عادل عثمان مصطفي كبار الشخصيات
عدد المساهمات : 6481 تاريخ التسجيل : 19/10/2010 العمر : 67 الموقع : كانبرا - استراليا
| موضوع: ما الفرق بين السور المكية والمدنية ؟؟ الإثنين مايو 02, 2011 10:45 pm | |
| علم المكي والمدني من سور القرآن الكريم ما الفرق بين السور المكية والسور المدنية ؟
الحمد لله عناية المسلمين بالقرآن الكريم عناية فائقة ، ولا يعرف كتاب على وجه الأرض نال من الدراسة والشرح والبيان ما ناله القرآن ، حتى أنشأ العلماء مئات العلوم المستقلة المتعلقة به ، كان من أهمها علم : " المكي والمدني ". ويمكن أن نوجز ببيان هذا العلم من علوم القرآن الكريم في المسائل الآتية : أولا : بيان معنى مصطلح : " المكي والمدني ". هو اصطلاح أطلقه العلماء ليميزوا بين الآيات والسور التي نزلت في المرحلة المكية للدعوة الإسلامية ، وبين ما نزل في المرحلة المدنية ، فاشتهر بين أكثر أهل العلم هذا التقسيم ، وجعلوا مناطه ومداره على الزمان ، وليس على المكان : فالمكي من الآيات والسور : ما نزل قبل الهجرة النبوية ، سواء كان في مكة أو ضواحيها. والمدني من الآيات والسور : ما نزل بعد الهجرة النبوية ، سواء كان مكان نزوله المدينة ، أو مكة بعد فتحها ، أو أي مكان في الجزيرة ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم . ثانيا : أهمية هذا العلم وفوائده . 1- معرفة الناسخ من المنسوخ : وهذه فائدة عظيمة مفيدة في فهم القرآن وبيانه ، فالنسخ – وهو إزالة حكم الآية بحكم جديد – واقع في القرآن ، ولتحديد الآية الناسخة لا بد من معرفة زمان نزولها ، هل هو قديم في بداية الإسلام ، أو متأخر ، فتكون الآية المدنية ناسخة للمكية ، إذا ثبت وقوع النسخ في حكمها . 2- معرفة تاريخ التشريع ومراحله ، وتلمس الحكمة في تدرج أحكامه وآياته ، حتى بلغت الكمال في آخر العهد النبوي ، ولا شك أن معرفة مراحل التشريع مفيدة جدا في فهم الشريعة ومقاصد القرآن وحكمته . 3- الوصول إلى الفهم الصحيح لآيات القرآن وسوره ، لأن معرفة تاريخ النزول وظرف الآيات يساعد كثيرا على فهمها واستجلاء مقاصدها ، فمن قطع النصوص عن سياقها الزماني أو المكاني فقد قطع على نفسه سبيل الحقيقة والفهم السليم . 4- ومن فوائده بيان عظيم عناية المسلمين بالقرآن الكريم ، حيث لم يحفظوا نصوصه فقط ، بل حفظوا ونقلوا الزمن الذي نزلت فيه ، ليكون ذلك شاهدا على الثقة المطلقة التي يمنحها المؤمنون لهذا الكتاب العظيم . 5- التذوق اللغوي لأساليب البيان العالية في القرآن الكريم ، فقد تميزت سور كل مرحلة مكية أو مدنية بأساليب بيانية تناسب ما تضمنته من معاني ومقاصد ، وكل هذه الأساليب لها من الرونق والبريق ما يأخذ الألباب ويدهش الأسماع ، ومعرفة المكي والمدني يساعد على هذا التذوق ويقربه للأذهان . 6- معرفة السيرة النبوية ، فقد استغرق تنزل القرآن الكريم ثلاثة وعشرين عاما ، رافق فيها جميع الأحداث التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان فهم " المكي والمدني " رافدا من روافد علم السيرة النبوية ، ومكملا لدراساته . ثالثا : الفرق بين المكي والمدني . تبين للعلماء – بعد تأمل السور المكية والسور المدنية – أن ثمة فرقا في الغالب بينهما من جهتين اثنتين : المضمون ، والأسلوب . يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " يتميز القسم المكي عن المدني من حيث الأسلوب والموضوع : أ- أما من حيث الأسلوب فهو : 1- الغالب في المكي قوة الأسلوب ، وشدة الخطاب ؛ لأن غالب المخاطبين معرضون مستكبرون ، ولا يليق بهم إلا ذلك ، أقرأ سورتي المدثر ، والقمر . أما المدني : فالغالب في أسلوبه اللين ، وسهولة الخطاب ؛ لأن غالب المخاطبين مقبلون منقادون ، أقرا سورة المائدة . 2- الغالب في المكي قصر الآيات ، وقوة المحاجة ؛ لأن غالب المخاطبين معاندون مشاقون ، فخوطبوا بما تقتضيه حالهم ، أقرا سورة الطور . أما المدني : فالغالب فيه طول الآيات ، وذكر الأحكام مرسلة بدون محاجة ؛ لأن حالهم تقتضي ذلك ، أقرأ آية الدين في سورة البقرة . ب- وأما من حيث الموضوع فهو : 1- الغالب في المكي تقرير التوحيد والعقيدة السليمة ، خصوصا ما يتعلق بتوحيد الألوهية والإيمان بالبعث ؛ لأن غالب المخاطبين ينكرون ذلك . أما المدني : فالغالب فيه تفصيل العبادات والمعاملات ؛ لأن المخاطبين قد تقرر في نفوسهم التوحيد والعقيدة السليمة ، فهم في حاجة لتفصيل العبادات والمعاملات. 2- الإفاضة في ذكر الجهاد وأحكامه والمنافقين وأحوالهم في القسم المدني لاقتضاء الحال ، ذلك حيث شرع الجهاد وظهر النفاق ، بخلاف القسم المكي " انتهى. "أصول التفسير" (ص/13) ويقول الدكتور مناع القطان رحمه الله : " استقرأ العلماء السور المكية والسور المدنية ، واستنبطوا ضوابط قياسية لكل من المكي والمدني ، تبين خصائص الأسلوب والموضوعات التي يتناولها ، وخرجوا من ذلك بقواعد ومميزات : ضوابط المكي ومميزاته الموضوعية : 1- كل سورة فيها سجدة فهي مكية . 2- كل سورة فيها لفظ " كلا " فهي مكية ، ولم ترد إلا في النصف الأخير من القرآن . وذُكرت ثلاثًا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة . 3- كل سورة فيها : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) ، وليس فيها : ( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواُ ) فهي مكية ، إلا سورة الحج ، ففي أواخرها : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ) ، ومع هذا فإن كثيرًا من العلماء يرى أن هذه الآية مكية كذلك . 4- كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة فهي مكية ، سوى البقرة . 5- كل سورة فيها آدم وإبليس فهي مكية ، سوى البقرة كذلك . ضوابط المدني ومميزاته الموضوعية : 1- كل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية . 2- كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية ، سوى العنكبوت ، فإنها مكية . 3- كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب فهي مدنية . هذا من ناحية الضوابط ، أما من ناحية المميزات الموضوعية ، وخصائص الأسلوب ، فيمكن إجمالها فيما يأتي : 1- بيان العبادات ، والمعاملات ، والحدود ، ونظام الأسرة ، والمواريث ، وفضيلة الجهاد ، والصلات الاجتماعية ، والعلاقات الدولية في السلم والحرب ، وقواعد الحكم ، ومسائل التشريع . 2- مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ودعوتهم إلى الإسلام ، وبيان تحريفهم لكتب الله ، وتجنيهم على الحق ، واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم . 3- الكشف عن سلوك المنافقين ، وتحليل نفسيتهم ، وإزاحة الستار عن خباياهم ، وبيان خطرهم على الدين . 4- طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر الشريعة ويوضح أهدافها ومراميها " انتهى. "مباحث في علوم القرآن" (62-64) وأخيرا : من أراد التفصيل في هذا العلم ، والاطلاع على كلام العلماء وتعدادهم للسور المكية والمدنية، واختلافهم في بعضها ، وكذلك الجواب على الشبه الساقطة التي أوردها المستشرقون حول هذا الموضوع ، فنحيله إلى المراجع الآتية : "البرهان في علوم القرآن" للزركشي (1/187-206) ، "الإتقان في علوم القرآن" (1/34-59) ، "مناهل العرفان في علوم القرآن" لمحمد عبد العظيم الزرقاني (1/135-167) والله أعلم .
عدل سابقا من قبل عادل عثمان مصطفي في الإثنين مايو 02, 2011 10:49 pm عدل 1 مرات | |
|
عادل عثمان مصطفي كبار الشخصيات
عدد المساهمات : 6481 تاريخ التسجيل : 19/10/2010 العمر : 67 الموقع : كانبرا - استراليا
| موضوع: رد: ما الفرق بين السور المكية والمدنية ؟؟ الإثنين مايو 02, 2011 10:48 pm | |
| المكي و المدني
قال ابن مسعود رضي الله عنه: " والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا و أنا أعلم أين نزلت ؟ ولا نزلت آية من كتاب الله إلا و أنا أعلم فيم نزلت ؟ و لو أعلم أن أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه ". و قد عني العلماء بتحقيق المكي و المدني عناية فائقة، فتتبعوا القرآن آية آية ، و سورة سورة، لترتيبها وفق نزولها، مراعين في ذلك الزمان و المكان والخطاب، لا يكتفون بزمن النزول، و لا بمكانه، بل يجمعون بين الزمان والمكان والخطاب، و هو تحديد دقيق يعطي للباحث المنصف صورة للتحقيق العلمي في علم المكي و المدني، و هو شأن علمائنا في تناولهم لمباحث القرآن الأخرى. قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري في كتاب التنبيه على فضل علوم القرآن:" من أشرف علوم القرآن علم نزوله و جهاته، و ترتيب ما نزل بمكة و المدينة ، و ما نزل بمكة و حكمه مدني، و ما نزل بالمدينة و حكمه مكي ، و ما نزل بمكة في أهل مكة ، وما نزل بالمدينة في أهل مكة ، و ما يشبه نزول المكي في المدني، و ما يشبه نزول المدني في المكي، و ما نزل بالجحفة ، و ما نزل ببيت المقدس، و ما نزل بالطائف، و ما نزل بالحديبية و ما نزل ليلاً و ما نزل نهاراً، و ما نزل مشيعاً ( مثل سور الأنعام وسورة الفاتحة و آية الكرسي) ، و ما نزل مفرداً، و الأيات المدنيات من السور المكية ، و الأيات المكيات من السور المدنية، و ما حمل من مكة إلى المدينة، و ما حمل من المدينة إلى مكة، و ما حمل من المدينة إلى أرض الحبشة، و ما نزل مجملاً، وما نزل مفسراً، و ما اختلفوا فيه ، فقال بعضهم مدني و بعضهم مكي، فهذه خمسة و عشرون وجهاً من لم يعرفها و يميزها لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله " . الفرق بين المكي و المدني: إختلف العلماء و لكن الرأي الراجح هو : إعتبار زمن النزول: فالمكي : ما نزل قبل الهجرة و إن كان بغير مكة، و المدني : ما نزل بعد الهجرة و إن كان بغير المدينة ، فما نزل بعد الهجرة و لو بمكة : أو عرفة مدني . | |
|
عادل عثمان مصطفي كبار الشخصيات
عدد المساهمات : 6481 تاريخ التسجيل : 19/10/2010 العمر : 67 الموقع : كانبرا - استراليا
| موضوع: رد: ما الفرق بين السور المكية والمدنية ؟؟ الإثنين مايو 02, 2011 10:57 pm | |
| اهتمَّ المعنيون بالدراسات القرآنية بالبحث عن الآيات المكيّة والمدنية و خصائصهما، ولاشك بأهمية هذا الموضوع الذي يتناول بحث له علاقة مهمة بفهم القران واستيعابه، ومن البحوث الهامة حول المكي والمدني البحثان التاليان :
البحث الأول : معنى المكي والمدني تعرض المفسرون وأصحاب الدراسات القرآنية إلى لتحديد معنى المكي والمدني ضمن اتجاهات: الاتجاه الأول: يعتمد ملاحظة المكان أساساً في التمييز بين المكي والمدني باعتبار ما نزل في مكة أو ضواحيها فهو مكي وما نزل في المدينة المنورة أو ضواحيها فهو مدني. ويناقش فيه بأن المكان ليس ميزة أساسية يمكن أن تفيد في الدراسات والبحوث القرآنية وان تكون أساسا في تقسيم القران على أساسها كما لا تصلح لجميع آيات القران فان بعضها لم ينزل في مكة ولا المدينة. الاتجاه الثاني: التمييز على أساس أشخاص المخاطبين فما وقع خطاباً لأهل مكة فهو مكي و ما وقع خطاباً لأهل المدينة. وهو غير مقبول إذ ان القران عام لجميع العصور حتى لو انطبق حين نزوله على أهل مكة أو المدينة. الاتجاه الثالث: اعتبار أساس الترتيب الزماني للآيات واعتبار الهجرة حداً زمنياً فاصلاً بين مرحلتين فالمكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها وإن كان نزوله بمكة فكل آية نزلت.
ترجيح الاتجاه الثالث نلفت أنظار القراء الكرام إلى ان لفظ المكي والمدني ليس لفظاً أو مصطلحاً شرعياً حدد النبي Jمفهومه حتى نحتاج إلى اكتشاف المراد منه بمراجعة النصوص الشرعية، بل هو اصطلاح تواضع عليه علماء التفسير ومن حق كل احد ان يحدد ما يريده من ذلك المصطلح وعليه فعندما نرجح اتجاها ليس المقصود تخطئة أصحاب الرأي الآخر بل المراد ان هذا انسب وانفع بالبحوث القرآنية اشمل فائدة.
ويمكن ترجيح الاتجاه الثالث لميزات فيه:
الأولى: ان هذا الاتجاه يجعل جميع آيات القرآن إما مكية وإما مدنية بخلاف التفسير على أساس الاتجاهين الآخرين فلحاظ زمن معين يجعل من السهولة معرفة ان الآية مكية أو مدنية لأنها إما نزلت قبل الهجرة أو بعدها.
الثانية: ان تمييز الآيات النازلة قبل الهجرة عن الآيات النازلة بعدها ربّما تترتب عليه آثار هامّة، حيث يمكن استكشاف خصائص لكل من القسمين تُميّزه عن القسم الآخر، باعتبار ان حدث الهجرة المائز بين القسمين ليس قضية هامشية عابرة في مسيرة الرسالة الإسلامية وإنّما هو حدث فاصل وحاسم فيها.
ومن الفوائد التي يمكن استفادتها على أساس هذا التمييز ما يلي:
1ـ معرفة الناسخ والمنسوخ لان الناسخ متأخر بطبيعيته على المنسوخ زمانا فالتقسيم على أساس الزمن ينفع في تحديد ذلك وهذه فائدة فقهية ـ ترتبط بعلم الفقه ومعرفة الأحكام الشرعية ـ .
2ـ التعرف على مراحل الدعوة التي مر بها الإسلام والتبليغ على يد النبي الكريم J فان الهجرة المباركة كما هو معلوم ليست مجرد حادث عابر في حياة الدعوة وحركة النبي الأكرم J التبليغية، وإنما هي مفصل مهم وأساس في تاريخ الدعوة المباركة إلى الدين الحنيف، فتمييز الآيات النازلة قبل الهجرة ـ المكي ـ وما نزل منها بعد الهجرة ـ المدني ـ يعيننا على مواكبة تطورات الدعوة وفهم الخصائص العامة التي تجلت فيها خلال مرحلة المكي ومرحلة المدني، وهذه فائدة مهمة للمهتم بشأن التاريخ الإسلامي عموما وتأريخ الدعوة الإسلامية خصوصا.
البحث الثاني: طريقة معرفة المكي والمدني الطريق الأول: الاعتماد على الروايات والنصوص التاريخية التي تؤرخ السورة أو الآية وتشير إلى نزولها قبل الهجرة أو بعدها وعن طريق تلك الروايات والنصوص ـ التي تتبعها المفسرون واستوعبوها ـ استطاعوا ان يعرفوا عدداً كبيراً من السور والآيات المكية والمدنية ويميزوا بينها.وهذا طريق واضح ويعتمد عليه ويمكن على أساسه معرفة الكثير من المكي والمدني.
الطريق الثاني: وهو مترتب على الطريق الأول، فبعد استكشاف مقدار لا بأس به من المكي والمدني اعتكف العلماء المعنيين بمعرفة المكي والمدني إلى دراسة الآيات والسور المكية والمدنية وخرجوا باكتشاف خصائص عامة في السور والآيات المكية وخصائص عامة أخرى في المدني من الآيات والسور فجعلوا من تلك الخصائص العامة مقاييس اعتمدوها في تمييز الآيات والسور التي لم يتمكنوا من معرفة توقيتها الزمني ـ قبل الهجرة أو بعدها ـ بمراجعة الروايات والنصوص، فما انطبق عليه مقياس المكي أو كان أكثر انسجاماً معه حكموا بكونه منه وما انطبق عليه المقياس المدني أو كان أكثر انسجاماً معه أدرجوه ضمن المدني.
وهذه الخصائص العامة التي حددت المكي والمدني بعضها يرتبط بأسلوب الآية والسورة كقصر الآيات والسور وتجانسها الصوتي أو طولها وبعضها يرتبط بموضوع النص القرآني كالتحدث عن المنافقين ومشاكلهم، و كَشْفُ سُلُوكهمِ أو مجادلة المشركين وتسفيه أحلامهم، وَكَشْفُ ضَلاَلهِمْ.
أهمية معرفة خصائص المكي والمدني وهذه الخصائص كما يمكن ان تكون طريق لمعرفة المكي من المدني إلا ان معرفتها بنفسها مهمة أيضا إذ انها تلقي الضوء على خصائص مجموعة مهمة من الآيات القرآنية وبالنهاية توسع اطلاعنا على الأسلوب القرآني، وتساعد على فهم النص بفهم ما يحيط به، فلا تكمن أهميتها بمحض تصنيف المكي والمدني وإنما تطال نفس دراسة القران الكريم ومعرفة أساليبه.
الخصائص الأسلوبية والموضوعية العامة
للمكي و المدني
ذكر الباحثون في الشأن القرآني الخصائص العامة لكل من المكي والمدني بعد تتبع لمواردها نلخّصها فيما يلي:
1 ـ القسم المكي
هناك اثنان و ثمانون(82) سُورَة مَكِيـة ـ مقدار ما نَزَلَ مِنَ القرآنِ في مَكة قبْل الهجرة ـ والذي استغرق حوالي ثلاثة عشْر عاماً وفي القرآنِ حوالي.
خصائص الأسلوب و التَّعْبِيرِ في القسم المكي
أ ـ قِصَر الآيات والسور وقوة الأَلفاظ وإيجازها وتجانسها الصوتي.
الخصائص المذكورة تعبر عن حالة غالبية لا مطردة بل غالبية حيث يجد المتتبع مجموعة من السور والآيات طوال وهي مكية ونذكر على سبيل المثال الشعراء، الأعراف، الفرقان، الإسراء، يونس، يوسف، الأنعام، الشورى، وغيرها.
وفي المقابل هناك سور قصار رغم انها مدنية مثل النصر، البيّنة، الجمعة، التغابن، الصف، وغيرها.كما ان آيات الرحمن ـ وهي مدنية ـ قصار.
ب ـ اختصاصها بتعْبيرات مثل: مخاطبة كل الناس (يَأَيُّهَا النَّاسُ) وعدم استعمالها لكلمة(يا أيها الذين آمنوا).
بالنسبة إلى الخصيصة الأولى يمكن ملاحظة انها وان كانت غالبية إلا ان وردت تسع مرّات في أربع سورة مدنية ـ البقرة والنساء والحج والحجرات ـ .ونسردها كالتالي:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (21) سورة البقرة
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (168) سورة البقرة
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) سورة النساء
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (170) سورة النساء
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} (174) سورة النساء
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (1) سورة الحـج
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (5) سورة الحـج
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} (49) سورة الحـج
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} (73) سورة الحـج
واما مخاطبة المؤمنين (يا أيها الذين آمنوا) فإنها وان لم ترد بلفظها في الآيات المكية لكنها وردت بألفاظ أخرى في ثلاث آيات مكية :
{قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} (31) سورة إبراهيم
{قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (10) سورة الزمر
{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } (56) سورة العنكبوت
فالخطاب فيها للمؤمنين فما ذكر ليس بقاعدة مطردة.
خصائص المَوْضُوعِ في القسم المكي
أ ـ الحديث عن العَقِيدَةِ وَالآخِرةِ الدعوة إلى أصول الإيمان بالله واليوم الآخر وتصوير الجنّة والنار.
ويلاحظ أيضاً انّ كثيراً من الآيات الكريمة التي تتحدث عن هذه الأصول والمفاهيم آيات مدنية، نعم أكثر الآيات والسور المتضمنة لذلك آيات وسور مكية.
ب ـ الدعوة للتمسك بمكارم الأخلاق والاستقامة في السلوك على الخير.
ج ـ مجادلة المشركين وتسفيه أحلامهم، وَكَشْفُ ضَلاَلهِمْ .
د ـ الحديث عن الأنبياء وقَصَصهم والأمم السابقة.
والملاحظ انّ هذه الخصائص الثلاثة لا تختص بها السور المكية أيضاً، وإنما ذلك غالبي أيضاً.
2 ـ القسم المدني
في القرآن نحو اثنان و ثلاثون (32)سُورة مدنية ـ مَا نَزَل من القُرآنِ بعد الهجْرةِ المباركة إلى المدينةِ المنورة إلى التحاق الرسول الأكرم (صلى الله وعليه وآله) بالرفيق الأعلى وانقطاع الوحي ـ مدة امتدت نَحْوِ عَشْرِ سَنَوَات .
خصائص الأسلوب و التَّعْبِيرِ في القسم المدني
أ ـ طول السورة والآية.
ب ـ تَعْبِيرِ : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
وقد تقدم الكلام في ان هذه الخصائص غالبية لا مطردة.
خصائص المَوْضُوعِ في القسم المدني أ ـ تفصيل البراهين والأدلة على المفاهيم و الحقائق الدينية وأسس العقيدة الإسلامية.
ب ـ مجادلة أهل الكتاب ودعوتهم إلى عدم الغلو في دينهم.
ج ـ التحدث عن المنافقين ومشاكلهم، و كَشْفُ سُلُوكهمِ.
د ـ تفصيل أحكام الرسالة الإسلامية ـ من العِبَادَاتُ والمُعَامَلاتُ ـ في الحدود والفرائض والجهاد والحقوق والقوانين المتنوّعة الأخرى.
ولكن الملاحظ أن بعض هذه الخصائص المدعاة غالبية وليست عامة.
والصحيح ان اختلاف خصائص القسمين المكي والمدني يرجع إلى اختلاف طبيعة المرحلة والظروف التي كانت تحيط بالإسلام والمسلمين أثناء نزول كلٍّ من القسمين، وكانت هذه التعابير أو الاهتمامات استجابة لما تحتاجه المرحلة، فهذه الخصائص انما استدعتها متطلبات تلك المرحلة.
ومن الواضح للمتتبع والباحث ان هذه المقاييس ـ التي مر التعرض لها والتي ذكرنا انها غالبية وليست مطردة ـ والتي هي المستمدة من تلك الخصائص العامة تلقي ضوءاً على الموضوع وقد تؤدي الى ترجيح لأحد الاحتمالين على الآخر في السور التي لم يرد نص بأنها مكية أو مدنية فإذا كانت إحدى هذه السور تنفق مثلاً مع السور المكية في أسلوبها وإيجازها وتجانسها الصوتي وتنديدها بالمشركين وتسفيه أحلامهم فالأرجح ان تكون سورة مكية لاشتمالها على هذه الخصائص العامة للسورة المكية.
ولكن الاعتماد على تلك المقاييس إنما يجوز إذا أدت إلى العلم بأن الآية المقصودة مكية أو مدنية لكن لا يجوز الاعتماد عليها لمجرد الظن. | |
|