احمد حامد المنصوري عضو جديد
عدد المساهمات : 10 تاريخ التسجيل : 12/09/2012 العمر : 40 الموقع : ahmednassrblog
| موضوع: الحماداب مدينة مروية عظيمة الخميس أكتوبر 11, 2012 3:16 am | |
| [justify]في هذه المساحة أود ذكر بعض المعلومات التي تحصلت عليها من خلال مشاركتي في التنقيب الآثاري بموقع الحماداب مع البعثة الألمانية في موسمين 2011 – و2012م وجل هذه المعلومات تؤكد عظمة منطقة الحماداب ودور في تبلور الحضارة السودانية المروية. يقع موقع الحماداب حوالي (200) كلم شمال الخرطوم ، على الضفة الشرقية لنهر النيل غرب قرية الحماداب في منطقة كبوشية، ويبعد حوالي 3 كلم جنوب مروي القديمة ويغطي حوالي 300 x 200 متر في الجزء الجنوبي وحوالي 500 x 300 متر تقريباً في الجزء الشمالي ويرتفع حوالي 4 متر عن محيطه. وبهذه الوضعية فإن الناظر لموقع الحماداب يلاحظ أنه عبارة عن تلال مرتفعة من البقايا الأثرية، تكونت في الأصل فوق حيز جغرافي مرتفع عن محيطه على حافة نهر النيل الشرقية وسط أراضي زراعية، يفصله عن قرية الحماداب مرتفع من الكثبان الرملية، ويتكون الموقع من كومين، كوم شمالي تفصل بينه وضفة النيل قليل من الأراضي الزراعية ويمتد في شكل مرتفع منساب تجاه الشرق وأكثر ارتفاعاً في الوسط، و تغطي سطحه البقايا الأثرية من شقف الفخار وبقايا صناعات حجرية وبقايا مباني، ويبدو من خلال مظهره العام أنه عبارة عن ركام لمستوطنة سكنية، وتنشر عليه شجيرات الدوم لذلك سمي بدومة الحماداب. وهو بهذه الطبوغرافية شبيه ببعض المواقع شمال مروي القديمة، مثال موقع الصور الذي سمي من خلال انتشار شجيرات الدوم الصغيرة (الصور). ولا يبدو أن هناك أشجار دوم عالية في الموقع، وتنعدم حول محيطه، عدا القليل داخل قرية الحماداب، غير أن الأهالي يتحدثون عن أن هناك شجرتين من أشجار الدوم الطويل تمت ازالتهم من الموقع من قبل الأهالي. والكوم الآخر الجنوبي عبارة عن مرتفع من البقايا الأثرية، لا يقل ارتفاعاً عن الكوم الشمالي غير أن البقايا الأثرية على سطحه أقل انتشاراً إذا ما قورنت بالكوم الشمالي، وقد أفادت المسوحات الجيوفيزيائية والاختبارات الأولية من تنقيب آثاري إلي أنه يمثل منطقة مدافن لمستوطنة الحماداب.
إضافة إلي أن المسوحات الأثرية كشفت عن كوم آخر إلي الشمال من الكوم الشمالي وبالقرب من البجراوية، أقل ارتفاعاً من الكومين وأقل مساحة في تبعثر البقايا الأثرية ويتوسط منطقة زراعية، وتشير دراسات السطح ودراسة بعض الملتقطات الأثرية إلي أنه يمثل موقع استيطاني يعود للفترة المبكرة من الحضارة الكوشية أي فترة نبتة، نسبة لتماثل البقايا الأثرية عليه، مع آثار حضارة نبتة في منطقة جبل البركل. يمكننا أن نستخلص من الملاحظات الأولية حول وضعية الموقع الجغرافية ومكوناته، أنه ذو وضعية خاصة، تقود إلي أن اختيار المكان والزمان، جاء وفق تلبية احتياجات خاصة للإنسان المروي في موقع الحماداب، باعتبار أن وجود الموقع على حافة النيل أشبه بأنه مستوطنة تعتمد على النيل في استقبال الوارد وإرسال الصادر في شبكة علاقات مع المدن المروية الأخرى، المتراصفة على ضفاف النيل من شمال السودان وأواسطه، غير أن القليل من الأدلة الأثرية ما يدعم ذلك، خصوصاً إذا نظرنا إلي ما خرجت به الحفريات من الموقع حيث لم توجد أدلة واضحة على تبادل تجاري مع مواقع أخرى عدا بعض الأواني الفخارية – البرونزية والمجوهرات الذهبية. تقود ملاحظات أخرى إلي أن وجود الموقع على حافة النيل الشرقية وعند مصب وادي الهواد وفي حيز جغرافي تحفه أراضي زراعية منخفضة، أشبه بأنه جزيرة خلال العهد المروي، حيث نادت بهذا الرأي العديد من الدراسات (Ahmed.1984) و (Wolf.2006) وما يحفز هذا الاحتمال هو الزحف الصحراوي الذي غير من وضعية الموقع القديمة عن الحالية، حيث الناظر إلي صور الموقع في بدايات القرن المنصرم من أعمال جارستانق، يلاحظ أن الحاجز الرملي الذي فصل الموقع عن قرية الحماداب شرقه لم يكن موجوداً. واذا قارنا ما بين التركيبة المعمارية للمستوطنة السكنية ووضعية الموقع، فهو أشبه بأنه معسكر ذو حماية طبيعية وحماية صناعية بسور المدينة الضخم، وهذا ما تدعمه بعض الأدلة الأثرية من اختام الصيادين وتعدد الغرف السكنية داخل الوحدة الواحدة من المدينة السكنية، الا أن الأدلة الأثرية من أكوام الفخار وبقايا تالف صناعة الحديد وبعض المشغولات الصناعية، تتنافى مع هذا التفسير وتشير إلي أن الموقع يمثل منطقة انتاجية أكثر من أنه منطقة عسكرية، كما تدعم ذلك الفترة الزمنية التي نشأ فيها الموقع بالنسبة للحضارة المروية التي كانت أكثر استقراراً وانتاجاً في القرون الميلادية الأولى. ويصبح الأمر رهن الاكتشافات الأثرية اللاحقة لتحديد هوية الموقع على وجه الدقة. إن تراصف الموقع مع سلسلة من المستوطنات المروية جغرافياً وزمنياً يطرح سؤالاً حول أهميته لتلك المواقع ومكانته منها، خصوصاً علاقته بالمدن المروية في سهل البطانة، خصوصاً أن هناك رابط بينه وبين تلك المدن وهو وادي الهواد، حيث تشير دراسات الأبحاث الجغرافية ومعلومات الأقمار الصناعية إلي أن وادي الهواد قد كانت مياهه شبه موسمية تنحدر من سهول البطانة الجنوبية، وأن القبائل الرعوية التي كونت مواقع البطانة كانت في هجرات سنوية على طول وادي الهواد وتعتمد عليه المدن المروية الملكية كطريق تجاري. ، كما تشير أبحاث الجيولوجيا والجغرافيا إلي أن وادي الهواد خلال الألفي سنة السابقة قد تصحر وزحفت الرمال على مجراه، ومن المحتمل أن الحماداب كانت تقع على حافته عندما يلتقي بنهر النيل في ذلك الزمن، وهذا ما يشير إلي أنها كانت موقعاً مركزياً تلتقي فيه مجموعات البطانة بمدن النيل عبر وادي الهواد. وهذه الملاحظة تقود إلي تساؤلات أخرى، لماذا أغلب المدن ارتبط كل منها باسم ملك واحد، مثل موقع ود بانقا ارتبط باسم الملكة أماني شخيتو ، موقع الحصا باسم الملك أماني خير كريم والحماداب اسم الأمير أكنداد. هل هي مدن خاصة بملوك محددين أم تم بناؤها في عهدهم ، أم كانت عواصماً في عهدهم، وإذا لم تكن كذلك فماذا كانت تمثل بالنسبة للعاصمة مروي، هل هي ولايات تابعة لها أم مشايخ، أم مدن ذات خصوصيات في المرتكز الاقتصادي والعسكري، أم كلها نشأت في زمن واحد وكان لكل ملك موقعه المفضل، أم هي مدن ذات وضعيات خاصة ارتبطت أكثر بالنيل مثلما ارتبطت مدن كركميش وآشور بضفاف نهري دجلة والفرات، مثل هذه الاحتمالات تحتاج إلي تنسيق علمي ما بين البعثات العاملة في حقل الآثار المروية حول منطقة شندي، لتوحيد الفرضيات والأهداف من أجل الخروج بفهم أعمق وأشمل لكينونة الحضارة المروية. وكشفت أبحاثنا وتنقيبباتنا في موقع الحماداب سور المدينة ومكوناته من وحدات سكنية - صناعية – دينية يشير إلي مرحلة متقدمة من التحضر، خصوصاً أن التفرد في نوعية المباني وكثرتها في المربوع الواحد داخل سور واحد يشير إلي أن هناك كثافة سكانية عالية، وهذا العدد الكبير يشير إلي احتمالين: اما أنها مدينة سكنية شعبية، بجانب سكن حرفيين واداريين وعسكريين، أو أنها مدينة سكن عمال بدون أسر، قطنوا المدينة في شكل جماعات عملية (شلليات) تعمل في تصنيع الحديد والفخار والمشغولات الأخرى، مع الاداريين ولربما بجانبهم العسكريين، مع أن ظهور بعض المجوهرات وحفر الدخان والمشغولات النسائية يشير إلي وجود أسر. ومن خلال شكل المنزل الواحد الذي يحوي عدد من الغرف بدأت بغرف صغيرة ومن ثم توسع حجمها، يمكننا اقتراح أن هناك زيادة في الكثافة السكانية، وهو ما قادهم لتضييق شكل الغرف من غرفة واحدة إلي غرفتين ومن ثم أن المنزل في النهاية بني على طابقين. وما يدل على التوسع في السكن هو تغيير بوابة المنزل، حيث ظهر أنه لا يفتح في الشارع الرئيسي وانما في شارع جانبي (زقاق)، ومنه إلي الداخل توجد بعض الممرات الضيقة المزودة بسلالم تقود إلي الطابق الثاني من المنزل، كما أن المطبخين في المنزل الواحد دليل آخر على طبيعة السكن، خصوصاً وأن الاصلاحات والتعديلات التي طرأت على المنزل ذادت من عدد الغرف وغيرت من أشكالها، عبر مراحل المدينة الثلاث، مما زاد الأمر تعقيداً، عندما نحاول التعرف على مدى شعبية سكان الحماداب من أنهم أسر الصناع والحرفيين والنجاريين والتجار والعسكريين، أم أنهم جماعات من هذا القبيل، بها القليل من النساء كعاملات في النشاطات النسائية التي تحتاج إليها تلك الفرق، أو أسر لبعض رؤساء الجماعات العمالية والاداريين، وفي كل الأحوال مستوطنة شعبية وليست ملكية. معظم الملاحظات من الطراز المعماري والمشغولات التي يتم العثور عليها يومياً في مدينة الحماداب، حتى الآن تشير إلي أنه مجتمع حرفي – صناعي متحضر، لم يكن مجتمع زراعياً – رعوياً، ويدعم هذا الاستنتاج عدم العثور على أدلة لحظائر الماشية أو مخازن كبيرة للمحاصيل الزراعية داخل السكن، خصوصاً أن الباحث وولف (Wolf) يشير ألي أنهم طبقة عمالية من الفحامين والحدادين والخبازين والنجارين وصناع الفخار وصناع سلال الخيزران والنساجين والبنايين ولربما موظفين واداريين، وهذا بالطبع أقرب لما هو موجود من دلائل أثرية، غير بعض المؤشرات من ضخامة السور على شكل تحصينات دفاعية تشير إلي أنها مدينة لطبقة عليا (غالباً تكون الطبقة الوسطى في الحضارة المروية) طبقة المنتجين، خصوصاً اذا ربطنا ضخامة السور بالمسلة التي تحكي عن حرب بين الرومان والمرويين، حيث التفسير الأقرب إلي أن هذه المدينة تم تسويرها خشية الزحف الروماني، ولكن السؤال لماذا يتم تسويرها دون سائر المدن المروية الأخرى جنوبها، هل لأنها مدينة انتاجية أم أنها سكن ملكي؟ وعندما نتحدث عن أنها مسورة لماذا لم يتم العثور على أبراج مراقبة حول السور لتراقب الحركة عبر نهر النيل؟ ولماذا اختير هذا المكان الذي لا يتميز بحماية طبيعية مثل النقعة والمصورات الصفراء من الجبال والخيران والطبيعة الوعرة ؟ خصوصاً أن السهل شرق الحماداب مفتوح على البطانة السهلية. من خلال ما سبق يتضح أن مستوطنة الحماداب عن وصيفاتها من المدن في العهد المروي من المدن الأخرى، وهي ذات طابع فريد، لا نجده في الحضارات السودانية القديمة، ولا حتى في منطقة كبوشية اليوم، خصوصاً أن قرية الحماداب الحالية تعتمد في مرتكزاتها الاقتصادية على الزراعة والرعي، عكس ما أسفرت عنه الدلائل الأثرية في الحماداب المروية، غير أن هناك بعض العينات من التربة كشفت عنها التحاليل المعملية أنها تحتوي على بذور قطن، وهو ما يفتح مجالاً كبيراً للتساؤل حول المناخ والأرض وأهمية القطن كمرتكز تجاري وصناعي في الحضارة المروية. وفي الجانب الآخر يطرح سؤالاً حول زراعة القطن في موقع الحماداب، وهو ما قد يثير الشكوك في أنها مدينة انتاجية صناعية فقط، بل رافقت الصناعة الزراعة، وهما الاثنان مثلا العمود الفقري لأهمية مستوطنة الحماداب كمدينة حضرية – شعبية بالنسبة للحضارة المروية. [/justify] [center][img][/img][img][/img][img][/img] | |
|