عبد الكريم عبد الله مختار
كرومة (1910-1947)
اللورد كرومة :-
ولد الفنان كرومة في حي السيد مكي وقد سمته امه اللورد
كرومة تيمنا بزيارة اللورد للسودان سنة 1922 واستقباله استقبالا
فخما وبهرها ذلك وتمنت ان يكون ولدها مثل اللورد كرومر
من مصاف العظماء وقد تحققت البنوة وصار كرومة اعظم
فنان في السودان صار كروان السودان واختفي اسم اللورد
كرومر ليصبح كرومة ذلك الشاب الوسيم الطلعة الذي تزين
وجهه شلوخ علي خده تسمي المطارق .
تلقى كرومه تعليمه الاولى بمدرسة الهجرة الاولية (الركابية حاليا)
و كغيره من عظماء الموسيقى احبها و هو صغير عندما
كان يسمع والدته المطربة "مستورة بت عرضو" صاحبة
الصوت الجميل تغنى الاغانى الشعبية.
تجربته الفنية:
بدأ كرومة تجربة الغناء فى الحى و هو لم يتجاوز الرابعة عشر
و بعدها صار يغنى لزملائه فى المدرسة. ثم اكتشفه عمر
البنا فى العام 1925 و بدأ يشارك فى الحفلات . و فى العام
1927 عندما احس بموهبة التلحين لديه انتشر بخطوات اكثر
فقام بتلحين اغنيتى (انا ما معيون و يا السمحة ام عجن)
على ايقاع راقص مستفيدا من ايقاعات طريقة الاسماعيلية
التى تقع زاويتها بالقرب من منزله و كانت هذه المحاولة
هى نقلة من الغناء البطئ الرتيب الى الغناء المتحرك .
و بدأت الحان كرومة تظهر على اصوات سرور و عبد الله الماحى
و الامين برهان و على الشايقى و اصبح كرومة مدرسة لحنية
قائمة بذاتها. فاللحن له ملمح خاص و هيكل و بداية و وسط و نهاية،
معمار متميز و قائم بذاته و هنا تكمن عبقرية كرومة فى قدرته
على التنوع و الانصهار فى كل عمل جديد يقدمه ..
جذابا مبهرا و لذلك نحب كرومة و لا نشعر بالنمطية ابد.
قال عنه الفنان الكبير اسماعيل عبد المعين "عندما استمعت اليه
اول مرة احسست بانى امام ثورة غنائية متمثلة فى نبرة و قوة
صوته .. فقررت انه ليس امتدادا لمرحلة غنائية او مدرسة كانت
موجودة على الساحة من قبل بل هو شئ جديد ياسر القلوب
بصوته و ادائه كما ياسرها ايضا باخلاقه الرقيقة و قلبه الكبير
و اخلاصه و وفائه لفنه"
و عندما نزلت اسطوانته (دمعة الشوق) عام 1934 فقد سجلت نجاحا
باهرا و اكنسحت السوق. و بدا نجمه يزداد ارتفاع و لمعانا عندما
ظهرت ملامح الرومانسية فى اغانيه (زدنى فى هجرانى، و هل
تدرى يا نعسان، و يا نسيم بالله اشكى ليه، و زمانك و الهوى،
و يا حبيبى انا عيان) و غيرها من الابداعات.
وكان كرومة انيقا جدا في ملابسه لدرجة المبالغة .. وعندما تتعرض
ملابسه لادني قدر من هجوم التراب عليها يرجع الي البيت لكي
يغيرها وكان في اناقته يمسك عصا تكملة للاناقة وله فيها مآرب
اخري وكان شجاعا كريما مهذبا ودودا طيب المعشر محبوب من
كل اصدقائه.
يقول عاطف فى هذا الصدد (جريدة السودانى العدد 1019) وقد
أشتهر كل من كرومة وسرور بالأناقة المفرطة من إرتداء البدل
الإسموكن والطرابيش أو الجلابيب والعمم والشالات الكشميرية
الحريرية، فلا غرو بأن توضع صورة كرومة على قنانة العطر
الشهيرة التي ينتجها الشبراويشي في مصر".
انتهى
وافتتن به اهل امدرمان بل كل انحاء السودان صوته جميل الحانه
شجية وكان يهابه الفريق الذي كان يفسد الحفلات ..وكانت فتيات
ام درمان بسرعن الي بيوت الاعراس التي يغني فيها كرومة
وهن في أبهي زينة لهن وكان الشباب يحبون حضور حفلاته
وكانت حفلات الاعراس فرصة لكي يختار الشاب شريكة حياته
تحت قيود وتحفظات .
كان كرومة محبوبا من الجميع حتى الفتيات اللواتى يعشن بجوار
منزاه في الحى كن يقمن بغسل ملابسه و سائقوا سيارات الاجرة
على قلتهم يقلونه إلى اماكن حفلاته من غير مقابل ليستمعوا إلى
غنائه و اورد ايم احد سائقى هذه العربات في احدى اغنياته:-
عشت يا منصور *** في نعيم عليك يدوم
وفي منزل كرومة كان يلتقي كبار الشعراء ومؤلفو الاغنيات التي
يشدو بها وكان ذو موهبة في تلحين الاغنيات حيث كان يستعين
بالهام شاطئ النيل امام دار الاذاعة ويمشي جيئة وذهابا يحمل
في يده علبة كبريت بدل الرق .
وعاش كرومة هائما بالجمال وكان مهذبا جدا في سلوكه مع سائر
الناس حريصا علي مراعاة الاداب العامة وكان يحرص ان يكون
اتباعه من الكورس ملتزمين بالاخلاق الحميدة والسلوك الطيب
ويقول لهم علينا ان نحترم انفسنا حتي يحترمنا الآخرون.
وقد بلغ الاعجاب به ان رسمت صورته علي بعض عطور الشبراويشي
في مصر مع صور الزعماء مثل عبد الرحمن المهدي وعلي الميرغني
والشريف يوسف الهندي.
لقد كان هناك عطر باسمه وبراد شاي صيني وضع عليه صورة الزعماء
الثلاثة ورابعهم كرومة وهذا يعني انه حظي باحترام الجميع .
وكان كرومة راهبا للفن فهو لم يتزوج وكرس كل عمره ووقته للفن
ورفع مستوي الفنان ..لقد كانت بدايته انه كان يغني لزملائه بعد
التمرين في وسط الميدان ومر الفنان سرور عليه وسمع صوته
واكتشف هذا الفنان وقال له عندما تكبر سوف لا يعرف الناس سواك
وسوف ينسون الامين برهان وسرور ..وكانت هناك منافسة بين
المؤلفين والملحنين عندما كبر كرومة وصار مع رفاقه من اهل الفن.
(صحيفة اخبار اليوم5-3-1428 )
منقووووول