الاستاذ معاويه حسن يسن يقول في كتابه الوافي عن تاريخ الاغنية السودانية عن اغنية امدرمان:
لا ينبغي ان يغفل الباحث دور مدينة ام درمان عاصمة الدولة المهدية والتي كانت مركز الثقافة والفنون ابان المهدية علي رغم التزمت الذي اتسمت به السياسات الثقافية للحكم المهدوي ولعل اهم ما رفدت به المدينة الغناء والفنون اتساعها للقبائل الغربية والبحرية التي استقدمها الخليفه عبد الله فقد نشرت بحكم الاختلاط فنونها الشعبية ووحدت امزجة السكان وانسجم فيها الغناء بميلودياته المختلفة من غربي السودان واواسطه وشماله.
لهذا السبب يري كثيرون ان الاغنية السودانية الحديثة ( الحقيبة) نبعت من ام درمان ومنهم من سماها الاغنية الامدرمانية وعلي رغم من ان الاسباب التي سيقت في تبرير تلك المذاهب تبدو وجيهه وحقيقية الا ان ذلك لا يمنع القول إن الاغنية السودانية الحديثة والمعاصرة انما هي سودانية اذ ان ام درمان نفسها كانت مجموعة سكنية مختلطة الاعراق ومتنوعاتها الي درجة كبيرة.
وفي حديث موزون يقول الدكتور جعفر ميرغني:
ان الشعر الغنائي الذي ينسب الي ام درمان هو في الحقيقة شعر الوسط المدني اينما كان موقع المدينة من السودان الواسع وقد ينسي كثير من متناولي الثقافة الشعبية بالدرس مجتمعات المدن ويسقطونها من حسابهم جملة فاللهجة التي يتخاطب بها الناس في ام درمان اليوم هي ذات اللهجة التي تسمعها في سنار او بورتسودان او الابيض وان ما درج الناس علي تسميته الاغنية الامدرمانية اواغنية الوسط هي في حقيقة الامر اغنية المجتمعات المدنية اينما وجد في السودان ويخلص الي ان ام درمان تركت للسودانيين ابان العهد المهدوي تراثا ثريا جزل الكلمة متين البنية الشعرية قوي التعبير حلو اللحن وكان لهذا التراث اثر كبير في اغاني امدرمان بعد المهدية من كل تلك الجهات اعني حلاوة اللحن وقوة التعبير وجزالة اللفظ وهذا النوع من الشعر كان هو المقدمة للاشعار التي عرفت فيما بعد باسم الحقيبة.
محمد بابكر " الشهير بود الفكي"
فيما كان مجتمع العاصمة غارقا في فن الدوبيت غزا فن الطمبور المدن الثلاث عام 1900 م فقد قدم شاب من منطقة كبوشيه فأخذ الناس علي حين غره بما سمعوه منه من انغام لم تألفها مسامعهم من ذي قبل وهو ود الفكي – فتي انيقا وسيما ملفت للنظر علي خديه درب الطير والده فقيها يقصده طلاب العلم كان يمدح قبل حضوره الخرطوم.
عندما شعر اساطين الغناء في كبوشيه ان ود الفكي يملك موهبة يرجي منها دبروا له السفر للعاصمة للغناء والعمل الكريم بعيد عن اعين والده الفقيه فحل ضيفا علي شيخ الجعليين بالخرطوم " شيخ اريزونا" فارجعه الي كبوشيه بناءا علي طلب والده . عاد ود الفكي الي العاصمة مرة اخري 1915 م واستقر في حي العرضه بامدرمان واستأجر محلا صغيرا في سوق الخرطوم لبيع الخضروات.
جاء ود الفكي هذه المرة للعاصمة ليجد شعراءها وطنابرتها مفتونين باسلوب غنائه . كثرت الطلبات علي سهراته الغنائية وتباري كبار الشعراء علي تزويده الكلمات مثل يوسف حسب الله " سلطان العاشقين".
كان اكبر تحول احدثه غناء ود الفكي في الساحة الثقافية السودانية.
اقبل كبار الشعراء علي نظم قصائد علي روي القصائد التي اتي بها من منطقته مثل العبادي . حقق ود الفكي شهرة فاقت ما تعارف عليه مجتمع العاصمة انذاك.
ابرز دليل علي تاثير اسلوب ود الفكي الجديد ان مؤسس الاغنية الحديثة في البلاد محمد احمد سرور تتلمذ عليه ، حضره وعاصره وغني معه وبدأ بتقليده حتي اكتشافه الاسلوب السائد حاليا.
بدا نجم ود الفكي يافل في واخرالعشرينيات فاعتزل الغناء وكان يرفض الغناء مقابل اجر.
نافست اغنية الحقيبة اغنية التم تم التي كانت ترددها اصوات نسائية ولكن اغنية التمتم استمرت قرابة العقدين من الزمان بعد ذاك فكانت في الاسواق اسطوانات التمتم حتي عام 1939 م للمطربات فاطمه خميس وام الحسن الشايقيه والمطربه ماريا ومهله العباديه وعائشه الفلاتيه.
ابتدعت ايقاع التمتم التوامتان " ام بشاير" و ام زوايد" من مدينة كوستي وربما استجلب من دول المغرب العربي الموجود ايقاع مطابق له هناك.
الليلة الخالده العام - 1920 م
دعي المطربان الحاج محمد احمد سرور والفنان الامين برهان الي احياء حفل زواج التاجر الامدرماني بشير الشيخ عام 1920 م . كان هناك صراع حاد بين سرور وفرقته قيل بسبب انه يحب التجديد وهم يريدون ان يلتزم بالمتعارف انذاك او انهم ضاقوا ذرعا بقوة صوته الذي كان يحجب اصواتهم تماما أو كانت معجباته كثر فحدث في الحفل خلاف بينه والطمباره ممن يرون ان سرور بقوة حضوره يضعهم دائما علي الرف.
القصة انه عندما هم سرور بالوقوف امام حضور الحفل كان الطنابرة قد حزموا امرهم بالاضراب عن الغناء خلفه . مرت لحظات عصيبه طلب المجتمعون من سرور ان يغني لهم دون طنباره . سرور بعناده وحضوره وثقته في نفسه استدعي اقرب المعجبين وقال له تعال وقف معي . قال : لكن انا ما بعرف الكرير فقال له سرور " اسمع وردد اخر شطر في بيت الدوبيت حتي استرد انفاس واقول بيتا اخر فتردد آخره " وهكذا كان ممكن ان تموت طريقة الاداء الجديدة لولا ان الحفلات كانت تستمر اربعين يوما تبعه في الايام التالية الامين برهان . كان ذلك خير سبب لترسيخ النمط الغنائي الجديد .
منقووووووول