* خسائر فادحة
وتتواصل جولتنا برفقة الأخ كمال أحمد حمد توجهنا صوب منطقة القلعة التي تحولت إلى شبه جزيرة حيث تمتد المياه مد البصر ويتناثر البصل طافيًا على سطحها هنا وهناك وأبناء المزارعين وغيرهم من الشباب يخوضون داخل المياه يحاولون عبثًا جمع ما أمكن بعد أن احتار أصحابُه في أمره وعجزوا عن فعل شيء، هذا بخلاف كميات كبيرة من البصل جرفتها السيول وألقت بها إلى حيث النيل، وبنبرة غاضبة يقول أسامة علي التوم: «الأمطار والسيول فاقت خمسة أضعاف الأمطار في فيضان «1988» الشهير، حيث قضت على محصول البصل بعضه تم حصده وتجميعه في أكوام توطئة للتعبئة وجزء كبير لم يتم حصاده في انتظار تسليمه لأصحابه من التجار، والخاسر في المقام الأول هو المزارع». وهنا تناول المزارع فيصل علي بشير الحديث قائلاً : الضرر يلحق بأعداد كبيرة وهي سلسلة مستفيدة من زراعة البصل من عمال وتجار وأصحاب الكارو وغيرهم، فالتاجر كان ينتظر المزارع ليسدِّد ما عليه من ديون أثناء الموسم وأصبح الوضع معقدًا إذ لا يتحمل مزيدًا من الديون في هذا الظرف، والمزارع أصبح لا يملك شيئًا ويحتاج لإعالة أسرته ولكن من أين؟ هذا السؤال يجب أن تجيب عنه حكومة الولاية وإن لم تستطع فالمطلوب من الولاية والمركز أن يضعوا حجم الأضرار في موضعها الصحيح وتعلن حالة الاستنفار، أما المزارع صلاح قسم السيد فيقول: «أصبحنا ضيوفًا نتيجة تلك السيول والكل هنا يعتمد على محصول البصل وبالتأكيد فإن معظم الأسر ستعاني خاصة أن المدارس على الأبواب وأبناءنا يحتاجون إلى المصاريف الدراسية لذلك نأمل أن يتم إعفاؤهم من أي رسوم في ظل هذه الظروف الاستثنائية ولابد لحكومة الولاية أن تقدِّر هذا الموقف.
* أسرة في العراء
بالرغم من أنه لا حديث هناك غير الأضرار التي لحقت بمحصول البصل إلا أن هناك خسائر في الأرواح حيث غرق طفل في العاشرة من عمره بالجوتاب وفُقد ثلاثة آخرون كما أن هناك فادحة لحقت بالممتلكات والمنازل، ففي منطقة «الصُّور» تبدو الحيرة مرسومة على وجوه أطفال وأسرتهم وهم يستظلون السماء ويلتحفون الأرض وسط الأثاثات المبعثرة والأواني المنزلية في العراء الطلق بعد انهيار منزلهم انهيارًا كاملاً، ويروي كمال عثمان طه رب الأسرة وصاحب المنزل مأساة أسرته بقوله: « كنت خارج المنزل قبل هطول الأمطار ولكني توقعت حدوث شيءٍ ما فحضرت للمنزل وعندها بدأ السيل في الاندفاع بشدة وأحاطت المياه بكل جوانب المنزل فاستنجدنا بالجيران لإنقاذ الأطفال وما هي إلا لحظات حتى انهار المنزل تمامًا والحمدلله لم يُصب أحد بأذى ونشكر معتمد شندي على اهتمامه وزيارته لنا في الموقع إلا أننا ما زلنا فى العراء وكنا نحتاج لمعالجات فورية ولا يحتاج موقفنا إلى لجان حصر فالمنازل التي انهارت لا تتعدى «5» منازل ومنزلنا الوحيد الذي انهار كليًا.. أما المزارع البلولة ود اب قيس فيقول فقدت حوالى 12 رأسًا من الضأن والماعز وكنت أشاهد هذا المنظر وعجزت عن إنقاذها لقوة اندفاع السيل الذي ألقى بها إلى النيل.
* البجراوية أيضًا تشتكي
وفي البجراوية يشتكي المزارعون من عدم اهتمام الوحدة الإدارية بأوضاع السيول والأضرار الناجمة عنها فيقول طارق أبو القاسم: قبل السيول: «كنا في صراع مع إدارة المشروع حول فشل الموسم بسبب العطش حتى جاء ت السيول وزادت «الطين بله» ونأمل أن ينفَّذ توجيه الوالي إبان زيارته للبجراوية هذا بالإضافة لكل المزارعين بالمنطقة الذين تعرضوا لخسائر فادحة خاصة في الجزيرة الحمادابية وغيرها.
* محاولات لتجميد ديون المزارعين
ولمعرفة دور اتحاد مزارعي شندي حول السيول التي اجتاحت كبوشية والقرى المجاورة أكد رئيس الاتحاد محمد دين عبد الرحمن لـ«الإنتباهة» أن الضرر الذي تعرض له المزارعون يفوق إمكانات المحلية وقد تم تكوين ثلاث لجان لعمليات الحصر وستبدأ عملها فورًا وقال إن الإحصائية مقدرة بنحو 10,000 فدان وأكثر من 25,000 جوال بصل بالتقريب ونحن في انتظار نتيجة الحصر النهائية لنقوم برفعها لأجهزة الولاية للبدء في عملية التعويضات وإن عجزت الولاية عن ذلك فسنرفعها للحكومة المركزية، وكشف محمددين عن أن الاتحاد بصدد الاتصال بالبنك الزراعي والسعي لتجميد مديونية المزارعين تحت هذه الظروف، وقال: نثمِّن عاليًا دور حكومة الولاية وعلى رأسها الفريق الهادي ووزير الزراعة لاهتمامها بالحدث وذلك من خلال الجولة الاستطلاعية بطائرة هيليكوبتر طافت كل المناطق المتضررة.
* غياب تام للإعلام
بالرغم من ضخامة الحدث إلا أن أجهزة الإعلام بمختلف أنواعها سجّلت غيابًا تامًا، وحتى إعلام الولاية لم يقم بالتغطية المطلوبة، وبخلاف «الإنتباهة» فلا وجود للإعلام على أرض الحدث، وقد كشفت جولة «الإنتباهة» أن المناطق المتأثرة بالسيول بالوحدة الإدارية أحاطت بالمساحات الزراعية وتلف لمحصول البصل بنسبة 95% تقريبًا حسب ما شاهدناه، ونسبة لوعورة الطريق وبُعد المسافة لم نتمكن من الوصول وتغطية كل المناطق، ونعلم أن الكل يريد أن يعكس الكارثة التي حاقت بمنطقته إلا أنها تبدو متشابهة مع اختلاف حجم الضرر وتفاوته من منطقة لأخرى ومن مزرعة لأخرى تصل إلى أكثر من 2000 جوال الدوشين القبلاب، ديم القراي بمناطقها، قوز الحاج الكبوشاب، كبوشية، الحماداب، البجراوية، الكجيك، الدرقاب، الصور، القلعة، الثورة، قدو، الشبيلًية، وادي الدان، جبل أم علي.
وعد الوالي
وأنا أهمُّ بتقديم هذا التحقيق تلقيت اتصالاً يفيد بأن الفريق الهادي عبد الله والي نهر النيل قد جدد زيارته للمنطقة لليوم الثاني على التوالي بل نقل لي الأخ كمال احمد خطاب الوالي لمواطني قرية «قَدَوْ» عبر جوّاله ويبدو أن الصورة التي لاحت لي في مقدمة هذا التحقيق حقيقية ووالي الولاية يبدي اهتمامًا كبيرًا بمسألة تعويضات المتضررين وليس أدلّ على ذلك من زيارته للوحدة الإدارية وإن كانت معلنة قبل وقوع الكارثة التي حدثت فإن وجوده بين مواطنيه قطعًا سيخفِّف من مصابهم خاصة وأن الوالي أرسل تطمينات للمزارعين بأن يعمل الجميع على تجاوز هذه المحنة ووجّه الوالي معتمد شندي رئيس اللجنة العليا للحصر بزيارات متتالية وفورية للمناطق المتأثرة أما غياب د. نافع علي نافع عن زيارة المنطقة فذلك لأنه كان مشاركًا في المفاوضات بإثيوبيا بين وفدي الحكومة والحركة وكل ما نأمله أن تولي حكومة الولاية مزيدًا من الاهتمام والتعجيل بتعويض المتضررين الذين أصبحوا كما قالوا ضيوفًا