أيام الاسلام الغراء كانت في فجر الاسلام حين بلغ رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة وأتم التسليم رسالته الخالدة وادى الامانة ونصح الامة المحمدية وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ونعم المسلمون في ذلك الزمان بمعايشتهم خير خلق الله عن كثب وكان قدوتهم المثلى في امور دينهم وديناهم فقد تجسدت فيه محبة رب العالمين وخشيته. وكان مثالاً للامانة والزهد والرحمة والتقشف ومكارم الاخلاق. وقد أصبح كل من تأسي به من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين في صفاء ملائكة الله ونقائهم. وكان كل مسلم يدرك ان الآخرة خير له من الاولى وان مثل الانسان في الحياة الدنيا كمثل شخص يستظل بشجرة لفترة وجيزة ثم يغادرها، وكانوا يقولون «الدنيا ساعة فأجعلها طاعة». وظلوا يبتهلون ويتضرعون لرب العالمين قائلين «اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ومبلغ علمنا» وكان همهم الاستعداد للجهاد في سبيل اعلاء كلمة الحق وقراءة القرآن بتفكر وتدبر ليلاً ونهاراً، ويتقربون الى المولى جل وعلا بالنوافل ويقتدون بسيد ولد آدم في كل كبيرة وصغيرة ولا يلقون بالاً لعرض الدنيا الزائل من مطايب الاكل وملذات الشراب او ارتداء الملابس الفاخرة وناعم الثياب.
أما نحن في عالم اليوم فقد اصبحت الحياة الدنيا شغلنا الشاغل وكل من تقابله يقول لك انا في حالة «جري» مستمر . وعندما يقبل المرء على الدنيا بكلياته فان همه الأكبر هو ان يحصل على اكبر قدر من عرض الدنيا الزائل بعد ان ترسخ في عقله قول الشاعر العربي: «رأيت الناس قد مالوا الى من عنده المال ومن لا عنده مال فعنه الناس قد مالوا» وأمثال هؤلاء المتكالبين على الدنيا التي هي دار ممر وتفضيلها على الآخرة التي هي دارمقر هم الذين عناهم سيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم» في حديثه الشريف:«لو كان لابن آدم جبلان من ذهب لتمني ان يكون له ثالث.. لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب» وبما ان الحياة الدنيا هي المعبر الى الآخرة فان رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يقول لنا «تزودوا فإن خير الزاد التقوى».. ويقول التقوى ها هنا يشير الى موضع القلب. وسئل الامام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن التقوى فقال عبارته الشهيرة التي جمعت فأوعت «التقوى هي الرضا بالقليل والخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل» وخير من كان يرضى بالقليل سيد الاولين والآخرين عليه صلاة الله وسلامه فقد كان يمر الهلال والهلال والهلال اي ثلاثة اشهر ولا توقد في بيته نار ويكتفي بالاسودين الماء والتمر ولا يهتم باقتناء فاخر الثياب كما كان يفعل قادة الامم في ذلك الزمان من ملوك واباطرة بل كان يرقع ثيابه ويخسف نعله ويحلب شاته ويساعد اهل بيته في القيام ببعض شئون المنزل، وهذا منتهي التواضع وكانت حجراته صغيرة من الطين وجريد النخل. وعندما جاءته سيدتنا فاطمة الزهراء بعد زواجها تطلب خادمة تعينها على القيام باعباء البيت نصحها بان تقوم باعباء بيتها بمفردها وتستعين دائماً بترديد الباقيات الصالحات.
وكان كثيرمن الصحابة يبقون في بيوتهم الى ان يغسل الثوب الوحيد الذي يملكونه حتى يجف ويلبسونه. ومن احاديث الرسول «صلى الله عليه وسلم» «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع واذا اكلنا لا نشبع» وقوله «ما ملأ ابن ادم ودعاءً شر من بطنه فحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فان كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه». اما اهل هذا الزمان فان تناول صنوف الطعام وألوانه وبأسراف شديد يعتبرونه ضرباً من الترف ورغد العيش والتمتع بملذات الحياة ومما يؤسف له ان جل هذا الطعام الكثير يلقى في القمامة بينما ملايين الفقراء يتضورون جوعاً ويبيتون على الطوى وكما يقول شاعرنا الكبير الراحل محيي الدين فارس «والملايين الحفاة الجائعون مشردين وعيونهم مقروحة الاجفاف ذابلة الريق».
وقصة ثوب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما كان يخطب في ملأ من المسلمين وهو يرتدي ثوباً أطول من ثياب بقية المسلمين فقال: ايها المسلمون اسمعوا وعوا.. فقال له سلمان الفارسي رضى الله عنه تلبس ثوبين وتعطينا ثوباً ثوباً وتريدنا ان نسمع ونطيع. فقال سيدنا عمر لابنه عبدالله رضى الله عنهما قم أجب سلمان فقال عبدالله لقد اعطيت الثوب الذي تسلمته لابي ليزيد به ثوبه.. فبكى سلمان.
وكل مسلم يعرف ماذا حدث عندما طلبت زوج سيدنا عمر ان يشتري لهم بعض الحلوى فقال (من أين لي ثمن الحلوى فاشريها؟)
وكان الصحابة عندما يشتد الجوع باحدهم يربط حجراً على بطنه.. اما المجتبى المختار «صلى الله عليه وسلم» فقد كان يربط حجرين. والمسلمون الاوائل من امثال سيدنا بلال رضى الله عنه وآل ياسر تعرضوا لاقسى انواع التعذيب ولكن قلوبهم العامرة بالايمان بالله تجعلهم يقولون «أحد أحد». وعاش سيدنا يونس في ظلمات ثلاث في بطن الحوت ولكنه لا يكف من التمسك بحبل الله المتين ويردد «لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين». فهؤلاء المصطفون الاخيار يؤمنون بأن نعمة الايمان لا تعادلها نعمة وان ما عند الله خير وابقى ورسولنا الكريم تعرض للاذى من بعض أهل الطائف فكان يردد دعاءه المفعم بالايمان «ان لم يكن بك غضب علىَّ فلا ابالي» والمسلم عندما يستيقظ في الصباح يحمد الله الذي لم يقبض روحه اثناء النوم ويقول: «سبحان الذي احيانا بعد اذ اماتنا وإليه النشور». وكانت للسيدة فاطمة الزهراء ثلاثة ارغفة فجاءهم مسكين ثم يتيم ثم أسير يطلبون الطعام فاعطوهم كل ما لديهم وباتوا جياعاً فنزلت الآية الكريمة: «ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً واسيراً» والمؤمن الحق يوقن بان نعمة الاسلام لا تعادلها نعمة فقد قال الشاعر:«الحمد لله اذ لم يأتني اجلي حتى اكتسيت من الاسلام سربالا»..
وقول الشاعر :
ومما زادني شرفاً وتيهاً? وكدت باخمصي اطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي? وان صيرت أحمد لي نبيا
والمؤمنون يدركون بان نعم الله على عباده تجل عن الحصر فهم مثلاً يقولون «سبحان الله الذي أطعمنا وسقانا».. ويشكر المؤمن ربه حتى على النفس الذي يعلو ويهبط وعلى جميع الحواس وعلى نعمتي السمع والبصر وغيرهما. وهناك رجال عباد زاهدون يدخلون «الخلوة» لايام وايام وزادهم في خلوتهم الذرة والقرض والماء وعندما يخرج العابد من خلوته ترى وجهه يتلألأ ويكاد يشع نوراً.. اما الخوف من الجليل وهو خالق كل شئ والكبير المتعالي فيتمثل في أن تعبده كأنك تراه فإن لم تكن تراه فانه يراك. فالمولى جل وعلا يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور فعلى المسلم ان يراقب الله في كل كبيرة وصغيرة ويحرص على النأي بنفسه عن كل شئ يغضب خالقنا الرحيم الحليم وان يتصدق على الفقراء والمحتاجين بحيث لا تعلم شماله ما فعلت يمينه، وان يتذكر قوله تعالى «ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره» ويكثر من التهليل والتسبيح والتكبير والصلاة على النبي وان يكون لسانه دائماً رطباً بذكر الله وان يكثر من الاستغفار فان الله يغفر الذنوب جميعاً إلا ان يشرك به ويحب الله تعالى العبد اللحوح في الدعاء.. وعليك ان تكون في حلك وترحالك قدوة حسنة ومثالاً للمسلم الحق فلا تنه عن خلق وتأتي مثله وان تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وعلى العبد المسلم ان يكثر من التقرب الى الله النوافل «ما يزال العبد يتقرب الى بالنوافل حتى احبه ، فاذا احببته كنت عينه التي يبصر بها واذنه التي يسمع بها ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها». ويكثر العبد المسلم من ترديد الحمد لله تعالى على آلائه ونعمه مثل «اللهم لك الحمد عدد خلقك وزنة عرشك ومراد كلماتك ورضاء نفسك» وان يقول دبر كل صلاة: «اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ولا تجعلني من الغافلين».
اما فيما يختص بالعمل بالتنزيل فعلى المسلم ان يواظب على تلاوة القرآن الكريم فهو مأدبه الله ويقول تعالى «ما فرطنا في الكتاب من شئ» وعليه ان يسعى دائماً وبكل الصدق ليكون خلقه القرآن فيأتمر بأوامره ويجتنب نواهيه. والتلاوة الحقة تكون بالتدبر والتفكر في الآيات فان مر المسلم بآية للعذاب يستعيذ بالله من غضب الله فلا مهرب منه إلا اليه. وان مر على آية للثواب طلب من الله رضاءه وعفوه وان يجعله من أهل اليمين وأهل الجنة ومن اراد الدنيا فعليه بالقرآن ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن ومن ارادهما معاً فعليه بالقرآن. وقال رسولنا الخاتم عليه افضل الصلاة واتم التسليم «اوصيكم بما ان تمسكتم به لن تضلوا ابداً كتاب الله وسنتي». يقتضي العمل بالتنزيل تحكيم المسلمين شرع الله ويجعلون ذلك هدفهم الاسمى وغايتهم المثلى. أما بالنسبة للاستعداد ليوم الرحيل فان المسلم يجب عليه ان يوطن نفسه على ذلك فالموت حق. وقول الله تعالى المحيي والمميت يؤكد ذلك «انك ميت وانهم ميتون» و«اينما تكونوا يدرككم الموت» و«كل نفس ذائقة الموت» وقال الشاعر:
كل ابن أنثى وان طالت سلامته ? يوماً على آله حدباء محمول
وليس الموت نتيجة للمرض وحده فقد يكون بسبب صعقة كهربائية او سقوط طائرة او غرق مركب او يكون الانسان مستلقياً في غرفته وهو يقرأ فيتوقف قلبه فجأة وتفيض روحه «تعددت الاسباب والموت واحد»، والموت ليس لكبار السن وحدهم فقد يموت الطفل والشاب وبما ان اجل الله اذا جاء لا يؤخر ولا يعلم ذلك إلا الله فان المسلم يجب عليه ان يتوقع الرحيل في أية لحظة ويكون مستعداً دائماً له لانه قد يموت فجأة دون علة او مرض وهذا أمر كثير الحدوث ولذا يتوجب على المؤمن بالله ان يكون مستعداً دائماً للرحيل الى دار البقاء ويستحب ان يرد المصلي في كل صلاة مكتوبه «ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا اول المسلمين» وعليه ان يتصور في هذا المقام نعشه وهو مسجى بالكفن داخل القبر فهذه تذكرة دائمة له في كل صلاة وقبل قراءة الفاتحة في الركعة الاولى وعلى المسلم ان يصلي كل صلاة مكتوبة او نافلة صلاة المودع بكل الخضوع والخشوع والطمأنينة ويذكر نفسه بأن هذه قد تكون آخر صلاة له في الحياة الدنيا.. وبما ان الحياة الدنيا لا تسوى شيئاً عليه ان يخالق الناس بخلق حسن ويسعى دائماً لفعل الخيرومرضاة الله ويتذكر قول المصطفى «صلى الله عليه وسلم»: «وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم» ومن المستحب ان يتوضأ المسلم قبل ان يأوى الى فراشه. وعلى المسلم كتابة وصيته الشرعية، قال سيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم» «من مات على وصية مات على كتاب وسنة. ومات على تقى وشهادة» وقال «ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شئ يريد ان يوصى به الا وصيته مكتوبة عند رأسه» رواه الشيخان. ويبدأ المسلم بكتابة وصيته قائلاً :«اوصي بما هو آت أقر انني اشهد ان لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله أسال الله ان يحفظها لي في الميزان فاني راضٍ بقضاء ربي ومحسن الظن بربي وانا برئ من من يلطم الخدود ويشق الجيوب فاذا فرغتم من دفني استغفروا الله لي وأسألوا لي التثبيت عند السؤال.
ولا ترفعوا قبرى أكثر من شبر ولا تكتبوا شيئاً عليه وضعوا حجراً علامة مكان رأسي وأوصي بتسديد ديني حتى لا يحبسني او يحرمني من رحمة الله وتحصيل مالي من ديون على الناس إلاًّ من كان معسراً فاسامحه بما لي عليه وليأخذ ورثتي نصيبهم من الميراث كما شرع الله دون حرمان أحدهم من ذلك. واوصى اولادي خاصة بان يكثروا من الاعمال الصالحة والدعاء لي فان ذلك مما ينفعني بإذن الله وفيما يلي أوضح ما علىَّ من دين.
اسم الدائن وقيمة الدين ونوع الدين وعنوان الدائن ورقم هاتفه.. اما ما لديه من مال عند الغير فهو كالآتي:
اسم المدين وقيمة الدين ونوع الدين وعنوان المدين ورقم هاتفه.