان رمزاً شاهقاً في ثقافتنا، وواحداً من الذين صاغوا الوجدان حجراً مذهباً على حجرٍ من نور.
• كان الأخير الذي تبقى لنقول في كل ميناء نعبره في رحلات منافينا الطويلة: نحن من بلد هذا العملاق !
• وردي منحنا هويةً خاصةً لوطن مزقته الحروب ودمرته إرادة السياسيين الفاشلين، فكان هو الإرادة السودانية الحرة، وهو الجسر بين تاريخ مثقل بالتاريخ والبطولات الكبرى، ومستقبل نرجوه مزداناً بالأغنيات والشموخ.
• مَن منا تتفتق عبقريته الوطنية ليجلس على الثرى بتواضع وهو يغني: "في حضرة جلالك يطيب الجلوس، مهذب أمامك يكون الكلام" ! مَن ليكون أكثر تهذيباً في حضرة وطن عشقه بجنون، ومنحه بجنون، وأفرط في عشقه إلى درجة الهذيان الجميل: "وعنّك بعيد أنا أبيت الرحيل..وبيك اعتزاز الصباح الجميل".
• الوطن في عيني وردي "نهر قديم" يسيل بالعطر والتاريخ الذي يجهله أنصاف المثقفين الذين أضحوا "ساسة" الزمن الردىء. الوطن في عينيه طفل منسيٌ في حفل، عليه هو وحده أن يهدهد حزنه، ويعيده إلى حضن أمه: النهر، الصحراء، البحر، عمق الإنسانية !
• وردي عاصفةٌ ملونة من الكلمات والألحان ضربت السودان برفق ولين من غابته إلى صحرائه، من بحره إلى نهره، ومن عليائه إلى عليائه !
• خائنٌ هو السوداني، وخائنةٌ هي السودانية. خائنٌ للغاية من لا ينفطر قلبه ويتصدع اليوم. فوردي، صنو الوطن، وروحه. حين يفرد قامته لكأنما هو الوطن من يفرد هامته ليتنفس عشقاً..ووعداً وتمني !
• وردي هو أول الأحزان وآخرها. وردي هو الحزن الأكبر الذي لا يُقال !
• وردي هو أيقونتنا التي ندخرها من الماضي السحيق. قارورة معتقة عبأناها من أنفس عطورنا وأقواها أثراً وأجودها طيباً.
• لكل بيت قصة مع وردي، ولكل حكاية قصة مع وردي. لكل عاشق وعاشقة، لكل ثائر من أجل الحرية، ثمة أغنية دوزنها وردي من دم إبداعه ودموع معاناته: "لو بهمسة"، "الطير المهاجر"،"بعد إيه"، "خاف من الله"، "الحزن القديم"، "بناديها"، "نور العين"،"أرحل"، "عرس الفداء"، "أكتوبر الأخضر"، " "يا شعباً لهبك ثوريتك". لكل ذكرى رشة عطر من وردي، ولكل همسة حب بعض منه، ولكل صرخة ثائر نبض منه !
• يا الله يا وردي، تمددت في كل حياتنا. تمددت في عروقنا وشراييننا وأوردتنا. تمددت في قصص عشقنا وفي أدق تفاصيل نضالنا من أجل الحرية.
• يا الله يا وردي، كيف نعشق من بعدك؟ ومن سيغني لنا إن سقط الطغاة؟ من سيغني: "يا شعباً لهبك ثوريتك..تلقى مرادك والـ..في نيتك..عمق إحساسك بي حريتك..يبقى ملامح في ذريتك" !
• إنها هي ملامح روحك الحرة زرعتها فينا جميعاً وأنت تغدق علينا معانٍ كبيرة..كبيرة، وترسم لنا وطناً ملوناً في الفضاء، نتقافز - كالأطفال -لنمسك بخيوطه المذهّبة كأشعة الشمس. وطنك يا وردي يرحل معك. يرحل وطعم الدمع على شفتيه، وما من وطن لنا، ما من وطن يتسع لأحلامنا، ما من شىء سوى المنافي يا وردي !
• أنت المعلّم يا وردي. أنت مدرستنا الإبتدائية والمتوسطة والثانوية. أنت جامعتنا الأكثر عراقة. وهل علمونا في الدروس كيف أن الدماء تدوس على جلادها وتستشهد بجلال؟ هل علمونا أن "الشعب أقوى وأقدر..مما كان العدو يتصور"؟ و"مكان السجن مستشفى..مكان الطلقة عصفورة..تحلّق حول نافورة"؟
• مَن - يا وردي - علمنا هذا الوطن غني إلى هذا الحد، وبهي إلى هذا الحد، وعظيم إلى هذا الحد، وخرافي وموجع وحزين وجميل كطفلٍ مشطت شعره أمه في صباح العيد.
• مَن يا أيها البهي زرع الضياء في كل ركن وكل قلب؟
• اليوم يا وردي سقط القلب. اليوم أصبحت كل ذكرى ملحاً يكشط الروح، لأنك في كل زاوية من كل شىء في حياتنا.
• كم نحن نحبك أيها السوداني الجميل، وكم نحن حزانى اليوم.
• والحزن الأكبر ليس يقال !
----------------------
السودان يشيع فنانه الأشهر
آلاف المواطنين السودانيين والرئيس عمر البشير شيعوا الفنان الراحل محمد وردي (الجزيرة نت)
الجزيرة نت- الخرطوم
شيع آلاف المواطنين السودانيين تقدمهم الرئيس عمر البشير الفنان السوداني الراحل محمد عثمان وردي، الذي توفي الليلة الماضية بعد وعكة ألمت به بالحادي عشر من الشهر الجاري. وعرف الراحل بشعبية الكبيرة في السودان والدول الأفريقية ونهجه المتفرد في الغناء.
وتسابق المشيعون من كل أطياف الشعب السوداني سياسيين ورياضيين وموسيقيين وشعراء ومن عامة الشعب إلى توديع فنانهم الكبير كل يعدد مآثره على نحو يراه مناسبا لمقامه.
ولم يختلف الشعب السوداني بجميع مكوناته، على من أطلقوا عليه رمز الغناء السوداني رغم تصنيفه ضمن مناصري الفكر الشيوعي والاشتراكي.
الفنان الراحل محمد وردي تميز بأداء الأغاني بالغتين النوبية والعربية (الجزيرة نت)
مطرب أفريقيا الأول
ولد الفنان محمد وردي في العام 1932 م في بلدة صواردة إحدى عموديات منطقة السكوت والمحس المكونة لمنطقة وادي حلفا وأرض النوبة بشمال السودان، وتربى في كنف عمه بعد وفاة والديه، وهو لم يبلغ العاشرة من عمره.
تلقى تعليمه بشمالي البلاد ليشتغل بعد ذلك معلما بذات المنطقة قبل أن ينتقل للعمل بمدينة شندي التي انطلق منها إلى العاصمة الخرطوم في العام 1958 ليمتهن الغناء، وتبدأ مسيرة نجم لم تتوقف شهرته وتأثيره عند حدود الشمال بل امتدت إلى كافة أرجاء السودان شاديا بأروع الأغنيات ومنشدا بأقوى عبارات الأناشيد الوطنية.
وأهم ما تميز به الفنان السوداني الكبير أداء أغانيه باللغتين النوبية التي ينتمي لها والعربية، كما غنى بلغات أفريقية أخرى حتى أطلق عليه لقب مطرب أفريقيا الأول لشعبيته الهائلة في كافة بلدان أفريقيا خاصة شرق القارة.
وعرف وردي بغزارة فنه وثرائه خاصة أناشيده الوطنية والثورية التي دخل بسببها السجون والمعتقلات السياسية في عهد النميري قبل أن يختار المنفى عقب انقلاب حكومة الرئيس البشير عام 1989 ليعود بعد 13 سنة إلى وطنه.
ودفع تهجير النوبيين من منطقة وادي حلفا بسبب بناء السد العالي عام 1964 إلي وقوف وردي مع أهله ضد نظام الرئيس عبود فصار يهاجمه ببعض الأناشيد والأغاني الرمزية وبعض المواقف الأخرى، إلى أن أطاحت ثورة أكتوبر الشعبية بالحكم العسكري لتظهر مجمعة أناشيد وطنية أطلق عليها اسم الأكتوبريات، خاصة قصيدة محمد مفتاح الفيتوري التي يقول مطلعها:
أصبح الصبح... فلا السجن ولا السجان باق
وإذا الفجر جناحان يرفان عليَ
وإذا الحزن الذي كحل هاتيك المآقي
الراحل محمد وردي امتدت مسيرته الفنية لأكثر من ستين عاما (تصوير علي عبد الرحيم)
في عهد النميري
ولم يجد وردي في بداية عهد النميري 1969 إلا الوقوف معه كنظام جديد ليغني له عددا من الأناشيد مثل نشيد فارسنا وحارسنا قبل أن يتحول إلي معاداته التي دخل بسببها السجن عام 1972 ومرات أخرى، إلى أن جاءت ثورة أبريل/ نيسان 1985 التي أطاحت بحكومة نميرى المعروفة بثورة مايو.
وعقب نجاح ثورة الشعب فتح وردي خزائن إبداعه ليخرج إلي الشارع بنشيد - بلى وانجلى.. حمد الله ألف على السلامة .. إنهد كتف المقصلة.
اكتشف الفنان وردي إصابته بالفشل الكلوي الذي استمر معه لبعض السنوات قبل أن ينجح في الحصول على كلية أحد معجبيه بعدما تبرع بها لإنقاذ فنان السودان الأول كما قال وقتها، لتنجح زراعة الكلية الجديدة في قطر ويعود بعدها إلي البلاد ويواصل عطاءه من جديد.
منح الدكتوراه الفخرية من جامعة الخرطوم عام 2005 تقديرا لمسيرته الفنية التي امتدت لأكثر من ستين عاما، ولما يزيد عن ثلاثمائة عمل غنائي مما دفع البعض لوصفه بالأسطورة الفنية.
الفنان الراحل (يمين) مع صديقه الفنان أبو عركي البخيت (الجزيرة نت)
عقلية موسيقية
غنى وردي لعدد من الشعراء السودانيين مثل عمر الطيب الدوش ومحمد مفتاح الفيتوري وإسحاق الحلنقي وعبد الرحمن الريح والسر دوليب وأبو آمنة حامد وإسماعيل حسن وصلاح أحمد إبراهيم ومحمد المكي إبراهيم والتجاني سعيد وشاعر الشرق كجراي ومحجوب شريف.
وتميز الفنان وردي بامتلاكه عقلية موسيقية جبارة بالفطرة بجانب جوانب عدة في مسيرته الإبداعية التي لم تنحصر في الغناء والموسيقى بل تخطتها للشعر "فهو من الشعراء المجيدين".
واحتفل وردي عام 2010 بيوبيله الذهبي في الغناء، الذي أتحف خلاله المستمع بروائعه التي عشقها معجبوه وألحانه التي خلدت في وجدان المجتمع السوداني إلى جانب غنائه الوطني، وغنى للعديد من الشعراء السودانيين، وكانت له ثنائية شهيرة مع الشاعر إسماعيل حسن نتجت عنها أكثر من 23 أغنية.
ويقول عنه بعض النقاد السودانيين إن الموضوعية كسمة ملازمة لمضامين نصوصه المغناة والتي جاءت بديلاً مقبولاً لشكل المضمون الذي كان ملوّناً بالرمزية والعبارات الساخرة مثل أغاني ما قبل التهجير -تهجير مواطني وادي حلفا إلي منطقة حلفا الجديدة الحالية وبناء السد العالي الذي غمر تلك الديار - وأغاني القيل بمنطقة السكّوت.
ويرون أنه من أساطين المتحدثين باللغة النوبية, والملمّين بشوارد مفرداتها ودقيق مأثوراتها وحكمها وأمثالها، بجانب تميزه برهافة الحس ودقة التعبير عن مشاعرها، فبينما نعته كافة بيوت السودان ومؤسساته، رأى زميله أبو عركي البخيت أن يخاطب معزيه بأن السودان قد فقد كبيرا من كباره ورمزا من رموزه.
المصدر: الجزير