يقول مسلمة بن عبدالملك: إن في كندة لثلاثة رجال ينزل الله بهم الغيث وينصر بهم الاعداء أحدهم رجاء بن حيوة, من هو رجاء? ولماذا شهد له الناس بمنزلته العظيمة في نفوسهم? كان في قرن التابعين ثلاثة رجال ما عرف أهل زمانهم لهم مثيلا من الصلاح والتقى وخدمة كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) وخدمة عامة المؤمنين وخاصتهم هم: محمد بن سيرين بالعراق, والقاسم بن محمد بن أبي بكر بالحجاز, ورجاء بن حيوة بالشام. ولد رجاء في بيسان من أرض فلسطين, وكانت ولادته في أواخر خلافة عثمان بن عفان, وكان ينتمي الى قبيلة كندة العربية, وقد نشأ هذا الفتى الكندي في طاعة الله منذ حداثة سنه وأقبل على طلب العلم, فاستضاء فكره بنور القرآن واستنارت بصيرته بهدى النبوة, وامتلأ صدره بالموعظة والحكمة, ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا, أتيح له أن يأخذ من طائفة كبيرة من الصحابة من امثال: أبي سعيد الخدري, وأبي الدرداء, وأبي أمامة, وعبادة بن الصامت, ومعاوية بن أبي سفيان, وعبدالله بن عمرو بن العاص, والنواس بن سمعان وغيرهم, فكانوا له مصابيح هداية, وقد وضع هذا الفتى لنفسه دستورا ظل يلتزم به ويردده ما امتدت به الحياة, حيث كان يقول: ما أحسن الاسلام يزينه الايمان! وما أحسن الايمان يزينه التقى, وما احسن التقى يزينه العلم! وما احسن العلم يزينه العمل! وما أحسن العمل يزينه الرفق! وقد اصبح رجاء بن حيوة وزيرا لطائفة من خلفاء بني امية, ابتداء من عبدالملك بن مروان, وانتهاء بعمر بن عبدالعزيز, وقد ادناه من قلوب خلفاء بني امية رجاحة رأيه وصدق لهجته واخلاص في نيته وحكمة في معالجته الامور, ثم توج ذلك كله بزهده بما في ايديهم من عرض الدنيا مما كان يتزاحم عليه المتزاحمون وقد كان اتصاله بخلفاء بني أمية من عظيم رحمة الله بهم وجزيل اكرامه لهم, فلقد دعاهم الى الخير ودلهم على طرقه, وثناهم عن الشر واوصد دونهم ابوابه وأراهم الحق وزين لهم اتباعه, وبصرهم بالباطل وكره اليهم اتيانه, فنصح لله ورسوله ولائمة المسلمين وعامتهم, ومن ذلك انه كان ذات يوم في مجلس عبدالملك بن مروان, فوصف للخليفة رجل بسوء طويته على بني امية, وقيل له انه يشايع ابن الزبير وينتصر له وذكر الواشي له من افعاله واقواله ما اثار حفيظته, فقال: والله لئن امكنني الله منه لافعلن ولافعلن, ولاضعن السيف في عنقه, ولم يمض طويل وقت حتى امكنه الله من الرجل, وسيق اليه سوقا, فلما وقعت عيناه عليه, كاد يتميز من الغيظ, وهم بأن ينفذ وعيده به, فقام اليه رجاء به حيوة وقال: يا أمير المؤمنين, إن الله عز وجل, قد صنع لك ما تحبه من القدرة, فاصنع لله ما يحبه من العفو, فسكنت نفس الخليفة وسكت عنه غضبه وعفا عن الرجل, واطلق سراحه, واحسن اليه. له, رحمه الله, مواقف عجيبة من الحكمة وسداد الرأي وحسن المقال