التقوى عنوان السعادة في الدنيا والآخرة
أيها الإخوة: التقوى عنوان السعادة في الدنيا والآخرة، فقد رتب الله عليها كل خير في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا معية الله، يقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128]. وكذلك في الرزق، كما قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] وكذلك التيسير، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4] والتكفير للسيئات: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً [الطلاق:5]. ويوم القيامة ينجي الله تعالى أهل التقوى فقط، كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً [مريم:71] أي: النار ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً [مريم:72] لا نجاة من النار إلا الأهل التقوى فقط، ففتش نفسك هل أنت منهم، أم أن لك حسابات أخرى؟! وفي يوم القيامة يقول الله عز وجل: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55] .. إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [الدخان:51-56] والموت هو الذي يهدم كل شيء! هذا هو الموت! الذي لا يمنع منه ملك، ولا صاحب مال أو عضلات!
لهوت وغرتك الأماني وعندما أتمت لك الأفراح فوجئت بالقبر
الموت لا يمتنع منه أحد إلا أهل الجنة، كما قال الله عز وجل: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الدخان:56-57]، ويقول عز وجل: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ * وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ [الطور:17-24] فالغلمان والخدم مثل اللؤلؤ المكنون، فكيف بالمخدومين؟!! وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ [الطور:24]. وبعد ذلك من نهاية الأُنس والتفكه أنهم أيضاً يتحادثون ويتنادمون، وأخبر الله تعالى عن هذا في أكثر من سورة، يقول تعالى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ [الطور:25-26] الله أكبر! كانوا خائفين وجلين، كأن النار ما خلقت إلا لهم، كأنهم أشقى خلق الله وأفضل الناس عند الله قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ [الطور:26] فماذا حصل؟ مع الإشفاق؟ هنا حصل الأمن هناك، قال الله عز وجل: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:27-28]. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العليا في هذه الساعة -فلعلها ساعة استجابة- أن تجعلنا من هؤلاء، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين، اللهم اجعلنا من هؤلاء الذين دعوا فاستجبت لهم إنك أنت البر الرحيم، ولا تحرمنا من فضلك يا أرحم الراحمين. ويقول عز وجل: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ [الذاريات:15-20]. ويقول عز وجل: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34] ويقول عز وجل: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً * وَكَأْساً دِهَاقاً [النبأ:31-34] المهم أن كل خير في الدنيا والآخرة مسجل في حساب المتقين، لماذا? لأنهم استنـزلوا هذه المنـزلة ووصلوا إلى هذه الدرجة بتقوى الله تبارك وتعالى. هذه التقوى من ينـزل ويجلس فيها تشرق عليه إشراقات السعادة، وتتوجه إليه الخيرات، وتقبل عليه الأنوار من كل جانب، والذي يحرم التقوى ويعيش بعيداً عنها -والعياذ بالله- تشرق عليه الظلمات، وتحل عليه النكبات، ويعيش في الجهل والبعد عن الله، حتى يشقى في الدنيا والآخرة أعاذنا الله وإياكم من ذلك.