من قصص التابعين
من نقل أبي حسام القاضي
ليس أفضل من قصص التابعين والسلف الصالح نقتبس من نورهم ونزداد من علمهم، وهذه قصة حدثت لأمير المؤمنين "هشام بن عبدالملك"، وكان يومها يوشك أن يقع في الكبر والعجب لولا رحمة الله به أن أرسل إليه من يعظه، ويعظنا بتواتر أخباره، وقصته إلينا: فحكي أن "هشام بن عبدالملك" قدم حاجاً إلى مكة المكرمة .. فلما دخلها، قال: أتوني برجل من الصحابة، فقيل له: يا أمير المؤمنين قد تفانوا، فقال: من التابعين، فأتي بـ "طاوس اليماني" فلما دخل عليه، خلع نعليه بحاشية بساطه، ولم يسلم عليه بإمرة المؤمنين، ولكن قال: السلام عليك يا هشام، ولم يكنه وجلس بإزائه وقال: كيف أنت يا هشام؟ فغضب "هشام" غظباً شديداً حتى هم بقتله، فقيل له: أنت في حرم الله وحرم رسوله ولا يمكن ذلك، فقال "هشام": يا "طاوس" ما الذي حملك على ما صنعت؟ فقال: وما الذي صنعت، فإزداد "هشام" غضباً وقال لـ "طاوس": خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تقبل يدي، ولم تسلم عليّ بإمرة المؤمنين، ولم تكنني، وجلست بإزائي بغير إذني، وقلت: كيف أنت يا "هشام"؛ فقال "طاوس": أما ما فعلت من خلع نعلي بحاشية بساطك، فإني أخلعها بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات، ولا يعاقبني ولا يغضب عليّ، وأما قولك لم تقبل يدي، فإني سمعت أمير المؤمنين "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه يقول: لا يحل لرجل أن يقبل أحد إلا إمرأته من شهوة، أو ولده من رحمه. وأما قولك، لم تسلم عليّ بإمرة المؤمنين، فليس كل الناس راضين بإمرتك، فكرهت أن أكذب، وأما قولك: لم تكنني، فإن الله تعالى سمى أنبياءه وأولياءه فقال: يا "يحيى"، يا "عيسى"، وكنى أعداءه، فقال: "تبت يدا أبي لهب وتب"، وأما قولك: جلست بإزائي، فإني سمعت أمير المؤمنين "علياً" رضي الله عنه يقول: إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار، فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام .. فقال له "هشام": عـِظني .. فقال "طاوس": سمعت أمير المؤمنين "علي" رضي الله عنه يقول: إن في جهنم حيّات كالقلال وعقارب كالبغال، تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته .. ثم قام رحمه الله.