الفارغون أكثر ضجيجاً
د. عائض القرني...
إذا مرَّ القطار ، وسمعت جلبة لإحدى عرباته فاعلم أنها فارغة، وإذا سمعت تاجراً يحرّج على بضاعته وينادي عليها فاعلم أنها كاسدة، فكل فارغ من البشر والأشياء له جلبة وصوت وصراخ ، أما العاملون المثابرون فهم في سكون ووقار ؛ لأنهم مشغولون ببناء صروح المجد وإقامة هياكل النجاح.
إن سنبلة القمح الممتلئة خاشعة ساكنة ثقيلة ، أما الفارغة فإنها في مهب الريح لخفتها وطيشها، وفي الناس أناس فارغون مفلسون أصفار ، رسبوا في مدرسة الحياة فاشتغلوا بتشويه أعمال الناجحين وهؤلاء الأغبياء التافهون مشاريعهم كلام ، وحججهم صراخ ، وأدلتهم هذيان لا تستطيع أن تطلق على أحدهم لقباً مميّزاً ولا وصفاً جميلاً ليس له أعمال تُنقد، فهو جالس على الأرض والجالس على الأرض لا يسقط ، لا يُمدح بشيء ، لأنه خال من الفضائل ، ولا يُسب لأنه ليس له حسّاد.
إن السيف يقص العظام وهو صامت، والطبل يملأ الفضاء وهو أجوف ، إن علينا أن نصلح أنفسنا ونتقن أعمالنا ، وليس علينا حساب الناس والرقابة على أفكارهم والحكم على ضمائرهم ، الله يحاسبهم والله وحده يعلم سرّهم وعلانيتهم
التافهون وحدهم هم المنشغلون بالناس كالذباب يبحث عن الجرح ، أما الخيّرون فأعمالهم الجليلة أشغلتهم عن توافه الأمور كالنحل مشغول برحيق الزهر يحوّله عسلاً فيه شفاء للناس،
إن الخيول المضمرة عند السباق لا تنصت لأصوات الجمهور، لأنها لو فعلت ذلك لفشلت في سباقها وخسرت فوزها، اعمل واجتهد وأتقن ، ولا تصغ لمثبّط أو حاسد أو فارغ.
الأسد لا يأكل الميتة، والنمر لا يهجم على المرأة لعزة النفس وكمال الهمة، أما الصراصير والجعلان (حشرة تعيش على القذارة والقمامة) ، فعملها في القمامة وإبداعها في الزبالة.