جلست إليه مشفقاً وقد غمره عقد من الزمان ... قلت له لماذا لم تتزوج بعد موتها . . ؟؟ فانظروا ماذا قال ..!!
قصدته في سانحة خلو وصفاء ، وقلت ، ... أما كفاك يا أخي ..! لماذا لم تتزوج وقد طال بك الأمد ، وتلألأ برأسك بياض في الشعر .!! وأنت لازلت تتراءى في عمر الشباب الغض ، نشاطاً وقوة في البدن ، ..؟
أطرق طويلاً ... ورفع بصره عالياً ، حسبته يخترق ضباب الفضاء ، وقال : الحمد لله ..
قلت ونعم بالله ، فالموت حقاً وكلنا لها .... أليس كذلك ..؟
لاحت بين شفتيه بسمة ظمآى ، وردد بعدي ، كلنا لها ...... وأضاف ، ولهذا أنا منتظر لقياها عندما أكون عند الرفيق الأعلى ... ثم أعتدل مجلساً ، وقال :كنت ياأخي أكره إسم الموت مجرد سماع اسمه ، فما بالك بالموت .. ،
وواصل إجابته ، عندما فارقتني في صباح جمعة مباركة ، وفي ، شهر مبارك ، شهر رمضان بوجهها الطلق الصبوح ، حينها عرفت أن للموت أصدقاء وأحباب ، يعرفهم بسيمائهم ، .. فاتخذته من تلك اللحظة صديقاً لي ، ..
وخاطبته وهو يدنو منها ، شيئأً فشيئا ، ... وقلت : أيا موت ، هي رقيقة وفية ودودة ، وأنا أصير متيماً محزوناً ، فاوعدني وعد رفق بها ، وأوصي تراب بيتك أن يكون خليلها ، وانعم بحنوطك أن يكون طيبها
وانثر أريجك أن يكون نسيمها ، فهي المعطرة بخلقها وطباعها ، ...
قلت له كفى ..! وها قد مر عقد من الزمان أضيف الى سنوات عمرك ، ... واعلم ، أن الميت يتمنى أن يُنسى ( بضم الياء ) ، عندما يكون في نعيم ، فما عادت الذكرى بلسماً لجراح ، وأنت العليل الوافي ، ..
قال : كم عشت معها حلو المقام ، وطيب الكلام ، وراحة البال ، ، وأطعمتني براحة اليد مزاق الشهد ، وكريم المد ، ودفنت كل رأسي في وسادة الصدر .. وكم كان يسحرني منها وميض الثقر ..!
قلت ، رجاءً كفى ، ... فما أراني إلا خاسر نصحاً ومبددِ لآمالي ، ..
وأنا عند صديق غير مالكِ لرجائي ،... فعذراً أخي عذراً .. ياوفي الحب عذراً ، واجعل عند مولاك عوضاً وفي قلبك رضاءً ، فهي لم تكن لك حقاً ، فما الحق إلا لمن أعطى وأخذ ، فخذها دعوات مخلصات تجلي بها
أمانة ، وحزناً وفراقاً ....
ولكم تحيتي ...
من موقع سودانيز اونلاين