كبوشية إصالة التاريخ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


كبوشية التاريخ المبهر والواقع المحزن الذي نسعي لتغييره
 
الرئيسيةالبوابة*أحدث الصورتسجيل دخول الاعضاءدخولالتسجيل
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
عادل عثمان مصطفي
قصة الخلافة العثمانية I_vote_rcapقصة الخلافة العثمانية Voting_barقصة الخلافة العثمانية I_vote_lcap 
أبوبكر الرازي
قصة الخلافة العثمانية I_vote_rcapقصة الخلافة العثمانية Voting_barقصة الخلافة العثمانية I_vote_lcap 
ود عدلان
قصة الخلافة العثمانية I_vote_rcapقصة الخلافة العثمانية Voting_barقصة الخلافة العثمانية I_vote_lcap 
كمال الحاج احمد
قصة الخلافة العثمانية I_vote_rcapقصة الخلافة العثمانية Voting_barقصة الخلافة العثمانية I_vote_lcap 
حسن دينار
قصة الخلافة العثمانية I_vote_rcapقصة الخلافة العثمانية Voting_barقصة الخلافة العثمانية I_vote_lcap 
أبوعزة
قصة الخلافة العثمانية I_vote_rcapقصة الخلافة العثمانية Voting_barقصة الخلافة العثمانية I_vote_lcap 
النعمان نورالدائم
قصة الخلافة العثمانية I_vote_rcapقصة الخلافة العثمانية Voting_barقصة الخلافة العثمانية I_vote_lcap 
ودالعمدة
قصة الخلافة العثمانية I_vote_rcapقصة الخلافة العثمانية Voting_barقصة الخلافة العثمانية I_vote_lcap 
ام شفيف محمد حامد
قصة الخلافة العثمانية I_vote_rcapقصة الخلافة العثمانية Voting_barقصة الخلافة العثمانية I_vote_lcap 
بنت محجوب البشير
قصة الخلافة العثمانية I_vote_rcapقصة الخلافة العثمانية Voting_barقصة الخلافة العثمانية I_vote_lcap 
المواضيع الأكثر نشاطاً
شعراء الاغاني السودانية
سـمــك ..لـبـن ..تـمـــــر هـنــــــدى
وين الشباب
الموسوعة العالمية للشعر العربي.. الشعر الفصيح
شعراء الحقيبة... توثيق شامل
فـــن الـكــاريـكـاتـيـــــر
تـعـالـــوا اخــدزا لـيـــكـم عــرضـــه
وقفات مع عباقرة اهل المسادير ؟؟
اغانى واغانى
الشعر الشعبي والدوبيت والمسادير
المواضيع الأكثر شعبية
كلمات اغاني الفنان محمد النصري
الشعر الشعبي والدوبيت والمسادير
شعراء الاغاني السودانية
الرقم الاكثر تكراراً في القرآن الكريم
وقفات مع عباقرة اهل المسادير ؟؟
شعراء الحقيبة... توثيق شامل
السيرة الذاتية للفنلن محمد وردي
اجمل ماقيل عن التسامح والعفو (المسامح كريم)
وقفات مع عباقرة اهل النم والدوبيت
اخترنا لكم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
المواضيع الأخيرة
» قرية جبل أم علي
قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالسبت أغسطس 18, 2018 5:13 pm من طرف متوكل هاشم عثمان العوض

» Do you know what is family
قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالجمعة أغسطس 17, 2018 9:26 pm من طرف متوكل هاشم عثمان العوض

»  مرحبا بالاخ متوكل هاشم
قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالجمعة أغسطس 17, 2018 9:08 pm من طرف متوكل هاشم عثمان العوض

» موسوعة غناء الحقيبة عوض محمد بابكز
قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالأحد سبتمبر 20, 2015 1:19 pm من طرف عادل عثمان مصطفي

» الجرجير يخفض من الإصابة بسرطان الرئة والقولون
قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالجمعة سبتمبر 04, 2015 7:57 am من طرف عادل عثمان مصطفي

» من أجمل ما قرأت (منوعات)
قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالأحد أغسطس 30, 2015 8:07 pm من طرف عادل عثمان مصطفي

» عجائب الاخبار........1
قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالجمعة أغسطس 14, 2015 5:06 pm من طرف عادل عثمان مصطفي

» مقالات متنوعة عن الاسرة والمجتمع
قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالخميس أغسطس 13, 2015 7:51 am من طرف عادل عثمان مصطفي

» الطيب محمد الطيب يا دوحةَ عطاءٍ ماكثٌ في الأرضِ// أبوشوك
قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالخميس يوليو 23, 2015 12:38 pm من طرف عادل عثمان مصطفي

دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 135 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 135 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 135 بتاريخ الخميس نوفمبر 21, 2024 5:43 pm
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
مواضيع مماثلة
    احصائيات
    هذا المنتدى يتوفر على 491 عُضو.
    آخر عُضو مُسجل هو مشمش فمرحباً به.

    أعضاؤنا قدموا 16444 مساهمة في هذا المنتدى في 2721 موضوع
    سجل معنا

    للتسجيل اضغط هـنـا


     

     قصة الخلافة العثمانية

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالسبت سبتمبر 20, 2014 11:42 pm


    قصة الخلافة العثمانية .......




    قصة الخلافة العثمانية .. تقف الدولة العثمانية وسط تاريخ البشرية شامخة؛ إذ حملت لواء الإسلام، وفتحت به أرجاء أوربا وآسيا، وظلت أوربا الصليبية تخشاها وترهبها قرونًا عدة، وتتحين الفرصة للقضاء عليها، وقد كان.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالسبت سبتمبر 20, 2014 11:48 pm


    الدولة العثمانية ما لها وما عليها...( 1 )




    إيجابيات الحكم العثماني


    يجدر بنا أن نتناول إيجابيات الحكم العثماني، ثم سلبياته؛ إذ إن الدولة العثمانية لها جوانب إيجابية، وأخرى سلبية. ومن إيجابيات الحكم العثماني في البلاد الإسلامية:

    1- توسيع رقعة الأرض الإسلامية، إذ فتح العثمانيون القسطنطينية، وتقدموا في أوروبا، مما عجز المسلمون من قبلهم منذ أيام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وساروا فيها شَوْطًا بعيدًا؛ حتى وقفوا على أبواب فيينا، وحاصروها أكثر من مرة دون جدوى.

    2- الوقوف في وجه الصليبيين على مختلف الجبهات، فقد تقدموا في شرقي أوروبا؛ ليُخَفِّفوا الضغط عن المسلمين في الأندلس، كما انطلقوا إلى شمال البحر الأسود، ودعموا التتار ضد الصليبيين من الروس، هذا فضلاً عن التصدي للإسبان في البحر المتوسط، والبرتغاليين في شرق إفريقيا والخليج، ولم يُوَفَّقوا في حملاتهم؛ وذلك يرجع لعدم تكاتف المسلمين والتفافهم حولهم.

    3- عمل العثمانيون على نشر الإسلام، وشجعوا على الدخول به، وقدَّموا الكثير في سبيل ذلك، وعملوا على نشر الإسلام في أوروبا، وعملوا على التأثير في المجتمعات التي يعيشون بينها.

    4- أن دخول العثمانيين إلى بعض الأقطار الإسلامية قد حماها من بلاء الاستعمار الذي ابتليت به غيرُها، في حين أن المناطق التي لم يدخلوها قد وقعت فريسة للاستعمار، باستثناء دولة المغرب.

    5- كانت الدولة العثمانية تمثل الأقطار الإسلامية، فهي مركز الخلافة؛ لذا كان المسلمون في كل مكان ينظرون إلى الخلافة العثمانية وإلى الخليفة نظرة احترام وتقدير، ويَعُدُّون أنفسهم من أتباعه ورعاياه، وبالتالي كانت نظرتهم إلى مركز الخلافة ومقرها المحبةَ والعَطْفَ، وكلما وجد المسلمون أنفسهم في ضائقة طلبوا الدعم من مركز الخلافة؛ كما كان الخلفاء.

    6- وكانت الخلافة العثمانية تضم أكثر أجزاء البلاد الإسلامية؛ فهي تشمل البلاد العربية كلها باستثناء المغرب، إضافة إلى شرقي إفريقيا، وتشاد، وتركيا، وبلاد القفقاس، وبلاد التتار، وقبرص، وأوروبا، بحيث وصلت مساحتها حوالي 20 مليون كليو متر مربع.

    7- كانت أوروبا تقابل العثمانيين على أنهم مسلمون لا بصفتهم أتراكًا، وتقف في وجههم بحقد صليبي، وترى فيهم أنهم قد أَحْيَوُا الروح الإسلامية القتالية من جديد، أو أنهم أثاروا الجهاد بعد أن خمد في النفوس مدة من الزمن، وترى فيهم مدًّا إسلاميًّا جديدًا بعد أن ضعف المسلمون ضعفًا جديًّا، وتنتظر أوروبا قليلاً لتدمرهم، والأتراك العثمانيون حالوا بينهم وبين المد الصليبي في الشرق والغرب الإسلامي، الأمر الذي جعل أوروبا تحقد على العثمانيين وتكرههم.

    8- كانت للعثمانيين بعض الأعمال الجيدة تدل على صدق عاطفتهم وإخلاصهم، مثل عدم قبول النصارى مع الجيش، وإعفاء طلبة العلم الشرعي من الجندية الإلزامية، وكذلك إصدار المجلة الشرعية التي تضم فتاوى العلماء في القضايا كافَّةً، وكذلك احترام العلماء، وانقياد الخلفاء للشرع الشريف والجهاد به، وإكرام أهل القرآن، وخدمة الحرمين الشريفين، والمسجد الأقصى، والحرم الإبراهيمي.

    9- وكان للعثمانيين دورهم في أوروبا إذ قضوا على نظام الإقطاع، وأَنْهَوْا مرحلة العبودية التي كانت تعيشها أوروبا؛ حيث يولد الفلاح عبدًا، وينشأ كذلك، ويقضي حياته في عُبوديته لسيده مالك الأرض [1]، واهتم السلاطين بتقديم الصدقات والعطايا للمواطنين.

    سلبيات الحكم العثماني
    ومن أهم سلبيات الخلافة العثمانية، والتي كان لها الأثر في إضعاف الحكم:

    1- إهمال اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم، والحديث الشريف، وهما المصدر الرئيس للتشريع، وكان يجب الاهتمام بها وتعلمها من قِبَلِ سلاطين آل عثمان أكثر من اللغة التركية، وفي هذا جهل؛ لأن اللغة العربية لغة الإسلام، بالرغم من أن بعض السلاطين قد عمل على اهتمام المدارس باللغة العربية، واهتموا بالعلم الشرعي بشكل محدود، وكان على الخلفاء أن يتعلموا هم العربية، ويشجعوا عليها.

    2- عدم الوعي الإسلامي الصحيح، إذ كان كثير من المسؤولين لا يعرفون من الإسلام سوى العبادات، لذا كانوا يحرصون عليها وعلى تأديتها، وهذا أدى إلى انتشار الطرق الصوفية، وضعف فكرة الجهاد، وعدم الإنتاج؛ مما أدى إلى ضعف الدولة.

    3- كان العثمانيون يحرصون على تغيير الولاة باستمرار، وخاصة في أواخر عهدهم، وذلك خشية استغلال المنصب، أو الاستقلال بالولاية.

    4- الحكم الوِرَاثِيّ الذي سار عليه العثمانيون غير مقبول من وجهة النظر الإسلامية، ولكن سبقهم الأمويون والعباسيون، كما كان بعض السلاطين يقومون بقتل إخوانهم؛ حتى لا يُنازِعوهم في السلطة، هذا علاوة على زواج بعض السلاطين من الأوروبيات، فيه إساءة للأمة.

    5- كان العثمانيون يكتفون من البلاد المفتوحة بالخَرَاجِ، ويتركون السكان على وضعهم القائم من العقيدة واللغة والعادات؛ إذ يُهملون الدعوة والعمل على نشر الإسلام، وإظهار مزايا الإسلام؛ من المساواة، والعدل، والأمن، وانسجامه مع الفطرة البشرية.

    6- ضَعْفُ الدولة العثمانية في أواخر عهدها جعل الدول الأوروبية تتآمر عليها، فأثاروا ضدها الحركات الانفصالية السياسية والدينية، كما استغل دعاة القومية والصهيونية هذا الضعف، مما جعلهم يقومون بحركات لتقويض هذه الدولة [2].

    ومما يجدر ذكره أن الجوانب الإيجابية في الدولة كانت في مرحلة العصر العثماني الأولى، عصر القوة والتوسع، أما مراحلها الأخيرة للدولة العثمانية فتمثل الجوانب السلبية، وقت الضعف والتراجع والانهيار.

    المصدر: إسماعيل أحمد ياغي: الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث، الناشر: مكتبة العبيكان 1995م، ص255- 259.

    --------------------------------------------------------------------------------


    [1] محمود شاكر، "التاريخ الإسلامي"، العهد العثماني، بيروت 1986م، ص 26- 34.

    [2] محمود شاكر ، "العالم الإسلامي" ، العهد العثماني ص 36- 40.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالأحد سبتمبر 21, 2014 12:51 am

    خدمات الدولة العثمانية للإسلام والعروبة..( 2 )



    ]center]لا ريب أن الدولة العثمانية قد قامت بدَوْر هامٍّ وبارزٍ في نشر الإسلام في أوربا، رغم ما تعرضتْ له من تكتلات صليبية حاقدة ضد الإسلام والمسلمين، وتبادلت الدولة مع أعدائها الهزائم والانتصارات، إلا أنها قدمت خدمات جليلة للمسلمين والعرب، وقامت بحماية الشرق العربي والإسلامي من الغزو الاستعماري لمدة ثلاثة قرون.

    ولعل من أهم ما قامت به في هذا المجال:[/center]


    أولاً: حماية الأماكن المقدسة الإسلامية من مخططات الصليبية البرتغالية


    ]size=24]
    أعظمَ خدمة أسدتها الدولة العثمانية للإسلام، أنها وقفت في وجه الزحف الصليبيّ الاستعماريّ البرتغاليّ للبحر الأحمر، والأماكن المقدسة الإسلامية، في أوائل القرن السادسَ عَشَرَ الميلادي، فعلى الرغم من أن الدولة أخفقت في طرد الاستعمار البرتغالي من مراكزه في المحيط الهندي ومنطقة الخليج العربي، إلا أنها نجحت في منع تغلغله إلى الحجاز، حيث كان البرتغاليون يعتزمون تنفيذ مخطط صليبي فظٍّ في قسوته ووحشيته، وهو دخول البحر الأحمر واجتياح إقليم الحجاز باحتلال ميناء جدة، ثم الزحف على مكة المكرمة، واقتحام المسجد الحرام، وهدم الكعبة المشرَّفة، ثم موالاة الزحف منها على المدينة المنورة؛ لنَبْش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ثم استئناف الزحف على تبوك، ومنها إلى بيت المقدس، والاستيلاء على المسجد الأقصى؛ وبذلك تقع هذه المساجد الثلاثة في أيدي البرتغاليين [1]، وكان الأسطول البرتغاليّ قد نجح في دخول البحر الأحمر، وقام بمحاولتين لاحتلال ميناء جدة، كانت الأولى في عام (923هـ / 1517م)، والثانية في عام (926هـ / 1520م)؛ ولكنه أخفق في محاولتيه؛ فأرسل البرتغاليون حملة كبرى إلى ميناء السويس باعتباره قاعدةَ الأسطول العثماني في البحر الأحمر، واستهدفوا تدميره هذه القاعدة، ولما بلغوا الطُّور علموا أن الأسطول العثماني يقف في حالة تأهب، وارتدوا على أعقابهم دون أن يلتحموا به [2].

    وقررتِ الدولة اتخاذ اليمن قاعدةً حربية للدفاع عن البحر الأحمر، ومنع السفن البرتغالية من دخوله، ثم عمَّمت هذا المنْع على جميع السفن المسيحيَّة، بحيث كان على هذه السفن أن تفرغ شحناتها في ميناء "المخا" في اليمن، وتعود أَدْرَاجَهَا إلى المحيط الهندي، وكانت حجة الدولة العثمانية في هذا المنع هي أن الأماكن الإسلامية المقدسة في الحجاز تُطِلُّ على مياه البحر الأحمر، ويجب ألا تُدَنِّسَ مياهه بوجود سفن مسيحية تَمْخُر عَباب هذا البحر، وقد ظل هذا الحظر معمولاً به حتى القرن الثامن عشر [3].

    وجدير بالذِّكر أن المشروع البرتغالي الصليبي لم يكن الأوَّلَ من نَوْعه، فقد حدث في أثناء الحروب الصليبية في الشرق العربي أن تجرأ أحد أمراء الصليبيين واسمه أرناط، وكان صاحب حصن الكرك، وقام بمشروع خطير سنة (578 هـ، 1182م) لغزو الحرمين الشريفين، فبنى عدة سفن حملت أجزاؤها مفكَّكَةً على ظهور الجمال، حتى "إيله" (العقبة) على خليج العقبة، وأعيد تركيبها، ثم قامت بهجوم على ساحل الحَوْراء قرب ينبع، وأغار الصليبيون على القوافل وأصبحوا على مسيرة يوم واحد من المدينة المنورة، واعتزموا الزحف عليها، ونَبْش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وإخراج جسده الطاهر ونقله إلى بلادهم، غير أن العالم الإسلامي في الشرق وقتذاك كانت تجمعه وَحْدَةٌ سياسية قويَّة على رأسها صلاح الدين الأيوبي، ووجب على مصر حماية الأماكن المقدسة في الحجاز، فما كادت تصل إليه -وهو في الشام- هذه الأخبار، حتى عهد إلى نائبة في مصر العادل سيف الدين بتجهيز قائد الأسطول الأمير حسام الدين لؤلؤ، وتعقب هؤلاء الصليبين في الحجاز، وعمل على إبادتهم أو أَسْرِهم، وأصرَّ صلاح الدين بقتل الأسرى؛ ليكونوا عبرة لكل من يتجرأ على الاعتداء على حَرَم الله وحَرَم رسوله [4].
    [/size]


    ثانيًا: الدولة العثمانية تحافظ على إسلام وعروبة شمالي إفريقيا


    [center]من الخدمات الجليلة التي قدمتها الدولة العثمانية للإسلام والعروبة أنها حافظت على إسلام وعروبة سكان شمالي إفريقيا من أخطار الغزو الصليبي الاستعماري الأوروبيّ، الذي حملت لواءه البرتغال وإسبانيا، والمنظمة الصليبية المعروفة باسم فرسان القديس يوحنا، والتي اتخذت من جزيرة مالطة مستقرًّا ومقامًا، وكان من أهداف هذا الغزو أيضًا إنشاء ممالكَ مسيحيةٍ تتناثر على الساحل الشمالي لإفريقيا كمرحلة ثالثة، وبذلك يغدو البحر المتوسط في المدى البعيد بُحيرة مسيحية أوروبية، ويعقب ذلك تغلغل صليبي أوروبي جنوبًا في داخل القارة الإفريقية، ولكن تصدت الدولة العثمانية لهذه المشروعات الصليبية الاستعمارية، فأصبحت أحلامًا، وغدت هباءً منبثًّا.

    بسطت الدولة العثمانية سيادتها على ثلاثة أقاليمَ في شمالي إفريقيا في القرن السادس عشر، وكانت حَسَبَ ترتيب دخولها تحت السيادة العثمانية، الجزائر وطرابلس وتونس، ولم تمد الدولة نفوذها إلى مراكشَ لرفض الأسرة السعْدِيَّة التي تنتمي إلى سلالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدخول في تَبَعِيَّة الحكم العثماني.

    وكان سكان تلك الأقاليم، وبخاصة الجزائر وطرابلس، قد استنجدوا بالدولة العثمانية على أساس أنها أكبر وأقوى دولة إسلامية اكتسحت دُولاً أوروبية عديدة، وفتحت مصرَ والشرق العربي الآسيوي، وطالبَ سكان شمال إفريقيا بإنقاذهم من الزحف الصليبي الاستعماري، الذي كان خطره يتفاقم يومًا بعد يوم، واستجابت الدولة لاستغاثاتهم.

    ولذلك لم يكن دخول العثمانيين إلى شمالي إفريقيا نتيجةَ معاركَ حربيةٍ خاضتها القوات المسلحة العثمانية ضد أهالي البلاد، أو تدخُّل مباشر من حكومة إستانبول، على غرار ما حدث في الشام أو مصرَ أو العراق؛ ولكنهم فتحوها مُنْقذين للسكان من أخطار القضاء على دينهم، وطَمْس عروبتهم، وتحويل بلادهم إلى جزء من العالم المسيحي.

    أما تونس فكان الوضع فيها يختلف، حيث اشتد الصراع عليها بين الدولة العثمانية والإمبراطورية المقدسة، وتبادلت الدولتان الهزيمة والانتصار أكثر من مرة، حتى عادت تونس للحكم العثماني عام (982 هـ / 1574م) واستقر الحكم العثماني فيها، وتأسست النيابة الثالثة والأخيرة في شمالي إفريقيا [5].[/center]


    ثالثًا: الدولة العثمانية وإيجاد وحدة طبيعية بين الولايات العربية


    أوجدت الدولة العثمانية وحدة بين الولايات العربية التي دخلت تحت سيادتها، فاحتفظت هذه الولايات بمقوماتها الأساسية:

    • الدين الإسلامي.
    • واللغة العربية.
    • والثقافة العربية الإسلامية.
    • والتقاليد والعادات الموروثة عبر العصور.

    وكان سكانها تجمعهم دولة إسلامية واحدة، هي الدولة العثمانية، وتضمهم رعوية واحدة بصفتهم رعايا عثمانيين، ويشتركون في تبعيتهم لحاكم واحد، هو السلطان العثماني، ولم تلجأ الدولة العثمانية إلى إقامة حدود مغلقة بين الولايات العربية، أو حواجزَ مصطنعةٍ بين سكانها، فكانت حرية الانتقال والسفر أمامهم مكفولةً ومحترمةً في جميع الأوقات، وكانت فرص العمل متاحةً لهم في كل الأوقات، وكان في مقدور العربي في دمشق مثلاً أن ينتقل إلى بغداد، أو مكة المكرمة، أو المدينة المنورة، أو القاهرة، أو القيروان أو غيرها من مدن الولايات العربية، ويعيش فيها ويمارس ألوانًا من النشاط الاقتصادي أو الثقافي، دون أن يحصل على إذن بالخروج أو الإقامة، وكانت هذه هي أوَّلَ وَحْدَةٍ تتحقق للعالم العربي إبان الحكم العثماني، بعد تفتُّت وَحْدَتُهُ بسقوط الدولة العباسية في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي عقب غزو المغول، وتخريب مدينة بغداد، وانسياحهم في وادي الرافدين، ثم شمالي بلاد الشام إلى جنوب فِلَسطين؛ ولذلك يرى عدد من المؤرخين والباحثين أن الوَحْدَة التي تمت على أيدي العثمانين تعتبر نقطةَ البداية في تاريخ العرب الحديث [6].

    وفضلاً عن تلك التَّبَعِيَّة السياسية، كانت وشيجةُ الدين تربط سكان الولايات العربية بالسلطان العثماني، باستثناء أهل الذمة، وكانوا قلة عددية يعيشون على هامش المجتمعات الإسلامية في الولايات العربية [7].

    وكانت وشيجة الدين من أقوى الوشائج التي ربطت الجماهير العربية بالدولة العثمانية، فأخلصوا لها واشتركوا في حروبها ضد التكتلات الصليبية التي واجهتها، وكان يزداد ولاؤهم لها، والتصاقهم بها إذا تعرضت الدولة لهزيمة عسكرية من دولة أوروبية، وكان الدين يعمل في تلك العصور في تقرير الأوضاع السياسية، والحربية لشعوب الولايات العربية [8].

    ولعل خير مثال للترابط الديني بين سكان الولايات العربية إبَّان الحكم العثماني، ما حدث في مصر عندما نزلت الحملة الفرنسية أرض مصر عام (1213هـ / 1798م) بقيادة نابليون بونابرت، وكانت هذه الحملة هي أوَّلَ غزو عسكري مسيحي أوروبي لولاية عربية من ولايات الدولة العثمانية في الشرق الإسلامي في التاريخ الحديث، وقد أعلن السلطان سليم الثالث (1204 – 1224 هـ/ 1789 – 1807م) الجهاد الديني ضد الفرنسيين، واستجاب لدعوة الجهاد الدينيّ عربُ الحجاز والشام وشمالي إفريقيا، وقد صمموا على الظفر بإحدى الحُسْنَيَيْنِ، الاستشهادِ أوِ الانتصارِ، واتخذوا شعارًا لهم الآية الكريمة: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[9].

    وهكذا فإن سكان الولايات العربية لم ينظروا إلى السلطان العثماني على أنه سلطان المسلمين فَحَسْبُ؛ بل نظروا إليه أيضًا على أنه خليفة المسلمين، يستظلون بظل خِلافته، وكانت السمةُ البارزة في تاريخ الولايات العربية وقتذاك أنها كانت مجتمعاتٍ دينيةً إسلاميةً، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، ولم ينظر العرب للدولة العثمانية على أنها دولة أجنبية، ولم ينظروا إلى الحكم العثماني على أنه استعمار، وظلت هذه الفكرة السياسية الدينية مسيطرةً على أذهان الغالبية العظمى من الشعب العربي إلى أوائل القرن العشرين، ولم تتدخل الدولة في شؤون الحكم إلا في نطاق ضئيل، وبقدر يسير، فاعتبرت نفسها مسؤولة عن حماية الولايات العربية، وتوفير الأمن فيها، وإقامة الشعائر الدينية، والحفاظ على مبادئ الشريعة الإسلامية، وتنظيم وحماية قوافل الحج إلى إقليم الحجاز، والإشراف على القضاء، وجمع الضرائب بواسطة شيوخ الطوائف على هذه المجالات في الولايات العربية، وتركت سكانها يعيشون على النحو الذي كانوا يألفون [10].

    إن الوَحْدَةَ التي قامت بين الولايات العربية إبَّان الحكم العثماني، تبدو أكثر إشراقًا، إذا قورنت بالتفتيت السياسي الذي اصطنعته الدول الأوروبية الاستعمارية عقب استيلائها على معظم هذه البلاد، تحت اسم الاحتلال أو الانتداب أو الحماية من قبل عُصبة الأُمم، أو مناطق النفوذ [11].

    وهكذا عملت بريطانيا على تفرقة وتجزئة الشعب العربي في الشرق العربي الآسيوي، ففصلت بريطانيا شرقي الأردن عن فلسطين، وفصلت شرقيَّ الأردن وفلسطين عن سوريا، وفرقت بين سوريا والعراق. ونهجت فرنسا نَهْج بريطانيا في تفتيت سوريا ولبنان.

    أما مصر وشمالي إفريقيا، فقد أبقى الاستعمار على التفتيت السياسي الذي كان قائمًا بينها قبل الحرب العالمية الأولى تحت الاستعمار البريطاني والإيطالي والفرنسي والإسباني، وظهرت الخلافات والأطماع الشخصية بين رؤساء وقادة العرب؛ مما عرقل سيرة الاستقلال والوحدة العربية [12].


    رابعًا: إبعاد الزحف الاستعماري عن الوطن العربي


    ظلت الولايات العربية زهاء فترة تراوحت بين ثلاثة وأربعة قرون، من القرن السادس عشر إلى أوائل القرن العشرين، بمنأى عن الزحف الأوروبي الاستعماري عليها ما بقيت الدولة العثمانية قويةً، مَهِيبَةَ الجانب، فلما دخلت الدولة في دور الاضمحلال، وتبين للدول الأوروبية أن الدولة العثمانية عاجزة عن التصدي للدول الاستعمارية؛ تعرض العالم العربي للغزو الأوروبي النصرانيّ الاستعماريّ، كما تعرضت أقاليمُ أخرى، إسلاميةٌ وغير إسلامية، في قارات آسيا وإفريقيا وأستراليا.

    وكانت فرنسا من أسبق الدول الأوربية في الزحف والسيطرة على الأقاليم العربية، فنجحت في احتلال نيابة الجزائر عام (1246 هـ / 1830م)، ولا شك أن من أهم العوامل التي شجعت فرنسا على احتلال الجزائر أن الدولة العثمانية كانت قد فقدت أسطولها في معركة نفارين البحرية (20 أكتوبر 1827 / 1243هـ)، ولما كان اقتطاع فرنسا للجزائر بصفة الأخيرة إقليمًا إسلاميًّا عربيًّا من أقاليم الدولة العثمانية ـ: سابقةً خطيرة، قد تحتذيها دولة استعمارية أخرى تجاه الوطن العربي، لم تستسلم الدولة العثمانية لانتزاع الجزائر منها [13].

    حاولت الدولة العثمانية بالطرق الدبلوماسية استرداد الجزائر، وبذلت مساعيَ مكثفةً لدى بريطانيا والنمسا وروسيا، ولدى فرنسا أيضًا، تؤكد حقها في بقاء هذا الإقليم في إطار الدولة، تأسيسًا على أن السيادة العثمانية عليه معترَفٌ بها من المجموعة الدولية، وأن الجزائريين هم رعايا السلطان، ولم تجد الدولة العثمانية تأييدًا من بريطانيا؛ لوقوع أحداث هامة في أوروبا شغلت بريطانيا عن كل شيء.

    وهكذا فشلت الدولة العثمانية في اتصالاتها مع الدول الأوروبية، وحاولت استخدام القوة لاسترداد الجزائر، إلا أنها عَدَلَتْ عن ذلك بسبب عدم تمكنها من شن حرب على فرنسا؛ لضعف الأسطول العثماني، والجيش العثماني كذلك.

    وأدى ذلك إلى قيام حرب باردة بين الجزائر والدولة العثمانية، ونجحت الدولة العثمانية في إنهاء حكم القرمانليين في طرابلس عام (1251 هـ / 1835م)، وإعادة هذه النيابة إلى الحكم العثماني، واستغلت الدولة هذا الوضع الجديد، فتظاهرت بإرسال قوات برية من الأناضول إلى طرابلس، ومنها إلى الجزائر عبر تونس، ولكن فرنسا هددت الدولة العثمانية بإرسال أسطولها، وخشي الأسطول العثماني من الاحتكاك بالأسطول الفرنسي، فغادر طرابلس إلى مالطة، ثم إلى إستانبول، وبذلك قنعت الدولة العثمانية بهذه الحرب الباردة، والتي انتهت عند هذا الحد [14].

    وبعد الاحتلال الفرنسي للجزائر عام (1246 هـ /1830م) توقف الزحف الأوروبي الاستعماري على الولايات العربية مدة ناهزت الخمسين عامًا؛ بسبب اشتداد حدة التنافس بين الدول الأوروبية على تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية، وتوزيعها أسلابًا فيما بينها، وما صحب هذا التنافس من حروب ومؤتمرات ومعاهدات، ازدحم بها تاريخ الدولة العثمانية في القرن التاسعَ عَشَرَ ومطلعِ القرن العشرين، وانتهجت هذه الدولة سياسة التعويض، وسياسة المصالحة على حساب الدولة العثمانية في مؤتمر برلين عام (1295 هـ / 1878م)، وبسطت فرنسا حمايتها على تونس عام (1299 هـ / 1881م)، واحتلت بريطانيا مصر عام (1300 هـ / 1882م)، وكان قد سَبَقَ فَرْضَ الحماية والاحتلال على هذين البلدين العربيين الإسلاميين، انتهاجُ سياسة التغلغل السِّلْمِيّ، عن طريق تقديم قروض أوروبية ضخمة، بحيث عجزتا عن سداد القروض وفوائدها؛ مما أدى إلى التدخل في الشؤون المالية، وبعد ذلك في الشؤون السياسية، وانتهت بالغزو العسكري [15].

    واشتركت بريطانيا مع مصر في حملة مشتركة عام (1314 هـ / 1896م)، لاسترداد السودان، واتخذت من هذا الاشتراك ذريعة لإقامة حكم ثنائي بريطاني مصري في السودان عام (1317 هـ/ 1899م)، وكان هذا الحكم الثنائي في لحمته وسداه فصلاً فعليًّا بين شطري الوادي، واستئثارًا من بريطانيا بالانفراد في حكم السودان [16]، وما لبثت بريطانيا أن عصفت بالمظهر الشكلي لهذا الحكم الثنائي. ثم احتلت إيطاليا طرابلس وبَرْقَةَ في عام (1330هـ/ 1911م).

    وفي مطلع الحرب العالمية الأولى احتلت القوات البريطانية البصرة في العراق، واستمرت القوات البريطانية تواصل زحفها في العراق وقتالها، حتى تمكنت من احتلال العراق احتلالاً كاملاً عام (1337 هـ / 1918م).

    وبانتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية، تقاسمت الدول الغربية ما تبقى من أقاليم عربية بموجب قرارات مؤتمر الصلح (1338 هـ / 1919م)، ومؤتمر سان ريمو (1339 هـ / 1920)؛ فسيطرت بريطانيا على العراق وفلسطين وشرق الأردن، كما سيطرت فرنسا على سوريا ولبنان في شكل انتداب، وغدت هذه الأقاليمُ تحت الحكم الأجنبي بقرارات تصدر من لندن وباريس وروما [17].


    خامسًا: الدولة تضفي الهدوء والاستقرار على الولايات العربية


    أضفت الدولة العثمانية على ولاياتها العربية نوعًا من الهدوء والاستقرار السياسي، وكانت بلاد الشام والعراق تعانيان الكثير من المتاعب، والفوضى، والتخريب من آثار غزوات المغول المدمرة، والتي نجحت مصر في صدها عندما أوقعت بالمغول هزيمة حاسمة في معركة "عين جالوت"، شتتت شملهم، وأنقذت أقاليم الشرق والمغرب العربي من شرورهم.

    خضع السكان في الولايات العربية للحكم العثماني، وقد كان العثمانيون مسلمين مثلَهم، ويعتنقون مذهب السُّنة مثلهم، ويحرصون على تطبيق مبادئ الشرعية الإسلامية، ويحافظون على الشعائر الدينية؛ مثل الاحتفال برؤية الهلال لشهر رمضان وغيرها، ولم تضيق السلطات العثمانية عليهم، كما أنها لم تتدخل في شؤونهم إلا في نطاق محدود؛ مثل جَمْع الضرائب، والإشراف على القضاء، وتوفير الأمن، وتركت للشعب العربي شؤون التعليم، والصحة، والمواصلات، والتي تعتبر في الوقت الحاضر من صميم واجبات الحكومات، وعلى العموم، فقد تركت السلطات العثمانية الجماهير العربية تحيا على النحو الذي أَلِفَتْهُ من قبل، دون تغيير جوهري مسَّ حياتهم.

    ومع ذلك تعرضت بعض الولايات العربية لهزات سياسية وسط الهدوء الذي كانت تعيش في ظلاله الوارفة، وكان يجتاح الولايات العربية من وقت إلى آخر نوعان من الاضطرابات:

    أولاهما: انتفاضات شعبية، وكان يقوم بها سكان حي أو مدينة ضد الحكام المحليين؛ احتجاجًا على ظلم حكامهم، ورفع شكواهم للسلطان العثماني.

    ثانيهما: حركات سياسية وعسكرية، يقوم بها أفراد طَمُوحون؛ مثل حركة علي بك الكبير، وحركة ظاهر العمر، والتي لم تلقَ استجابة واستحسانًا من الجماهير [18].


    سادسًا: الدولة تمنع انتشار المذهب الشيعي إلى ولايتها العربية


    من المعروف أن المذهب الرسمي للدولة العثمانية كان المذهب السُّني، واعتبرت الدولة العثمانية نفسها حامية لهذا المذهب، وتأسيسًا على هذه الحقيقة فإنها منعت انتشار المذهب الشيعيّ إلى ولاياتها العربية في آسيا وإفريقيا باستثناء العراق، الذي كانت الدولة الصفوية قد نشرت المذهب الشيعيّ فيه قبل الدولة العثمانية، بحيث أصبح أهل السُّنة وأهل الشيعة قوتين متوازيتينِ تقريبًا من حيث تَعْدَادُهم، وقد أبقت الدولة العثمانية على هذا الوضع، وذهبت إلى أبعدَ من ذلك فاحترمت مشاعر أهل الشيعة، واهتمت بتعمير مناطق العتبات المقدسة في النجف وكربلاء في العراق، ويسَّرت زيارتها أمام شيعة العراق وفارس والهند وأفغانستان، ولذلك فإن أهل السنة ينظرون إلى الدولة العثمانية على أنها قدمت خدمة جليلة بحصر المذهب الشيعيّ في فارس، بحيث لم تسمح بتَسَرُّبه إلى الأقاليم العربية التي دخلت تحت السيادة العثمانية، ولا تزال إيران هي المعقل الأول للشيعة في العالم الإسلامي [19].


    سابعًا: الدولة العثمانية تمنع اليهود من استيطان سيناء


    لما فتح السلطان سليم الأول مصر عام (923 هـ / 1517م) أصدر فرمانًا بمنع اليهود من الهجرة إلى سيناء، وواضحٌ من صدور هذا المرسوم بأن اليهود كانوا يريدون الهجرة إلى هذا الإقليم المصري واستيطانه، على أساس أنه يضم الوادي المقدس طُوى، الذي كلم الله سبحانه وتعالى فيه موسى عليه السلام تكليمًا، ومن ثَمَّ أصدر السلطان سليم الأول الفَرَمانَ الذي سدَّ الطريق في وجوه اليهود، ولما تولي ابنه سليمان المشرع (القانوني) عرش الدولة عام (926 هـ / 1520م) أصدر فَرَمانًا لاحقًا، أكد فيه ما جاء في الفرمان السابق، مما يدل على أن الخطر اليهودي كان لا يزال ماثلاً من حيث رغبتُهم في استيطان سيناء، واستعمارهم لها، الأمر الذي كان يقلق الدولة العثمانية، واستطال حكم سليمان القانوني زهاء ستة وأربعين عامًا (927 – 974 هـ / 1520 – 1566م)، ولم يجرؤِ اليهود على تنفيذ ما كانوا يبيِّتون.

    فلما جاز إلى ربه جاء بعده ابنه السلطان سليم الثاني، وكان منحرفًا خُلُقيًّا (933 – 982 / 1526 – 1574)، ومنذ حُكْمه بدأت النُّذُر الأولى لاضمحلال الدولة، وخَلَفَهُ سلاطينُ على شاكلته، وكان أولهم مراد الثالث (982 – 1005 هـ /1574 – 1596)، وتنفس اليهود الصعداء، وأدركوا أن الفرصة سانحة لهم لتحقيق حُلْمٍ راودهم طويلاً، فنَزَحوا في هجرات متقطعة على فترات متقاربة إلى سيناء لاستيطانها، وتركزت إقامتهم في مدينة الطور؛ ليسهل على اليهود إيجاد اتصالات خارجية عن طريق ميناء المدينة، بحيث يتمكن اليهود من الهجرة والقدوم إلى سيناء من بلدان مجاورة [20].

    وقد تزعم حركة التهجير رجل يهودي يدعى إبراهام، استوطن الطور مع أفراد أسرته وأولاده، وكان من المحتمل أن تمر سنوات دون أن تدري بهم السلطات العثمانية، لولا أنهم تعرضوا بالأذى لرهبان دير سانت كاترين؛ مما حمل الأخيرين على إرسال شكاوى مكتوبة، كلها تؤكد على عدم أحقية اليهود للسكن في هذه المنطقة، وإيذاء رهبان الدير بأي حال من الأحوال، وصدرت أوامر الدولة العثمانية بطرد اليهود من دير سانت كاترين، ومنعهم من العودة إليه مستقبلاً، وهذا يدل على حرص الدولة العثمانية على منع اليهود من استيطان سيناء، وإشعارهم بقوة الدولة العثمانية ويَقَظَتِها لأهدافهم [21].

    وعندما احتلت بريطانيا مصر عام (1300 هـ / 1882م)، عاود اليهود مطالبهم في سيناء، بعد أن رفض السلطان عبد الحميد الثاني فتح أبواب الهجرة أمامهم إلى فلسطين، وكان تيودور هرتزل زعيم المنظمة الصهيونية العالمية قد أطلق على سيناء اسمًا مُعَبِّرًا هو فلسطين المصرية؛ ليتخذ منها في المستقبل نقطة وثوب إلى فلسطين الآسيوية (فلسطين الحالية)، ولذلك دخل هرتزل في مفاوضات عام (1316 هـ / 1898م) مع بعض أعضاء الوزارة البريطانية، وبخاصة جوزيف تشمبرلين وزير المستعمرات، ولورد لانزدون وزير الخارجية، من أجل توطين اليهود في سيناء على أساس إقامة دولة يهودية فيها، تتمتع بالحكم الذاتي في نطاق الإمبراطورية البريطانية، ووافق الوزيران على الاقتراح؛ لأنه يحقق لبريطانيا أهدافًا استراتيجية؛ منها: ضمان حماية شرقي قناة السويس، وعزل مصر عن الولايات العربية في غربي آسيا، وإضعاف الدولة العثمانية، وإقامة دولة موالية لبريطانيا؛ غير أن هذا المشروع بعد بحثه فشل بسبب معارضة السلطان عبد الحميد الثاني له أولاً، وبسبب معارضة اللورد كرومر حاكم مصر، ومعتمَد بريطانيًا لدى مصر، وتوقف بحث مشروع استيطان اليهود في سيناء [22].


    ثامنًا: الدولة تحد من هجرة اليهود إلى فلسطين


    تطلَّع اليهود على مر العصور التاريخية إلى فلسطين؛ كإقليم يجمع شتاتهم، ويُنشئون فيه دولة، متذرِّعِين بادعاءات دينية وتاريخية؛ فقد أسس اليهود الحركة الصهيونية، ونجحت في استقطاب الدول الكبرى وتأييدها، وكان على الدولة العثمانية أن تخوض -دفاعًا عن فلسطين- صراعًا سياسيًّا مريرًا ضد القوى الصهيونية، والدول الأوروبية المناصرة، ونجح الصهاينة في توقيت حركتهم ونجاحها نجاحًا باهرًا، فاختاروا فترة عصيبة من فترات الاضمحلال التي كانت تمر بها الدولة العثمانية، ولكن الدولة العثمانية عملت في حدود إمكانياتها على الحدِّ من الهجرة إلى فلسطين، وقاومت بذلك الحركة الصهيونية، وقد رفض السلطان عبد الحميد الإغراءات الصهيونية التي عرضها عليها هرتزل، رغم الضائقة المالية التي تمر بها الدولة العثمانية، وبذلك حافظ على عروبة وإسلامية فلسطين [23].

    المصدر: إسماعيل أحمد ياغي: الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث، الناشر: مكتبة العبيكان 1995م، ص235- 249.


    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، جـ 2 ، القاهرة 1980، ص 862.
    [2] نفس المرجع، ص 862 – 863.
    [3] نفس المرجع، ص 862 – 863.
    [4] عبد العزيز الشناوي: "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، جـ 2 ، ص 863.
    [5] د . محمد أنيس، "الدولة العثمانية والشرق العربي"، القاهرة 1977، ص 45 – 46.
    [6] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية ..." مرجع سبق ذكره، جـ 2، ص 936.
    [7] يرى الدكتور أنيس الصايغ أن العلاقات بين الأكثرية المسلمة السُّنية في الولايات العربية، والأقليات المذهبية والعنصرية فيها قد خلقتْ مشكلة شائكة ومزمنة بشكل عام، وقد أسهمت بريطانيا وفرنسا في توسيع شُقَّة الخلاف بين الأكثرية والأقلية، وشجعت الأقلية على عدم الاختلاط والاندماج، ونتج عن ذلك انكماش من الأقليات، وانقلابها على نفسها، مما عزلها عن الأكثرية. أنيس الصايغ، "الهاشميون وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 95.
    [8] المرجع السابق.
    [9] [التوبة: 41].
    [10] عبد العزيز الشناوي، "الوحدة العربية في التاريخ الحديث والمعاصر"، القاهرة 1975، ص 8 وانظر كذلك: الجبرتي "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، القاهرة 1980، ج3، ص 88 ص 107.
    [11] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية ..." ص 946 – 947.
    [12] أنيس الصايغ، "الهاشميون ، وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 93 – 94.
    [13] د/ محمد أنيس، "الدولة العثمانية والشرق العربي"، ص 88 – 89.
    [14] د. عبد العزيز الشناوي "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، ص 953 – 958.
    [15] د/ عبد العزيز الشناوي، المرجع السابق ص 958 – 959.
    [16] د/ محمد فؤاد شكري، "مصر والسودان"، دار المعارف بمصر 1958، ص 473 – 518.
    [17] دكتور محمد بديع شريف وآخرون، "دراسات تاريخية في النهضة العربية الحديثة"، القاهرة 1963، ص 269 – 275.
    [18] د/ عبدالعزيز الشناوي، المرجع السابق، ص 961 – 963.
    [19] د/ عبد العزيز الشناوي، المرجع السابق، جـ 2 ص 964 – 966.
    [20] نفس المرجع ص 966.
    [21] د/ أنيس صايغ، "الهاشميون وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 22.
    [22] Stein Leonard. The Balfour DeclarationLondon1967, PP. 26 - 93
    [23] "مذكرات هرتزل"، ص 275.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالأحد سبتمبر 21, 2014 9:28 pm

    الخلافة العثمانية ليست استعمارا..( 3 )




    يتوهَّم الكثيرون بسبب النزعة القومية والوطنية، والاقتصار في الحكم على الدولة العثمانية في عصور انحطاطها، والمظهر اللامع للتطبيق الديمقراطي في شعوب أوربا وأمريكا -المقصورة عليها وحدها دون شعوب العالم الثالث التابعة لها سياسيًّا واقتصاديًّا- يتوهَّمون بسبب كل هذا أن خلافة العثمانيِّين تَقترِن بالاستعمار الغربي، بآثامه ومآسيه، وفظائعه وأهواله، التي ما زلنا نُعاني مِن آثاره الظاهرة والخفيَّة.

    إن عواطف التأثُّر بأزمِنة الضعف والانحلال الأخيرة التي عانت الشعوب الإسلامية خلالها -فعلاً- كثيرًا مِن المظالم والآلام، هذه العواطف تقودنا إلى الوقوع في الكثير مِن الأخطاء، بينما الحكم على دولة امتد عمرها نحو ستة قرون يقتضي آفاقًا أبعد، وتفاصيلَ أشمل.

    يقول الأستاذ عبد الرحمن عزام -أمين الجامعة العربية السابق-:
    "ولو كان الأمر كما يتصوَّره الذين ينخدعون بآثار دور الانحطاط مِن استخدام الطوائف، والغيرة بين العناصر، والبطش لتغطية الضعف، لاستحال أن يدوم ملك آل عثمان ستمائة سنة، منهما مائتان لا يسندهم فيها إلا سيف مبتور"[1].

    وكان يُعبِّر عن الرأي المضادِّ الأستاذ محمد عبد الله عنان في كتابه "مصر الإسلامية" الذي كال الطعنات للخلافة العثمانية، ورأى أن مصر الإسلامية لم تَعرف مِن الخطوب والنكبات نكبة أعظم مِن الفتح العثماني؛ بسبب الضربة التي أصابت الإسلامَ مِن جرائه، وشبَّه تصرُّفات الترك بأعمال السفك والتخريب الهائلة، التي بدأها هولاكو وبرابر التتار بسحق الدولة العباسية والمدنية الإسلامية، واستأنفها تيمورلنك في أواخر القرن الرابع عشر.

    وأيضًا اعتبر ما فعله السلطان سليم مِن بعثه العلماء ومهَرة الصناع إلى القسطنطينية، اعتبر ذلك "نفيًا" لهم، واعتبر نقل الكتب والآثار النفيسة إلى الآستانة تخريبًا[2].

    ويتدخل الشيخ مصطفى صبري ليُصحِّح هذه المعلومات، فيذكِّر صاحبها بأن معظم الآثار كانت كتبًا مخطوطة دينيَّة وعِلمية، فنقلها السلطان إعجابًا بها، واعتناءً بشأنها إلى عاصمة مُلكِه، بعد أن أصبحَت مصر جزءًا مِن بلاد الدولة، لا فرق بينها وبين الآستانة في ذلك، فكيف يُساوي بين عمل السلطان سليم وهولاكو الذي قذَف بما في خزائن بغداد مِن كتُب إلى دجلة والفرات؟!

    أما نقل علماء مصر وزعمائها ومهَرة الصناع فيها فلا يُعدُّ نفيًا، بل ليكونوا مِن المقرَّبين إليه، وليُصبح نفعهم عامًّا لجميع البلاد؛ إذ لا فرق بين المسلمين بسبب أوطانهم أو جنسياتهم، ولم يكن غرض السلطان سليم مِن الفتح إلا توحيد مصر الإسلامية بتركيا الإسلامية.

    أما إذا اعتبره الأستاذ عنان انتزاعًا لمصر مِن حكم المماليك الشراكسة، "فقد كانوا هم الآخرون انتزعوها مِن حكم المماليك البحرية الترك، ولم تكن مصر يومئذٍ تحت حكم فاتحيها العرب، ولا المقصود مِن الفتح التحكُّم على الشراكسة والمصريين العرب"[3].

    والحق أننا لا نَستسيغ هذه الصور مِن التنافس على السيطرة؛ لأننا لا نضعها في إطارها التاريخي الذي حدثت فيه، بينما هي في الحقيقة تخضَع للعرف الدولي (حينذاك)، ثم نعود فنتحفَّظ لأن هذا العرف يشكل قانونًا مستمرًّا ينظِّم العلاقة بين القوي والضعيف.

    ودعونا نقوِّم الواقع الدولي الراهن، هل يختلف عما كان يحدث في التاريخ القريب والبعيد؟ إن بلاد العالم الثالث مقسَّمة بين الدولتين المتعاليتَين -روسيا وأمريكا- كل ما هنالك أن الدول في العصور الماضية افتقدَت وسائل الإعلام التي تصوِّر الأشياء بغير حقيقتها، ولم تكن عقول حكامها بالدهاء نفسه الذي اخترع أشكالاً مِن الاستعمار والسيطرة تحت أسماء "الوصاية" و"الانتداب" وغيرهما! أو وضعَت نظمًا شكلية باسم الاشتراكية والديمقراطية و"الكومنولث"؛ لخداع الشعوب وإلهائها عن حقيقة أوضاعها، وإيهامها بأنها تَحكُم نفسها بنفسها، والحقيقة أنها خاضعة خضوعًا تامًّا للقوى الكبرى!

    نعود لآراء الشيخ مصطفى صبري التي أوردَها دفاعًا عن الدولة العثمانية، فاقتبس مِن كتاب أ. د. انكلهارد "تاريخ تطورات الدولة العثمانية" كلامًا يذكر فيه أن "الإسلام الذي قد كان مؤسِّس الحكومة العثمانية بقي حاكمًا مطلقًا فوق الحكومة ناظمًا، فقد كان القانون المدني متَّحدًا مع القرآن"، ثم يُفصِح عن نيات دول أوربا المسيحية التي ظلت تعمل على تقويض الدولة العثمانية بالقوة طيلة خمسة قرون، فلما فشلت اتَّبعت الحيلة لكي تحوِّل حكومة آل عثمان "من الروحانية إلى الدنيويَّة؛ بتخليصها عن تأثير القوانين الدينيَّة؛ كما وقع في العالم المسيحي"[4].

    وكان هذا هو السبب الرئيسي للعداء؛ لأن أوربا ظلَّت في حالة حروب صليبية مستمرة منذ عهد السلاجقة الأتراك؛ لتيقُّنها مِن حقيقة دور العثمانيِّين في الدفاع عن الدِّين وعن بلاد المسلمين، الذين لا يفرِّقهم وطن ولا لون جنس ولا قوم، كل ما هنالك أن الحروب الصليبية المبتدئة منذ عهد السلاجقة الأتراك كانت فيها أوربا مهاجِمة والسلاجقة مُدافِعون، وانقلبَ الحال في أيدي الأتراك العُثمانيين فأصبحوا مهاجِمين، وظلت أوربا تعمل لهم ألف حساب؛ لأنهم يجمعون العالم الإسلامي تحت رايتهم، ويصدُّون الخطر الاستعماري الأوربي الفادح.

    ليست إذًا العلاقة مشابهة بين دولة مُستعمَرة -بفتح الميم- وأخرى مُستعمِرة -بكسرها- ولعلَّ مِن أقوى الأدلة على ذلك أنه بمجرد انفصال الدولة العربية -بعد نجاح الثورة بقيادة الشريف حسين- انقلب "النجاح" وبالاً على الشعوب؛ لأن الثورة -ثورة العرب التي كسرت الحماية العثمانية- أسهمت في كسر شوكة القوة العثمانية، التي كانت في وجه الأطماع الاستعمارية، التي تدفَّقت بعدها كالسيول الجارفة تقضي على الأخضر واليابس، أو كالوحوش الكاسرة التي ما إن رأت السور الحديدي الفاصل بينها وبين ضحاياها يَنكسِر، حتى التهمتْها في ضراوة وقسوة!

    ولنقارن بين الأحداث التي لحقتْنَا تباعًا، وبين ما فعله العثمانيون مع غير العرب مِن دول أوربا، ولنسأل أنفسنا: هل يعدُّ ما فعلوه استعمارًا؟

    يقول الأستاذ عبد الرحمن عزام: "لما وصل العثمانيون إلى شرق أوربا، وكلها سجون أبدية يتوالد فيها الفلاحون للعبودية، فكسروا أغلال السجون، وأقاموا مكانها صرح الحرية الفردية، فهم قضوا على نظام الإقطاع والأرستقراطية؛ ليحلَّ محله نظام المواطن الحرِّ، والرعاية المتساوية الحقوق، فوصل في دولتهم الرقيقُ الشركسي والصقلي وغيره إلى أكبر مقامٍ في الدولة، كما وصَل النابِه مِن عامَّة الناس حتى المجهول الأصل إلى مقام الصدارة العُظمى والقيادة العليا، وتعلَّمت أوربا الشرقية على يد محرِّريها سيادةَ القانون على الأحساب والأنساب، والطرائق والمِلَل والنِّحَل"[5].

    إن هذه القيم تنفي عن الدولة العثمانية تهمةَ الاستعمار تمامًا، فما كان دور الغرب معنا؟ لعلنا نَصدم القارئ -كما صُدمنا- بحقيقة تقييمه لنا، إنها حقًّا صدمة غير متوقَّعة؛ لأنها صادرة عن "منتسكيو" صاحب كتاب "روح القوانين" الشهير الذي يقول:

    "إذا طُلب مني أن أدافع عن حقِّنا المكتَسَب لاتخاذ الزنوج عبيدًا، فإني أقول: إن شعوب أوربا بعد أن أفنَت سكان أمريكا الأصليِّين، لم ترَ بدًّا مِن أن تستعبد شعوب إفريقية؛ لكي تستخدمها في استغلال كل هذه الأقطار الفسيحة، والشعوب المذكورة ما هي إلا جماعات سوداء؛ بحيث يكاد من المستحيل أن ترثي لها، ولا يمكن للمرء أن يتصوَّر أن الله -سبحانه وتعالى- وهو ذو الحكمة السامية قد وضع روحًا -على الأخصِّ روحًا طيبة- في داخل جسم حالك السواد"![6].

    المصدر: الألوكة.

    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] من مقاله في "الأهرام" بتاريخ 22/10/1944 بعنوان: "آخر الخلفاء"، نقلاً عن الكتاب الكبير للشيخ مصطفى صبري (1: 86).
    [2] نفسه (ص: 84).
    [3] نفسه (ص: 85).
    [4] نفسه (ص: 81).
    [5] نفسه (ص: 86).
    [6] نص مترجم مِن الفرنسية بقلم الدكتور محمد عوض محمد بكتابه "الاستعمار والمذاهب الاستعمارية" (ص: 37)، دار المعارف، بمصر سنة 1957م.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالأحد سبتمبر 21, 2014 9:34 pm


    إيجابيات وسلبيات الخلافة العثمانية...( 4 )


    حسنات الخلافة العثمانية:-

    1
    - توسعة مساحة الأرض الإسلامية: ويكفي أنها فتحت القسطنطينية ونتذكر هنا حديت الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش ". وقد تقدمت في أوروبا حتى أنها وصلت إلى النمسا وحاصرتها أكثر من مرة، كما أنها استولت على كل جزر البحر المتوسط وجذبت لها الإسلام.

    2 - الوقوف في وجه الصليبيين على مختلف الجبهات: فتقدموا في أوروبا الشرقية لتخفيف ضغط النصارى على الأندلس ولكن الأندلس سقطت لشدة ضعفها، وأنهوا الوجود البرتغالي في بلاد المسلمين. وجدير بالذكر أن الزحف البرتغالي كان من خططه السيطرة على البحر الأحمر واجتياح الحجاز والاستيلاء على قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ولكن الوجود العثماني منعهما ووقفوا في وجه الأسبان عندما حاولوا الاستيلاء على بلاد المغرب بعد سقوط الأندلس. ودعموا المسلمين ضد الروس في أواسط آسيا ومنطقة البحر الأسود.

    3 - الإمبراطورية العثمانية تواجه الصهيونية: كان حلم اليهود منذ زمن بعيد إقامة وطن لهم في فلسطين. وفي هذه الفترة زاد نشاطهم، ويذكر أنهم قدموا عروض خيالية مغرية للسلطان عبد الحميد الثاني لنيل موافقته، فواجهوا الرفض بكل قوة وإصرار. كما أن العثمانيين منعوا اليهود من الإقامة بمنطقة سيناء بمصر.

    4 - الإمبراطورية العثمانية حاربت الشيعة الرافضة المتمثلين في الدولة الصفوية، وقد كان المسلمون في بلاد الخليج والعراق يعانون أشد المعاناة من هؤلاء الرافضة.

    5 - عملوا على نشر الإسلام: وقد أسلمت أكثر قبائل الشركس على أيديهم، ونشروا الإسلام في البلاد التي وصلوها في أوروبا وأفريقيا.

    6 - أن دخول العثمانيين في بعض الأمصار الإسلامية حماها من بلاء الاستعمار الذي ابتليت به غيرها.

    7 - كانت تضم أكثر أجزاء البلاد الإسلامية (تجاوزت مساحتها 20 مليون كم 2).

    8 - كانت أوروبا تحارب العثمانيين على أنهم مسلمون لا بصفتهم ترك، فدافعها كان الحقد الصليبي، وهي ترى أنهم أحيوا الجهاد الإسلامي من جديد.

    9 - كانت تمثل المسلمين، فهي مركز الخلافة، ولا يوجد سوى خليفة واحد في ديار المسلمين. لذا فهو رمز للمسلمين وينظرون إليه نظرة تقدير وإجلال واحترام.

    سيئات الخلافة العثمانية:-
    1 - في قمة السيئات نظام الحكم المطلق الذي يضع مقدرات هذه الإمبراطورية الفسيحة في يد شخص واحد هو السلطان، وسلطانه بلا حدود.

    2 - الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية، فمالية الدولة فاسدة، ولا توجد ميزانية ولا إصلاحات، والرشوة تملأ كل مكان، والحرية مفقودة، والمصادرات تهدد كل مالك، والجواسيس منتشرون في كل مكان بينما السلطان لا يهمه إلا هواه وشهواته.

    3 - توالي السلاطين المنحرفين الطغاة على الحكم، وشهد القرن 13 هـ/19 م مجموعة من أشد الخلفاء استبدادًا وأعنفهم بطشًا، بدأت بمصطفي الرابع، فمحمود الثاني، فعبد المجيد الأول، فعبد العزيز، فمراد الخامس.

    4 - إضعاف العرب (خوفًا من بروزهم) فعزلوهم عن الوظائف المرموقة وأهملوهم تمامًا، فأصبح العرب في هذه الفترة جهلاء، مرضى، متخلفون، فقراء.

    5 - إهمال اللغة العربية التي هي لغة القرآن والحديث الشريف وهما المصدر الأساسي للتشريع.

    6 - عدم الوعي الإسلامي الصحيح لديهم، وعدم فهم الإسلام على أنه منهج حياة متكامل، فكان كثيرون منهم لا يعرفون من الإسلام سوى العبادات.

    7 - كانوا يحرصون على تغيير الولاة باستمرار، وخاصة في أواخر عهدهم خوفًا من استقلالهم بولاياتهم. وهذا يؤدي إلى عدم معرفة الوالي الجديد بالمنطقة، وبالتالي يؤدي إلى الضعف والتأخر.
    8 - عرف لدى بعض السلاطين قتل إخوتهم خوفًا من المنافسة.

    9 - كان بعضهم يتزوجون من النصرانيات لجمالهن فقط، ورغم جواز ذلك، فإن فيه إساءة كبيرة للأمة، لأنها قد تأثر على زوجها أو أبنائها السلاطين، أن تكون عين لقومها ضد المسلمين.

    10 - سار العثمانيون على الحكم الوراثي كـ الأمويين والعباسيين، وكلهم مخالف للسنة.

    11 - أعطوا العسكريين أكثر من حقهم، مما دعاهم إلى التسلط والتدخل في شؤون الحكم، حتى أفسدوا وطغوا.

    12 - كان العثمانيون يكتفون من البلاد المفتوحة بالخراج ويتركون السكان على وضعهم القائم من العقيدة واللغة والعادات، فالحرص على نشر الإسلام لم يكن بالقدر المطلوب.

    13 - عندما أصبحت الخلافة ضعيفة في أواخر عهدها، ركز الجميع على النواحي السلبية فقط، فسلطت عليها الأضواء إلى أن سقطت الدولة.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالأحد سبتمبر 21, 2014 9:43 pm


    الحرب النفسية العثمانية ...( 5 )


    فتح القسطنطينية :-




    ضاعف السلطان محمد الثاني الهجوم على الأسوار وجعله مركزاً وعنيفاً، ضمن خطة أعدها بنفسه أيضاً لإضعاف العدو، وكررت القوات العثمانية عملية الهجوم على الأسوار ومحاولة تسلقها مرات عديدة بصورة بطولية بلغت غاية عظيمة من الشجاعة والتضحية والتفاني ، وكان أكثر ما يرعب جنود الإمبراطور قسطنطين صيحاتهم وهي تشق عنان السماء وتقول: (الله أكبر الله أكبر) فتنزل عليهم كالصواعق المدمرة.

    وشرع السلطان محمد الفاتح في نصب المدافع القوية على الهضاب الواقعة خلف غلطة، وبدأت هذه المدافع في دفع قذائفها الكثيفة نحو الميناء وأصابت إحدى القذائف سفينة تجارية فأغرقتها في الحال، فخافت السفن الأخرى واضطرت للفرار، واتخذت من أسوار غلطة ملجأ لها، وظل الهجوم العثماني البري في موجات خاطفة وسريعة هجمة تلوى الأخرى وكان السلطان محمد الفاتح يوالي الهجمات وإطلاق القذائف في البر والبحر دون انقطاع ليلاً ونهاراً من أجل إنهاك قوى المحاصرين، وعدم تمكينهم من أن ينالوا أي قسط من راحة وهدوء بال، وهكذا أصبحت عزائمهم ضعيفة ونفوسهم مرهقة كليلة، وأعصابهم متوترة مجهودة تثور لأي سبب، وأصبح كل واحد من الجنود ينظر إلى صاحبه ويلاحظ على وجهه علامات الذل والهزيمة والفشل، وشرعوا يتحدثون علناً عن طرق النجاة والإفلات بأرواحهم وما يتوقعونه من العثمانيين إذا ما اقتحموا عليهم مدينتهم.

    واضطر الإمبراطور قسطنطين إلى عقد مؤتمر ثاني، اقترح فيه احد القادة مباغتة العثمانيين بهجوم شديد عنيف لفتح ثغرة توصلهم بالعالم الخارجي وبينما هم في مجلسهم يتدارسون هذا الاقتراح، قطع عليهم أحد الجنود اجتماعهم وأعلمهم بأن العثمانيين شنوا هجوماً شديداً مكثفاً على وادي ليكونس، فترك قسطنطين الاجتماع ووثب على فرسه، واستدعى الجند الاحتياطي ودفع بهم إلى مكان القتال، واستمر القتال إلى آخر الليل حتى انسحب العثمانيون.

    وكان السلطان محمد -رحمه الله- يفاجئ عدوه من حين لآخر بفن جديد من فنون القتال والحصار، وحرب الأعصاب وبأساليب جديدة وطرق حديثة مبتكرة غير معروفة للعدو.

    ففي المراحل المتقدمة من الحصار لجأ العثمانيون إلى طريقة عجيبة في محاولة دخول المدينة حيث عملوا على حفر أنفاق تحت الأرض من مناطق مختلفة إلى داخل المدينة وسمع سكانها ضربات شديدة تحت الأرض أخذت تقترب من داخل المدينة بالتدريج، فأسرع الإمبراطور بنفسه ومعه قواده ومستشاروه إلى ناحية الصوت وأدركوا أن العثمانيين يقومون بحفر أنفاق تحت الأرض، للوصول إلى داخل المدينة، فقرر المدافعون الإعداد لمواجهتها بحفر أنفاق مماثلة مقابل أنفاق المهاجمين لمواجهتهم دون أن يعلموا، حتى إذا وصل العثمانيون إلى الأنفاق التي أعدت لهم ظنوا أنهم وصلوا إلى سراديب خاصة وسرية تؤدي إلى داخل المدينة ففرحوا بهذا، ولكن الفرحة لم تطل إذ فاجأهم الروم، فصبوا عليهم ألسنة النيران والنفط المحترق والمواد الملتهبة ، فأختنق كثير منهم واحترق قسم آخر وعاد الناجون منهم أدراجهم من حيث أتوا.

    لكن هذا الفشل لم يفت في عضد العثمانيين ، فعاودوا حفر أنفاق أخرى ، وفي مواضع مختلفة، من المنطقة الممتدة بين (أكرى فبو) وشاطئ القرن الذهبي وكانت مكاناً ملائماً للقيام بمثل هذا العمل، وظلوا على ذلك حتى أواخر أيام الحصار وقد أصاب أهل القسطنطينية من جراء ذلك خوف عظيم وفزع لا يوصف حتى صاروا يتوهمون أن أصوات أقدامهم وهم يمشون إن هي أصوات خفية لحفر يقوم به العثمانيون، وكثيراً ما كان يخيل لهم أن الأرض ستنشق ويخرج منها الجند العثمانيون ويملئون المدينة ، فكانوا يتلفتون يمنة ويسرة، ويشيرون هنا وهناك في فزع ويقولون : (هذا تركي ، ...، هذا تركي) ويجرون هرباً من أشباح يحسبونها أنها تطاردهم ، وكثيراً ما كان يحدث أن تتناقل العامة الإشاعة فتصبح كأنها حقيقة واقعة رآها أحدهم بعيني رأسه وهكذا داخل سكان القسطنطينية فزع شديد أذهب وعيهم، حتى لكأنهم (سكارى وما هم بسكارى)، فريق يجري، وفريق يتأمل السماء، ومجموعة تتفحص الأرض، والبعض ينظر في وجوه البعض الآخر في عصبية زائدة وفشل ذريع.

    ولم يكن عمل العثمانيين هذا سهلاً ، فان هذه الأنفاق التي حفروها قد أودت بحياة كثير منهم، فماتوا اختناقاً واحتراقاً في باطن الأرض، كما وقع الكثير منهم في بعض هذه المحاولات في أسر الروم، فقطعت رؤوسهم وقذف بها إلى معسكر العثمانيين


    مفاجأة عسكرية عثمانية:


    لجأ العثمانيون إلى أسلوب جديد في محاولة الاقتحام وذلك بأن صنعوا قلعة خشبية ضخمة شامخة متحركة تتكون من ثلاثة أدوار، وبارتفاع أعلى من الأسوار، وقد كسيت بالدروع والجلود المبللة بالماء لتمنع عنها النيران، وأعدت تلك القلعة بالرجال في كل دور من أدوارها ، وكان الذين في الدور العلوي من الرماة يقذفون بالنبال كل من يطل برأسه من فوق الأسوار، وقد وقع الرعب في قلوب المدافعين عن المدينة حينما زحف العثمانيون بهذه القلعة واقتربوا بها من الأسوار عند باب رومانوس، فاتجه الإمبراطور بنفسه ومعه قواده ليتابع صد تلك القلعة ودفعها عن الأسوار، وقد تمكن العثمانيون من لصقها بالأسوار ودار بين من فيها وبين النصارى عند الأسوار قتل شديد واستطاع بعض المسلمين ممن في القلعة تسلق الأسوار ونجحوا في ذلك، وقد ظن قسطنطين أن الهزيمة حلت به، إلا أن المدافعين كثفوا من قذف القلعة بالنيران حتى أثرت فيها وتمكنت منها النيران فاحترقت، ووقعت على الأبراج البيزنطية المجاورة لها فقتلت من فيها من المدافعين، وامتلاء الخندق المجاور لها بالحجارة والتراب.

    ولم ييأس العثمانيون من المحاولة بل قال الفاتح وكان يشرف بنفسه على ماوقع: غداً نصنع أربعاً أخرى.

    زاد الحصار وقوي واشتد حتى أرهق من بداخل المدينة من البيزنطيين، فعقد زعماء المدينة اجتماعاً 24 مايو داخل قصر الإمبراطور وبحضوره شخصياً، وقد لاح في الأفق بوادر يأس المجتمعين من إنقاذ المدينة حيث اقترح بعضهم على الإمبراطور الخروج بنفسه قبل سقوط المدينة لكي يحاول جمع المساعدات والنجدات لإنقاذها أو استعادتها بعد السقوط، ولكن الإمبراطور رفض ذلك مرة أخرى وأصر على البقاء داخل المدينة والاستمرار في قيادة شعبه وخرج لتفقد الأسوار والتحصينات.

    وأخذت الإشاعات تهيمن على المدينة وتضعف من مقاومة المدافعين عنها، وكان من أقواها عليهم ما حدث في يوم 16 جمادى الأولى الموافق 25 مايو، حيث حمل أهل المدينة تمثالاً للسيدة مريم العذراء (بزعمهم)، وأخذوا يتجولون به في ضواحي المدينة، يدعونه ويتضرعون إلى العذراء أن تنصرهم على أعدائهم، وفجأة سقط التمثال من أيديهم وتحطم، فرأوا في ذلك شؤم ونذير بالخطر، وتأثر سكان المدينة وخصوصاً المدافعين عنها، وحدث في اليوم التالي 26 مايو هطول أمطار غزيرة مصحوبة ببعض الصواعق، ونزلت إحدى الصواعق على كنيسة آيا صوفيا، فتشأم البطريق ، وذهب إلى الإمبراطور وأخبره أن الله تخلى عنهم وأن المدينة ستسقط في يد المجاهدين العثمانيين، فتأثر الإمبراطور حتى أغمى عليه.

    وكانت المدفعية العثمانية لا تنفك عن عملها في دك الأسوار والتحصينات، وتهدمت أجزاء كثيرة من السور والأبراج وامتلأت الخنادق بالأنقاض، التي يئس المدافعون من إزالتها وأصبحت إمكانية اقتحام المدينة واردة في أي لحظة، إلا أن اختيار موقع الاقتحام لم يحدد بعد .
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالإثنين أكتوبر 06, 2014 7:12 pm


    نشأة الدولة العثمانية / 6



    نتناول في هذا القسم الدولة العثمانية والتي ظهرت منذ عام 699هـ ولكنها لم تتسلم مقاليد الخلافة إلا في عام 923هـ، لتتحول من مجرد دولة إسلامية إلى مقر للخلافة الإسلامية, وحامي حمى الإسلام حتى انطوت صفحتها في عام 1337هـ.

    ورغم أنها لم تشمل كل الأمصار الإسلامية إلا أنها ضمت أكثرها، وكانت محطًّا لأنظار المسلمين في الأمصار التي تخرج عن نطاقها، بصفتها مقرا للخلافة وبصفة أن حاكمها خليفة للمسلمين, وأيضًا لكونها دولة من القوى العظمى آنذاك في العالم، إن لم تكن أعظمها.

    ولعل من أهم أهدافنا -بعد معرفة هذه الفترة الزمنية الهامة من تاريخ المسلمين- هو إزالة التشويه الكبير الذي لحق بالخلافة العثمانية، والذي عكف عليه أعداء الإسلام في أوربا النصرانية، بدافع من حقدهم الصليبي الشديد على الإسلام، وللأسف الشديد تبعهم الكثير من مؤرخي المسلمين بسبب التقليد الأعمى لأوربا, باعتبارها رمزًا للحضارة العصرية، وتقدمها في مختلف علوم المعرفة "والله لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه وراءهم".

    وقد يتبادر إلى الذهن سؤال مهم هو: لماذا بالذات هذا الكم الكبير من التشويه في حق الخلافة العثمانية مقارنه بأي خلافةٍ أخرى في تاريخ المسلمين؟

    لقد كان العثمانيون يقاتلون أوربا, حتى قيل إنهم كانوا يحاربون في الجهات الأربع الأصلية في سبيل الإسلام في وقت واحد، فمن الغرب يقاتلون إمبراطورية النمسا، والإسبان في المغرب العربي، ومن الجنوب يقفون في وجه البرتغاليين في الجزيرة العربية، ويضغطون على الروس من الشمال ليخففوا من وطأتهم على التتر والشراكسة المسلمين، ومن الشرق يحاربون الشيعة الذين عقدوا حلفًا مع الصليبيين لمحاربة أهل السنة والجماعة بصفة عامة، والخلافة العثمانية بصفة خاصة.

    فماذا تنتظر -أخي المسلم- من نصارى أوربا إلا التشويه للخلافة العثمانية، لقد سجلوا كل سلبية لها, وبالغوا فيها وجاءوا بكثير من الافتراءات, وتجاهلوا تمامًا إيجابياتها بل وعَدُّوا الحكم العثماني استعمارًا دخل بلاد المسلمين بالقوة والقهر؛ لكي يحدثوا الفتنة بين المسلمين, ويفرقوا شملهم وأثاروا العرب خاصة إلى مناهضة العثمانيين.

    فالخلافة حسب دعواهم يجب أن تكون محصورة في العرب, ونسى بعض العرب قول رسول الله : "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".

    وأخذ الأوربيون يصورون كل حركة ضد العثمانيين نصرًا، سواء كانت للمسلمين أو النصارى, ويصفون القائم بها بالإخلاص والوطنية, حتى لو كان القائمون بها من قطاع الطرق.

    وجاء الأوربيون بأفكار القومية ليشتتوا ويفرقوا المسلمين، حتى يتكون المناخ الملائم لأوربا, لكي تلتهم الأمصار الإسلامية الواحدة تلو الأخرى، وبسبب النجاح الكبير الذي حققته أوربا في تفريق المسلمين والوصول بهم لحالة من التأخر والتخلف, اتجهت أنظار الكثير من المسلمين إلى أوربا كنموذج للتقدم والازدهار، وأقبل عليها الكثيرون من طلبة العلم من بلاد المسلمين الذين يجهلون الكثير عن أمور دينهم، فنقلوا ما تعلموه من ضلال وتشويه حرفيًّا، وكتبوا المناهج الدراسية والتاريخ بما أملاه عليهم أعداء الإسلام.

    فكانت النتيجة أن هيمنت فكرة على كثير من المسلمين، وهى أن الخلافة العثمانية هي المسئولة كلية عما وصل إليه المسلمون من تخلف وضياع, وأن الوسيلة الوحيدة للنهوض بالأمة الإسلامية هي التقليد الأعمى لأوربا، لكي تصل إلى ما وصلت إليه من تقدم وازدهار، ونسي المسلمون أنه ما كانت لتقوم لهم قائمة في الأرض إلا بتمسكهم بدينهم, وأن ما لحق بهم من ذل ودمار كان نتيجة طبيعية لتركهم دينهم وحب الدنيا والانغماس في الشهوات.

    ولا نقول إن الخلافة العثمانية كانت تمثل الإسلام بشكل صحيح، أو كانت تخلو من الأخطاء، بل نقول إن لها سلبيات وإيجابيات، شأنها شأن الخلافة منذ عهد الأمويين، وحتى العهد العثماني. فهكذا كل عصر له إيجابياته وسلبياته التي يجب أن نبرزها لكي نستفيد بالإيجابيات، ونتعلم من الأخطاء فلا نكررها. ولنبدأ في تناول هذه الصفحة اللامعة من تاريخ المسلمين.


    نبذة عن الترك:

    قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة أن جمهورية تركيا الحالية (آسيا الصغرى سابقًا) هي الموطن الأصلي للأتراك والتي ترجع إليها أصولهم، ولكن هذه المعلومة خاطئة تمامًا, فالأتراك موطنهم الأصلي هو بلاد تركستان الموجودة بأواسط آسيا, والتي تمثل أراضيها الآن جمهوريات قازاقستان وتركمانستان وطاجكستان وقيرغيزستان وأوزبكستان، والتي استقلت مؤخرًا عن الاتحاد السوفيتى السابق، بالإضافة إلى جزء تحتله الصين حتى الآن يعرف بتركستان الشرقية، والذي تطلق عليه الصين إقليم سينكيانغ, أي الولاية الجديدة، ويوجد جزء آخر من بلاد تركستان في كل من إيران وأفغانستان، والذي كان يعرف سابقا بخراسان، حيث تقتسمه كل من إيران وأفغانستان وجمهورية تركمانستان السابق ذكرها.


    والسؤال الآن كيف انتقلت بعض قبائل الترك إلى آسيا الصغرى (الأناضول)؟

    يرجع الترك إلى الجنس المغولي (ذوى البشرة الصفراء) (أو أبناء يافث بن نوح) الذي يضم معظم قارة آسيا، مثل الصينيين واليابانيين والمغول والتتر والملايو وغيرهم.

    وكان الترك معروفين ببأسهم الشديد، وقدرتهم الحربية الفائقة نظرًا لقسوة البيئة التي يعيشونها، حيث المرتفعات والأودية الجافة والصحارى ويشاركهم في ذلك أبناء جلدتهم المغول والتتر، وكانوا قبل الفتح الإسلامي يعبدون الأوثان والكواكب.

    وفى عصر الدولة الأموية فتح المسلمون هذه البلاد، ودخل أهلها في دين الله أفواجًا وتوارد على فتحها قادة مسلمون ذوو حماسة شديدة للإسلام، أشهرهم قتيبه بن مسلم الباهلي وآل المهلب الذين ولاّهم الحجاج بن يوسف الثقفي، وأعز الله الإسلام بالترك.


    نعود إلى السؤال الذي طرحناه منذ قليل، وهو: كيف وصلت بعض قبائل الترك إلى آسيا الصغرى؟

    الإجابة أنه في عهد الدولة العباسية زاد نفوذ الترك, فقد عمل العباسيون على توطين أقسام من جيش خراسان في الأجزاء الأناضولية التابعة لهم والمتاخمة للإمبراطورية البيزنطية، وكانت الحدود بينها وبين الخلافة العباسية يطلق عليها الثغور، والتي كانت مسرحًا للقتال بين الطرفين، وكان الخليفة المهدى يستقدم الأتراك من فرغانة (في جمهورية قيرغيزستان الآن) وبلخ (في خراسان)، ويسكنهم الثغور مثل طرطوس وأضنة ومرعش وخرشنه وغيرها، وكلها في المناطق الجبلية الفاصلة بين المسلمين والروم، وزاد عدد الترك في هذه المناطق في عهد المأمون والمعتصم.

    وفي عهد المتوكل أصبح الأتراك هم عماد الجيش في الدولة، وأصبحت الثغور الأناضولية تحت إمرتهم, وكانوا يخضعون للخليفة العباسي تارة، أو للحمدانيين في حلب تارة، أو للطولونيين في مصر تارة أخرى، ورغم هذا الانقسام فإن القتال لم ينقطع بين المسلمين والروم، وكانت الحروب سجالاً بين الطرفين.

    وفى مراحل ضعف الدولة العباسية ظهرت دولة السلاجقة، وهم من الأتراك، وكانوا على صراع دائم مع الروم، ومن أبرزهم ألب أرسلان الذي انتصر على الروم انتصارًا حاسمًا في معركة ملاذكرد عام 463هـ.

    وانساح السلاجقة بعد تلك المعركة في الأناضول، وأسسوا إمارات كثيرة واستطاع السلاجقة المنتشرون في الأناضول أن يقدموا للمسلمين آثارًا إيجابية كثيرة منها: استرداد بعض الأجزاء من الروم التي سبق أن أخذوها من المسلمين, وفتح كثير من أراضي الأناضول, وزاد التوسع والانتشار كثيرًا في أيام ملكشاه بن ألب أرسلان, وبقيت بعض الإمارات الصليبية في الأناضول تم فتحها بالكامل في عهد العثمانيين.

    وعندما جاء الهجوم المغولي على بلاد المسلمين خاف بعض الحكام وتحالفوا -للأسف الشديد- مع المغول الكفرة ضد أبناء عقيدتهم المسلمين.

    ووقعت بلاد السلاجقة بيد المغول، واستسلم أمراؤها لهم وصاروا معهم حربًا على المسلمين ثم هزم المغول في عين جالوت سنة 658هـ وخرجوا بعدها من بلاد الشام، فسار الظاهر بيبرس عام 675هـ إلى بلاد السلاجقة لينتقم منهم, والتقى بهم وبحلفائهم المغول والكرج في معركة البستان، وانتصر عليهم، ثم سار ففتح عاصمتهم قيصرية، ومع ضعف المغول زالت دولة سلاجقة الروم، وقامت عدة إمارات في الأناضول، منها أبناء أيدين، وأبناء تركة، وأبناء أرتنا، وأبناء كرميان، وأبناء حميد، وأبناء أشرف قره عيسى، وأبناء صاروخان، وأبناء منتشا، وأبناء جانبدار (أسفنديار)، وأبناء بروانة، وأبناء صاحب أتا، وأبناء قزمان، وأبناء رمضان، وأبناء ذي القادر.

    وكادت الأناضول أن تصاب بمثل ما أصيب به المسلمون في بلاد الأندلس وبلاد التتار، نتيجة لتفرق المسلمين ومحاربتهم لبعضهم البعض، والاستعانة بأعداء الإسلام على المسلمين، رغم ما حذرنا منه الله من آثار التفرق في كتابه الكريم: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].

    ولكن الله قيض للأناضول العثمانيين الذين استطاعوا توحيد إماراتها، ونجت -بإذن الله- من ويلات التفرق كما سنعلم في الصفحات التالية.


    نشأة الدولة العثمانية:



    مع زيادة الضغط المغولي القادم من الشرق على الأمصار الإسلامية لجأت الكثير من القبائل إلى الهجرة إلى الغرب هربًا من بربرية المغول، وهجومهم الوحشي، ومن ضمن هذه القبائل قبيلة قاتي التركمانية برئاسة سليمان شاه بن قيا ألب، وكان موطنها بالقرب من مرو قاعدة بلاد التركمان فاتجهت القبيلة إلى الغرب, حتى وصلت إلى خلاط شمال بحيرة وان, وهدأ الزحف المغولي فرغب سليمان في الرجوع إلى موطنه الأصلي، وفي طريق عودته وأثناء عبوره لنهر الفرات غرق فيه، واختلف أبناؤه الأربعة في الوجهة التي يتجهون إليها، فحقق الأخوان سنغور تكن وكون طوغور رغبة والدهما في العودة إلى موطن أبيهم.

    وأما الآخران أرطغرل ودندان فقد اتجها إلى الشمال, وتولى أرطغرل زعامة أفراد القبيلة الذين بقوا في الأناضول, وبعث أرطغرل ابنه ساوجي ليطلب من الأمير علاء الدين السلجوقي، أمير إمارة القرمان التي مركزها مدينة قونية أن يعطيه أرضًا تعيش فيها القبيلة, ولكنه توفي في الطريق، وفي هذه الأثناء لاحظ أرطغرل جيشين يقتتلان؛ أحدهما مسلم -وكانت عليه علامات الهزيمة والضعف- وجيش بيزنطي نصراني يكاد ينتصر, فأسرع بعاطفته الإسلامية ليساعد الجيش المسلم، واستطاع -بفضل الله- أن يحوِّل الهزيمة إلى نصر, وكان الجيش المسلم تحت إمرة الأمير علاء الدين والذي سعد بأرطغرل وأقطعه أرضًا على حدود بلاد الروم (الدولة البيزنطية)؛ ليصد غاراتهم ويغير عليهم, وكان في كل انتصار يحققه عليهم يقطعه الأراضي التي فتحها.

    وكان لأرطغرل ابن اسمه عثمان كان يتردد على رجل صالح يتحدث معه، وفي إحدى الزيارات رأى عثمان ابنة الرجل الصالح فأسرّته، فطلب نكاحها من أبيها فرفض أبوها، فحزن عثمان لذلك حزنًا شديدًا، وفي يوم من الأيام إذ هو في سبات عميق إذا بحلم عجيب يراه في منامه ما إن استيقظ منه حتى ذهب إلى الرجل الصالح فقص عليه الحلم، فوافق الرجل على زواجه من ابنته، وكان الحلم أنه رأى القمر صعد من صدر هذا الرجل الصالح وصار بدرًا ثم نزل في صدر عثمان ثم خرجت من صلب عثمان شجرة نمت في الحال حتى غطت الأجواء بظلها عبر جبال القوقاز والبلقان وطوروس وأطلس، وخرج من جزعها أنهار دجله والفرات والنيل والطونه (في البلقان) ورأى ورق هذه الشجرة كالسيوف، تحولها الريح نحو مدينة القسطنطينية، فعند سماع الرجل الصالح هذا الحلم تفاءل وزوجه ابنته.

    وبشره بأن أسرة عثمان ستحكم العالم.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالإثنين أكتوبر 06, 2014 7:23 pm


    الدولة العثمانية .. التأسيس والبدايات / 7


    عثمان الأول يؤسس الدولة العثمانية بعد انهيار إمارة القرمان أمام المغول، ويبدأ في دعوة أمراء آسيا الصغرى إلى الإسلام، ثم يخلفه ولده السلطان أورخان



    السلطان الغازي عثمان الأول (699- 726هـ)

    لما توفي أرطغرل سنة 687هـ تولى عثمان مكانه فبدأ يوسع أملاك القبيلة بموافقة علاء الدين أمير القرمان, وفي سنة 699هـ أغار المغول على إمارة القرمان، ففر من وجههم علاء الدين إلى بلاد بيزنطة ومات في هذا العام, وتولى من بعده ابنه غياث الدين ثم قتل المغول غياث الدين, فأفسح المجال لعثمان لكي يستقل بما تحت يديه من أراضى ويقيم الدولة العثمانية التي نسبت لاسمه، واتخذ لها عاصمة هي مدينة يني شهر أي المدينة الجديدة (إسكي شهر سابقًا)، واتخذ راية له هي علم تركيا حتى الآن، ودعا عثمان أمراء الروم في آسيا الصغرى إلى الإسلام فإن أبوا فعليهم أن يدفعوا الجزية، فإن رفضوا فالحرب، فخشوا على أملاكهم منه واستعانوا بالمغول عليه.

    غير أن عثمان قد جهز جيشًا بإمرة ابنه الثاني أورخان، وسيرّه لقتال المغول, فشتت شملهم ثم عاد وفتح مدينة بورصة عام 717هـ، وأمّن أهلها وأحسن إليهم فدفعوا له 30.000 من عملتهم الذهبية, وأسلم حاكمها أفرينوس, وأصبح من القادة البارزين ثم توفي عثمان في عام 726هـ، وقد عهد لابنه أورخان بالحكم بعده، ودفن بمدينة بورصة التي أصبحت مدفن العائلة العثمانية بعد ذلك.

    مما هو جدير بالذكر أن لفظ الغازي بمعنى المجاهد، وقد اتخذ السلطان عثمان هذا اللقب واتخذ شعارًا يسير عليه هو "إما غازٍ وإما شهيد"، وقد تبعه في ذلك الكثيرون من سلاطين الدولة العثمانية.


    السلطان الغازي أورخان الأول (726- 761هـ)



    على الرغم من أنه الابن الثانى لعثمان، إلا أن أباه قد أوصى بالحكم إليه من بعده، لاتصافه بعلو الهمة والشجاعة, بينما لم يوص لابنه الأكبر علاء الدين لميله للعزلة والورع, ولم يخالف علاء الدين الوصية فقدّره أخوه أورخان وسلمه الأمور الداخلية، وتوجه أورخان لتوسيع رقعة الدولة والأعمال الخارجية، ونقل أورخان عاصمة البلاد إلى مدينة بورصة.


    الإصلاحات الداخلية ووضع نظام للجيش:

    قام علاء الدين بضرب العملة من الفضة والذهب, ووضع نظامًا للجيش وجعلها دائمة؛ حيث كانت الجيوش قبل ذلك لا تجمع إلا وقت الحرب وتصرف بعده، وخشي من تحزب كل فريق من الجند للقبيلة التابع إليها فأشار عليه (قرة خليل)، والذي صار وزيرًا بعد ذلك باسم خير الدين باشا بأخذ الأطفال المشرّدين والأطفال الذين فقدوا آباءهم في الحرب من الروم وتربيتهم تربية إسلامية وتدريبهم على فنون القتال في ثكنات عسكرية؛ بحيث لا يعرفون حرفة إلا الجهاد في سبيل الله ولا يعرفون إلا السلطان سيدًا لهم، فمن جهة يحمونهم من التشرد والانحراف والضياع، ومن جهة أخرى يدخلون في الإسلام ويكونون ردءًا ضد أعدائه، وأطلق عليهم يني تشري أي الجيش الجديد، وحرفت بالعربية لتكون إنكشارية، وغدا هذا الجيش قوة كبيرة ساعدت في مد الفتوحات العثمانية في أوربا، وهذا ما أثار نصارى أوربا وبلغ حقدهم الصليبي أوجه؛ حينما تمثلت أمامهم حقيقة أن هذا الجيش يمثل أبناءهم الذين لم يكتفوا باعتناق الإسلام بل تحولوا لقتالهم وفتح بلادهم، وعكف المؤرخون النصارى على تشويه صورة الإنكشارية في التاريخ، واتهموا الدولة العثمانية بأخذ الأطفال من آبائهم قهرًا وإجبارهم على اعتناق الإسلام، وهذه إحدى الافتراءات على العثمانيين.

    ومع توارد السلاطين في الدولة العثمانية ظهر منهم الضعفاء الذين سمحوا للإنكشارية بالتدخل في شئون الحكم، وأدى ذلك إلى زيادة نفوذهم في الحكم وتحولهم إلى طريق الفساد والهزيمة حتى قُضي عليهم سنة 1242هـ في عهد الخليفة محمود الثاني.

    كما اهتم أورخان بإعمار البلاد، ففتح المدارس وسن الأنظمة اللازمة لاستتباب الأمن بالداخل، وأكثر من بناء المساجد والتكايا وأجزل العطايا للعلماء والشعراء.


    فتوحات أورخان (الشئون الخارجية):

    وواصل أورخان فتوحاته, ففتح أزمير وأزنيق وإمارة قرة سي التي مات حاكمها فاختلف ولداه, فضمها أورخان كي لا تقع فريسة بيد الروم (كلها مناطق في الأناضول)، وكان أورخان إذا فتح مدينة عامل أهلها باللين والرفق ولم يعارضهم في إقامة شعائر دينهم وأذن لمن يريد الهجرة بأخذ كافة منقولاته وبيع عقاراته.


    الزواج من الأجنبيات:

    وفي عام 756هـ طلب إمبراطور بيزنطة يوحنا الخامس من السلطان أورخان مساعدته ضد إمبراطور الصرب أصطفان دوشان, الذي تحالف مع البندقية والإمارات الصربية للهجوم على القسطنطينية، على أن يزوجه بابنة الوصي على العرش يوحنا كانتا كوزين، والتي أختها زوجة لإمبراطور بيزنطة أي يصبح عديلاً للسلطان، ووافق أورخان إلا أن أصطفان قد أدركه الموت والجنود العثمانية في الطريق فعادوا إلى بلادهم وتمت الزيجة.

    ومما هو جدير بالذكر أن زواج السلاطين من الأجنبيات النصارى قد انتشر بصورة كبيرة في عهد الدولة العثمانية, فقد سبق لعثمان الأول الزواج من مسيحية من فليقيا وسبق لأورخان الزواج من فتاه يونانية مسيحية، وتبعهم الكثير من السلاطين العثمانيين في ذلك, وكان ذلك من سلبيات الدولة العثمانية؛ حيث تمسك كثير من الزوجات النصرانيات بدينهن, واستغللن منصبهن كزوجة للسلطان في التعصب لأبناء جلدتهن، ومن على دينهن من رعايا الدولة العثمانية.


    العبور للبر الأوربي:

    لاحظ أورخان ضعف الدولة البيزنطية, وانكماش رقعتها فقرر النزول إلى الشاطئ الأوربي وفتح الأراضي التي تقع غرب القسطنطينية تمهيدًا لفتحها, حيث إن المسلمين حاولوا فيما سبق فتحها من جهة الشرق، ولكنهم فشلوا فانطلق ابن أورخان الكبير سليمان مع أربعين من رجاله الأبطال، وعبروا للشاطئ الأوربي، واستولوا على الزوارق هناك، ثم عادوا إلى الشاطئ الشرقي حيث لم يكن لدى الدولة أسطول في ذلك الوقت، ثم انطلقوا مرة أخرى إلى الشاطئ الأوربي فاتحين، فسيطروا على قلعة تزنب وشبه جزيرة غاليبولي ذات القلاع المهمة، وبها تحكموا في مضيق الدردنيل.

    وفي عام 760هـ، توفي سليمان ولى العهد والقائد الفذ نتيجة سقوطه عن جواده، وفي العام الثاني توفي أورخان وتولى الحكم ابنه الثاني مراد الأول.


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 08, 2014 7:57 am


    عهد مراد الأول/ 8



    تولى السلطان مراد الأول الحكم بعد وفاة أبيه السلطان أورخان، فاستمر في الجهاد وتوسيع حدود الدولة العثمانية، ومهد بذلك لفتح القسطنطينية، فكيف ذلك؟


    السلطان الغازي مراد الأول(761- 791هـ)

    الشئون الخارجية في الأناضول:


    مراد الأولكانت سياسة مراد الأول الخارجية متمثلة في توسيع رقعة الدولة العثمانية، سواء من جهة الأناضول أم من جهة أوربا، ولأن جهات الأناضول تحتوى على إمارات مسلمة فقد حاول بقدر الإمكان ضمها بالطرق السلمية كما سنرى، مثل مصاهرة الأمراء؛ وذلك لأنه أراد توحيد المسلمين لمنازلة أعداء الإسلام؛ ولأن الجيش المسلم كان شديد الحماسة للجهاد في أوربا أما في الأناضول فكان الجيش قليل الحماسة حتى قيل إن الجنود كانوا يساقون للقتال في الأناضول.

    عندما تسلم السلطان مراد الأول الحكم واجه عداوة أمير القرمان (علاء الدين)، الذي استنهض همم الأمراء المستقلين في الأناضول لمحاربة الدولة العثمانية، فأعد السلطان مراد الأول جيشًا استطاع به دخول أنقرة عاصمة إمارات القرمان، واضطر علاء الدين أن يتنازل عن أنقرة للعثمانيين؛ حتى يحافظ على بقية أملاكه وتزوج السلطان ابنة علاء الدين.

    ومع ذلك لم تبرد نار الحقد في قلب الأمير علاء الدين، وانتظر الوقت المناسب حتى يعاود الكرة في الهجوم على الدولة العثمانية حتى إذا أعد العُدَّة واتحد معه بعض الأمراء المستقلين في الأناضول، وقاموا بحرب ضد الدولة العثمانية في سنة 787هـ، فأرسل لهم مراد الأول جيشًا انتصر عليهم في سهل قونية، وأسر الأمير علاء الدين غير أن ابنته قد توسطت له عند السلطان فعفا عنه، وأبقى له إدارته ولكنه فرض عليه مبلغًا من المال سنويًّا.

    زوج السلطان ابنه يزيد من ابنة أمير كرميان، فقدم الأب مدينة كوتاهيه لابنته، فضمت إلى الدولة العثمانية وفي عام 782هـ ألزم أمير دويلة الحميد بالتنازل عن أملاكه للدولة العثمانية.

    في أوربا:

    وفي عام 762هـ فتح العثمانيون مدينة أدرنه في الجزء الأوربي، ونقل مراد إليها عاصمته لتكون نقطة التحرك والجهاد في أوربا, وقد ظلت عاصمة للعثمانيين حتى فتحوا القسطنطينية عام 857هـ.

    كما تم فتح مدينة فليبه (جنوبي بلغاريا اليوم) وكلجمينا ووردار، وبذلك صارت القسطنطينية محاطة بالعثمانيين من كل جهة في أوربا.

    وخاف أمراء أوربا الذين يجأرون العثمانيين من المد العثماني, فكتبوا إلى البابا يستنجدونه وذهب إمبراطور القسطنطينية إلى البابا, وركع أمامه وقبل يديه ورجليه وطلب منه الدعم، برغم أن الإمبراطور على المذهب الأرثوذكسي والبابا على المذهب الكاثوليكي, وهما شديدا الاختلاف والعداوة، ولكنهما ضد الإسلام يتحدون، فلبى البابا النداء وراسل ملوك أوربا، يطلب منهم الاستعداد لشن حرب صليبية جديدة لوقف المد الإسلامي في قلب أوربا، ولم ينتظر ملك الصرب (أورك الخامس) دعم البابا، وانطلق في اتجاه أدرنه هو وأمراء البوسنة والأفلاق (جنوبي رومانيا) وأعداد من فرسان المجر المرتزقة الذين رحبوا بالإغارة على العثمانيين، مستغلين انشغال السلطان ببعض حروبه في الأناضول. غير أن الحامية العثمانية في أوربا اصطدمت بهم على نهر مارتيزا الذي يمر بأدرنه، وهزمتهم هزيمة منكرة "معركة مارتيزا" فولوا الأدبار، وخشيت إمارة راجوزة الواقعة على سواحل دلماسيا المطلة على البحر الأدرياتيكي من قوة العثمانيين، فأبرمت صلحًا مع الدولة العثمانية تدفع بموجبه جزية سنوية قدرها 500 دوكًا ذهبًا.

    اتفق ملك الصرب لازار بلينا نوفيتش وأمير البلغار سيسمان على قتال العثمانيين، ولكن بعد مناوشات خفيفة مع العثمانيين أدركوا مدى ضعفهم مقارنة بالعثمانيين، فاضطروا إلى دفع جزية سنوية وتزوج السلطان بابنة أمير البلغار.

    نتيجة لتأخر الصرب والبلغار في دفع الجزية اندفعت إليهم الجيوش العثمانية، ففتحت بعض المدن الصربية في جنوبي يوغوسلافيا اليوم، وتمكنت من فتح مدينة صوفيا عام 784هـ بعد حصار ثلاث سنوات، وتم فتح مدينة سالونيك المقدونية التي تقع في اليونان الآن.

    حرم إمبراطور بيزنطة يوحنا (الخامس) باليولوج ابنه اندرونيكوس من ولاية العهد؛ لأنه اتحد مع ساوجي بن السلطان مراد الذي أعلن التمرد على أبيه، فأرسل السلطان لهم جيشًا قتل ساوجي وراسل السلطان الإمبراطور البيزنطي الذي قتل بدوره أندروبيكوس أيضًا.

    واقعة قوص أوه (كوسوفو) 791هـ:

    استغل الصرب انشغال العثمانيين بمحاربة الأمير علاء الدين في الأناضول, وقاموا بهجوم على الدولة العثمانية، واستطاعوا أن يحققوا بعض الانتصارات في جنوب الصرب؛ مما شجع أمير البلغار وسيسمان للهجوم على الدولة العثمانية، ولكن الجيوش العثمانية داهمته ففر إلى الشمال واعتصم في مدينة نيكوبلي في شمال بلغاريا، وجمع ما بقى من جيوشه وهجم على القوات العثمانية فهزم شر هزيمة ووقع أسيرًا ولكن السلطان أحسن إليه وأبقاه أميرًا على نصف بلاده وضم النصف الآخر للدولة العثمانية، ولما علم ملك الصرب ما لحق بسيسمان انسحب بجيوشه إلى الغرب, فأدركته الجيوش العثمانية والتقت معه في موقعة قوص أوه أو سهل كوسوفو (إقليم حصل على الاستقلال عن يوغوسلافيا الآن وتسكنه أكثرية ألبانية مسلمة)، وكان القتال سجالاً بين الطرفين حتى انحاز صهر الملك لازار إلى جانب المسلمين بفرقته البالغ قوامها 10000 مقاتل فانهزم الملك لازار، وقتله المسلمون بسبب ما فعله من أفاعيل دنيئة بأسرى المسلمين.

    وبينما يتفقد السلطان مراد الأول القتلى الصرب قام إليه جندي صربي من بين الجثث وطعنه بخنجره فصرعه، وقتل الجنود العثمانيون الصربي على الفور.

    ومما يذكر في هذه المعركة دعاء السلطان مراد الأول في الليلة التي سبقت يوم المعركة:

    (يا إلهي، إنني أقسم بعزتك وجلالك أنني لا أبتغي من جهادي هذه الدنيا الفانية، ولكني أبتغي رضاك ولا شيء غير رضاك.. يا إلهي، قد شرفتني بأن هديتني إلى طريق الجهاد في سبيلك، فزدني تشريفًا بالموت في سبيلك).

    الشئون الداخلية في عهد مراد الأول:

    نظمت فرقة الخيالة والتي عرفت بسيباه أو السباهية أو الفرسان, بحيث يعطى لكل فارس جزءًا من الأرض إقطاعًا له. والمقيمون في هذه الأرض مسلمون كانوا أم نصارى يدفعون له خراجًا في وقت السلم، ويجهزونه بقدر المستطاع وقت الحرب ويجهزون جنديًّا آخر معه، وبرغم الخدمات التي قدمها هذا النظام في بداية الأمر إلا أنه جعل الجنود أصحاب نفوذ، وتسلط الكثير منهم على الموجودين بالأرض فنقموا عليهم وبالتالي على الحكم.






    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 08, 2014 8:02 am





    عهد السلطان بايزيد الصاعقة../ 9



    السلطان بايزيد الأول هو أول سلطان عثماني يحاصر القسطنطينية ويوشك أن يفتحها، لكن يفاجئه ظهور تيمورلنك، فما تأثير تيمولنك على الدولة العثمانية؟


    السلطان الغازي بايزيد الأول (791- 804هـ)


    تسلم السلطان الغازي بايزيد الأول الحكم وهو يبلغ من العمر 30 عامًا واشتهر بدوام الجهاد والحماسة الشديدة للإسلام حتى لقب باسم يلدرم، أي الصاعقة لإقدامه وانقضاضه المفاجئ على العدو.

    نشاط السلطان الغازي بايزيد الأول في الأناضول:

    بايزيد الأول الصاعقة السلطان العثمانيفي عام 793هـ ضم إمارات منتشا وآيدين وصاروخان دون قتال، ولجأ أبناء حكامها إلى قسطموني عاصمة إمارة أسفنديار، كما فتح مدينة الأشهر آخر المدن للروم في غرب الأناضول، كما تنازل له أمير القرمان علاء الدين عن جزء من أملاكه بدلاً من ضياعها كلها.

    واشتهر علاء الدين بالمراوغة والخيانة كما سبق في عهد السلطان مراد الأول، فاستغل انشغال السلطان بايزيد بالجهاد في أوربا وهاجم العثمانيين واستطاع أن يسترد بعض الأراضي التي تنازل عنها، وأسر كبار القادة العثمانيين في الأناضول، فأسرع إليه الصاعقة بايزيد فهزمه وأسره هو وولديه، وبذلك انتهت إمارة القرمان, ولحقتها إمارة سيواس وتوقات ثم شق طريقه إلى إمارة أسفنديار ملجأ الفارين من أبناء الأمراء، فطلب من أمير أسفنديار تسليم الأمراء الفارين فأبى، فانقض عليه بايزيد وضم بلاده إليه، والتجأ الأمير إلى تيمورلنك الذي سيرد ذكره بعد قليل.

    جهاده في أوربا:

    عين السلطان بايزيد الأمير أصطفان بن لازار ملكًا للصرب، وسمح له بالاستقلال مقابل دفع جزية سنوية، ومساعدته هو وجنوده في أي وقت يطلبهم، وتزوج السلطان بايزيد أوليفير أخت أصطفان.

    اتجه إلى القسطنطينية عام 794هـ وحاصرها، فهو بذلك أول سلطان عثماني يحاصر القسطنطينية، وتركها محاصرة ثم انطلق إلى الأفلاق وأجبر حاكمها على معاهدة يعترف فيها بسيادة العثمانيين على بلاده مقابل جزية يدفعها سنويًّا.

    ضم السلطان بايزيد الأول نصف بلاد البلغار المتبقى بعد موت ملكها سيسمان، وأسلم ابنه فأخذه السلطان وجعله واليًا على صامسون، وبذلك أصبحت بلغاريا ولاية عثمانية.

    دب الذعر في أوربا من انتصارات الدولة العثمانية, واستغاث ملك المجر بالبابا ونصارى أوربا فأعلن البابا قيام حرب صليبية على العثمانيين، واستجاب له دوق بورغونيا (تقع في شرق فرنسا) وأمراء النمسا وبافاريا (جنوب ألمانيا) وفرسان القديس يوحنا، الذين أخرجوا من عكا ثم إلى قبرص ثم رودس فمالطة, وسار الجميع في عام 798هـ وحاصروا مدينة نيكويلي شمال بلغاريا، ووصل جيش العثمانيين وكان بقيادة أمير الصرب أصطفان، ومعه كثير من النصارى الخاضعين للدولة العثمانية والجنود العثمانيين، والتقى الجمعان وهزم الجيش الصليبى هزيمة منكرة, وأسر الكثير من أمراء أوربا في هذه المعركة، منهم دوق بورغونيا الذي فدى نفسه بفدية كبيرة وأقسم للسلطان بايزيد ألا يقاتله أبدًا مادام حيا فرد عليه بايزيد بقولته الشهيرة: (إني أجيز لك ألا تحفظ هذا اليمين، فأنت في حل من الرجوع لمحاربتي؛ إذ لا شيء أحب إليَّ من محاربة جميع مسيحيي أوربا والانتصار عليهم).

    وبعد هذا الانتصار دفع إمبراطور بيزنطة 10000 دينار ذهبية مقابل فك العثمانيين للحصار المفروض على القسطنطينية، وسمح للمسلمين ببناء مسجد لهم فيها.

    الحرب مع تيمورلنك وتجزؤ الدولة العثمانية:

    نتصور فيما ذكرناه حتى الآن عن الدولة العثمانية أننا نعيش في حلم جميل لا نريد الاستيقاظ منه, فإذا بنا نفاجأ بكابوس مفزع يصرفنا مؤقتا عن الحلم الجميل.

    يأتي ذكر هذا الكابوس المفزع مع قدوم الهجوم الشرس الذي يشنه تيمورلنك من الشرق على الأمصار الإسلامية، وتيمورلنك كما أوردنا في تاريخ التتر المسلمين أنه ينتسب للإسلام اسمًا فقط، وقد جعل منه أعداء الإسلام سلاحًا من أسلحتهم المتعددة, يشوهون به الإسلام والإسلام بريء من أفعاله.

    عندما وصل تيمورلنك إلى بغداد وخربها عن آخرها فر أميرها إلى السلطان بايزيد, فأرسل إليه تيمورلنك يطلب تسليم الأمير الفار، فرفض السلطان بايزيد فانطلق تيمور إلى الدولة العثمانية ودخل مدينة سيواس، وقتل الأمير أرطغرل بن السلطان بايزيد الأول، وأخذ يتوغل في الدولة العثمانية حتى التقى بجيشه البالغ قوامه 80.000 مع الجيش العثمانى البالغ 150.000 في أنقرة سنة 804هـ، واستمرت المعركة من قبل شروق الشمس إلى ما بعد غروبها، ولكن أثناء المعركة انضمت من جيش السلطان بايزيد فرق آيدين ومنتشا وكرميان وصاروخان إلى جيش تيمورلنك، فانهزم السلطان بايزيد ووقع هو وابنه موسى في الأسر واختفى ابنه مصطفى وفر أبناؤه سليمان وعيسى ومحمد, وحاول السلطان بايزيد الفرار 3 مرات، ولكنه فشل فشلاً ذريعًا فأصابه الحزن الشديد من الإهانة التي لحقت به، وتوفي في عام 805هـ وقيل إنه انتحر.

    استولى تيمورلنك على بقية أراضي الدولة العثمانية في الأناضول، ولم يتركها إلا وقد عادت الإمارات التي كانت موجودة فيها قبل أن تضمها الدولة العثمانية إلى التجزؤ من جديد.

    وانتهزت الولايات الأوربية التي تحت الحكم العثماني ما حل بالدولة فأعلنت استقلالها, وهي البلغار والصرب والأفلاق فانكمشت الدولة العثمانية.

    ومما زاد الدولة تمزقًا تنازع أبناء السلطان بايزيد على السلطة، فاستقل سليمان بالجزء الأوربي من الدولة العثمانية بما فيها مدينة أدرنه، وعقد حلفًا مع عمانويل الثانى إمبراطور بيزنطة ليساعده ضد إخوته, وأعطاه في سبيل ذلك مدينة سالونيك وبعض سواحل البحر الأسود وتزوج من إحدى قريباته.

    أما عيسى فبمجرد وفاة أبيه أعلن نفسه سلطانًا في مدينة بورصة.

    وأما محمد الذي كان مختبئًا في الأناضول فحينما خف ضغط التتار خرج ومن معه من الجند يقاتل ما بقي من التتار وتمكن من السيطرة على توقات وأماسب، واستطاع تخليص أخيه موسى من الأسر وسار لمحاربة إخوته.

    انتصار محمد على إخوته وانفراده بالسلطة:

    استطاع محمد أن ينتصر على أخيه عيسى بعد عدة معارك بينهما، وقتل عيسى ثم أرسل جيشًا بقيادة أخيه موسى لمحاربة أخيهما سليمان، ولكنه عاد يجر ذيل الخيبة وراءه، ولكنه لم ييئس فحاول موسى مرة أخرى الهجوم, واستطاع في هذه المرة أن ينتصر وقتل سليمان على أبواب أدرنه عام 813هـ.

    اتجه موسى لتأديب الصرب على موقفهم أثناء الهجوم التتري، وحارب ملك المجر الذي حاول مساعدة الصرب وانتصر موسى عليه.

    وأراد موسى أن ينفصل بالجزء الأوربي، وضرب الحصار على القسطنطينية، فاستنجد إمبراطورها بالأمير محمد الذي أسرع فعقد حلفًا مع إمبراطور القسطنطينية، وملك الصرب ضد أخيه، وانتصر الحلف وقتل الأمير موسى وانفرد الأمير محمد بالسلطة.


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 08, 2014 8:15 am


    عهد السلطان مراد الثاني / 10


    كيف استطاع السلطان مراد الثاني توحيد الدولة العثمانية وماذا عن جهاده في أوروبا؟ وماذا عن معركة فارنا بين السلطان مراد الثاني والتحالف الصليبي؟


    السلطان الغازي محمد الأول (816- 824هـ)




    الشئون الخارجية:

    يبدو أن السلطان محمد عاش معذب الضمير من جراء قتله لإخوته الثلاثة عيسى وموسى وسليمان, ولذلك انعكس ذلك في معاملة الآخرين, ويتضح ذلك عندما انتصر على أمير القرمان وعفا عنه بعد أن أقسم له بالطاعة، ثم تمرد عليه مرة أخرى فانتصر السلطان عليه مرة أخرى وعفا عنه، وأيضًا في انتصاره على أمير أزمير قرة جنيد، ثم عفا عنه وعينه حاكمًا لمدينة نيكوبلي.

    الشئون الداخلية:

    قام أحد القضاة ويدعى بدر الدين بحركة يدعو فيها إلى مبادئ مشابهة للاشتراكية, وتبعه في ذلك الكثير وخاصة من أصحاب الديانات الأخرى، وأحس السلطان باستفحال أمره فقاتله وانتصر عليه وقتله.

    ظهور الأمير مصطفى بن السلطان بايزيد ظهر فجأة الأمير مصطفى بن السلطان بايزيد وأخو السلطان محمد، وطالبه بالحكم فقاتله، وانضم إليه قرة جنيد ودخل إلى بلاد اليونان، ولكنه هزم ففر إلى إمبراطور بيزنطة الذي رفض تسليمه إلى السلطان محمد، ولكنه وعده بوضع أخيه تحت الإقامة الجبرية وخصص السلطان لأخيه راتبًا شهريًّا، وبرغم خيانة قرة جنيد إلا أن السلطان عفا عنه مرة أخرى.

    ومات السلطان عام 824هـ ووصى لابنه مراد من بعده ولعلنا نلمس من الآن فصاعدًا إحدى سلبيات العهد العثماني، وهي قتل الإخوة لبعضهم تنازعًا على الملك, والتي ستظهر بصورة واضحة في السلاطين القادمين.


    السلطان الغازي مراد الثاني (824- 855هـ)




    تولى السلطة عام 824 وعمره لا يزيد على 18 سنة، وانتهج سياسة تنبني على إعادة السيطرة على إمارات الأناضول التي استقلت عن الدولة العثمانية أثناء غزو تيمورلنك، حتى يوحِّد عدد كبير من المسلمين ليكونوا قوة كبيرة تنطلق لفتح أوربا؛ لذلك فقد أجل الفتوحات في أوربا لحين استعادة إمارات الأناضول, فعقد هدنة مع ملك المجر مدتها خمس سنوات، ولكن ظهرت عدة مشكلات:

    طلب إمبراطور بيزنطة من السلطان مراد عدم الهجوم على القسطنطينية، ولكي يضمن ذلك طلب من السلطان أن يسلمه اثنين من أخوته كرهينة, وهدد إمبراطور بيزنطة بإطلاق سراح مصطفى عم السلطان مراد إذا لم ينفذ شروطه, فرفضها السلطان مراد الأول فأطلق سراح عمه مصطفى، وزوده بعشرة مراكب فانطلق بها مصطفى لحصار مدينة غاليبولي على مضيق الدردنيل, فدخلها وترك فيها حامية، إلا أنه لم يتمكن من دخول قلعتها، وسار مصطفى نحو أدرنه وقتل القائد العثماني بايزيد باشا، وسار نحو ابن أخيه مراد ولكن حدثت خيانة في صفوف قواده، ففر مصطفى إلى مدينة غاليبولي حيث قبض عليه وأعدم.

    وسارع السلطان مراد الثاني لينتقم من إمبراطور بيزنطة فضرب الحصار على القسطنطينية عام 825هـ، ولكنه لم يتمكن من فتحها
    .


    فتنة أخو السلطان:


    استغل الأمير مصطفى أخو السلطان مراد انشغال السلطان بمحاصرة القسطنطينية, فقام بالتمرد عليه يدعمه أمراء الدويلات المستقلة في الأناضول، فاضطر مراد أن يفك الحصار عن القسطنطينية ويقاتل أخاه حتى هزمه وقتله.

    فتنة قرة جنيد:

    لم يؤثر عفو السلطان محمد الأول عن هذا الخائن مرتين، فقد أدمن الخيانة وبدأ يزاول هوايته في عهد مراد الثاني، فاستولى على إمارة آيدين وأعلن انفصاله عن الدولة، فوثب عليه الجيش العثماني وقتله.

    نشاط السلطان مراد في الأناضول:

    واصل السلطان مراد تحقيق هدفه الأول، وهو إعادة الإمارات التي استقلت عن الدولة العثمانية في الأناضول، فعقد صلحًا مع أمير القرمان.

    وجد أمير قسطموني نفسه في موقف حرج، إذ كان يدعم الأمير مصطفى أخا السلطان مراد،, فأسرع بالتنازل عن نصف إمارته للسلطان مراد وزوجه ابنته.

    سيطر السلطان مراد الثاني على إمارات آيدين، منتشا، وصاروخان، وإقليم الحميد، وكرميان التي أوصى أميرها قبل موته بإلحاقها بالدولة العثمانية حيث لم يكن له من يعقبه، وانتهت بذلك مشاكل الأناضول وأصبح السلطان متفرغًا للجهاد في أوربا.

    الجهاد في أوربا:

    من أكثر الحروب التي خاضها السلطان في أوربا تلك التي خاضها مع ملك المجر، وكان المسلمون تارة ينتصرون وتارة ينهزمون.

    بدأ القتال بين السلطان وملك المجر وكان النصر للمسلمين حيث عقدت معاهدة تنازل فيها ملك المجر عن أملاكه شرقي نهر الدانوب، الذي أصبح حدًّا فاصلاً بين الدولتين.

    خشي أمير الصرب جورج برنكوفتش على ملكه، فعقد معاهدة مع العثمانيين تنازل فيها عن بعض المواقع للعثمانيين، وبمقتضاها يدفع جزية سنوية وتعهد بقطع علاقاته مع ملك المجر، وتزوج السلطان ابنته مارا.

    استعاد السلطان مراد الثاني مدينة سالونيك والتي آلت إلى البندقية عام 833هـ واعترف أمير الأفلاق بالسيادة العثمانية عام 836هـ، واستطاع السلطان إخضاع بلاد الأرنئوط (ألبانيا) وسلم أميرها أبناءه الأربعة كرهينة للسلطان, وعندما مات الأمير عام 834هـ ضم السلطان أملاكه إليه، وما كاد السلطان يستعد لفتح القسطنطينية حتى عادت الدولة النصرانية إلى نقض العهود والتمرد، فقد عاد أمير الصرب جورج برنكوفتش إلى العصيان، فهاجمه السلطان وقتله، وفتح جزءًا من بلاد الصرب وحاصر بلغراد ستة أشهر, ولكنه لم يتمكن من فتحها، وأرسل السلطان جيشًا إلى إقليم ترانسلفانيا (الجزء الغربي من رومانيا حاليًا) والذي كان يتبع وقتها المجر، فهزم الجيش واستشهد قائده مع 20.000 من الجند، ثم أعاد الكرة مرة أخرى وأرسل جيشًا قوامه 80 ألفًا فانهزم للمرة الثانية وأسر القائد العثماني عام 845هـ.



    الدولة العثمانية في عهد مراد الثاني



    استغل ملك المجر الهزيمتين الأخيرتين للجيش العثماني وسار بجيشه ومن انضم إليهم -من ألمان, وفرنسيين، وبنادقة، وبولنديين، وجنوبيين، وصرب، وأفلاق- إلى بلاد الصرب وانتصر على العثمانيين في ثلاث معارك متتالية، اضطر بعدها السلطان مراد لتوقيع معاهدة تنازل بمقتضاها عن الأفلاق للمجر, ورد للصرب بعض المواقع وقامت هدنة مدتها 10 سنوات، واختار السلطان أن يخلد إلى الراحة بعد هذه الحروب المتتالية وبعد وفاة ابنه الأكبر علاء الدين فذهب إلى ولاية آيدين في غربي الأناضول، وترك ابنه محمدًا الذي لم يبلغ من العمر 14عامًا لتولي السلطة.

    تحالف صليبي جديد ضد المسلمين:

    استغل البابا هزائم المسلمين الأخيرة وحث ملك المجر على نقض العهد مع المسلمين, وتنادى نصارى أوربا بحرب صليبية جديدة ضد المسلمين، وخاصة أن السلطان قد ترك الحكم لابنه الصغير قليل الخبرة في القتال.


    موقعة وارنا (فارنا) 848هـ:


    جمع ملوك أوربا جموعهم وهاجموا بلاد البلغار, وخرج لهم السلطان مراد من عزلته، وهاجمهم بجيش تولى قيادته بنفسه، والتقى الجمعان في مدينة فارنا البلغارية على البحر الأسود، فهزم الحلف الصليبي شر هزيمة، وقتل ملك المجر في المعركة، فاختل توازن الأعداء فهاجم السلطان معسكرهم وقتل مندوب البابا وترك مرة أخرى السلطان لابنه.

    ثم اضطر السلطان للعودة مرة أخرى لتأديب الإنكشارية الذين استخفوا بابن السلطان الصغير، فشغلهم بالحرب في بلاد اليونان، حيث قسم الإمبراطور البيزنطي ملكه بين أولاده، فأعطى جنا القسطنطينية، وأعطى قسطنطين بلاد المورة (الجزء الجنوبي من اليونان).

    تمرد إسكندر بك:

    إسكندر بك هو أحد أبناء أمير ألبانيا الذين كانوا رهينة عند السلطان العثماني، أعلن إسكندر إسلامه واستغل انشغال السلطان بالحرب فهرب إلى ألبانيا, وطرد العثمانيين منها، فقاتله السلطان وانتصر عليه وأخذ منه بعض المواقع عام 851هـ، ثم اضطر لتركه لمحاربة المجريين في كوسوفو، وقد عرض السلطان عليه أن يسلمه حكم ألبانيا مقابل جزية سنوية يدفعها، ولكنه رفض وبينما يستعد السلطان لمحاربته إذ وافته المنية.

    معركة كوسوفو الثانية عام 852هـ:

    للمرة الثانية يلتقي المسلمون في هذا السهل مع نصارى أوربا, ولكن هذه المرة مع الجيش المجري، والذي أراد الانتقام لهزيمته في معركة فارنا، وانتصر المسلمون نصرًا عزيزًا على الجيش المجري.

    توفي السلطان مراد الثاني في عام 855هـ، وتسلم السلطة ابنه محمد الثاني (محمد الفاتح).

    .










    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 08, 2014 11:47 am


    محمد الفاتح وفتح القسطنطينية


    السلطان محمد الفاتح وفتح القسطنطينية في عهد الخلافة العثمانية، وجهاده في أوربا، وكيف دخل الإسلام شرق أوربا

    السلطان الغازي محمد الفاتح (855- 886هـ)


    يحتل السلطان محمد الفاتح (محمد الثاني) عند أغلب المسلمين الشهرة الأولى في الدولة العثمانية, وذلك لعكوف مؤرخي أوربا على تشويه تاريخ الدولة العثمانية، وللأسف الشديد تأثر كثير من المسلمين بهم حتى باتوا لا يعرفون عن إيجابياتها شيئًا غير فتح القسطنطينية، ولا يعرفون من حكامها إلا محمد الفاتح.

    ومن الجدير بالذكر أنه برغم إيجابياته الكبيرة فهناك حكام آخرون بلغت في عهدهم الدولة العثمانية أوجهًا أكثر بكثير من عهد محمد الفاتح، كما سيرد ذكره عن سيرة الحكام القادمين، ولكن لا ينكر أحد أن عهد محمد الفاتح -الذي تولى الحكم وعمره 22 عامًا- من ألمع صفحات تاريخ العثمانيين بالكامل, ويكفيه شهادة رسول الله عنه أنه قال: "لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش".


    فتح القسطنطينية:



    حاول المسلمون فتح القسطنطينية قبل العهد العثماني عدة مرات يحدوهم في ذلك حديث الرسول

    عن أبى قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص، وسئل أي المدينتين تفتح أولاً: القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله بكتب إذ سئل رسول الله : أي المدينتين تفتح أولاً: أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله : "مدينة هرقل تفتح أولاً"، يعني قسطنطينية.

    لذلك أعد السلطان محمد الفاتح العدة لفتحها فبدأ ببناء قلعة على البر الأوربي تشرف على مضيق البوسفور، وتقابلها على البر الآسيوي القلعة التي بناها السلطان بايزيد الأول, وبذلك يتحكم في مضيق البوسفور ويمنع وصول الإمدادات إلى القسطنطينية.

    وشعر إمبراطور القسطنطينية بعزم السلطان على فتحها فعرض عليه دفع الجزية فرفض السلطان, وقبل أن نتعرض لأحداث الفتح نلقى نظرة على تحصين مدينة القسطنطينية الذي جعل منها مدينة صعبة المنال.

    أولاً: كما نرى المانع المائي المتمثل في بحر مرمرة، وحتى مدخل القرن الذهبي عليه سلسلة عظيمة لمنع أو السماح بدخول أي سفينة.

    ثانيًا: الأسوار التي تحيط بالمدينة من جميع الجهات حتى من جهة البحر، ومن جهة البر توجد الأسوار العظمى التي يصعب اختراقها.

    ثالثًا: الحصن الموجود عند مدخل القرن الذهبي لمقاومة أي عدو.

    نعود مرة أخرى لسير الأحداث، فعندما رفض السلطان محمد الثاني أن يدفع له إمبراطور بيزنطة الجزية في مقابل عدم مهاجمة القسطنطينية, استنجد إمبراطور بيزنطة بنصارى أوربا, فأرسلت له جنوه (وهي إحدى الإمارات الأوربية في ذلك الوقت) 30 سفينة حربية وجاءت في الوقت الذي يحاصر فيه العثمانيون القسطنطينية من جميع الجهات, فاصطدمت السفن بالأسطول العثماني واستطاع الجنويون التسلل إلى القرن الذهبي, وحينما حاول العثمانيون اللحاق بهم أغلقت السلسلة في وجوههم بعد أن دخل الجنويون القرن الذهبي.

    كان عدد الجنود العثمانيين الذين يحاصرون المدينة من الجهة البرية قرابة 250.000 جندي، أما من الناحية البحرية فكان هناك قرابة 180 سفينة بحرية.

    وجمع محمد الفاتح قواده وقال لهم:

    إذا تم لنا فتح القسطنطينية تحقق فينا حديث رسول الله ومعجزة من معجزاته، وسيكون من حظنا ما أشاد به هذا الحديث من التقدير، فأبلغوا أبناءنا العساكر فردًا فردًا أن الظفر العظيم الذي سنحرزه سيزيد الإسلام قدرًا وشرفًا، ويجب على كل جندي أن يجعل تعاليم شريعتنا الغراء نصب عينيه، فلا يصدر عن أحد منهم ما يجافـي هذه التعاليم، وليجتنبوا الكنائس والمعابد، ولا يمسوها بأذى، ويدعوا القساوسة والضعفاء والعجزة الذين لا يقاتلون.

    وأراد العثمانيون الدخول إلى القرن الذهبي حيث توجد بعض الأسوار الواهية فاتبعوا طريقة لم تخطر ببال أحد, وهي أنهم أعدوا ألواحًا خشبية تصل بين البحر في القرن الذهبي والبحر عند مدخل مضيق البوسفور، وألقوا على هذه الألواح الخشبية الدهون والشحوم, وأخذوا يزلقون السفن الحربية على الألواح الخشبية من مضيق البوسفور إلى القرن الذهبي, ثم أخذت المدافع العثمانية تدك أسوار القسطنطينية من جميع الجهات، فلم تستطع المدينة أن تصمد أمامهم، فدخلوها دخول الأبطال المنتصرين في فجر يوم 15 من جمادى الأولى عام 857هـ، وقتل إمبراطورها في المعركة، وسيطر العثمانيون على المدينة سيطرة كاملة، وأمر السلطان محمد الفاتح أن يؤذن في كنيسة آيا صوفيا إيذانًا بتحويلها إلى مسجد.

    ومما هو جدير بالذكر أن كنسية آيا صوفيا هذه هي مقر الأرثوذكس العالمي، التي تضاهي الفاتيكان مقر الكاثوليك العالمي, كما أمر السلطان بتغيير اسم المدينة إلى إسلام بول (إستانبول) أي مدينة الإسلام, واتخذت عاصمة للدولة العثمانية وظلت العاصمة حتى إلغاء الخلافة, وبذلك سقطت تمامًا الدولة البيزنطية العدو الأول للمسلمين على مدى أكثر من 8 قرون, وأمّن أهل المدينة النصارى على حرية دينهم وممارسة شعائرهم، واشترى نصف كنائس المدينة وحولها إلى مساجد، وترك النصف الآخر من الكنائس للنصارى لممارسة شعائرهم.

    وأثناء حصار المسلمين للقسطنطينية عثر على قبر الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري، الذي استشهد أثناء محاصرة القسطنطينية في عهد يزيد بن معاوية، فبعد فتح القسطنطينية بنى مسجدًا في هذا الموقع، وغدا تسلم السلاطين مقاليد الحكم في هذا المسجد عُرفًا متبعًا حيث يتسلم السلطان الجديد سيف عثمان أرطغرل مؤسس الدولة.

    الفتوحات في أوربا:

    بعد أن تم فتح القسطنطينية وترميم أسوارها التي هدمت أثناء الفتح، تقدم السلطان محمد الفاتح ليستكمل فتوحاته.

    تحويل ولاية الصرب إلى ولاية عثمانية:

    كما نعلم أن السلاطين السابقين كانوا يعطون الاستقلال لإمارة الصرب في مقابل جزية تدفع كل عام، ولكن كثيرًا ما كان الصرب يستغلون أي ظروف سيئة تمر بها الدولة العثمانية، ويمتنعون عن دفع الجزية, فأراد السلطان محمد الفاتح أن يعزز سيطرة الدولة العثمانية على بلاد الصرب، فسار إليها ودخلها عام 858هـ ولكنه لم يتمكن من فتح عاصمتها بلغراد، وذلك لأن ملك المجر هونياد استمات في الدفاع عنها، ولكن بهذا الفتح فقدت الصرب استقلالها وتحولت إلى ولاية عثمانية، ولم يبق خارج سيطرة العثمانيين إلا بلغراد التي تركها العثمانيون، ونجحوا في إصابة ملك المجر الذي مات متأثرًا بجراحه بعد مغادرة العثمانيين بعشرين يومًا.

    فتح بلاد مورة (جنوب اليونان):

    تمكن السلطان محمد الفاتح من فتح بلاد مورة عام 863هـ، وتمكن أيضًا من فتح معظم الجزر في بحر إيجه.

    فتح بلاد الأفلاق (جزء من رومانيا الحالية):

    وصل للسلطان محمد الفاتح تعدى أمير الأفلاق على بعض التجار العثمانيين النازلين ببلاده، فجهز السلطان محمد الفاتح جيشًا لمحاربته، فطلب الأمير الصلح مقابل جزية سنوية قدرها 10.000 درهم ولكن اتضح أن أمير الأفلاق لم يطلب ذلك إلا ليتحد مع أمير المجر لمحاربة العثمانيين، فبعث إليه السلطان برسولين ليستفسرا عن ذلك، فقتل الرسولين.

    ولم يكتف بذلك بل أغار على بلاد البلغار التابعة للدولة العثمانية، فأعمل فيها القتل والسلب وعاد إلى بلاده ومعه 25.000 أسير، فأرسل له السلطان يدعوه إلى إعادة الأسرى والطاعة للدولة العثمانية, فأمر الرسل برفع عمائمهم لتعظيمه، فأبى رسل السلطان فأمر الأمير بتثبيت العمائم على رءوسهم بمسامير من حديد، وعلم السلطان بما حدث فجمع 150.000 مقاتل وسار قاصدًا بلاد الأفلاق، فهزم أميرها الذي فر إلى بلاد المجر بعد أن مثل بالأسرى المسلمين شر تمثيل، وامتلأت ضواحي بخارست عاصمة الأفلاق بجثثهم، وبذلك أصبحت الأفلاق ولاية عثمانية.

    فتح بلاد البوسنة ودخول أهلها في دين الله أفواجًا:

    امتنع أمير البوسنة عن دفع الجزية، فجهز السلطان محمد الفاتح جيشًا لفتح البوسنة، فسار إليها وفتحها عام 866هـ وحاول ملك المجر ماتياس نزع البوسنة من أيدي العثمانيين، ولكنه فشل وما إن تم فتح البوسنة وجعلها ولاية عثمانية إلا ودخل أهلها وأشرافها في دين الله أفواجًا، وانضم للجيش من أهلها 30.000 شاب.

    إسكندر بك يعود إلى الظهور:

    دعا البابا لحرب صليبية على العثمانيين بعد أن تمكنوا من فتح الكثير من بلاد أوربا وسقوط القسطنطينية، غير أن البابا قد مات ولم تقم الحرب الصليبية, وكان إسكندر بك ممن شجعهم البابا على حرب العثمانيين، فلم ينتظر قيام حرب صليبية وقام بشن هجوم على العثمانيين، وكانت الحروب بين الطرفين سجالاً حتى توفي إسكندر بك سنة 871هـ، واستطاع بعدها السلطان محمد الفاتح أن يُخضِع الأرناءوط (ألبانيا) لسلطة الدولة العثمانية.

    سيطرة العثمانيين على القرم والفشل في فتح بلاد البغدان:

    عرض السلطان في عام 878هـ على أمير البغدان أصطفان الرابع دفع الجزية، فرفض فسار إليه الجيش العثماني وانتصر عليه, لكنه لم يستطع فتح الإقليم، ففكر السلطان في دخول شبه جزيرة القرم والاستفادة من فرسانها في فتح البغدان، واستطاع السلطان أن يطرد الجنويين من مواقع كانوا يحتلونها في شبه جزيرة القرم، واتفق السلطان مع سكان شبه جزيرة القرم من التتر المسلمين على دفع خراج سنوي، ثم اتجه الأسطول العثماني من شبه جزيرة القرم إلى مصب نهر الدانوب, فدخل بلاد البغدان وفر من أمامه الجيش البغداني، ليستدرجوه إلى غابة كثيفة ثم انقضوا عليه وهزموه عام 881هـ؛ ولذلك اشتهر أصطفان الرابع بمحاربة العثمانيين وسماه البابا بشجاع النصرانية وحامي الديانة المسيحية.

    محاربة البنادقة:

    أغار السلطان على بلاد البنادقة عام 882هـ واستطاع فتح بلاد كرواتيا ودلماسيا (الجبل الأسود وجزء من ألبانيا وجزء من كرواتيا)، ثم فتح مدينة اشقودرة فلجأ البنادقة إلى إبرام الصلح معه عام 887هـ.

    الفشل في فتح ترانسلفانيا (الجزء الغربي من رومانيا):

    وجهت الجيوش لفتح إقليم ترانسلفانيا الذي كان يتبع المجر في ذلك الوقت، فانهزم الجيش العثماني وقتل الكثير من العثمانيين، وارتكب ملك المجر فيهم جرائم وحشية, وقتل جميع الأسرى ونصبت موائد الجيش على جثث المسلمين.

    محاولة فتح إيطاليا:

    لم يغب عن ذهن السلطان محمد فتح إيطاليا ورفع لواء الإسلام على رومية بعد أن فتح القسطنطينية، يحركه في ذلك يقينه بالله وبشارة الرسول بفتح رومية، حتى إنه أقسم بأن يربط حصانه في كنيسة القديس بطرس (الفاتيكان).

    ورأى أن يمهد لذلك بأن يفتح جزيرة رودس التي يسيطر عليها فرسان القديس يوحنا، ولكن الأسطول العثماني فشل في فتحها وأبرم صلحًا معهم عام 885هـ، ثم عاد فاتجه لفتح إيطاليا، فنزل الجيش العثماني بسواحل إيطاليا واستطاع فتح مدينة أوترانت عام 885هـ، وفي العام الذي تلاه اشتغل بإعداد حمله عظيمة لإتمام فتح إيطاليا، ولكن وافته المنية وعندما توفي انصرف العثمانيون عن هذه الجهة، وأخلى خَلَفه بايزيد الذي اشتهر بميله إلى السلم مدينة أوترانت من الجيش العثماني.

    الدولة العثمانية بعد توسعات محمد الفاتح

    الفتوحات والتوسع في الأناضول:

    فتح السلطان إمارة طرابزون آخر إمارة صليبية في الأناضول, وبذلك طهر الأناضول تمامًا من الصليبيين، وضم إليه إمارة القرمان نهائيًّا.

    هاجم أوزون جيش من حلفاء تيمورلنك شرقي الأناضول، فأرسل السلطان إليهم جيشًا هزمهم عام 874هـ.

    وتوفي السلطان محمد في يوم 4 من ربيع الأول عام 886هـ، الذي استحق لقب الفاتح لجهاده الكبير في سبيل الله وفتحه الكثير من البلاد, وهو يُعِدُّ جيشًا كبيرًا لفتح إيطاليا، فجزاه الله خيرًا عن المسلمين جميعًا.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 08, 2014 11:56 am


    ]color=#ff0000]
    عهد سليم الأول
    [/color]


    استطاع السلطان سليم الأول هزيمة الصفويين في جالديران، والاستيلاء على الشام ومصر، فوحد الدول الإسلامية، ثم تنازل له الخليفة العباسي الأخير عن الخلافة



    السلطان بايزيد الثاني (886- 918هـ)


    عهد سليم الأول اشتهر بالميل إلى السلم، ولم يكد يجلس على العرش حتى خرج عليه أخوه جم, ولقي السلطان في محاربته الكثير من العنت إلى أن اضطر إلى الفرار منه إلى مصر.

    وكما ذكرنا كان يميل إلى السلم لا يدخل الحروب إلا مدافعًا, وعظم في عهده أمر الأسطول العثماني حتى أصبح خطرًا يهدد الملك الأوربي، فما لبث أن اشتبك مع أسطول البنادقة في موقعه هائلة هي فاتحة الانتصارات البحرية العثمانية، وفي عهده سقطت غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس؛ مما يدل على مدى تفرق المسلمين، وظهرت في عهده أيضًا دولة روسيا التي تمكن أميرها إيفان الثالث من تخليص موسكو من أيدي التتر المسلمين ومحاربتهم وابتلاع بلادهم وإقامة الأفعال الوحشية فيهم، وبعث إلى السلطان بأول سفير روسي عام 897هـ. وفي عصر السلطان بايزيد الثاني اعترفت البغدان بالسيادة العثمانية، وقامت بدفع الجزية سنويًّا.

    سيطرة سليم الأول على الحكم:

    كان جنود الإنكشارية لا يعجبهم انكماش بايزيد وضعفه, فالتفوا حول أصغر أبنائه سليم الذي وجدوا فيه العقلية العسكرية القوية، وكان يحكم في ذلك الوقت إمارة طرابزون, وابنه سليمان في كافا عاصمة القرم، فسار سليم إلى ابنه في كافا وجمع جيشًا سار به إلى الولايات العثمانية في أوربا، وحاول السلطان بايزيد تهديد ابنه بالقتل، لكنه تراجع وترك له حكم بعض الولايات الأوربية عام 916هـ، فطمع سليم وسار إلى أدرنه وأعلن نفسه سلطانًا، فحاربه أبوه وانتصر عليه، ففر إلى القرم ثم عفا السلطان عنه وأعاده إلى ولايات أوربا، فلم يهدأ سليم إلا بعد أن جمع الإنكشارية وسار بها إلى إستانبول، وأرغم والده على التنازل عن الحكم ثم سرعان ما مات السلطان سليم الأول.

    الدولة العثمانية من مجرد دولة إلى مقر للخلافة الإسلامية


    الخليفة سليم الأول (918- 926هـ)


    الاتجاه إلى توحيد العالم الإسلامي:

    خريطة دولة الخلافة العثمانيةبهذه العقلية العسكرية والتسلط غير المحدود الذي يتمتع به السلطان سليم الأول، رأى أن يجعل كل همه في توحيد الأمصار الإسلامية الأخرى، حتى تكون يدًا واحدة ضد التحالف الصليبي الذي لا ينتهي في أوربا ضد المسلمين، وخاصة بعد سقوط الأندلس، والتي لم يحاول إنقاذها أي مصر إسلامي قائم في ذلك الوقت.

    ومما زاد رغبته في توحيد المسلمين ما تردد وقتها من أن البرتغاليين احتلوا بعض المواقع في جنوب العالم الإسلامي، ليواصلوا طريقهم إلى المدينة المنورة وينبشوا قبر رسول الله ويساوموا المسلمين على القدس الشريف، وفي نفس الوقت يتحرش الصفويون الشيعيون بالعثمانيين من الشرق، ويجبرون السكان السنيين الذين تحت أيديهم على اعتناق المذهب الشيعي، ويزحفون على العالم الإسلامي، بل ويعقدون حلفًا مع البرتغاليين أعداء الإسلام على المسلمين السنة بصفة عامة، وعلى العثمانيين بصفة خاصة.

    الهجوم على الدولة الصفوية وموقعة جالديران:

    ولم يضيع السلطان سليم الأول الوقت، وأعد العدة لمنازلة الصفويين, وخشي في طريقه أن يعترضه السكان الشيعة الذين هم داخل الدولة العثمانية على الحدود المتاخمة للصفويين، فأمر بقتلهم جميعًا، ثم سار مباشرة في اتجاه عاصمة الصفويين (تبريز) وأراد الجيش الصفوي أن يخدع العثمانيين بالفرار من أمامه حتى يصاب الجيش بالإرهاق فينقضوا عليه، وحدث الصدام بين الجيشين في جالديران شرقي الأناضول عام 920هـ، وانتصر العثمانيون، وبعدها بعشرة أيام دخل السلطان سليم الأول مدينة تبريز واستولى على خزانتها، ثم اقترب فصل الشتاء ففترت عزائم الإنكشارية، فانتظر السلطان حتى انتهى فصل الشتاء ثم سار مرة أخرى في اتجاه الدولة الصفوية، واستولى على بعض القلاع في أذربيجان، ثم عاد إلى إستانبول وجمع ضباط الإنكشارية الذين فترت عزيمتهم وامتنعوا عن مواصلة الزحف عندما حل فصل الشتاء، فقتلهم جميعًا حتى يكونوا عبرة لغيرهم.

    الهجوم على المماليك:

    ما إن انتهى السلطان سليم الأول من الصفويين حتى أعد العدة للهجوم على المماليك الذين ضعف أمرهم في ذلك الوقت، ولم يحاولوا الوقوف في وجه البرتغاليين, بالإضافة للخلاف الثائر بين المماليك والعثمانيين على إمارة ذي القادر التي تقع على الحدود الفاصلة بينهما.


    موقعة مرج دابق 922هـ:


    استطاع السلطان سليم الأول جذب ولاة الشام في صفه لقتال المماليك، ووعدهم بالإبقاء عليهم في إماراتهم إذا ما تم له النصر، ثم سار بجيشه لملاقاة المماليك الذين بدورهم أعدوا أنفسهم لملاقاة العثمانيين، والتقى الجمعان في موقعة مرج دابق عام 922هـ، واحتدم القتال العنيف بينهما، فتسلل ولاة الشام بجيوشهم وانضموا للعثمانيين، فضعف أمر المماليك وهزموا وقتل في المعركة السلطان قنصوه الغوري، وبهذه المعركة أصبحت الشام في قبضة سليم الأول، أي ما يعادل نصف دولة المماليك، وغدت الأناضول بأكملها تحت سلطان العثمانيين.


    موقعة الريدانية 923هـ:


    تولى السلطان طومان باي مكان قنصوه الغوري، فعرض عليه السلطان سليم الأول أن يعترف بسيادة العثمانيين ودفع خراج سنوي لهم، فأبى طومان باي، فبرز إليه السلطان سليم فانهزم طومان باي على حدود الشام الجنوبية، فتتبعه السلطان سليم حتى مدينة القاهرة, حيث التقى الجيش في موقعة الريدانية وانتصر العثمانيون برغم الدفاع المستميت للمماليك، ووقع طومان باي في يد العثمانيين نتيجة لخيانة أحد أتباعه، فأعدموه على باب زويلة.

    تسلم العثمانيين مقاليد الخلافة:

    بانتهاء دولة المماليك تنازل الخليفة العباسي الأخير محمد المتوكل -والذي كان كمن سبقه من الخلفاء في دولة المماليك ليس له أي سيطرة وإنما كان صورة فقط- للسلطان سليم الأول عن الخلافة، ودخلت الحجاز في تبعية الدولة العثمانية، وأصبح السلطان سليم الأول أول خليفة عثماني، فنقل مقر الخلافة من القاهرة إلى إستانبول، وتوفي السلطان سليم الأول عام 926هـ.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 08, 2014 12:02 pm


    عهد سليمان القانوني


    صارت الخلافة العثمانية في عهد سليمان القانوني أقوى دولة في العالم، وبلغت في عهده أقصى اتساعها ونهضت على مستوى التنظيم واستمرت في فتوحات أوربا


    لخليفة سليمان الأول أو سليمان القانوني (926- 974هـ)


    بلغت الدولة في عهده أقصى اتساع لها حتى أصبحت أقوى دولة في العالم في ذلك الوقت، واشتهر بسليمان القانوني، لأنه وضع نظمًا داخلية في كافة فروع الحكومة، فأدخل بعض تغييرات في نظام العلماء والمدرسين الذي وضعه محمد الفاتح، وجعل أكبر الوظائف العليا وظيفة المفتي، وأدخل التنظيمات على جيش الإنكشارية، وكانت كلها في ضوء الشريعة الإسلامية، ولم تكن مستمدة من القوانين الوضعية كما قد يتبادر إلى الأذهان.

    أعمال العثمانيين في الأمصار الإسلامية

    تمرد حكام الشام:
    ما إن وصل خبر موت السلطان سليم الأول إلى جانبرد الغزالي إلا وأعلن تمرده، وعرض على حاكم مصر أن يحذو حذوه فخدعه حاكم مصر بإبداء الموافقة، وفي نفس الوقت كان يطلع الخليفة سليمان على كل ما يرمى إليه حاكم الشام، وبدأ حاكم الشام في تنفيذ تمرده بمحاصرة حلب، ولكن بمجرد وصول الجيوش العثمانية إلى حلب، ولَّى حاكم الشام الأدبار ثم تحصن بدمشق وواجه الجيوش العثمانية فهزم، وحاول أن يفر متنكرًا فسلمه أحد أعوانه للعثمانيين فقتلوه.

    في بلاد فارس (الدولة الصفوية):
    في عام 941هـ دخل العثمانيون تبريز للمرة الثانية، ومنها اتجهوا إلى بغداد فضمت إلى أملاك الدولة العثمانية، وفي عام 954هـ طلب أخو الشاه الصفوي مساعدة السلطان ضد أخيه، فدخل العثمانيون تبريز للمرة الثالثة.

    في بلاد العرب:
    احتدم الخطر الإسبانيخريطة الدولة العثمانية في عهد سليمان القانوني والبرتغالي الصليبي على المسلمين، فبعدما استولوا على آخر معاقل المسلمين في بلاد الأندلس، وعاهدوا المسلمين على أن يكفلوا لهم الحرية الدينية وممارسة الشعائر، لكنهم سرعان ما أخلفوا العهود ونقضوا المواثيق، فأخذت محاولات التنصير الضارية تنهمر على المسلمين في الأندلس، مستعملين في ذلك كل الوسائل من إبادة وتشريد وهتك للأعراض واستعباد، وغيرها من الوسائل التي يعجز القلم عن وصفها، فهام المسلمون في الأندلس على وجوههم، منهم من لحقته الإبادة، ومنهم من ذاب في المجتمع النصراني، ومنهم من استطاع أن يفر بدينه ليهاجر للأمصار الإسلامية.

    ولم يكتف الأسبان والبرتغاليون بالأندلس، فبعد أن استتب لهم الأمر فيها اتجه الأسبان نحو الأمصار الإسلامية الأخرى ليعيدوا المأساة فيها، واحتلوا بعض المراكز في شمال إفريقيا مثل طرابلس والجزائر وبنزرت ووهران وغيرها.

    فأرادت الدولة العثمانية تحرير شمال إفريقيا من الأسبان، ثم الاتجاه للأندلس ولم شمل المسلمين.

    البحّارة خير الدين وأخوه عروج:
    وفي عهد السلطان سليم الأول ظهر أحد البحارة الذين لهم صفحات لامعة في التاريخ الإسلامي، وهو البحار خير الدين الذي كان قرصانًا نصرانيًّا في جزر بحر إيجه ثم اعتنق الإسلام هو وأخوه عروج، ونذرا نفسيهما لخدمة الإسلام، وكانا ينتقمان من القراصنة النصارى الذين كانوا يعترضون السفن المسلمة ويسترقون ركابها وينهبونها، فكانا بالمثل يعترضان سفن النصارى ويبيعان ركابها عبيدًا، ثم في عهد السلطان سليم الأول أرسلا إليه إحدى السفن التي أسروها، فقبلها منهما فأعلنا طاعتهما وخدمتهما للعثمانيين.

    ضم الجزائر:
    وانطلقا يطهران شواطئ إفريقيا من الصليبيين، فحرر عروج مدينة الجزائر ومدينة تلمسان وكان ذلك في عهد السلطان سليم الأول، فعين خير الدين واليًا على الجزائر، وبالتالي ضمت الجزائر إلى الدولة العثمانية.

    ضم طرابلس الغرب (ليبيا):
    أرسل السكان المسلمون إلى الخليفة يستغيثونه بعد احتلال الأسبان لطرابلس, فأرسل إليهم قوة بحرية صغيرة عام 926هـ بقيادة مراد أغا ولكنه فشل في تحريرها, فأرسل الخليفة الأسطول العثماني بقيادة طورغول بك فحرر المدينة من الأسبان وطردهم شر طردة, وواصل تحرير المدن الإسلامية من وطأتهم فحرر بنزرت ووهران وغزا ميورقة (إحدى جزر البليار جنوب شرقي أسبانيا) وكورسيكا، وبذلك غدت طرابلس الغرب (ليبيا) ولاية عثمانية.

    في تونس:
    دعا الخليفة سليمان البحار خير الدين وأمره بالاستعداد لغزو تونس وتحريرها من ملكها الحفصي، الذي اشتهر بميله إلى شارلكان الملك النصراني شديد العداوة للإسلام, فأعد خير الدين العدة وبنى أسطولاً كبيرًا لهذا الغرض، وسار من مضيق الدردنيل قاصدًا تونس، وفي طريقه أغار على مالطة وجنوبي إيطاليا للتمويه، ولكي لا يعرف مقصده الأساسي ثم وصل تونس، وبمنتهى السهولة سيطر عليها وعزل السلطان حسن الحفصي، ووضع مكانه أخاه، فاشتاط شارلكان ملك إسبانيا وإيطاليا والنمسا وغيرها من بلاد أوربا، وصمم على استعادة نفوذه في تونس وإعادة ملكها العميل المخلص له، فقاد شارلكان بنفسه الجيوش، وتمكن من دخول تونس وترك الحرية لجنوده في النهب والقتل وهتك الأعراض وهدم المساجد والسبي والاستعباد، وأعاد السلطان حسن الحفصي للحكم بعد أن أجبره على التنازل له عن مدن بنزرت وعنابة وغيرها، واضطر خير الدين إلى الانسحاب من تونس.

    في الجزيرة العربية والهند:
    كما ذكرنا من قبل الخطر الذي بدأ يظهر من قِبَل البرتغاليين واحتلالهم لبعض المواقع في جنوب شبه الجزيرة العربية ومواصلة الزحف لنبش قبر الرسول ، هذا بالإضافة إلى خطرهم على بلاد الهند التي كانت في ذلك الوقت تحت سلطان المغول المسلمين.

    أمر الخليفة سليمان بتجهيز أسطول للسيطرة على الجزيرة العربية وتطهيرها من البرتغاليين, فتمكن العثمانيون من ضم اليمن وعدن ومسقط ومحاصرة جزيرة هرمز، وبالتالي أغلقوا الأبواب في وجه البرتغاليين وأهدافهم الدنيئة، وفي نفس الوقت استنجد المغول المسلمون بالسلطان سليمان من البرتغاليين الذين احتلوا بعض سواحل الهند، فأرسل إليهم أسطولاً تمكن من تحرير بعض القلاع من البرتغاليين، ولكن الأسطول العثماني هزم في معركة ديو البحرية، فاضطر إلى الانسحاب وخاصة بعدما حاول الأعداء إثارة الفتن وإشاعة أن العثمانيين يريدون ضم الهند.

    الجهاد في أوربا

    البحار خير الدين والانتقام لمسلمي الأندلس:
    عندما سمع البحار خير الدين وأخوه عروج بما حدث للمسلمين قاما لنجدة إخوانهم في الأندلس، وكانت سفنهم تتجه إلى شواطئ الأندلس لتحمل المسلمين الفارين بدينهم من محاولات الإبادة والتنصير الإسبانية إلى الأمصار الإسلامية، وفي نفس الوقت أراد أن ينتقم لمسلمي الأندلس من نصارى أوربا بصفة عامة ونصارى إسبانيا بصفة خاصة، والذين اشتركوا جميعًا وباركوا إبادة المسلمين في الأندلس.

    فأغار على الكثير من شواطئ إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وزج في سفنه بالكثير من أهالي هذه البلاد تمهيدًا لبيعهم عبيدًا في الأمصار الإسلامية، ليعلمهم أن المسلمين بقدر سماحتهم وعفوهم، فهم قادرون على الانتقام لإخوانهم، وكان قد صب تركيزه على إسبانيا بعد أن عقدت معاهدة بين العثمانيين وفرنسا.

    وانتصر خير الدين بعد انسحابه من تونس على أسطول شارلكان في عام 944هـ، وحاول فتح جزيرة كريت ولكنه فشل في فتحها.

    فتح جزيرة رودس:
    استغل الخليفة انشغال أوربا بالحروب كحروب شارلكان ملك النمسا مع ملك فرنسا فرانسوا وأيضًا الخلاف المذهبي بين الكاثوليك والبروتستانت واتجه لفتح جزيرة رودس، وتمكن بالفعل من فتحها عام 929هـ، وفر فرسان القديس يوحنا من رودس إلى جزيرة مالطة، التي أهداها لهم شارلكان ملك النمسا.

    تحويل القرم إلى ولاية عثمانية:
    وقع الخلاف بين التتر المسلمين الذين يحكمون القرم، والتي تعترف بسيادة الدولة العثمانية، فتدخلت الدولة العثمانية وجعلتها ولاية عثمانية عام 939هـ.

    تحويل الأفلاق إلى ولاية عثمانية:
    قرر السلطان سليمان أن يجعل ولاية الأفلاق ولاية عثمانية، فدخلها عام 931هـ ودخل عاصمتها بخارست، ولكن الأعيان فيها ثاروا بمساعدة أمير ترانسلفانيا، وعينوا أميرًا جديدًا فوافق الخليفة في مقابل زيادة الجزية.

    تحالف العثمانيين مع فرنسا:
    اشتد خطر شارلكان ملك النمسا على فرنسا، وخاصة بعدما أحاط بها من جميع الجهات، فقد ضم إليه إسبانيا وأجزاء كبيرة من إيطاليا وهولندا وألمانيا، فاقترح ملك فرنسا على الخليفة سليمان القانوني أن يهاجم شرق مملكة شارلكان، في حين يهاجم ملك فرنسا من الغرب، فاقتنع الخليفة بالفكرة.

    فتح بلغراد:
    أرسل الخليفة إلى ملك المجر يأمره بدفع الجزية، فقتل الملك رسول الخليفة، فجهز الخليفة جيشًا قاده بنفسه وسار ففتح بلغراد عام 927هـ بعد أن كانت أكبر مانع للعثمانيين لدخول بلاد المجر.

    فتح بلاد المجر:
    سار الخليفة بنفسه ومعه جيش قوامه 100.000 جندي و300 مدفع و800 سفينة في نهر الدانوب جنوب بلاد المجر، جاعلاً بلغراد قاعدته الحربية ففتح عدة قلاع في أثناء مسيرته واستطاع أن يفتح عاصمتها بودا في عام 932هـ بعد أن هزم ملك المجر وفرسانه والتقى بأعيان البلاد، اتفق معهم على تعيين جان زابولي ملك ترانسلفانيا ملكًا على المجر.

    الحرب مع النمسا ومحاصرة ويانة (فيينا)
    ادعى أخو الملك شارلكان فرديناند سلطته على المجر واستطاع أن يحتل عاصمتها بودا، فاستنجد ملكها جان زابولي بالخليفة، فانقضت الجيوش العثمانية على بودا التي فر منها فرديناند فتبعته الجيوش المظفرة وحاصرت عاصمة النمسا ويانه (فيينا)، وأحدثت ثغرًا في أسوارها إلا أن الذخيرة نفدت منهم وأقبل فصل الشتاء فرجع الخليفة إلى بلاده.

    وفي عام 938هـ حاول ملك النمسا احتلال بودا ولكنه لم يستطع، فسار إليه الخليفة في العام الثاني، ولكنه رجع عندما علم باستعدادات شارلكان.

    فرنسا تنقض الحلف مع العثمانيين
    ثار الرأي العام في أوربا على تحالف فرنسا النصرانية مع الدولة العثمانية المسلمة ضد شارلكان ومملكته النصرانية، فما كان من فرانسوا ملك فرنسا إلا أن عقد هدنة مع ملك النمسا، ونقض التحالف مع العثمانيين، فاستغلت النمسا الفرصة وأعادت الكرة في الحروب مع العثمانيين ولكنها انهزمت عام 943هـ.

    تحريض أمير البغدان على العثمانيين
    قام أخوا الملك شارلكان بتحريض أمير البغدان على الدولة العثمانية، فأعلن تمرده فتمكن منه العثمانيون وعينوا أخاه أصطفان أميرًا للبغدان، وعززوا الحامية العثمانية فيها.

    مواصلة الحروب مع النمسا
    اقتنع زابولي ملك المجر بفكرة فرديناند في اقتسام المجر, وإلغاء الحماية العثمانية عليها، وأرسل فرديناند صورة من الاتفاق السري بينهما للخليفة ليعلمه بعدم ولاء زابولي له، وقبل أن يعاقب الخليفة الملك زابولي كان الموت أسرع إلى زابولي عام 946هـ، فاستغل فرديناند الفرصة ليحتل المجر فاحتل مدينة بست (على الضفة الأخرى لنهر الدانوب والمواجهة لمدينة بودا، واللتان اندمجتا معًا لتكونا العاصمة الحالية للمجر بوادبست)، فانقض عليهم الجيش العثماني عام 947هـ ففر النمساويون. وبهذا أصبحت المجر ولاية عثمانية، ورضيت أرملة زابولي بذلك حتى يكبر ابنها الذي ما زال طفلاً، وأخيرًا عقدت معاهدة بين العثمانيين والنمسا لمدة خمس سنوات تدفع بموجبها النمسا جزية سنوية مقابل ما بقي تحت يديها من المجر.

    السيطرة على ترانسلفانيا
    واستمر الأوربيون النصارى في نقض العهود فتنازلت إيزابيلا أرملة زابولي عن ترانسلفانيا لفرديناند، وبذلك نقض العهد بين العثمانيين والنمسا، فأسرعت الدولة العثمانية بالسيطرة على ترانسلفانيا عام 957هـ.

    عقد الاتفاقيات مع فرنسا
    أرادت الدولة العثمانية استمالة أحد الأطراف الصليبية إليها حتى تفرق وحدتهم ضدها، فعقدت مع فرنسا اتفاقية في عام 942هـ، ولكنها شملت الكثير من الامتيازات لفرنسا التي سببت مشاكل كثيرة للعثمانيين حتى سقطت الخلافة، خاصة وأن الكثير ممن خلفوا الخليفة سليمان قد تبعوه في منح الامتيازات التي جعلت للأجانب دولة داخل الدولة العثمانية، وجعلت القنصل يحكم بقوانين بلاده في الدولة العثمانية في كل ما يتعلق بالرعايا الفرنسيين, ومن أمثالها: ألا تسمع الدعاوى المدنية للسكان المسلمين ضد تجار ورعايا فرنسا, ولا يحق لجباة الخراج إقامة دعاوى عليهم, وأن يكون مكان دعواهم عند الصدر الأعظم لا عند أي محكمة كباقي الشعب، وإذا خرج فرنسي من الدولة العثمانية وعليه ديون فلا يسأله أحد عنها, وتكون في طي النسيان، وغيرها من الامتيازات التي جعلت لهم نفوذًا كبيرًا في أنحاء الدولة، بمرور الزمن حتى أصبحوا يعيشون في أرض يباح لهم فيها فعل كل ما يريدون من استحلال للمنكرات والفجور، ولا يستطيع أحد أن يكلمهم، بل قيل إن سجونهم التي كانت تدار بواسطة بلادهم في الدولة العثمانية كانت عبارة عن قصور، بها ما لذ وطاب من الجواري والخمور وغيرها.

    ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أخذت كل دولة أجنبية تطالب بامتيازات لها في الدولة العثمانية كلما قوي أمرها، كما سنعلم في الصفحات الآتية؛ ليزداد الخناق على الدولة العثمانية من الداخل, إضافةً إلى الخناق المفروض عليها من الخارج والمتمثل في الحروب.

    الأفعى روكسلان ويهود الدونمة
    أسر التتر المسلمون في القرم في إحدى غاراتهم على الروس فتاة بالغة الجمال تدعى روكسلان، فأهدوها إلى الخليفة الذي اتخذها زوجة له، وقيل إنها كانت يهودية روسية، فعكفت على التدخل في شئون الحكم، فطلبت من الخليفة أن يسمح لليهود الذين طردوا من الأندلس مع المسلمين بالاستيطان في أرجاء الدولة العثمانية، والذين يطلق عليهم يهود الدونمة، والذين لم يحفظوا الجميل للعثمانيين بعد أن رفضهم العالم وضاقت بهم الأرض بما رحبت، فلم يجدوا إلا الدولة العثمانية تفتح لهم أحضانها، وتظلهم بظلها، وسيكون لهم دور رئيسي فيما بعد في سقوط الخلافة العثمانية، كما سنعلم في الأحداث التالية.

    وتوسطت أيضًا لدى الخليفة ليمنع التتر في القرم من محاربة الروس، برغم أن الروس في ذلك الوقت كانوا قد سيطروا على أكثر بلاد التتر، وارتكبوا فيها أبشع الجرائم التي تدل على حربهم الصريحة للإسلام.

    ولم تكتف روكسلان بذلك، بل اجتهدت لتولي ابنها من السلطان سليمان -والذي سمِّي بسليم- الخلافة بعد أبيه برغم وجود أخيه الأكبر مصطفى القائد العظيم الذي حظي بحب الجيش والشعب له، فقامت بعمل دسيسة نفذها الصدر الأعظم رستم باشا (المعيّن) بواسطتها وهو في نفس الوقت (زوج ابنتها من السلطان)، فحرّض رستم باشا الخليفة ضد ابنه، وكتب إليه يحذره أن ابنه مصطفى يريد عزله وتنصيب نفسه على السلطنة فخرج إليه الخليفة، وكان مصطفى يحارب الدولة الصفوية فاستدعاه أبوه إلى خيمته، فما إن جاء ابنه حتى انقض عليه بعض الخدم فخنقوه، ولم تكتف الأفعى بقتل مصطفى فأرسلت من يقتل ابنه الرضيع.


    ثم توفي الخليفة سليمان عام 974هـ، وتولى بعده: الخليفة سليم الثاني.



    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 08, 2014 12:16 pm


    عهدي سليم الثاني ومراد الثالث


    نتعرف في هذا المقال على عهد الخليفة سليم الثاني وعلى أهم إنجازاته، وما هي أحداث موقعة ليبانت البحرية؟ ثم نتعرف على الخليفة مراد الثالث ومشاكل الإنكشارية




    الخليفة سليم الثاني (974- 982هـ)


    الخليفة العثماني سليم الثانيومما يميز عصره أن أصبحت وظيفة الصدر الأعظم تشكل لمن يتقلدها الحاكم الفعلي وقائد الجيوش، وكان من أسباب اللجوء إلى هذه الوظيفة كبر رقعة الدولة واتساعها، وتدفق الأموال على خزائنها، مما جعل الحكام بعد ذلك يلجئون للترف والراحة تاركين للصدر الأعظم تحمل المسئولية.

    وسليم هو ابن روكسلان الروسية، والذي تولى السلطة بعد أن نجحت الدسائس التي وضعتها روكسلان في قتل أبناء الخليفة سليمان، واشترك سليم الثاني في بعضها.

    وهذا الخليفة لم يكن قويًّا كالخلفاء والسلاطين السابقين، ولكن وجود الوزير محمد الصقلي قد حفظ للدولة مكانتها.


    أعمال العثمانيين في الأمصار الإسلامية


    قمع الثورات في اليمن


    قامت ثورة في اليمن، وكان قائدها المطهر بن شرف الدين فأرسل إليه جيش بقيادة عثمان باشا يسانده سنان باشا والي مصر، وتمكن الجيش من إخماد الثورة عام 976هـ
    .


    تحرير تونس من الأسبان وجعلها ولاية عثمانية


    استطاعت إسبانيا احتلال تونس عام 980هـ وإعادة عميلها مولاي حسن الحفصي، ولكن سرعان ما استطاع العثمانيون طرد الأسبان من تونس وجعلها ولاية عثمانية عام 981هـ، وكان قائد التحرير فيها هو سنان باشا والي مصر.


    الأعمال في أوربا


    مع النمسا

    في عام 976هـ أبرمت الدولة صلحًا مع النمسا ينص على اعتراف الدولة بحماية النمسا على بعض الأجزاء في المجر، وتدفع النمسا مقابل ذلك جزية سنوية، وتعترف في نفس الوقت بتبعية ترانسلفانيا والأفلاق والبغدان للعثمانيين.

    مع فرنسا

    أكد الخليفة تأييده للمعاهدات والامتيازات المبرمة مع فرنسا، وهذا ما ساعد على تدفق الإرساليات الكاثوليكية في أنحاء الدولة العثمانية وبالذات في بلاد الشام وبدأ العمل ضد الدولة العثمانية بضربها داخليًّا عن طريق زرع الانتماء إلى فرنسا والنصارى بصفة عامة.

    مع لهستان أو بولونيا (بولندا الحالية):

    فرضت الدولة تعيين أخي ملك فرنسا ملكًا على لهستان، متحدية كلاًّ من النمسا وروسيا, وبذلك أصبحت لهستان (بولندا) تحت حماية العثمانيين.

    فتح قبرص

    استطاعت الدولة العثمانية انتزاع قبرص من أيدي البنادقة الذين كانوا يحتلونها، وذلك في عام 978هـ.

    موقعة ليبانت البحرية

    بعد ازدياد الخطر العثماني في البحر المتوسط على أوربا، وخاصة بعد فتح جزيرة قبرص، وبعض المواقع على بحر الأدرياتيك، وغزو جزيرة كريت، تحالف نصارى أوربا لمحاربة العثمانيين، فاتحدت أساطيل البندقية مع إسبانيا مع رهبان جزيرة مالطة تحت مباركة البابا، واصطدمت هذه الأساطيل بالأسطول العثماني عام 979هـ، وانهزم الأسطول العثماني وفقد في هذه المعركة 130 سفينة و300 مدفعًا و30 ألف أسير، أخذتها الأساطيل النصرانية.

    وكان لهذا الانتصار رنينه الشديد في أوربا، فخطب البابا في كنيسة القديس بطرس بروما (الفاتيكان) يشكر دون جوان قائد الأساطيل المظفرة، وما إن وصلت أخبار الهزيمة إلى إستانبول إلا وثار السكان المسلمون، يريدون أن يفتكوا بالنصارى لولا أن منعهم الوزير محمد الصقلي، وأخذت الدولة تعد أسطولاً جديدًا للأخذ بالثأر, فخافت البندقية فعرضت الصلح على العثمانيين مقابل اعترافها بسيادة العثمانيين على قبرص، ودفع غرامة حربية كبيرة وتم ذلك عام 980هـ.

    في البغدان

    قضى العثمانيون على تمرد ببلاد البغدان عام 981هـ, وتوفي الخليفة سليم الثاني عام 982هـ، وتولى الحكم ابنه مراد الثالث.


    الخليفة مراد الثالث (982- 1003هـ)


    الشئون الداخلية:

    بمجرد توليه الحكم أمر بقتل إخوته الخمسة حتى لا ينازعه أحد في الحكم.

    حاول السلطان منع شرب الخمر، والذي استفحل أيام أبيه، فأصدر قرارًا بمنعه فثارت الإنكشارية وأجبروه على إلغاء هذا القرار.

    جدد الامتيازات لدول أوربا (فرنسا والبندقية) وأعطى سفير فرنسا مكانة خاصة، حيث يتقدم باقي السفراء في المحافل الرسمية، وأجبرت السفن الأوربية التي تدخل الموانئ العثمانية أن ترفع علم فرنسا، باستثناء البندقية، ثم استثنيت إنجلترا أيضًا في عهده.


    الأعمال في الأمصار الإسلامية


    في مراكش:

    استنجد سلطان مراكش بالعثمانيين لإخماد ثورة اندلعت في بلاده، واستعان قائدها بالبرتغاليين، فلبى العثمانيون النداء، واصطدموا مع البرتغاليين في موقعة القصر الكبير عام 985هـ، وتحقق النصر للعثمانيين فأعادوا السلطان إلى الحكم.

    مع الدولة الصفوية:

    استغل العثمانيون الاختلاف على تولية حاكم للدولة الصفوية بعد موت طهماسب عام 984هـ، فضموا إليهم من أملاكها بلاد الكرج (جورجيا) عام 985هـ، ثم أذربيجان الشمالية (شروان عام 986هـ)، ثم بلاد داغستان عام 991هـ، وفي هذه السنة سار القائد عثمان باشا إلى بلاد القرم ليؤدب خانها الذي لم يمد العثمانيين في حربهم مع الصفويين، برغم أنهم طلبوا منه المدد، وتمكن عثمان باشا من إغراء أخي خان القرم بتوليته بدلاً من أخيه فقتل أخاه، واستطاع عثمان باشا أن يدخل عاصمة القرم كافا، وتولى منصب الصدر الأعظم بعد موت محمد باشا الصقلي، هذا الرجل الذي حفظ للدولة مكانتها طوال توليه منصب الصدر الأعظم[1].

    وأجبر عثمان باشا الصفويين على الاعتراف بما ضمه من أملاكهم، فدخل عاصمتهم تبريز عام 993هـ، فأجبروا على التنازل عما تم ضمه، إضافةً إلى جنوب أذربيجان بما فيها العاصمة تبريز.


    الأعمال في أوربا


    بولندا تحت الحماية الفعلية للعثمانيين:

    فرضت الدولة تعيين أمير ترانسلفانيا ملكًا على بولونيا بعد مغادرة ملكها السابق هنري إلى فرنسا، وبذا اعترفت النمسا بحماية الدولة على بولونيا عام 984هـ في معاهدة الصلح التي تمت بينهما، والتي كانت مدتها 8 سنوات، وبذلك تحولت الحماية العثمانية على بولندا من حماية اسمية إلى حماية فعلية.

    مشاكل الإنكشارية التي لا تنتهي:

    نظرًا لتوقف الحروب سواء مع النمسا أو مع الصفويين لم تجد الإنكشارية عملاً لها إلا السلب والنهب في المدن العثمانية، فأراد الصدر الأعظم أن يشغلهم بالحروب مع النمسا في المجر، ونظرًا لما وصل إليه الإنكشارية من فوضى توالت عليهم الهزائم، وفقدوا بعض القلاع، واستطاع سنان باشا أن يستردها عام 1003هـ.

    واستغل أمراء الأفلاق والبغدان وترانسلفانيا الموقف, وانضموا إلى النمسا في حروبها ضد العثمانيين، فدخل سنان باشا عاصمة الأفلاق بخارست، إلا أن أميرها استطاع أن يجعل الجيوش العثمانية تتقهقر إلى ما بعد نهر الدانوب، وانتزع منهم عدة مدن.


    وتوفي الخليفة مراد الثالث في العام نفسه 1003هـ، وتولى ابنه محمد الثالث.



    --------------------------------------------------------------------------------


    [1] من مواقف هذا الرجل: طلب نائب البندقية الصليبية في إستانبول -في معركة ليبانت السابق ذكرها وكان الأسطول العثماني قد تحطم في هذه المعركة- مقابلة الصدر الأعظم (محمد باشا الصقلي) ليسبر غوره، ويقف على اتجاهات السياسة العليا للدولة العثمانية تجاه البندقية، وقد بادره الصدر الأعظم قائلاً: إنك جئت بلا شك تتحسس شجاعتنا وترى أين هي، ولكن هناك فرق كبير بين خسارتنا وخسارتكم؛ إذ إن استيلاءنا على جزيرة قبرص كان بمنزلة ذراع قمنا ببتره وكسره، وبإيقاعكم الهزيمة بأسطولنا لم تفعلوا شيئًا أكثر من حلق لحانا، وإن اللحية لتنمو بسرعة وبكثافة تفوقان السرعة والكثافة اللتين تنبت بهما في الوجه لأول مرة.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 08, 2014 12:28 pm



    العثمانيون في النصف الأول من القرن الحادي عشر الهجري


    استعراض لحال الدولة العثمانية في النصف الأول من القرن الحادي عشر الهجري، وهي فترة تاريخية كثرت فيها الثورات المحلية على الدولة العثمانية واختفاء الخلفاء العظام


    الخليفة محمد الثالث (1003- 1012هـ)


    وهو ابن الخليفة مراد الثالث من جارية إيطالية من البندقية, وكان لها تدخل كبير في شئون الدولة، وما إن تولى الحكم حتى أمر بقتل إخوته التسعة عشر.

    موقعة كرزت

    منذ أواخر عصر سليمان القانوني ومن خلفوه، كانت قيادة الجيوش بيد الصدر الأعظم, فخرج محمد الثالث عن هذه القاعدة، وخاصة بعد ما توالت الهزائم على الجيوش العثمانية, فقاد محمد الثالث الجيوش بنفسه فدبت الحمية الدينية في قلوب الجيش العثماني، وازدادت الروح القتالية وهزموا جيوش المجر والنمسا عام 1005هـ في موقعة كرزت.

    اندلاع الثورات:

    ثورة فراري

    في أثناء موقعة كرزت فرت فرقة من الجيش، ولم تثبت في المعركة فنفيت إلى الأناضول، وأطلق عليها اسم فراري، كنوع من التجريس والإهانة لها حتى تكون عبرة لغيرها.

    فادعى أحد قادتها (قره يازجي) أنه رأى الرسول في المنام يبشره بالنصر على العثمانيين، فاستولى على مدينة عينتاب فحاصره العثمانيون، فوافق على التسليم في مقابل أن يعين على ولاية أماسيا، فوافق العثمانيون، إلا أنه ما لبث أن عاد للتمرد بمجرد مغادرة العثمانيين، فعادوا إليه وفي هذه المرة يساعده أخوه ولي حسن والي بغداد فانهزم قره يازجي، ومات متأثرًا بجراحه في حين استطاع أخوه ولي حسن أن ينتصر على صقلي حسن باشا ويقتله عام 1010هـ، ولكي تتجنب الدولة المزيد من الفتن أعطته ولاية البوسنة ليحارب الأوربيين حتى هلك هو وأتباعه.

    ثورة الخيالة (السباه)

    ونتيجة للثورة السابقة طالب الخيالة بتعويضهم عما لحق بهم من أضرار، فانقض عليهم جيش الإنكشارية فأخمدهم.

    وتوفي الخليفة محمد الثالث عام 1012هـ، وتولى الخلافة ابنه أحمد الأول.


    الخليفة أحمد الأول (1012- 1026هـ)


    تولى الحكم ولم يبلغ الرابعة عشرة من عمره، ولم يقم بقتل أخيه مصطفى ولكنه اكتفى بحبسه مع الجواري والخدم.

    حركات التمرد في الدولة العثمانية

    تعددت في عهده الحركات ضد الدولة مستغلين صغر سنه، ومن أمثلة هذه الحركات حركة بولاد الكردي، وحركة والي أنقرة قلندر أوغلي، وحركة عز الدين المعنى وهو درزي تمكن من جمع الكثير من النصارى والنصيرية والدروز، وأظهر للخليفة الطاعة فأعطاه الإشراف على مناطق كثيرة في الشام مثل جبل لبنان وأجزاء من سوريا وغيرها، فاتفق مع الإيطاليين، فأمدوه بما يحتاج لبناء وتجهيز جيش قوامه 40,000 جندي ثم أعلن التمرد عام 1022هـ، فهزمته الجيوش العثمانية بعد أن استطاع الفرار إلى إيطاليا.

    انتشار الدخان

    انتشر شرب الدخان عن طريق الهولنديين، فتعاطاه الكثير من الجنود فأفتى المفتي بمنع الدخان، فهاج الجنود ومعهم الموظفون حتى أجبروا السلطان على إباحته.

    التراجع أمام الصفويين

    استطاع الشاه عباس ملك الصفويين أن يستغل الفتن الداخلية في الدولة العثمانية, فاستعاد تبريز وشمال العراق وغيرها، ومما زاد (الطين بلة) موت الصدر الأعظم مراد باشا, الذي أبلى بلاءً حسنًا في القضاء على الثورات والفتن، فاضطرت الدولة لعقد معاهدة صلح مع الصفويين عام 921هـ، تنازلت بموجبها عن كل ما ضمه العثمانيون من أملاكهم منذ عهد سليمان القانوني.

    في أوربا:

    جددت الامتيازات مع إنجلترا وفرنسا وحظيت الفلمنك (هولندا) بنصيب منها، وعقد صلح مع النمسا عام 1015هـ تدفع بمقتضاه النمسا 200000 دوكا دفعة واحدة، وتتوقف عن الجزية السنوية التي كانت تدفعها.

    عقدت معاهدة مع بولندا تحمي الدولة بها بولندا من تتار القرم، في حين تحمي بولندا الدولة من القازاق.

    كثرت المعارك البحرية بين العثمانيين ونصارى أوربا, وكان النصر فيها حليفًا للنصارى؛ مما دفع الدولة إلى سحب أسطولها من البحر الأسود لصد أساطيل النصارى في البحر المتوسط, فاستغل القازاق هذه الفرصة وهاجموا ميناء سينوب العثماني على البحر الأسود, ووقع الخلاف بين الخليفة والصدر الأعظم نصوح باشا فقتل على أثره الصدر الأعظم.

    توفي السلطان أحمد الأول عام 1026هـ، وكان في الثامنة والعشرين من عمره، وكان ابنه صغيرًا، فعهد إلى أخيه مصطفى بالخلافة.


    الخليفة مصطفى الأول (1026- 1027هـ)


    خرج من حبسه مع الجواري والخدم لا يعرف شيئًا عن الحكم، ولم تزد فترة حكمه عن ثلاثة أشهر، ثم تم عزله وتولى ابن أخيه عثمان الثاني الخلافة عام 1027هـ.


    الخليفة عثمان الثاني (1027- 1031هـ)


    تولى الحكم وعمره لا يزيد على 13 عامًا، فقتل أخاه محمد كما هي العادة.

    عفا عثمان الثاني عن فخر الدين المعنى، وسمح له بالعودة من إيطاليا، فعاد إلى جبل لبنان وبدأ يتحرك للتمرد مرة أخرى.

    قامت الحرب بينه وبين بولونيا فطلبت بولونيا الصلح فتم عام 1029هـ، وخاصة بعد تخاذل الإنكشارية في القتال، فأراد أن يؤدبهم ويستبدل بهم جنودًا جددًا مدربين، فثاروا عليه وقتلوه، في أول سابقة من نوعها في الدولة العثمانية، ومما يبين مدى النفوذ الذي وصل إليه الإنكشارية، وأعادوا عمه مصطفى إلى الحكم عام 1031هـ، وما إن انتشر خبر قتل الخليفة حتى عمت الفوضى والثورات أرجاء الدولة العثمانية، وقام الولاة يعلنون الاستقلال عن الدولة، فأشار الصدر الأعظم المعين بواسطة الإنكشارية بعزل الخليفة مصطفى الأول وتعيين ابن أخيه مراد الرابع خليفة عام 1032هـ.


    الخليفة مراد الرابع (1032- 1049هـ)


    وهو ابن الخليفة أحمد الأول، وكان حين تولى الحكم لم يبلغ الرابعة عشرة بعد.

    الشئون الداخلية:

    ثورة أباظة باشا

    تولى الخليفة مراد الرابع الحكم والدولة تملؤها الفتن والثورات ومن أشهرها ثورة أباظة باشا, والي أرضروم الذي دخل إلى أنقرة وسيواس، ونظرًا لصغر سن الخليفة فقد سيطر الإنكشارية في بداية الأمر، فكانت المسئولية بأكملها ملقاة على عاتق الصدر الأعظم حافظ أحمد باشا، الذي استطاع أن يخمد ثورة أباظة باشا بعد الانتصار عليه في موقعة قيصرية عام 1033هـ, ثم عاد أباظة باشا إلى الثورة بعد تعيين خسرو باشا صدرًا أعظم، فسار إليه خسرو باشا وأخضعه وعينه على ولاية البوسنة 1037هـ.

    ثورة الإنكشارية

    ثارت الإنكشارية في أثناء الحروب مع الدولة الصفوية، وكان الخليفة قد اشتد عوده فتصدى لهم وقتل مثيري الفتنة منهم فأخمدهم.

    تجدد ثورة فخر الدين المعنى

    ما إن استتب الأمر لفخر الدين المعنى حتى استغل الظروف التي تمر بها الدولة من فتن وثورات، وقام بثورة جديدة فخرج إليه والى دمشق واستطاع أن ينتصر عليه ويأسره هو وولديه، وأرسلهم إلى الخليفة الذي برغم تكرار خيانة فخر الدين وتعاونه الدائم مع أعداء الإسلام من الصليبيين، إلا أن الخليفة قد أحسن معاملته هو وذويه؛ مما شجع حفيده قرقماز على الثورة فنفد صبر الخليفة، وقام بقتل فخر الدين المعنى وابنه الأكبر وأخضع ثورة قرقماز.

    الحروب مع الصفويين

    بدأت الحروب مرة أخرى مع الصفويين عندما قتل قائد الشرطة في بغداد بكير أغا والي بغداد، فحاصره الصدر الأعظم حافظ باشا، ولكنه اتصل بالشاه عباس، وعرض عليه تسليم المدينة، وفي نفس الوقت عرض على الصدر الأعظم تسليم المدينة وله ولايتها فوافق، ودخلت الجيوش العثمانية المدينة قبل وصول الشاه عباس، وما إن وصل الشاه عباس حتى ضرب الحصار على بغداد 3 شهور، فعرض على ابن بكير أغا تسليم المدينة وإعطاءه ولايتها، فوافق وخان العثمانيين، فدخلت جيوش الشاه بغداد وقتلت بكير أغا وابنه؛ لأنهما خائنان لا يمكن الاعتماد عليهما.

    حاول الصدر الأعظم حافظ باشا استرداد بغداد، ولكن الإنكشارية لم يحاربوا معه؛ مما أدى إلى عزله، واستغل الصدر الأعظم خسرو باشا وفاة الشاه عباس 1038هـ وتولى ابنه الصغير الحكم فاسترد مدينة همدان 1039هـ، وحاول استرداد بغداد مرتين ولكنه فشل، فسار الخليفة بنفسه لقتال الصفويين، وخاف أن يخرج عليه أخواه بايزيد وسليمان فأمر بقتلهما، ثم دخل مدينة تبريز عام 1045هـ بعد مقاومة عنيفة من الصفويين، واسترد بعض القلاع ثم عاد إلى إستانبول، فاستغل الصفويون الفرصة واستردوا بعض القلاع، فخرج الخليفة إليهم وتمكن من دخول بغداد عام 1048هـ، وعقد صلحًا بين الدولتين عام 1049هـ، وتوفي الخليفة في نفس العام.


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 08, 2014 12:33 pm


    العثمانيون في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري


    استعراض لحال الدولة العثمانية في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري، وأهم الأحداث في تلك الفترة، والحروب التى خاضتها الدولة العثمانية


    الخليفة إبراهيم الأول (1049- 1058هـ)


    مسجد ايا صوفيا تركياتولى الخلافة بعد وفاة أخيه مراد الرابع.

    العمل في أوربا

    اندلعت الحروب من جديد بين القازاق والعثمانيين، واستطاع القازاق احتلال مدينة آزارق (آزوف) على السواحل الشمالية للبحر الأسود، ولكن العثمانيين استطاعوا استردادها عام 1052هـ.

    فتح جزيرة كريت

    جهز العثمانيون أسطولاً لفتح جزيرة كريت التي كانت تتبع البندقية في ذلك الوقت, وتمكن العثمانيون من فتحها عام 1055هـ ودخلوها بمنتهى السهولة لعدم وصول الأسطول البندقي، فاغتاظ البنادقة لذلك وأحرقوا بعض الموانئ العثمانية، فأراد الخليفة الانتقام في شخص نصارى الدولة, ولكن المفتي عارضه فامتثل لرأى المفتي، ولما ازداد تمرد الإنكشارية أراد الخليفة أن يؤدبهم، ولكنهم لما علموا بذلك داهموه وأسرعوا بعزله وعينوا ابنه الصغير محمد الرابع الذي لم يتجاوز السبع سنوات، وذلك في عام 1058هـ، ثم قتلوا الخليفة إبراهيم الأول خوفًا من عودته للحكم.

    الخليفة محمد الرابع (1058- 1099هـ)


    الشئون الداخلية

    شاعت الفوضى في أنحاء الدولة نظرًا لصغر سن الخليفة، وكما ذكرنا سابقًا كان الصدر الأعظم هو الذي يتحمل المسئولية كاملة، فاضطر الصدر الأعظم حسين باشا لرفع الحصار عن مدينة كنديا في جزيرة كريت؛ بسبب الفوضى التي أشعلها الإنكشارية في البلاد.

    ثورة قاطرجي أوغلي

    وفي عام 1059هـ قام قاطرجي أوغلي بثورة في الأناضول يدعمه كورجي يني، واستطاعا أن يهزما والي الأناضول أحمد باشا، ثم سارا إلى إستانبول ولكنهما اختلفا، فاستطاعت الجيوش العثمانية أن تهزمهما وقتل كورجي، وطلب قاطرجي أوغلي العفو، فعفا عنه وتولى القرمان.

    الحروب في أوربا

    استطاع الأسطول البندقي أن ينتصر على الأسطول العثماني ويحتل جزيرتي تيدنوس وليمنوس اللتين تتحكمان في مضيق الدردنيل، ولم تستطع السفن المحملة بالغذاء الوصول إلى إستانبول، فارتفعت أسعار الغذاء.

    تولي محمد كوبريللي الصدارة العظمي

    من أشهر من تولى منصب الصدارة العظمى هو وأبناؤه بل وأحفاده في تاريخ الدولة العثمانية، وذلك لما أبلوه من بلاء حسن في الجهاد في أوربا، وضبط الشئون الداخلية.

    وبمجرد توليه المنصب عام 1067هـ عمل على ضبط الأمور الداخلية، فأدب الإنكشارية وأعمل فيهم القتل، وقام بقتل بطريرك الروم الذي كان له دور كبير في الفوضى السائدة بالبلاد، فاستقرت الأوضاع الداخلية ليتفرغ للجهاد في أوربا.

    وكانت بادرة أعماله تحرير الجزر والمرافئ التي احتلتها البندقية من الدولة العثمانية بعد عناء شديد.

    تمرد أمراء ترانسلفانيا والأفلاق والبغدان

    قامت الحرب بين السويد وبولندا، فعرضت السويد على العثمانيين أن يعاونوها في مقابل السماح للدولة العثمانية ببسط سيطرتها على بولندا، فرفض محمد كوبريللي ولكن استطاعت السويد استمالة أمراء الأفلاق والبغدان وترانسلفانيا لحرب بولندا، فأمرت الدولة بعزلهم، فقام أمير ترانسلفانيا المعزول بمنازلة العثمانيين فأسرع إليه الصدر الأعظم فهزمه، ثم توجه إلى أمير الأفلاق الذي حاول العصيان فأخضعه.

    تولي أحمد كوبريللي منصب الصدر الأعظم

    وبعد وفاة الصدر الأعظم محمد كوبريللي عام 1072هـ بعدما أعاد للدولة هيبتها واستقرارها، تولى ابنه أحمد كوبريللي المنصب فسار على نهج أبيه.

    فتوحات عثمانية جديدة

    الفتوحات العثمانيةرفض أحمد كوبريللي الصلح الذي عرضته كل من النمسا والبندقية, وتمكن الصدر الأعظم من التوغل في أراضي النمسا, وفتح قلعة نوهزل الشهيرة, ثم واصل فتوحاته ففتح مورافيا (المنطقة بين التشيك وسلوفاكيا الآن) وإقليم سينزيا (الواقع الآن في بولندا).

    توتر العلاقة مع فرنسا

    توترت العلاقات بين العثمانيين وفرنسا نتيجة لمساعدة فرنسا للبنادقة في كريت, ثم جاءت الحروب مع النمسا لتزيد من توتر العلاقات، فقد استنجدت النمسا بالبابا بعد الهزائم المتوالية لها أمام العثمانيين، فلبى البابا النداء واستنهض فرنسا التي أمدت النمسا بـ 6000 جندي, ودارت الكثير من المعارك, ولكنها كانت سجالاً بين الطرفين، حتى حدث الصلح بين العثمانيين والنمسا، والذي ينص على تقسيم المجر بينهما، وبرغم ذلك واصلت فرنسا قرصنتها البحرية على المرافئ العثمانية في شمال إفريقيا وعلى السفن المسلمة، ثم حاولت فرنسا إعادة الامتيازات والتقرب إلى العثمانيين، فرفض الصدر الأعظم أحمد كوبريللي، وزاد رفضه حينما حاولت فرنسا إرسال أسطول حربي لمنازلة العثمانيين، ثم أشار أحد وزراء فرنسا على ملكها أن يستعمل سياسة اللين مع العثمانيين، فتمكن من استعادة الامتيازات لفرنسا، وتحسنت العلاقات بين فرنسا والعثمانيين وكان ذلك عام 1084هـ.

    الحروب مع بولندا

    أعلن القوزاق تبعيتهم للعثمانيين مما أثار أحقاد بولندا التي انقضت على أراضيهم (والتي تمثل الآن أغلب أراضي أوكرانيا)، فسار الخليفة بنفسه يقود الجيش الذي ألحق بالبولنديين هزيمة منكرة، فطلب البولنديون الصلح وتم ذلك في معاهدة بوزاكس عام 1083هـ، وكان من شروطه أن تضم الدولة العثمانية إقليم بودوليا في غرب أوكرانيا، ويستحوذ القوزاق على باقي أوكرانيا، وتدفع بولونيا جزية قدرها 220 ألف بندقي ذهبًا.

    رفض الشعب البولندي هذه المعاهدة, وسار قائده سوبيسكي الشهير بقتال العثمانيين واستطاع أن يحقق بعض الانتصارات، ثم عقد صلحًا آخر بين بولندا والعثمانيين يكون للعثمانيين فيه مثل ما كان في المعاهدة السابقة، باستثناء بعض المدن وكان ذلك عام 1087هـ، وشارك سوبيسكي في المفاوضات بعدما أصبح ملكًا على بولندا.

    وما إن توفي الصدر الأعظم أحمد كوبريللي حتى تسلم مكانه صهرة قره مصطفى عام 1087هـ فلم يكن في كفاءة سابقيه, وعمل في سبيل مصلحته الشخصية لا مصلحة الدولة، وكانت بادرة أعماله السيئة إثارة القوزاق الذين استنجدوا بروسيا فاصطدمت بالعثمانيين عام 1088هـ، ولم تتوقف الحرب إلا في عام 1092هـ، ووقعت معاهدة راد زين بينهما لتعيد الحال إلى ما كان عليه قبل الحرب، ولكن أصبح القوزاق يكرهون العثمانيين ويميلون إلى الروس.

    تجدد الحروب مع النمسا

    تجددت الحروب مع النمسا عام 1092هـ، والتي بدأها قره مصطفى بداية العمالقة ثم أنهاها نهاية الأقزام، وتسبب في كارثة كبرى للدولة العثمانية.

    فبدأ بالكثير من الانتصارات ووصل العثمانيون لويانه (فيينا) للمرة الثانية، وحاصروها بعد أن حاصرها العثمانيون أول مرة في عهد الخليفة سليمان القانوني، ولم ينتبه قره مصطفى لتأمين ما فتحه من بلاد النمسا, ووضع كل تركيزه لفتح ويانه ولكن أوربا ما كانت لتتركه يصل إلى هدفه، فنادى البابا أوربا لنجدة النمسا، فما إن أصبح العثمانيون قاب قوسين أو أدنى من فتح ويانه حتى انهالت الجيوش الأوربية عليهم، يتقدمهم سوبيسكي الذي أمره البابا بنقض العهد مع العثمانيين -كعادتهم دائمًا- وتساعده الإمارات الألمانية؛ ساكسونيا وبفاريا، وبرغم استبسال المسلمين في الحروب إلا أنهم اضطروا للانسحاب، فلاحقهم سوبيسكي يقتل منهم ما تصل إليه يده.

    التحالف الصليبي ضد العثمانيين

    لما علم الخليفة بالهزيمة التي تعرض لها العثمانيون، أمر بقتل قره مصطفى وتولية إبراهيم باشا مكانه، في الوقت الذي ابتهجت أوربا للنصر المتحقق وقامت كل من البندقية والنمسا وبولندا وروسيا ورهبان مالطة يدعمهم جميعًا البابا بما أطلقوا عليه التحالف المقدس لإفناء العثمانيين من على وجه الأرض، فانطلقت النمسا على جبهة المجر فاحتلت مدينة بست ثم توغلت حتى ضمت الكثير من أراضي المجر واستطاعت احتلال مدينة بودا عام 1097هـ، التي فقدها العثمانيون نهائيًّا ولم يستطيعوا دخولها مرة أخرى، كما احتلت النمسا إقليم ترانسلفانيا وأجزاء من كرواتيا، في نفس الوقت كانت بولندا بقيادة سوبيسكي تغير على البغدان.

    أما البنادقة ورهبان مالطة فتمكنت أساطيلهم من احتلال الكثير من مدن شبه جزيرة المورة، فعمت الفوضى أنحاء البلاد فقرر العلماء والوزير الثاني عزل الخليفة محمد الرابع، وكان ذلك عام 1099هـ، وتولى مكانه أخوه سليمان الثاني.




    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 08, 2014 12:52 pm

    العثمانيون في القرن الثاني عشر الهجري


    الخليفة سليمان الثاني (1099- 1102هـ)


    الشئون الداخلية

    عمت الفوضى بعد عزل الخليفة محمد الرابع وزاد نفوذ الإنكشارية, فقتلوا الصدر الأعظم سياوس باشا، وسبوا أهل بيته كل هذا والخليفة لا يبدى أي مقاومة.

    الشئون الخارجية:

    توالت الهزائم على الدولة العثمانية، فاحتلت النمسا بلغراد وأجزاء من بلاد الصرب في عامي 1099هـ- 1100هـ، وواصلت البندقية تقدمها, فاحتلت أجزاء كثيرة من كرواتيا ودلماسيا وأكثر أجزاء المورة.


    تولي مصطفى كوبريللي الصدارة العظمى:


    وجاء مصطفى باشا سليل عائلة كوبريللي الشهيرة بالبلاء الحسن في الصدارة العظمى, جاء في الوقت المناسب ليعيد للدولة بعضًا من هيبتها التي فقدت, فبدأ بالإصلاح الداخلي فحفظ الأهالي من بطش الإنكشارية, وأحسن للنصارى في إستانبول فكسب حب الناس, حتى إن النصارى الأرثوذكس في المورة استطاعوا طرد البنادقة من أرضهم لمحاولتهم فرض المذهب الكاثوليكي عليهم، وقبلوا حماية العثمانيين عليهم لعدم تعرضهم لعقيدتهم, وسار مصطفى كوبريللي على نهج أبيه محمد كوبريللي، فاستطاع استرجاع بلغراد عام 1101هـ, واستطاع القادة العثمانيون إخماد الثورة في الصرب واستعادة إقليم ترانسلفانيا.

    وتوفي الخليفة عام 1102هـ، وتولى أخوه أحمد الثاني الخلافة؛ لأن سليمان لم ينجب.


    الخليفة أحمد الثاني (1102- 1106هـ)


    لم تطل مدة حكمه على أربع سنوات, فقدت خلالها الدولة مصطفى كوبريللي شهيدًا في القتال مع النمسا, ولم يكن خلفه عربجي باشا في كفاءته فاحتلت البندقية جزيرة ساقز في بحر إيجة. وتوفي الخليفة أحمد الثاني عام 1106هـ، وتولى الخلافة بعده الخليفة مصطفى الثاني.


    الخليفة مصطفى الثاني (1106- 1115هـ)


    استمرار الحروب مع أوربا:

    اتسم هذا الخليفة بالشجاعة والإقدام، فقاد الجيوش بنفسه لمنازلة البولنديين, واستطاع أن ينتصر عليهم بمساعدة فرسان القوزاق، وفي عام 1107هـ أجبر قيصر الروس بطرس الأكبر على فك الحصار عن مدينة (آزوف) التي يسعى لضمها لتكون منفذًا لروسيا على البحر الأسود، وتوجه الخليفة لملاقاة النمسا على أرض المجر، واستطاع أن ينتصر عليهم حتى فاجأ القائد النمساوي (أوجين دى سافوا) العثمانيين وهم يعبرون نهر تيس, واستطاع أن يهزمهم وغرق الكثير منهم في النهر وأخذ يلاحقهم حتى استطاع دخول بلاد البوسنة.

    وفي الوقت نفسه استغل بطرس الأكبر الفرصة, واحتل مدينة آزوف (أزوق) عام 1108هـ ومع توالى الهزائم على العثمانيين تولى الصدارة العظمى حسين كوبريللي فاستطاع الانتصار على النمسا, وطردهم من البوسنة, واسترداد بعض الجزر في بحر إيجة.


    معاهدة كارلوفتس 1110هـ:


    اضطرت الدولة إلى إبرام معاهدة كارلوفتس بوساطة فرنسا, خاصة بعدما تحالفت عليها الكثير من دول أوربا، والتي بمقتضاها تنازلت:

    1- عن مدينة آزوف لروسيا.

    2- عما بقي لها من بلاد المجر للنمسا، وعقدت هدنة مع النمسا لمدة 25 عامًا.

    3- عن أوكرانيا وبودوليا لبولندا.

    4- عن ساحل دلماسيا وبعض جزر بحر إيجة للبندقية.

    وحزن الصدر الأعظم حسين كوبريللي لهذه المعاهدة فقدم استقالته عام 1114هـ, وثارت الإنكشارية بعده على الخليفة حتى عزلوه عام 1115هـ، وتولى أخوه أحمد الثالث الخلافة.


    الخليفة أحمد الثالث (1115- 1143هـ)


    نجح في خداع الإنكشارية فنفذ مطالبهم ووافقهم على قتل المفتي فيض الله، حتى إذا اطمأنوا له قتل رءوس الفساد فيهم، وعزل الصدر الأعظم المعين برغبتهم, والذي كان قائدًا لثورتهم.


    الحروب في أوربا

    الحرب مع روسيا ومحاصرة القيصر


    طلبت السويد دعم العثمانيين في حربها ضد الروس، ولكن الصدر الأعظم نعمان كوبريللي رفض ذلك، وما أن استلم بلطجي محمد باشا منصب الصدارة العظمى، حتى أعلن الحرب على روسيا وأتيحت له الفرصة لأنْ يفني دولة روسيا من الوجود، بعدما تمكن من حصار القيصر وعشيقته كاترينا, التي أصبحت إمبراطورة فيما بعد، والتي تمكنت من إغراء الصدر الأعظم بالمجوهرات والمال، ففك الحصار واكتفى بتوقيع معاهدة تتعهد فيها روسيا بالتخلي عن ميناء آزوف، وأن لا تتدخل في شئون القوزاق؛ وبسبب خيانة الصدر الأعظم فقد تم عزله ونفيه لإحدى جزر بحر إيجة، وتولى منصبه يوسف باشا الذي أبرم مع روسيا معاهدة جديدة تقضي بهدنه مدتها 25 عامًا بين الدولتين, عرفت بـمعاهدة أدرنه، ولكن ما لبثت روسيا أن عادت لنقض العهود، فتدخلت إنجلترا وهولندا لتأثير الحروب على تجارتهما وعقدت معاهدة أدرنه عام 1125هـ والتي تنص على سيطرة العثمانيين على كافة السواحل الشمالية للبحر الأسود، وفي نفس الوقت لا تدفع روسيا جزية لخانات القرم.

    تطهير كريت من البنادقة

    منذ فتحت كريت والأوضاع بها غير مستقرة؛ نظرًا لوجود بعض المواقع ظلت البندقية تسيطر عليها في الجزيرة، حتى تمكن العثمانيون من طردهم منها تمامًا عام 1129هـ.


    معاهدة بساروفتس 1130هـ


    استنجدت البندقية بالنمسا التي هددت العثمانيين بالحرب إن لم يعيدوا ما أخذوه من البندقية, فضرب العثمانيون بتهديدهم عرض الحائط, فنشبت الحرب بينهما, واستطاعت النمسا أن تنتصر على العثمانيين وتحتل بلغراد عام 1129هـ، ثم عقد الصلح عام 1130هـ بمعاهدة بساروفتس التي بمقتضاها:

    1- تفقد الدولة بلغراد، ومعظم بلاد الصرب جزءًا من الأفلاق للنمسا.

    2- وأن تعود بلاد مورة للعثمانيين.

    3- تظل البندقية مسيطرة على سواحل دلماسيا.

    الحرب مع الصفويين

    استغل العثمانيون ضعف الصفويين، بعد ما تنازل الشاه حسين لأمير أفغانستان مير محمد عن الحكم, فضموا إليهم بلاد الكرج (جورجيا) وأرمينيا, واستغلت روسيا الفرصة فاحتلت بلاد داغستان, وكاد العثمانيون أن يصطدموا بالروس لولا الوساطة الفرنسية.

    وحاول الصفويون استرداد ما فقدوه, فهزموا وفقدوا تبريز وهمدان وغيرهما ثم جرى الصلح عام 1140هـ, ثم ما لبث أن تجددت الحرب بينهما بعدما تولى طهماسب حكم الصفويين, ولميل الخليفة للصلح ثار الإنكشارية وقتلوا الصدر الأعظم، ثم عزلوا الخليفة وولوا ابن أخيه مكانه.

    استطاعت الدولة العثمانية أن تنزل بالصفويين الهزيمة عام 1144هـ، ثم تم الصلح بتنازل الصفويين عن همدان وتبريز وإقليم لورستان, ولكن والي خراسان نادر شاه رفض المعاهدة, واستطاع أن يسير إلى الشاه ويعزله، ثم اتجه لقتال العثمانيين وألحق بهم الهزيمة حتى عقد صلحًا بين العثمانيين والصفويين في مدينة تفليس ببلاد الكرج عام 1149هـ, تنازل فيه العثمانيون عن كل ما أخذوه من الصفويين، وأصبح نادر شاه ملكًا على فارس.

    دخول الطباعة الدولة العثمانية:

    ومما يذكر في عهد الخليفة أحمد الثالث إنشاء أول دار للطباعة في إستانبول، لتكون السابقة الأولى من نوعها في الدولة العثمانية.


    الخليفة محمود الأول (1143- 1168هـ)


    عندما تولى الحكم كان النفوذ الأعظم لقائد ثورة الإنكشارية بطرونا خليل، الذي عزل الخليفة ثم ما لبث أن اختلف معه الإنكشارية وقتلوه.

    معاهدة بلغراد

    احتلت روسيا بولندا بدعم من النمسا, وعندما رغبت فرنسا في إنقاذ بولندا أرضتها النمسا بمعاهدة فيينا، لكي تتفرغ النمسا لقتال العثمانيين، وبدأت روسيا بإشعال الحرب مع العثمانيين، واحتلت ميناء آزوف, فاتحدت الدولة العثمانية مع الفرس واستطاعت وقف هجومهم، وفي نفس الوقت أخذت تلاحق الجيوش العثمانية النمسا حتى تمكنت من هزيمتها، وعقدت معاهدة بلغراد عام 1152هـ، والتي نصت على:

    1- عودة بلغراد وما تحتله النمسا من أراضي الصرب والأفلاق إلى الدولة العثمانية.

    2- وأن تلتزم روسيا بهدم قلاع مدينة آزوف، وألا تكون لها سفينة في البحر الأسود.

    وتوفي الخليفة محمود الأول عام 1168هـ، وتولى الخلافة أخوه عثمان الثالث.


    الخليفة عثمان الثالث (1168- 1171هـ)


    ولد عام 1110هـ، وكان عمره حين تولى الخلافة يزيد على الثامنة والخمسين عامًا, قتل الصدر الأعظم على باشا لسوء تصرفه وعين محمد راغب باشا مكانه, فكان عونًا له, وأهلاً للإصلاح, وكان الخليفة يسير متنكرًا في الليل, ويطلع على أحوال الرعية, ويعمل على الإصلاح. وقد توفي في عام 1171هـ.


    الخليفة مصطفى الثالث (1171- 1187هـ)


    وهو ابن الخليفة أحمد الثالث، وتولى الخلافة عام 1171هـ.

    الحرب مع الروس:

    أغار القوزاق التابعون لروسيا على حدود الدولة العثمانية، فأعلنت الدولة الحرب على روسيا, وقاد خان القرم كريم كراي الجيش وانتصر على الروس، وعاد بعدد كبير من الأسرى الروس عام 1182هـ.

    من الأشياء التي جدت في عهد هذا الخليفة ومن تبعه هو قتل الصدر الأعظم أو القائد إذا فشل أو انهزم في الحرب، حتى يكون عبرة لغيره، ففي الحرب مع الروس فشل الصدر الأعظم في فك حصارهم عن عدة مدن، فكان جزاؤه القتل، ثم جاء الصدر الأعظم الجديد وحاول اجتياز نهر الدينستر، وكان النهر في ذلك الوقت فائضًا فغرق الكثير من الجند, وهزم العثمانيون وكان ذلك عام 1183هـ، واستطاع الروس احتلال إقليمي الأفلاق والبغدان.

    وحاول الروس احتلال طرابزون ولكنهم لم يستطيعوا، ولكنهم استطاعوا في عام 1185هـ فصل القرم عن الدولة العثمانية، وتعيين جاهين كراي باسم الإمبراطورة كاترين الأولى إمبراطورة روسيا، وتوسطت النمسا لإنهاء الحرب ولكن الروس طلبوا شروطًا مجحفة، وهم يعلمون تمامًا أن الدولة سترفضها؛ وذلك طمعًا في استمرار الحرب ومواصلة تقدمهم في أملاك الدولة، فاندلعت الحرب من جديد ولكن خاب ظن الروس فقد صدت القوات العثمانية هجوم الروس، وتمكنت من إجلائهم عن كثير من المناطق التي احتلوها.

    الفتن الداخلية

    حاولت روسيا إثارة الفتن داخل الدولة العثمانية, حتى تضربها داخليًّا مع استمرار منازلتها خارجيًّا.

    ثورة نصارى المورة

    أثار الروس نصارى المورة واتجه الأسطول الروسي إلى المورة لدعم الثورة, ولكنه مُنِي بالهزيمة, ولكن بعض السفن التي أفلتت تمكنت من إحراق جزء كبير من الأسطول العثماني, ثم اتجهت لاحتلال جزيرة لمنوس، فأجبرتها البحرية العثمانية على التقهقر عام 1185هـ، وأخمدت الثورة في المورة.

    ثورة علي بك الكبير في مصر

    استطاع الروس أن يقنعوا علي بك الكبير والي مصر بمد نفوذه في الدولة العثمانية مستغلاًّ انشغالها بالحروب مع روسيا, واتجه الأسطول الروسي في البحر المتوسط يمد علي بك الكبير بما يحتاج من ذخيرة، فدخل بلاد الشام ولم يقو أحد على إيقافه، وخاصة أن الأسطول الروسي يتحرك معه، ولكنه فوجئ بتمرد نائبه في مصر محمد أبى الذهب فعاد إلى مصر لقتاله، ولكنه هزم فاتجه إلى ضاهر العمر وهو أحد قطاع الطرق، وكان في نفس الوقت من جباة الأموال، فوجد فيه سندًا له فواصل تقدمه في الشام. وكان الخليفة في بداية الأمر يعترف بما ضمه علي بك، وذلك لانشغاله بقتال الروس، ولكن لما استفحل أمره التقى به الجيش العثماني بالقرب من مدينة صيدا فانتصر علي بك الكبير، وخاصة أن الأسطول الروسي كان يساعده بإلقاء قذائفه على السواحل الشامية.

    وبعد ذلك استعد علي بك الكبير لمهاجمة الأناضول، وفقًا لاتفاقه مع الروس، بأن يهاجم هو من الجنوب ويهاجم الروس من الشمال, فتقع الدولة العثمانية بين فكيهما، ولكنه رأى أن يقضي أولاً على محمد أبي الذهب في مصر فسار إليه والروس يدعمونه بأربعمائة جندي، والتقى بمحمد أبي الذهب في عام 1187هـ، فهزم علي بك الكبير هزيمة منكرة ومات متأثرًا بجراحه، ووقع في الأسر الجنود الروس الذين يدعمونه، وتخلصت الدولة من فتنة هذا الخائن التي كادت تقضي على الدولة وتفتح لروسيا أبوابها، وعين محمد أبو الذهب واليًا لمصر؛ نظرًا لإخلاصه وتفانيه في خدمة الدولة. وتوفي الخليفة مصطفى عام 1187هـ.


    الخليفة عبد الحميد الأول (1187- 1203هـ)


    كان محبوسًا في قصره حتى توفي أخوه، فخرج ليتسلم الخلافة.


    اتفاقية قينارجة 1187هـ


    أغارت أساطيل روسيا على مدينة وارنا (فارنا) البلغارية، وأنزلت قواتها التي استطاعت محاصرة معسكر العثمانيين، فطلب الصدر الأعظم الصلح فعقدت اتفاقية قينارجة، والتي نصت على:

    1- اعتراف العثمانيين باستقلال القرم، وكذلك إقليم بسارابيا (يمثل الآن جمهورية ملدافيا وجزء من أوكرانيا ومقاطعة دوبروجة من جمهورية رومانيا)، وكذلك منطقة قوبان الواقعة شمال غربي القوقاز، وكانت روسيا تهدف لاستقلال هذه المناطق تمهيدًا لاحتلالها.

    2- حرية ملاحة السفن الروسية في البحر الأسود.

    3- وأن تدفع الدولة العثمانية لروسيا غرامة حربية مقدارها 15 ألف كيس تدفع على ثلاثة أقساط في مطلع كل عام نصراني.

    4- وأن يكون لروسيا حق حماية النصارى الأرثوذكس الذين يقيمون في الدولة العثمانية، وتُبنى كنيسة في إستانبول.

    وواصلت روسيا تحقيق أهدافها فأشعلت الفتن في القرم لتجد لها مبررًا للتدخل, وبالفعل احتلت القرم واشتاطت الدولة العثمانية من تصرف الروس, وكادت تعلن الحرب عليها لولا ما أبداه السفير الفرنسي من استعدادات روسيا ومن تضامن النمسا معها، وانتظار الفرصة لتفتيت الدولة العثمانية.

    وواصلت روسيا استفزازاتها للزج بالدولة العثمانية في حرب معها كي تقتطع منها المزيد من الأراضي, فأعلنت حمايتها على بلاد الكرج، وأطلقت لجواسيسها العنان لإثارة الفتن, وخاصة في الأقاليم ذات الأغلبية الأرثوذكسية مثل؛ الأفلاق والبغدان والمورة والصرب، وأخذت روسيا تشحن شعبها للحرب مع العثمانيين, فعندما زارت الإمبراطورة كاترينا الثانية القرم استقبلت بأقواس النصر المكتوب عليها الطريق إلى بيزنطة؛ والمقصود بها القسطنطينية.

    فالروس أصحاب المذهب الأرثوذكسي لم ولن ينسوا أن العثمانيين أخذوا أقدس مكان لهم على الأرض، بل وحولوه إلى مسجد، فكانت أسمى أمانيهم السيطرة على إستانبول, وإرجاع ما كان في العهد القديم، وخاصة بعدما نقل مقر الكنيسة الأرثوذكسية إلى موسكو بصفة أن الروس حامي حمى الأرثوذكس في العالم وأقوى شعوبهم.

    ولما علمت الدولة العثمانية بما يحدث، أرادت أن تبادر بالهجوم على الروس قبل أن ينقضوا عليها، فأبلغت السفير الروسي بعدة طلبات لروسيا؛ كي تجد سببًا لجرها للحرب، وهذه الطلبات هي:

    - رفع الحماية عن بلاد الكرج.

    - تعيين قناصل عثمانيين في السواحل التي تحتلها روسيا من البحر الأسود بدلاً من الذين يثيرون السكان.

    - أحقية الدولة في تفتيش السفن الروسية التي تعبر مضيق الدردنيل.

    - تسليم حاكم الأفلاق اللاجئ سياسيًّا لروسيا.

    وكما هو متوقع رفضت روسيا الطلبات، فأعلنت الدولة العثمانية الحرب عليها، وجرت مناوشات بين الطرفين تمكنت روسيا عام 1203هـ من احتلال مدينة أوزي, وفي نفس الوقت انتهزت النمسا الفرصة للإغارة على بلاد الصرب، ولكنها فشلت في احتلالها.

    التخلص من ضاهر العمر:

    استطاع محمد أبو الدهب بأمر من الخليفة أن يتتبع ضاهر العمر في الشام، فحاصره في عكا، ثم فر إلى جبال صفد، ثم قتله عام 1188هـ.


    وتوفي الخليفة عبد الحميد عام 1203هـ.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 10, 2014 9:01 am

    العثمانيون في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري



    الخليفة سليم الثالث (1203- 1222هـ)


    وهو ابن الخليفة مصطفى الثالث، تسلم الخلافة في وقت عصيب، فقد استطاعت روسيا أن تحتل إقليم الأفلاق والبغدان وبساربيا، وساعدها على هذا النجاح مساندة النمسا لها واحتلالها لبلاد الصرب ودخولها بلغراد.

    ولكن جاءت عناية القدر، عندما ظهرت الثورة الفرنسية وانشغل الإمبراطور النمساوي بها، وخاف أن تمتد إلى بلاده، فعقد صلحًا مع العثمانيين عام 1205هـ أعاد إليها بلاد الصرب وبلغراد، ولكن روسيا لم تتوقف في حربها ضد الدولة العثمانية واستطاعت أن تحتل المزيد من الأراضي، وكانت إذا دخلت بلادًا للمسلمين ارتكبت الفظائع وتجردت معهم من الإنسانية.

    معاهدة ياسي 1206هـ

    توسطت إنجلترا وهولندا وبروسيا بين العثمانيين والروس وعقدت معاهدة ياسي التي بمقتضاها:

    1- تعود الأفلاق والبغدان للدولة العثمانية.

    2- تعترف الدولة العثمانية بسيادة روسيا على القرم وبسارابيا ومدينة أوزي وجزء من بلاد الشركس.

    الشئون الداخلية
    بعد المعاهدات التي أبرمت مع روسيا والنمسا حاول الخليفة إصلاح الشئون الداخلية للدولة, وجاء بفكرة الجنود النظامية ليتخلص من الإنكشارية الذين أصبحوا منبعًا للفتن والهزائم، وحاول تقليد أوربا بعد ما رأى التقدم الذي وصلت إليه, فجعل إنشاء السفن على الطريقة الفرنسية، واستعان بالسويد في وضع المدافع، وترجم المراجع العلمية في الرياضيات والفن العسكري.

    وأثار إنشاء الجنود النظامية جنود الانكشارية، وخاصة بعد فصل الخليفة الأسطول والمدفعية عن الانكشارية، فثار الإنكشارية ومعهم الجنود غير النظاميين وأجبروا الخليفة إلغاء النظام العسكري الجديد, ولم يكتفوا بذلك بل عزلوا الخليفة عام 1222هـ.

    الحملة الفرنسية على مصر وتوتر العلاقات
    ومما يذكر في عهد الخليفة سليم الثالث الحملة الفرنسية على مصر عام 1213هـ، التي استطاع فيها نابليون دخول مصر, فتحول أعداء الأمس إلى أصدقاء، وعرضت روسيا مساعدة العثمانيين في الحرب مع فرنسا, وكذلك أبدت إنجلترا استعدادها لذلك, وفي ذلك الوقت كان نابليون يواصل توغله في الأراضي العثمانية، فدخل بلاد الشام ولكنه فشل في دخول عكا لاستبسال واليها أحمد باشا الجزار ومساعدة الأسطول الإنجليزي له، ثم استطاع الأسطول الإنجليزي تدمير الأسطول الفرنسي في الإسكندرية عام 1213هـ، واندلعت الثورة في أنحاء مصر, وكان للجامع الأزهر كبير الأثر في ذلك، وكان من أهم نتائج الثورة قتل كليبر خليفة نابليون في مصر عام 1215هـ.

    وأصبحت فرنسا في مستنقع تفقد فيه الكثير من جنودها، حتى نزلت القوات العثمانية والإنجليزية في مصر، وواصلت تقدمها إلى القاهرة، فاضطرت فرنسا للانسحاب من مصر عام 1216هـ بعد إبرام اتفاقية العريش، وعادت العلاقات لسابقها مع فرنسا وتجددت الامتيازات.

    ثم عادت روسيا للعداء مع الدولة العثمانية, وخاصة بعد أن عزلت الدولة أميري الأفلاق والبغدان المؤيدين من قبل روسيا، تدعمها إنجلترا وهددا الدولة بدخول إستانبول، إن لم تعط إقليمي الأفلاق والبغدان لروسيا، وتعطى لإنجلترا أسطولها وقلاع الدردنيل، وكادت الدولة أن تخضع لهذه الشروط لأنها لا تملك القوة التي تستطيع المقاومة، إلا أن العناية الإلهية قد تمثلت في اختلاف المصالح بين الدول, فجاء السفير الفرنسي للخليفة وعرض عليه عون فرنسا، فوافق الخليفة وتوجه الأسطول الفرنسي إلى مدخل مضيق الدردنيل مطوقًا الأسطول الإنجليزي في بحر مرمرة، فاضطرت إنجلترا للانسحاب فورًا خوفًا من تدمير أسطولها وحاولت تعويض فرارها في الحملة التي شنتها على مصر بقيادة فريزر عام 1222هـ، ولكن شعب رشيد الباسل قد لقنها درسًا لن تنساه، فانسحبت تجر أذيال الخيبة وراءها.

    وكان محمد علي أحد الجنود الذين جاءوا ضمن الجيش العثماني لإخراج الفرنسيين من مصر, فما لبث أن جذب إليه المماليك والعلماء والأهالي, حتى نصب واليًا على مصر عام 1220هـ، فما إن استتب له الأمر حتى تخلص من المماليك في مذبحة القلعة عام 1226هـ، وأثار الفتن بين العلماء لينفرد بالحكم وحده.

    وفي عهد الخليفة سليم الثالث تكونت جمهورية مستقلة في بلاد اليونان تحت ضغط دول أوربا، وبرغم أن هذه الجمهورية تكون تحت حماية الدولة العثمانية إلا أن الوضع الذي أصبحت عليه سيمهد لها الطريق إلى الاستقلال التام عن الدولة العثمانية، كما سنرى لاحقا.

    الخليفة مصطفى الرابع (1222- 1223هـ)

    هو ابن السلطان عبد الحميد الأول.

    وفي ذلك الوقت لم ترد روسيا التخلي عن الأفلاق والبغدان، وفي نفس الوقت كانت روسيا في حرب مع فرنسا، وانتصرت فرنسا في الحرب ففرضت فرنسا رأيها على العثمانيين بأن يخلى الروس ولايتي الأفلاق والبغدان, على ألا تدخلها الجيوش العثمانية فوافق العثمانيون ولكن روسيا لم تترك الولايتين.

    في البداية انصاع الخليفة لأوامر الانكشارية بعدما عزلوا عمه وعين قائدهم قباقجي أوغلي حاكمًا لقلاع البوسفور، ثم ما لبث أن اختلف الإنكشارية، وقتل قبابجي أوغلي وطلب القائد الجديد للإنكشارية إعادة الخليفة سليم الثالث، ولكن سليم وافته المنية فقتل الخليفة مصطفى القائد الجديد، فاجتمع عليه الإنكشارية وعزلوه وولوا أخاه محمود الثاني عام 1221هـ.

    الخليفة محمود الثاني (1223- 1255هـ)

    امتلأ عهد محمود الثاني بأحداث مهمة، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.

    الحركة الوهابية

    نتيجة للضعف الشديد الذي دب في أوصال الدولة العثمانية ظهر فيها اتجاهان:

    الاتجاه الأول.. والذي أرجع ما وصلت إليه الدولة العثمانية من ضعف إلى الابتعاد عن الإسلام، الذي ما كان للمسلمين أن تقوم لهم قائمة في الأرض إلا بالتمسك به.
    الاتجاه الثاني.. يقوم على ضرورة تقليد أوربا تقليدًا أعمى؛ لكي نصل إلى ما وصلت إليه من تقدم وازدهار.

    الاتجاه الأول: تمثل في الحركة الوهابية التي قامت في أنحاء الجزيرة العربية، واجتذبت إليها الكثير من أهلها.

    والاتجاه الثاني: كان متمثلا في محمد علي، الذي أخذ في إرسال البعثات إلى أوربا لتأتي بكل ما تجده في أوربا، حتى لو كان لا يتفق مع الدين، ولذلك نجد الأوربيين قد أثنوا دائمًا عند الكتابة عن محمد علي، واعتبروا أن النهضة في مصر قد بدأت منذ عهده.

    ولما زاد أتباع الحركة الوهابية، أوحى الأوربيون وغيرهم من أعداء الوهابيين إلى الدولة العثمانية بأنها حركة انفصالية خارجة على سلطة الدولة، وكانت الجيوش العثمانية في ذلك الوقت في حروب مع أوربا، فتركت مهمة القضاء على الحركة لمحمد علي، الذي استطاع أن يجهز جيشًا قويًّا يحمي به نفوذه ويخوض به المعارك، فأسرع ببناء أسطول لنقل القوات إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، ونزلت القوات التابعة لمحمد علي بإمرة ابنه طوسون، واستطاعت أن تسيطر على المدينة المنورة، ولكنه حوصر في الطائف فجاءه أبوه بنفسه، فاحتل مكة المكرمة ثم واصل طوسون زحفه في الجزيرة العربية، فأرسل إليه عبد الله بن سعود أمير الدولة السعودية الراعية للحركة الوهابية، وطلب الصلح فتم، ولكن طوسون اضطر للعودة إلى مصر بعدما سمع بتمرد جند والده، وما إن هدأت الأوضاع في مصر حتى بعث محمد علي حملة جديدة بقيادة ابنه إبراهيم، واستطاع الوصول إلى الدرعية قاعدة السعوديين، فاستسلمت وعقد الصلح في عام 1233هـ، وبذلك قضى على الحركة الوهابية، وسافر عبد الله بن سعود إلى إستانبول، بعد أن أمّنه الخليفة ولكن ما لبث أن قتل بمجرد وصوله.

    الأوضاع في أوربا

    مع استمرار الحروب مع روسيا وإشعال فتن الاستقلال عن الدولة في ولاية الصرب، ومع تقدم الروس في الأراضي العثمانية، تجددت الخلافات بين فرنسا وروسيا، فمالت روسيا للصلح مع الدولة العثماني؛ لكي تتفرغ لقتال الفرنسيين فعقدت معاهدة بخارست التي تنص على سيادة الدولة العثمانية على الأفلاق والبغدان والصرب، وسيادة روسيا على بساربيا، واستطاعت روسيا أن تنتصر في حروبها مع فرنسا، مما اعتبره نابليون خيانة من العثمانيين.

    ثورة الصرب

    وفي بلاد الصرب اشتد غيظ السكان من معاهدة بخارست التي تبقيهم تحت الحكم العثماني، فاندلعت الثورة فأخضعهم العثمانيون وفر زعماؤها إلى النمسا ما عدا تيودروفتش الذي أبدى طاعته للدولة، وهو في الحقيقة يعمل على زرع بذور الانفصال عنها في السكان، حتى إذا قويت شوكته أعلن التمرد عام 1230هـ فاصطدمت معه الجيوش العثمانية، حتى أبدى الطاعة مرة أخرى للخليفة على ألا تتدخل الدولة في شئون الصرب الداخلية، وأن تكون السيطرة للعثمانيين في الصرب على القلاع فقط فوافقت الدولة.


    ثورة اليونان

    كنتيجة طبيعية لعدم تدخل الدولة العثمانية في عقيدة أو حضارة أو لغة الأمصار المفتوحة؛ افتقدت هذه الأمصار الارتباط مع الدولة العثمانية، وخاصة غير المسلمين، وكان من ضمن هذه الأمصار اليونان التي سافر العديد من أبنائها إلى أوربا، ليعودوا مشحونين بالنزعات الانفصالية عن العثمانيين، وأسسوا جمعيات سرية في النمسا وروسيا لدعم الانفصال عن العثمانيين، وما إن أعدوا العدة حتى أعلنوا التمرد على العثمانيين، فتوجه إليهم خورشيد باشا فهزم أمامهم وانتحر بعد الهزيمة.

    فلم يجد الخليفة لإخماد الثورة في اليونان غير محمد علي الذي أتم فتح السودان، فأمر الأسطول المصري أن يتحرك بإمرة ابنه إبراهيم متوجها إلى اليونان للقضاء على الثورة، حتى يضمها هى الأخرى إلى مناطق نفوذه، واستطاعت الجيوش المصرية أن تحقق انتصارات كاسحة في اليونان، برغم الإمدادات التي كانت تنهال عليها من أوربا بأسرها، وتمكن من دخول أثينا عام 1241هـ فسارعت كل من روسيا وإنجلترا بالتدخل، وضغطت على العثمانيين لعقد معاهدة آق كرمان عام 1242هـ، وكان من أغرب ما تتسم به أنها لم تذكر شيئًا عن اليونان، بالرغم من أن التدخل كان بسبب الثورة في اليونان، ومن أهم بنودها حرية الملاحة لكافة السفن في البحر الأسود، وأحقية روسيا في المرور في مضائق البوسفور والدردنيل بدون تفتيش، إضافةً إلى أحقيتها في انتخاب أمير الأفلاق والبغدان، ولا يحق للعثمانيين عزل أي منهما إلا بموافقة روسيا، وأن تصير إمارة الصرب مستقلة ذاتيًّا، ويحتفظ العثمانيون فيها بثلاث قلاع فقط منهم بلغراد.

    مؤتمر لندن

    واصلت أوربا استفزازها للعثمانيين لجرهم إلى الحرب، ففي عام 1242هـ طلبت إنجلترا من العثمانيين أن تكون الدول النصرانية هي الوسيط بين العثمانيين والولايات العثمانية ذات الأغلبية النصرانية، فرفضت الدولة، فجعلت أوربا هذا الرفض ذريعة للحرب، واتفقت روسيا وإنجلترا وفرنسا على حرب العثمانيين، إذا لم يعطوا اليونان الاستقلال التام، وأعطوا مهلة للخليفة شهر لسحب قواته من اليونان، فلم يمتثل لهم الخليفة فتوجهت أساطيل روسيا وإنجلترا وفرنسا إلى اليونان، وأمرت إبراهيم باشا بالانسحاب من اليونان، فضرب بكلامهم عرض الحائط، فدمر الحلف الأوربي الأسطول العثماني والمصري في اليونان، واستشهد ما يزيد على 30 ألف مصري في مقاومة الحلف الصليبي، ثم اضطر إبراهيم باشا إلى الانسحاب بمن بقي معه من الجنود، وعقد التحالف الصليبي مؤتمر لندن الذي دعيت إليه الدولة العثمانية، فرفضت الحضور فأعلن التحالف استقلال اليونان عن الدولة العثمانية، فرفضت الدولة العثمانية الاعتراف بقرارات المؤتمر.

    معاهدة أدرنه

    أعلنت روسيا الحرب على العثمانيين، وتمكنت من احتلال البغدان والأفلاق، وعينت عليهم حاكمًا من قبلها، واستطاعت دخول مدينة وارنا (فارنا) البلغارية بعد خيانة أحد القادة العثمانيين، وهو يوسف باشا، الذي سلم المدينة لهم واستطاعت روسيا أيضًا أن تدخل شرقي الأناضول، ثم كانت الفاجعة باحتلالها مدينة أدرنه، وغدت قاب قوسين أو أدنى من إستانبول فأسرعت إنجلترا وفرنسا بوقف تقدم روسيا، وذلك ليس من أجل العثمانيين ولكن لأن وصول روسيا إلى إستانبول يهدد مصالح فرنسا وإنجلترا، فعقدت معاهدة أدرنه والتي من نصوصها:

    1- عودة الأفلاق والبغدان ومقاطعة دوبروجة وقارص وأرضروم إلى العثمانيين.

    2- عدم تفتيش سفن روسيا المارة في المضائق العثمانية.

    3- أن تتمتع روسيا بنفس الامتيازات التي تتمتع بها الدول الأخرى.

    4- أن يدفع العثمانيون غرامة حربية كبيرة لروسيا كتعويض لمصاريف الحرب.

    5- استقلال بلاد الصرب وتسليم ما تحتفظ به الدولة من قلاعها.

    وتأمل -أخي المسلم- البند الرابع كي تلاحظ أن دول أوربا لا تريد ترك الفرصة للعثمانيين أن يعيدوا بناء أنفسهم، ولا تنظيم جيوشهم وأن تزيد عليهم الخناق؛ حتى يكونوا فريسة سهلة في القضاء عليها.

    احتلال الجزائر

    اختلقت فرنسا الذرائع التافهة لغزو الجزائر عام 1245هـ، واستطاعت أن تحتلها برغم استبسال المقاومة بقيادة عبد القادر الجزائري، الذي اضطر للاستسلام عام 1263هـ.

    إلغاء الإنكشارية

    أصبح الإنكشارية -كما ذكرنا لفترة من الزمن- هم المسيطرون الفعليون على البلاد، يعزلون خليفة ويقتلون آخر، ويعينون ثالثًا، فعزم الخليفة محمود الثاني على القضاء عليهم، وخاصة بعدما سُرَّ بالنظام العسكري الحديث، والذي تمثل في جيش محمد علي، فاجتمع في بيت المفتي ودعا إلى الاجتماع مع كبار الدولة وكبار الإنكشارية وقرر إلغاء نظام الإنكشارية، فوافق الجميع إلا الإنكشارية، وحاولوا التمرد وتجمعوا في أحد ميادين إستانبول، فحصدتهم المدفعية العثمانية حصدًا في عام 1240هـ، وأعلن النظام الجديد للجند، والذي قلد فيه الأوربيين ودرب الجيش مدربون أوربيون، واتجه بالبلاد إلى تقليد أوربا حتى إنه تزيا بزيهم، واستبدل بالعمامة الطربوش.

    زيادة أطماع محمد علي

    بعد أن ضم محمد علي الحجاز وجزيرة كريت إلى أملاكه لم يقتنع بكل هذا، بل بدأ زحفه على بلاد الشام عام 1247 بقيادة ابنه إبراهيم باشا، واستطاع أن يزيح جميع العقبات في طريقه، سواء من الولاة أم من الجيش العثماني، خاصة وأن الأسطول المصري يسير بجانبه، ويمده بما يحتاج، وامتد زحفه إلى الأناضول، فهزم القائد العثماني رشيد باشا وأخذه أسيرًا وأصبح قاب قوسين أو أدنى من إستانبول.

    معاهدة كوتاهية 1248هـ

    وبرغم تشجيع أوربا لمحمد علي في بداية الأمر، إلا أنها خشيت أن يستعيد المسلمون قوتهم وأن يصبح محمد علي قوة تهددهم، فعرضت روسيا مساندتها للعثمانيين، وأرسلت 15 ألف جندي لإستانبول بحجة حمايتها، فخشيت إنجلترا وفرنسا من امتداد النفوذ الروسي وتوسطت للصلح مع محمد علي.

    وبالفعل عقدت معاهدة كوتاهية عام 1248هـ، والتي نصت على:

    1- انسحاب محمد علي من الأناضول إلى ما بعد جبال طوروس.

    2- تكون مصر لمحمد علي مدة حياته.

    3- يعين إبراهيم بن محمد علي واليًا على أضنة وهو الإقليم المتاخم للأناضول.

    4- يعين محمد علي واليًا من قبله على ولايات الشام الأربع (عكا، وطرابلس، ودمشق، وحلب)، وعلى جزيرة كريت.

    لم يقتنع محمد علي بمعاهدة كوتاهية، ولكنه أراد أن تكون مصر والشام وجزيرة العرب له ولأولاده من بعده، وراسل أوربا في ذلك، فتشاورت معه الدولة العثمانية، فاتفق الطرفان على أن تكون مصر وجزيرة العرب له وراثية، أما الشام فتكون له مدة حياته فقط.

    ولكن نشب الخلاف بين الجانبين في احتلال جبال طوروس، المانع الطبيعي بين الشام والأناضول، فسار الجيش العثماني بقيادة حافظ باشا وقد استعان العثمانيون بالقائد الألماني المشهور فون مولتكه، فالتقى بإبراهيم باشا في موقعة نزيب وكان النصر حليف إبراهيم باشا، ففر الجيش العثماني تاركًا عتاده وراءه.

    وتوفي الخليفة محمود الثاني عام 1255هـ.

    معاهدة خونكار اسكله سي

    أبرمت معاهدة بين الدولة العثمانية وروسيا تتعهد فيها روسيا بالدفاع عن الدولة العثمانية، وبالتالي أصبح لروسيا نفوذ كبير في الدولة.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 10, 2014 9:04 am

    الدولة العثمانية في مرضها الأخير



    الخليفة عبد المجيد الأول (1255- 1277هـ)


    وهو ابن الخليفة محمود الثاني، تسلم الخلافة وكان عمره 18 سنة.

    استمرار الحرب مع محمد علي

    الخلافة العثمانيةازدادت حدة الخلافات مع محمد علي، وخاصة بعدما رأى قائد البحرية العثمانية أن محمد علي هو الوحيد القادر على أن يعيد للدولة العثمانية، هيبتها المفقودة، فسار بالأسطول العثماني وسلمه لمحمد علي في الإسكندرية.

    فدب الذعر في قلوب الدول الأوربية لزيادة قوة محمد علي، وبخاصة بعدما أصبحت الدولة العثمانية غير قادرة على الصمود أمامه، فقدمت كل من روسيا والنمسا وإنجلترا وفرنسا لائحة مشتركة إلى الخليفة بألا يتخذ قرارًا يتعلق بمحمد علي إلا بمشورتهم، ووعدوه بالتوسط بينه وبين محمد علي فوافق الخليفة.

    ثم اجتمعت كل من إنجلترا وروسيا وبروسيا والنمسا عام 1256هـ، فعقدوا اتفاقية صدق عليها العثمانيون وانسحبت منها فرنسا وشجعت محمد علي رفضها ووعدته بأنها ستساعده في الوقوف ضد الدول الأخرى وكانت من النصوص المقترحة لهذه الاتفاقية:

    1- أن ينسحب محمد علي من الأجزاء التي دخلها في أملاك الدولة العثمانية.

    2- أن يحتفظ لنفسه فقط بمصر وجنوب الشام، وأن يكون لكل من إنجلترا والنمسا الحق في مساعدة السكان في الشام على عصيان محمد علي في الأجزاء الخاضعة له، وأن يكون لكل من النمسا وإنجلترا وروسيا الحق في دخول إستانبول إذا ما تعرضت لهجوم من محمد علي، أما إذا لم تتعرض فلا يدخلها أحد.

    وفي مصر جاء قناصل إنجلترا وروسيا وبروسيا والنمسا يعرضون عليه في بداية الأمر أن تكون له مصر وراثية وعكا وجنوب الشام مدى حياته، ثم جاءوا ومعهم مندوب العثمانيين يخبرونه بأن مصر فقط ستكون له وراثية, فرفض وطردهم من مصر ولم تساعد فرنسا محمد علي كما وعدته فتركته يواجه مصيره أمام دول أوربا بمفرده وكان دور الدول المتحالفة كالآتي:

    اكتفت روسيا بوجودها في إستانبول، أما إنجلترا فكان لها الدور الأكبر في نقل أساطيلها إلى الشام مع القليل من سفن النمسا، ونزلت القوات المتحالفة ببيروت، واستطاعت أن تحرز انتصارًا كبيرًا على جيوش محمد علي بقيادة ابنه إبراهيم باشا، فاضطر إبراهيم للانسحاب إلى مصر، وقضى على الكثير ممن معه أثناء العودة حيث انقضت عليهم القبائل العربية في الطريق.

    ثم توسطت الدول الأوربية بين محمد علي والعثمانيين على أن تكون له مصر وراثية في مقابل أن يرد إلى العثمانيين أسطولهم، ويجعل جيشه محددًا بـ 18000جندى فقط، وألا يقوم ببناء أسطول وأن يدفع للعثمانيين 80.000 كيس سنويًّا.

    معاهدة المضائق 1257هـ

    واستغلت إنجلترا وفرنسا الفرصة لنزع نفوذ روسيا من الدولة العثمانية، فاتفقوا جميعًا على إلغاء معاهدة خونكار اسكله سي, وأن تكون المضائق العثمانية مغلقة أمام الجميع.

    حروب القرم مع روسيا

    كانت فرنسا فيما سبق تشرف على كنائس بيت المقدس، ثم أخذت روسيا مكان فرنسا أيام حرب نابليون، ثم أرادت فرنسا العودة لما كانت عليه فشكلت الدولة العثمانية لجنة من رجال الكنائس أقروا بأحقية فرنسا في الإشراف على الكنائس، فهددت روسيا بالحرب، واتصلت بإنجلترا تعرض عليها تقسيم الدولة العثمانية بينهما، وتكون لإنجلترا مصر فرفضت إنجلترا، ثم حاولت أن تغرى فرنسا بنفس الإغراء على أن تكون تونس لفرنسا، فرفضت، فهددت روسيا باحتلال الأفلاق والبغدان، إن لم تعد الدولة العثمانية معاهدة خونكار اسكله سي وتعطى لروسيا حق حماية النصارى في الدولة العثمانية، فلم يبد الخليفة أي اهتمام لتهديدات روسيا، وخاصة أن إنجلترا وفرنسا وعدتاه بالوقوف في وجه روسيا ضد أي عمل تقوم به.

    تحركت الأساطيل الإنجليزية والفرنسية باتجاه مضيق الدردنيل لصد أي هجوم روسي مرتقب، وبالفعل احتلت روسيا إقليمي الأفلاق والبغدان وحاولت النمسا الصلح بين العثمانيين والروس بعقد مؤتمر ويانة (فيينا) 1269هـ، ولكن سعت إنجلترا وفرنسا لإفشال المؤتمر، وحثتا العثمانيين على رفض جميع اقتراحاته.

    وتحالفت إنجلترا وفرنسا والنمسا ومملكة البيمونت بإيطاليا والسويد مع العثمانيين ضد روسيا، وتقدمت قوات الحلف على جميع الجبهات وضربت أساطيل إنجلترا وفرنسا ميناء سيباستيبول في شبه جزيرة القرم، وضربت الكثير من قلاعه بالإضافة للإغارة على الكثير من موانئ روسيا على البحر الأسود، وتوغلت القوات المتحالفة في أراضي روسيا حتى طلبت الصلح وعقدت معاهدة باريس 1275هـ والتي تنص على:

    1- تبقى الأفلاق والبغدان تحت حماية الدولة العثمانية.

    2- عودة الأراضي التي دخلتها القوات المتحالفة في روسيا إلى الروس، ويطلق سراح جميع الأسرى.

    3- أن يكون للصرب استقلال ذاتي، وتكون في نفس الوقت مرتبطة مع العثمانيين.

    4- ألا تقيم كل من روسيا أو العثمانيين أي قواعد بحرية حربية في البحر الأسود، تكون حرية الملاحة فيه للجميع.

    5- تطلق حرية الملاحة في نهر الدانوب.

    الفتن الداخلية

    واستمرت دول أوربا في إشعال الثورات في أنحاء الدولة العثمانية، فاتفقت الدول الأوربية على اتحاد الأفلاق والبغدان تحت حكومة شبه مستقلة تسمى حكومة الإمارات المتحدة، وتكون تحت حماية جميع الدول وحذرت الدولة العثمانية من قمع الثورات في الصرب أو الجبل الأسود وغالبًا ما كانت الدول الأوربية تدعم تلك الثورات.

    وقد حدث اعتداء على النصارى في جدة، وأصيب قنصل فرنسا، وهدأ والي مكة الأوضاع، غير أن الإنجليز ضربوا جدة بالمدافع.

    الفتن الطائفية في الشام

    تمتلئ منطقة جبل لبنان بالطوائف المختلفة من دروز وموارنة وشيعة ونصيرية وغيرهم، وكان الدروز لهم السيطرة على جبل لبنان ويدعمهم الإنجليز، أما الموارنة فكانت فرنسا تدعمهم، وفي عام 1257هـ دخل الدروز دير القمر واعتدوا على الموارنة، وارتكبوا أبشع المنكرات فيهم، وازدادت الاعتداءات بين الدروز والموارنة، والدولة تحاول تهدئة الوضع بالطرق السلمية، ولكنها فشلت ووجدت الدول الأوربية الفرصة للتدخل في شئون الدولة من جهة، وتقوية النصارى في الدولة من جهة أخرى، وبرغم إرسال الدولة الجيش ليسيطر على الموقف إلا أن دول أوربا أجبرت العثمانيين على السماح لهم بالتدخل، بحجة أن العثمانيين لا يستطيعون السيطرة على الموقف, وأرسلت فرنسا 6000 جندي إلى جبل لبنان عام 1277هـ، ثم أبرم اتفاق ينص على تكوين حكومة مستقلة في جبل لبنان تحت سيادة العثمانيين، يتولى رئاستها نصراني لمدة 3 سنوات لا يحق للدولة عزله إلا بعد موافقة الدول الأوربية، وبذلك انسحبت فرنسا من جبل لبنان، وتوفي الخليفة عبد المجيد عام 1277هـ.

    الخليفة عبد العزيز (1277- 1293هـ)

    وهو أخو الخليفة عبد المجيد ومما يذكر في عهده فتح قناة السويس عام 1285هـ، وقيام ثورة في جزيرة كريت عام 1283هـ وتم إخمادها، وكان الخليفة كثير التجوال في البلاد الخارجية، فزار مصر وزار دول أوربا، وحاول تقريب روسيا إليه حتى تخافه دول أوربا، وجاء أحمد مدحت باشا رئيس مجلس الشورى العثماني بفكرة عزل الخليفة، وتمكن من عزله ذلك عام 1293هـ، ومات قتيلاً وأشيع أنه انتحر.

    الخليفة مراد الخامس (1293- 1293هـ)

    تولى بعد أخيه الخليفة عبد العزيز، ولم يستمر عهده أكثر من 3 أشهر، وتم عزله بسبب اختلال عقله.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 10, 2014 9:07 am

    عهد الخليفة عبد الحميد الثاني


    الخليفة عبد الحميد الثاني (1293- 1328هـ)


    وهو ابن الخليفة عبد المجيد الذي توفي عام 1293هـ، تسلم الخليفة عبد الحميد الثاني الحكم وقد وصلت الدولة إلى مرحلة من الضعف والركود، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، فحاول الخليفة أن ينهض بها بل وبكل بلاد المسلمين التي باتت في حالة سبات عميق، فأراد أن يحرر المسلمين من نفوذ أوربا، وأن يوحدهم، فنادى بالجامعة الإسلامية، وحاول القضاء على الفساد في بلاده، وحاول أن يتجنب الصدام داخليًّا وخارجيًّا ولكن لم تكن أوربا لتتركه يوقظ المسلمين، بل سعت بكل الطرق الممكنة لإحباط محاولاته وحاولت إحاطته بالمشاكل الداخلية والخارجية حتى لا تترك له الفرصة لعمل شيء كما سنرى.

    على الصعيد الداخلي
    انتشار مفاهيم القومية: انتشرت في أنحاء الدولة العثمانية مفاهيم القومية بصورة صارخة لم يسبق لها مثيل، وكان روادها يتمثلون في المفتونين بأوربا من المسلمين والنصارى، وسعى النصارى بالذات لنشر هذه المفاهيم، لأنه الطريق الوحيد لمد نفوذهم ولأنهم إذا حاولوا أن يتخذوا طريقًا آخر، مثل التعصب الديني مثلاً، لقضى عليهم، حيث إنهم يمثلون أقلية بالنسبة للمسلمين، وأخذت أوربا تدعم القائمين بالحركات القومية سواء من خلال الإرساليات التنصيرية، أو من خلال فتح بلادها لتكون مقرًّا للجمعيات والهيئات التي تحمل أفكار القومية.

    ازدياد نفوذ يهود الدونمة
    ذكرنا من قبل كيف كان دخول يهود الدونمة (الدونمة بمعنى الردة) واستيطانهم في أنحاء الدولة العثمانية، في عهد الخليفة سليمان القانوني بدعم من زوجته روكسلان، وأخذ اليهود يخططون لزيادة نفوذهم في الدولة والعمل على تدميرها، برغم الخدمات التي قدمتها إليهم الدولة، يحركهم في ذلك كرههم وعداؤهم الأبدي والأزلي للمسلمين، كما قال الله : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82].

    ومن نسل اليهود الدونمة برز فتى يدعى ساباتاي في أزمير، وادعى في عام 1057هـ أنه المسيح فأراد رجال الدين اليهودي قتله، فرحل في أنحاء الدولة العثمانية حتى عاد مرة أخرى إلى أزمير، فقبض عليه ونقل إلى أدرنه فخاف أن يصاب بأذى فادعى الإسلام، وأوهم العثمانيين أنه سيعمل على نشر الإسلام بين اليهود. وفي الحقيقة كان يدعوهم لإظهار الإسلام ليدخلوا بين صفوف المسلمين، ويصلوا إلى المراكز العليا في الدولة، ومن ثَمَّ يملكون الزمام وينفذون في المسلمين كافة خططهم العدوانية.

    وبالفعل، رحب اليهود بهذه الفكرة وأخذوا يواصلون العمل بها وفي عهد عبد الحميد الثاني ظهر هرتزل صاحب فكرة إنشاء وطن لليهود، وأصر على أن تكون فلسطين هي وطن اليهود، وذلك في مؤتمر بازل بسويسرا عام 1314هـ الذي اجتمع فيه يهود العالم، وحاول هرتزل أن يتقرب إلى الخليفة عبد الحميد الثاني ويقدم له الإغراءات ليمكن لليهود في فلسطين، ولكن الخليفة كان يدرك أغراض هرتزل فلم يحقق له مراده، بل ومنع هجرة اليهود إلى فلسطين فاتجه هرتزل إلى دول أوربا لتساعده في تحقيق هدفه، فوجد عندها السند الكبير وخاصة أنه سيكون وسيلة أخرى للقضاء على الدولة العثمانية.

    وكان هرتزل قد عرض على السلطان خمسين مليونًا من الجنيهات الذهب لخزانة الدولة، وخمسة ملايين من الجنيهات الذهب لخزانة السلطان الخاصة، بالإضافة إلى مشاريع أخرى كثيرة لدعم الدولة العثمانية اقتصاديًّا.

    أخطار الماسونية
    وهى من إحدى الاختراعات اليهودية، فهي منظمات عالمية تهدف أساسًا إلى تفريق الأمة الواحدة إلى عدة أمم وشعوب، مما يخلق نزاعًا أبديًّا بين شعوبها، فيحارب بعضها بعضًا، وبذا تتحقق الأهداف اليهودية في إفناء شعوب الأرض حتى يظل اليهود هم الباقين فيها؛ ولذلك عملت الماسونية على دعم الحركات الانفصالية ومساندة كل رجل تجد عنده حب التسلط والزعامة والسيادة والاستقلال، وكثر أعضاؤها وأخذوا يساندون بعضهم البعض، وقد وجدت الماسونية في الدولة العثمانية مأربها فكانت الدولة العثمانية التربة الخصبة لتحقيق أهدافها، فعملت على زيادة نفوذها في الدولة.

    تنظيم الاتحاد والترقي
    كما سبق وأن ذكرنا بدأ المفتونون بأوربا والداعون لمفاهيم القومية في إنشاء المؤسسات والجمعيات التي تحمل أفكارهم، واستطاعت استقطاب الكثير من أبناء الدولة العثمانية، وانضم إليها الكثير من اليهود والنصارى وأعضاء الماسونية، لتكون هذه الجمعيات من وسائل تحقيق أهدافهم، وكان من أهم هذه الجمعيات جمعية تركيا الفتاة، التي تأسست في باريس وكان لها فروع أخرى في برلين، وفي أنحاء الدولة العثمانية في سالونيك وإستانبول، واستطاعت أن تضع لها قدمًا في الجيش العثماني، وكان لها جناح عسكري عرف بتنظيم الاتحاد العثماني وكان لها جناح مدني هو الانتظام والترقي، واتفق الفريقان أن تكون جمعيتهم باسم (الاتحاد والترقي)، وكانت الماسونية الدعاية الأساسية لها ومن ورائها أعداء الإسلام كافة.

    وامتد نفوذ الاتحاد والترقي في الدولة، فضم إليه الكثير من ضباط الفيلق الأول المسيطر على إستانبول، وكذلك الفيلقين الثاني والثالث المرابطين في الولايات العثمانية في أوربا.

    ولما استفحل أمر الاتحاد والترقي وسيطروا على أكثر الجيش، فرضوا على الخليفة إعلان الدستور، ولم يستطع الخليفة مقاومتهم، فأعلن الدستور وسيطر الاتحاديون على معظم مقاعد المجالس النيابية، ووجدوا أن الخليفة سيكون عائقًا في تحقيق أهدافهم، فقاموا بإثارة الاضطرابات في البلاد، فتحرك جزء من أتباعهم نحو المجلس النيابي يظهرون تمردهم على الدستور، ودعوتهم لتطبيق الشريعة الإسلامية، ويطالبون الخليفة بعزل أعضاء الاتحاد والترقي المسيطرون على المجلس النيابي من مناصبهم.

    وما كانت هذه الاضطرابات إلا من عمل رجال الاتحاد والترقي، لتكون لهم ذريعة لكي يتقدم الجيش الموجود في سالونيك بحجة حماية الدستور والمجلس النيابي، واستطاعوا بالفعل السيطرة على إستانبول وعزلوا الخليفة عبد الحميد الثاني وولوا أخاه محمد الخامس مكانه وبذلك تحولت السلطة المطلقة من يد الخليفة إلى أيدي الاتحاديين، ليجروا البلاد إلى حافة الهاوية وبذلك كان الخليفة عبد الحميد الثاني آخر الخلفاء الذين كانت لهم سلطة في البلاد، أما من سيأتي بعده فسيكون صورة فقط، أما السيطرة الحقيقية فتكون بأيدي رجال الاتحاد والترقي.

    ومما يذكر في عهد الخليفة عبد الحميد الثاني أنه قام بفتح المدارس والجامعات والمكتبات والمستشفيات ودور المعلمين، ومد أنابيب المياه، ومد الخط الحديدي الحجازي من دمشق إلى المدينة المنورة، وحاول إعداد جيش كفء مدرب تدريبًا حديثًا على أيدي قادة ألمان، والكثير من الإنجازات ولكن لم يتركه أعداء الإسلام ليكمل المسيرة.

    انتشار الثورات في الولايات الأوربية
    عملت دول أوربا على إشعال الثورات في أنحاء الدولة العثمانية، وبخاصة في الولايات الأوربية، وذلك تمهيدًا لفصلها عن الدولة العثمانية حتى لا تجعل للمسلمين قدمًا في أوربا.

    ومن أمثلة هذه الثورات الثورة التي حدثت في بلاد الهرسك، وأخمدتها الدولة، وكانت دول أوربا تستغل دائمًا الثورات للتدخل في شئون الدولة، وتفرض عليها لائحة لمعاملة النصارى، وحدثت أيضًا ثورة في بلاد البلغار؛ بسبب أن الدولة أسكنت بعض العائلات الشركسية التي احتل الروس أرضهم في بلغاريا، وكانت روسيا هي الراعي الرئيسي للثورة، تشاركها النمسا, وكانت روسيا والنمسا تحتضن الجمعيات الداعية للاستقلال في بلغاريا والصرب والجبل الأسود، وغيرهم من الولايات الأوربية.

    ثورة الصرب والجبل الأسود
    شجعت روسيا والنمسا الصرب والجبل الأسود (مونتجيرو)، على حرب العثمانيين حيث تريد النمسا ضم البوسنة والهرسك، بينما تريد روسيا ضم الأفلاق والبغدان وبلغاريا، ووعدت روسيا النمسا والصرب والجبل الأسود بالوقوف بجانبهم إذا قامت حرب بينهم وبين العثمانيين، وبدأت ذرائع الحرب بطلب الصرب إخماد الثورة في البوسنة، وطلبت الجبل الأسود (مونتجيرو)، زيادة رقعتها على حساب الهرسك، فلم يعط لطلبها أي اهتمام، فبدأت جيوشهما تتوغل في الأراضي العثمانية، وهي في الواقع جيوش روسيا التي تسللت إلى البلاد، فكانت الحرب مع روسيا وبرغم ذلك استطاعت الجيوش العثمانية -وخاصة بعد وصول الكثير من الجنود المصريين- الانتصار على الصرب وأصبحوا على مشارف بلغراد، غير أن تدخل أوربا قد أوقف الحرب.

    وعرض سفراء أوربا على العثمانيين خطة تقوم على تقسيم بلغاريا إلى ولايتين يعين عليهما أمراء نصارى، وأن تتكون نصف الحامية العثمانية المرابطة هناك من النصارى، وأن تنفذ هذه المطالب في البوسنة والهرسك أيضًا، وأن تعطى بعض الأراضي للصرب والجبل الأسود، فرفضت الدولة، فغادر سفراء أوربا، الدولة العثمانية بما يشير إلى قطع العلاقات السياسية معها.

    عملت الدولة على عقد صلح منفرد مع الصرب تسحب بمقتضاه قواتها من الصرب، وتتعهد الصرب بعدم بناء قلاع جديدة، وأن يرفع علم الصرب والعثمانيين إشارة إلى الحماية العثمانية.

    على الصعيد الخارجي
    الحرب مع روسيا: قدمت دول أوربا لائحة للدولة العثمانية تقضي بتحسين الأحوال المعيشية للنصارى في الدولة العثمانية، ومراقبة الدول الأوربية لتنفيذ إجراءات التحسين.

    فرفضت الدولة العثمانية اللائحة؛ لأن هذا يعتبر تدخلاً صريحًا في شئونها، فاستغلت روسيا الرفض واعتبرته سببًا كافيًا للحرب، وفي هذه المرة أطلقت أوربا العنان لروسيا لتتصرف كيفما تشاء مع العثمانيين.. كانت روسيا قد عقدت اتفاقًا مع الأفلاق والبغدان لوضع كافة إمكاناتهما تحت تصرف روسيا، فدخلت روسيا الأفلاق والبغدان، ثم عبرت نهر الدانوب واستطاعت التوغل في بلغاريا حتى احتلوا أدرنه وأصبحوا على مسافة 50 كيلو مترًا فقط من إستانبول، في الوقت الذي تقدمت فيه الجيوش الروسية من الشرق في الأناضول، واستغل الصرب والجبل الأسود الفرصة فأعلنا الحرب على الدولة، فاضطرت الدولة إلى طلب الصلح.

    ومما يذكر في هذه الحرب أن نصارى بلغاريا استغلوا دخول الروس بلادهم فأخذوا يفتكون بالمسلمين في بلغاريا، ويرتكبون فيهم أبشع الجرائم, ففر من فر منهم، ولجأ الكثير منهم للجبال ليقوموا بحرب عصابات على مجرمي بلغاريا.

    معاهدة سان استيفانوس
    ومع توقف القتال عام 1295هـ عقدت معاهدة سان استيفانوس التي فرضت على الدولة العثمانية، وكان من نصوصها:

    1- استقلال الصرب والجبل الأسود نهائيًّا عن العثمانيين.
    2- الاستقلال التام للأفلاق والبغدان وتكوين دولة رومانيا باتحادهما مع ترانسلفانيا وبسارابيا.
    3- الاستقلال الإداري لبلغاريا وإخلائها تمامًا من الجيوش العثمانية.
    4- دفع غرامة حربية لروسيا مقدارها (245.217.391) ليرة ذهبية، ويمكن لروسيا الحصول على الأراضي مقابلها.
    5- أن يخلي المسلمون ديارهم في الأراضي التي فقدتها الدولة العثمانية، ويمكن لهم أن يبيعوا أملاكهم.
    6- حرية الحركة لسفن روسيا في المضائق العثمانية.
    7- إصلاح الأحوال المعيشية للنصارى في الدولة العثمانية.

    وطبعًا أرادت بقية دول أوربا أخذ نصيبها من الكعكة العثمانية أو تركة الرجل المريض، كما كانوا يطلقون على الدولة العثمانية، فطلبت إنجلترا من العثمانيين أن تحتل جزيرة قبرص حتى تحميها من ازدياد الخطر الروسي فاضطرت الدولة لقبول احتلالها ثم عقد مؤتمر برلين لتقسيم الولايات الأوربية على دول أوربا.

    معاهدة برلين
    وقعت عام 1295هـ معاهدة برلين، والتي عدلت معاهدة سان استيفانوس للآتي:

    1- استقلال بلغاريا نهائيًّا.
    2- إعطاء البوسنة والهرسك للنمسا.
    3- تعطى بسارابيا لروسيا وتحتفظ رومانيا منها بمقاطعة دوبروجة.
    4- تتكون للدولة العثمانية في أوربا ولاية يطلق عليها الرومللي الشرقي (وتشمل الآن أجزاء من بلغاريا ومقدونيا وألبانيا وإقليم كوسوفو التابع الآن ليوغوسلافيا الجديدة وجزء من الهرسك، وجزء من اليونان)، وتكون القوات المرابطة فيها مشتركة من الروس والعثمانيين وحاكمها نصراني.
    5- تزيد حدود اليونان إلى الشمال، برغم أنها لم تكن طرفًا في الحرب.

    احتلال تونس
    تمكنت فرنسا عام 1299هـ من احتلال تونس، ولم تستطع الدولة العثمانية أن تفعل شيئًا.

    احتلال مصر
    تدخلت إنجلترا في شئون مصر، واستطاعت احتلالها عام 1299هـ بعد موقعة التل الكبير.

    احتلال السودان
    كانت السودان تابعة لمصر منذ أن فتحها محمد علي، فما إن احتل الإنجليز مصر حتى اتجهت أعينهم للسودان، واستغلوا قيام الحركة المهدية التي ادعى قائدها أنه هو المهدي المنتظر، واستطاع أن يسيطر على كثير من أجزاء السودان، فاستطاع الإنجليز إخماد حركته، وبذلك تمكنوا من السيطرة على السودان.

    شرقي إفريقيا التابع لمصر
    أما عن هذا الجزء فقد تقاسمته فرنسا وإيطاليا مع الحبشة، وتوفي الخليفة عبد الحميد الثاني بعد عزله عام 1336هـ
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 10, 2014 9:11 am

    الخلافة العثمانية .. جهاد وفتوحات


    أوروبا .. جهاد متواصل
    اتخذت أوروبا موقفًا عدائيًّا ضدَّ الإسلامِ عبر التاريخ، وذلك نتيجةَ الجهلِ به، وخوفِهم على مصالِحهم السياسية وسياستهم الاستعمارية، وقد بدأ هذا الموقفُ منذ عهدِ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - عندما حشد الرُّوم حشودَهم وعبَّؤوا حلفاءَهم للقضاءِ على الدولةِ الإسلامية الناشئة، ولكنَّ الله ردَّ كيدَهم إلى النحر، وكلَّل جندَه بالنصر، وامتدتْ رايةُ الفتح في عهد الخلفاء الراشدين لتنتزعَ أغلى ما في تيجانِهم من دُرر، ثم اجتازت جيوشُ الدولة الأموية مضيقَ جبلِ طارق من ناحيةِ الغرب، وعبرتْ جبالَ البرانس لتصلَ إلى مشارفِ باريس.

    وظهرتِ الرُّوحُ الصليبية في أعتى صورِها في الحروب الصليبية في المشرقِ التي استمرَّتْ نحو قرنين من الزمان، ثم ارتدتْ على أعقابِها مدحورة، والحروب الصليبية في المغربِ التي سقطت فيها الأندلس في أيدي الإسبان.

    ولم تكد أوروبا تظهر فرحتَها بسقوطِ السلاجقة الذين أذاقوها مرارةَ الهزيمة مرَّاتٍ، وأسروا أباطرتها، وانتزعوا من الرُّوم أعظمَ ممتلكاتِهم في آسيا الصغرى، حتَّى ظهر لهم الخطر الإسلامي من جديدٍ؛ ممثلاً في الدولةِ العثمانية الفَتِيَّة المجاهدة، فغلبتْهم على ما بقي لهم في آسيا، وبقي على العثمانيين أن يعبُروا البسفورَ إلى الشاطئ الأوروبي.

    نظر الأوروبيون إلى الدولة العثمانية على أنَّها ممثلةُ الإسلام وحاملةُ رايتِه، ومن ثَمَّ تكتَّلتْ جهودُهم لوقفِ مدِّها، ثم إضعافِها والإجهاز عليها، كما جنَّدوا أقلامَ مفكريهم ومؤرِّخيهم لتشويهِ تاريخِها وكيل الاتهامات لها.

    معركة قوصوة
    وبعد الانتصارِ تقدَّم السلطان مراد إلى سهلِ كوسوفو، وهناك قَدِم عليه أميرٌ صربي متظاهرًا بالطَّاعةِ والخضوع، والرَّغبةِ في تقديم فروضِ الولاء للسُّلطان، وتقدَّم إليه ليقبلَ يدَه ثُمَّ عاجلَه بخنجرٍ مسموم، فسقط مضرجًا في الدِّماء، وأصبح في عداد الشُّهداء، وأبى رجالُه أن يذهبَ دمُه هباءً، فجدُّوا في قتال الأعداء، وسقط ملكُ الصِّربِ "لازار" بين الأسرى، ومعه عددٌ كبيرٌ من النبلاء، وسِيقوا يرسفون في الأغلالِ، وقُتِلوا أمام جثمانِ السُّلطانِ في ميدان القتال.

    وكان من نتائجِ معاركِ قوصوة أن أصبحتْ بلادُ الصرب والبلغار ولاياتٍ تابعةً للتاج العثماني، وامتدت حدودُ الدولة إلى نهرِ الدانوب.

    معركة نيقوبولس
    وفي نفسِ الوقت الذي غزا فيه العثمانيون شرقي أوربا، كانت جيوشُهم قد استولتْ على الجيوبِ الباقية والإمارات الصغيرةِ التي قامتْ في الأناضول على أنقاضِ دولة السلاجفة، واستكملتْ هذه المرحلة في عهدِ السُّلطان بايزيد الأول، وقد أدَّى انشغالُ هذا السلطانِ في حروبِه بالأناضول إلى تجرؤ القوى الأوربية، وعلى رأسِها ملكُ المجر الذي تباركُه الكنيسةُ الكاثوليكية في روما على مناهضةِ العثمانيين، واسترداد كثيرٍ من المدن التي فتحوها في أوربا، وفي نفسِ الوقتِ كانت الدولة العثمانية تستعدُّ لمواجهةِ خطرٍ جديدٍ قادم من المشرقِ يمثِّلُه تيمور لنك التتري.

    واجتمعتِ القوى الأوربية ومن شرقي أوربا وغربيها على ضرورةِ طردِ العثمانيين المسلمين من قارَّتِهم، ووجَّه البابا "بونيفاس التاسع" نداءً إلى جميع ملوكِ أوربا وأمرائها يدعوهم إلى التحالُفِ والاستنفار في مواجهةِ عدوِّهم المشترك، فاستجاب له ملوكُ: (إنجلترا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وإسكتلندا وسويسرا ولوكسمبرج وبولندا وروسيا وترنسلفانيا وفرسان القديس يوحنا في رودس، والإمارات الإيطالية وبخاصة جنوة والبندقية)، وحشدوا حوالي مائة وعشرين ألفًا عند مدينة "نيقوبولس " الواقعةِ على نهر الدانوب في بلغاريا قربَ الحدودِ الرُّومانية.

    ولكنَّ الكثرةَ العددية لم تكن أبدًا مدارَ النّصرِ والهزيمة، وإنَّما النصرُ من عند الله، ويُنال بالصَّبرِ والمصابرةِ والإيمان والتُّقى والأخذِ بالأسباب، واستطاع السُّلطانُ بايزيد الأول بن مراد أنْ يلحقَ بهم هزيمةً نكراء، وساق نبلاءَهم أسرى في موقعةِ نيقوبولس" (سنة 799هـ/ 1396م)، وبذلك رسختْ أقدامُ العثمانيين في البلقانِ، وامتدَّتْ دولتُهم من الفراتِ شرقًا إلى الدانوب غربًا، ونمتِ الأنباءُ بذلك في أرجاءِ العالَمِ الإسلامي، فعمَّت الفرحةُ قلوبَ المسلمين، واعتبروا انتصاراتِ العثمانيين تجديدًا لدماء الإسلام.

    العثمانيون وتيمور لنك
    وأراد العثمانيون مواصلةَ انتصاراتِهم في أوربا، وحاصروا القسطنطينية حتَّى ترنَّحتْ نحو السُّقوط، ولكنَّ الأوضاعَ انقلبت رأسًا على عقبٍ بقدومِ السَّيل الدَّاهم من الشرقِ ممثَّلاً في خطر المغولِ بقيادة تيمور لنك، فاضطر السُّلطانُ بايزيد الأول إلى عقدِ الصُّلحِ مع أهلِ المدينة، على التزامِهم بالجزية وبناءِ مسجدٍ جامع للمسلمين الموجودين بها، ورحل عنها بقواته.

    الهجوم التتري ونتائجه
    كان تيمور لنك يحكمُ دولةَ التتارِ في وسطِ آسيا وبلادِ الفرس، واستطاعَ أن يوسِّعَ دائرةَ ملكِه، فاستولى على بلاد الأفغانِ والهند في الشَّرق، ثم اتجه غربًا فاستولى على جورجيا وأرمينيا وكردستان، وأصبح وجهًا لوجهٍ أمام دولتي المماليك والعثمانيين، وقد اجتاح كثيرًا من مدنِ الشَّام، حتَّى دخل حلب ودمشق سنة (802هـ/ 1400م)، ثُمَّ اتجه نحو ممتلكاتِ العثمانيين في آسيا، ووصل إلى سهولِ أنقرة سنة (805هـ/ 1402م).

    معركة أنقرة
    وكان اللقاءُ الكبير بين القوَّتينِ المعروفتين بالشِّدةِ والبأس، وتلاحمتِ الصُّفوف وتقارعتِ السيوف، واستمرَّ القتال، وتساقطَ الأبطال، واستبسلَ السُّلطانُ بايزيد نهارًا بأكملِه أو يزيد، من مشرقِ الشَّمس إلى مغربِها، حتَّى وقع المحظور وانضمَّ من معه من أصولٍ تترية، وبعض الإماراتِ التركية التي أذعنتْ لطاعتِه حديثًا إلى صفوفِ عدوِّه تيمور، وإذا برحى الحربِ عليه تدور، واستشهد ابنُه مصطفى حلبي، ولاذ بعضُ رجالِه بالفرار، وبقي في المعركةِ فردًا، ولم يكن من وقوعه في الأسر بد، وسِيق إلى سمرقند مُكبَّلاً، وبقي فيها حتَّى مات كمدًا، ثم نقلت جثتُه إلى بروسة؛ حيث دُفِن بجوار قبر أبيه.

    وكان مِن نتائج هزيمةِ أنقرة هذه أن فقَد العثمانيون معظمَ قوتِهم العسكرية، وانكمشوا حينًا، وفرَّتْ كثيرٌ من العائلاتِ التركية من المناطقِ الآسيوية إلى المناطقِ الأوربية خوفًا من التتار، حتَّى أصبحَ عددُ الأتراك بأوربا أكثر من الأناضول، وساعدَ ذلك على انتشارِ الإسلام في هذه المناطق، وتوقَّفتْ خططُ العثمانيين للتوسُّعِ في أوربا، وأصبحتِ القسطنطينية في مأمنٍ من هجماتِهم، وتأخَّرَ سقوطُها حوالي نصف قرن.

    وابتهج العالَمُ الأوربي المسيحي بما نال العثمانيين، وهلَّلوا لانتصارِ التتار، حتَّى إنَّ بعضَ ملوك أوربا - مثل هنري الرابع ملك إنجلترا - أرسلوا إلى تيمور لنك يدعونَهُ إلى التحوُّلِ عن الإسلامِ واعتناقِ النصرانية، على أن يعترفوا به زعيمًا للعالم المسيحي.

    وفقد العثمانيون معظمَ ممتلكاتهم في آسيا، واستقلَّتِ البلغارُ والصِّرب في أوربا، وأمر الإمبراطورُ البيزنطي بهدمِ المساجد التي بُنِيتْ في القسطنطينية، وطردِ أئمَّتِها وعلمائها ورعايا العثمانيين الموجودين هناك.

    وتتابعتْ موجاتُ الهجرة من أنحاء آسيا أمام هجماتِ تيمور لنك الشَّرسة وأكثرُهم من الأتراكِ المسلمين، ووصلتْ إلى الأناضولِ فصبغتْه بالصبغةِ الإسلاميةِ الخالصة، وكان في الوافدين بعضُ الفرسِ الذين يدَّعون أنَّهم أصحابُ التفوقِ والمدنية، ويسعون لعودةِ مجدِهم القديم، وبعضُ الفِرَقِ الإسلاميةِ المغالية والمنحرفة عن الجادَّةِ، ولكنَّهم كانوا أقلية.

    الصحوة العثمانية والنهوض من الكبوة
    برغم ما لقيه العثمانيون من آثارِ الغزو التتري فإنَّهم حافظوا على وجودِهم وبقائهم، ويعلِّل المؤرِّخون ذلك بأنَّهم تلقوا هذه الضربةَ وهم في طورِ البناء والتكوين والفتوة، وليسوا في مرحلةِ الشَّيخوخةِ والهرم، فكان من السَّهلِ عليهم امتصاصُ هذه الضربات، وتضميدُ الجراح، والنهوضُ من جديدٍ، وقد قدَّم لهم تيمور خدماتٍ من حيث لا يدري؛ لأنَّه دفع بجموعٍ تركية مسلمة إلى المنطقةِ، فضاعفتْ من قوةِ الدولة، كما أنَّه استولى على ميناءِ أزمير البيزنطي، الذي استعصى على العثمانيين من قبل.

    وقد توفي تيمور عقب ذلك في "أورناوة" ببلادِ التركستان في السابعِ عشر من شعبان سنة (807هـ/ 19 من فبراير سنة 1405م)، ووقع الخلافُ بين أبنائِه، ومن ثَمَّ نجح السُّلطانُ العثماني محمد الأول بن بايزيد (805 - 824هـ/ 1402 - 1421م) أن يتغلَّبَ على المشكلاتِ الداخلية، ويستردَّ كلَّ ما فقدتْه دولتُه أمام غزوِ المغول، واتَّخذَ من مدينةِ أدرنة عاصمةً له، وتمكَّنَ من إخضاعِ بلغاريا وصربيا من جديد، وبذلك محا كلَّ أثرٍ لهزيمةِ أنقرة، وتمكَّنَ من توحيدِ دولتِه من جديد.

    السلطان مراد الثاني
    وواصل سياسيتَه ابنُه مراد الثاني (824 - 855هـ/ 1421 - 1451م) فركَّز اهتمامَه على بناءِ جيشٍ قوي واقتصادٍ سليم، وتأمينِ المناطق الحدودية.

    وشرع السُّلطانُ مراد الثاني في استحداثِ فرقٍ عسكرية من نوعٍ خاص، معدة إعدادًا جيدًا للقتالِ؛ عُرِفت بفرق الإنكشارية لتكونَ معتمدةً في تحقيقِ أهدافِه التوسعية الطموحة في البلقان، وفي مواجهةِ مخطَّطاتِ إمبراطور القسطنطينية ومكايدِه؛ إذ كان يساعِدُ المتمرِّدين والثَّائرين ضدَّ السُّلطان.

    وضرب السلطانُ حصارًا قويًّا حول القسطنطنيةِ لشلِّ حركتِها وإضعافها، ثم اتَّجه إلى ألبانيا والمجر، وتمكَّن من الاستيلاءِ على الشطرِ الجنوبي من ألبانيا، أمَّا الشطرُ الشمالي منها فقد واجه فيه مقاومةً عنيدة، وتكبَّدتْ جيوشُه خسائرَ كبيرة؛ نظرًا لطبيعةِ المنطقة الجبلية الوعِرة، وتعرَّضَ جنودُه لحربِ العصابات، ومؤازرةِ البندقيةِ للألبان بالإمدادات عن طريق البحر.

    وفي المجر واجه السُّلطانُ تحالفًا صليبيًّا من البابا "يوجين" الرابع، وعديدٍ من الدول من بينهم الإمبراطورية البيزنطية، فتمكَّنوا من إلحاقِ الهزيمةِ به في موقعة نيش سنة (847هـ/ 1443م)، ولكنَّ عينَ السلطان لم تقر حتَّى ثأرَ لهزيمتِه في العام التالي في موقعة "وارنة"؛ وهي ميناء بلغاري يقعُ على البحر الأسود، وفقدت المجرُ زهرةَ شبابِها وخيرةَ فرسانِها، وعجزتْ بعدها عن القيامِ بأيِّ عملٍ حربي، ويئستِ القوى الصَّليبيةُ من التحالفِ ضدَّ العثمانيين، ولم يجتمعْ بعد ذلك في حربٍ مشتركة ضدهم.

    فتح القسطنطينية
    كان فتح القسطنطينية حلمًا يراودُ المسلمين منذ فجر تاريخِهم، وبشَّر به الرَّسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبل أن يحدثَ بثمانيةِ قرون ونصف قرن، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش))[1]، وحاول كثيرٌ من الخلفاءِ والأمراء أن يحقِّقَ هذه البشرى، ويظفرَ بهذا الثَّناءِ النبوي، حتَّى استأثرَ به السُّلطانُ محمد الثاني بن مراد الثاني، الذي لُقِّب بالفاتح، وذلك في سنة (857هـ/ 1453م)، وتغيَّرَ بذلك وجهُ التَّاريخ، وخريطةُ العالم السِّياسية.

    بُنيت القسطنطينية على أنقاضِ قريةٍ قديمة كانت تُسمَّى بيزنطة، يُقالُ: إنَّ بعضَ اليونانيين أنشؤوها حوالي سنة (657ق. م)، فاتخذها الإمبراطورُ "قسطنطين" عاصمةً لدولتِه بعد سقوط روما والشطرِ الغربي من الإمبراطورية في أيدي الوندال، في القرنِ الرابع الميلادي وسمَّاها باسمِه، وأصبحتْ منذُ ذلك الحينِ عاصمةً للإمبراطورية الشَّرقيةِ، التي عُرِفتْ باسم دولة الروم.

    وهي مدينةٌ حصينة تقعُ على القرنِ الذَّهبي؛ وهو أحدُ خلجان البسفور، ويشبه في انحنائه القرنَ أو المنجل، ويبلغ طولُه سبعةَ أميال، وعند اتصالِه ببحرِ مرمرة توجدُ شبهُ جزيرةٍ صغيرة من التِّلالِ تشبهُ مثلثًا متساوي الساقين؛ رأسه تقابِلُ الشاطئ الآسيوي، وقاعدتُه على بحرِ مرمرة، وضلعُه الأيمن على خليج القرنِ الذَّهبي، وضلعُه الأيسر يتصلُ بالقارَّةِ الأوربية، وبذلك تحيطُ بها المياهُ من جهاتِها الشَّمالية والشَّرقية والجنوبية، ويسهلُ وصولُ الإمدادِ إليها عن طريقِ البحر، ويصعبُ على الجيوشِ الغازيةِ محاصرتُها أو اقتحامها، وقد اتخذ أهلُها فوقَ ذلك أسوارًا عالية، وأبراجًا شاهقة، وزوَّدوها بكلِّ وسائلِ الدِّفاع، إلى جانب ارتفاعها فوقَ التِّلال، وكانوا يستخدمون نوعًا من القذائفِ عُرِفت بالنَّارِ الإغريقية لا تنطفئ بالماء، يلقونها على السُّفنِ والقواتِ المهاجمة.

    وقد اتَّخذت بيزنطةُ أو القسطنطينية موقفًا معاديًا للإسلام منذ مبدأ دعوتِه؛ بتحرُّشها بالمسلمين وتأليبِ القبائل الشمالية ضدَّهم، فتصدَّى لهم المسلمون في غزوتي مؤتة سنة (7 هـ)، وتبوك سنة (9 هـ)، ثم تجدَّد الخطرُ، وتمكَّن المسلمون في خلافةِ أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - من إنزالِ الهزائم بالرُّوم، وانتزاعِ أغلى ممتلكاتِهم في مصر والشام الأفريقي، واستحكم العداءُ بينهم وبين الإسلامِ وأهلِه.

    وغزاهم الأمويون ثلاثَ مرات، وضربوا الحصارَ حول القسطنطينية برًّا وبحرًا؛ اثنتان منهما في خلافةِ معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما -: أولاهما سنة (49 هـ)، وكان يزيد بن معاوية يقودُ المسلمين، وإلى جوارِه الصَّحابيُّ الجليل أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - الذي استُشهِدَ تحتَ أسوار القسطنطينية، وأصبح قبرُه رمزًا للجهادِ ضد الرُّوم في الأجيال التالية، ينادي المسلمين أن يحرِّروه من أسرِ الأعداء، ورجعتِ الحملةُ في صيفِ سنة (50هـ)، والمرة الثَّانية في خلافة معاوية أيضًا سنة (54هـ) بقيادةِ عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، واستمرَّتْ حتَّى سنة (60هـ) وعُرِفت بحرب السنين السَّبع، تعاقبَ فيها عددٌ من المسلمين على قيادةِ الجيش، ولكنَّهم عجزوا عن اقتحامِ الأسوار الحصينة.

    وكان الوليد بن عبد الملك الأموي (86 - 96هـ) يرمي إلى غزوِ القسطنطينية شرقًا من ناحيةِ الشَّام وغربًا من ناحيةِ أوربا بعد أن نجحتْ جيوشُه في فتح الأندلس، وتُوفي الوليد وهو يستعدُّ للحملةِ، فاستكمل أخوه وخلفهُ سليمان بن عبد الملك المسيرة، وتحرَّكتِ الحملةُ الكبيرة بقيادةِ أخيه مسلمة بن عبد الملك سنة (98هـ) وتحت لوائه ثمانون ألفًا من الجندِ، وثمانمائة سفينة تمخرُ عبابَ البحر، وتحمَّلَ المسلمون بردَ الشتاء القارس، والنَّارَ الإغريقية وسوءَ الأحوالِ الجوية، ولكنَّهم لم يتمكَّنوا من اقتحامِ المدينة، وتُوفي سليمان واضطرَّ الخليفةُ الجديد عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - إلى سحبِ قواته.

    وفي العصرِ العباسي الزَّاهر قام وليُّ العهدِ هارون الرشيد في خلافةِ أبيه المهدي سنة (165هـ/ 781م) بمحاصرةِ القسطنطينية حتَّى أذعنوا للصُّلحِ والجزية.

    وتوقفتْ بعد ذلك محاولاتُ المسلمين لغزو العاصمةِ الرومية، وانشغلوا بصراعاتِهم فيما بينهم، وبمواجهةِ القوى التتارية والصَّليبية الغازية، وبرغمِ أنه لم يكن يبدو في الأفُقِ ما يبشِّرُ بفتحِ هذه المدينة قبل ظهورِ العثمانيين، فإنَّ الثِّقةَ في تحقيقِ البُشرى النبوية لم تغبْ عن المسلمين، وقال ابن كثير المتوفَّى سنةَ (774هـ)؛ أي: قبل أنْ تُفتحَ المدينةُ بثلاثٍ وثمانين سنة: "ولكن سيملكُها المسلمون في آخرِ الزَّمانِ على ما صحَّتْ به الأحاديثُ عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيحِ مسلمٍ وغيرِه"[2].

    وسيطرَ هذا الأملُ على مشاعرِ السُّلطان محمد الفاتح منذ نعومةِ أظافره، وهو يقرأُ هذا التاريخَ، ويدرسُ محاولاتِ المسلمين لفتحِ المدينة العنيدة، ويسمعُ حديثَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مبشِّرًا بفتحِها، من أستاذِه ومربِّيه الشيخ آق شمس الدين، ويقولُ المؤرِّخ التركي حلمي دانشمند في "موسوعة التاريخ العثماني": "إنَّ محمَّدًا الثاني منذ اعتلائه العرشَ سنة (855هـ/ 1415م) كان يمضي كلَّ ليلةٍ ساعاتٍ طويلة في دراسةِ خريطة القسطنطينية ودفاعاتِها وتحصيناتها، ويحفظُ عن ظهرِ قلبٍ المحاولاتِ الإسلاميةِ السَّابقة لفتحها، ويناقشُ تفاصيلَها مع رجالِه ليستقي منها العبرةَ والخبرة".

    وقرَّر السُّلطانُ أنْ يكرِّس كلَّ جهدِه لغزو القسطنطينية، فهادنَ أعداءَه وسالَمَ جيرانَه، حتَّى لا يشغله الصراعُ معهم عن هدفِه الأسمى، وعقد معاهداتِ الصلح مع ملوكِ المجر والبوسنة والبندقية وألبانيا.

    وأنشأ السُّلطانُ في مقابل القسطنطينيةِ على الشاطئ الأوربي من البسفور قلعةً ضخمةً أسماها "روملي حصار"؛ أي: قلعة الروم، وشرع في بنائِها سنة (856هـ/ 1452م)، وشارك بنفسِه في أعمالِ البناء، وجعلها على شكلِ مثلَّثٍ في كلِّ زاويةٍ منه برجٌ ضخم مغطَّى بالرصاصِ، سمكُ جدرانِه اثنان وثلاثون قدمًا، وجعل فيها مقرَّ قيادتِه، ورابط فيها بنفسِه.

    وكانتِ القلعةُ الجديدة تبعدُ عن القسطنطينية بسبعة كيلو مترات فقط، وهيَّأتْ للعثمانيين السيطرةَ على مدخلي البسفور الآسيوي والأوربي، ومنعتْ وصولَ الإمداداتِ للقسطنطينية من حلفائِها، وانتشرتْ حولَ القلعةِ مئاتُ المجانيقِ والمدافع الكبيرة المصوَّبة نحو الروم.

    وارتعدت فرائصُ الإمبراطور قسطنطين الحادي عشر وهو يرى كلَّ يومٍ هذه الاستعداداتِ المتزايدة، فعرض الصَّلحَ والجزية، ولكن هيهات، واستنجدَ بالكنيسةِ الكاثوليكية في روما وبملوك أوربا، وأخذ يقدِّمُ لهم التنازلاتِ، ويحذِّرُهم عواقبَ سقوط القسطنطينية، ولكنَّهم تخوَّفوا وأحجموا، ولم يستجب له سوى إمارة جنوة.

    واستغرقتْ استعداداتُ السُّلطان عامين كاملين، واستعان بمهندسٍ مجرى صمَّمَ له نوعًا من المدافعِ الضَّخمةِ عُرِفت "بالمدافع السلطانية" تستطيعُ دكَّ هذه الأسوارِ المنيعة.

    وحانت ساعةُ الصِّفر، ووصلت حشودُ السلطان وقواتُه الرئيسة من أدرنة، وكانت حوالي مائتي ألف جندي، وحمَّس السُّلطان جنودَه، ووعدَهم بأنْ تكونَ الغنائمُ كلُّها من نصيبِهم وقال: "تكفيني المدينة".

    وكان أضعفُ تحصيناتِ الرُّوم من ناحيةِ القرن الذهبي، الذي كان من المستحيلِ على السُّفنِ اقتحامُه؛ لأنَّ الرُّوم أغلقوا مدخلَه بسلاسلَ حديديةٍ ضخمة وموانعَ قويةٍ، ففكَّر السُّلطانُ في طريقةٍ فذَّةٍ لم يسبق لها مثيل في التَّاريخ؛ وهي نقل السُّفنِ على اليابسة! من البسفورِ إلى الخليج الذهبي، وهي مسافةٌ من الأرضِ تبلغُ أحد عشر كيلو مترًا، فعبَّدَ الطَّريقَ وفرشَه بألواحٍ من الأخشابِ الضَّخمةِ بانحدارٍ مدروس، ودحرج عليها السُّفنَ الضَّخمةَ بواسطةِ بكرٍ من خشبٍ تجرُّها الثيران، حتَّى تَمَّ نقلُ أربعمائة سفينة تحتَ جنحِ الظَّلام في ليلة واحدةٍ من البسفور إلى القرنِ الذهبي، وفوجئ الرُّوم بهذا الحصارِ البحري مفاجأة مذهلة.

    واستمرَّ الحصارُ برًّا وبحرًا خمسين يومًا، وقاتل الفريقان بشجاعةٍ نادرة، وعملتِ المدافعُ السلطانية الضَّخمة عملَها، فدكتِ الأسوارَ وقصفتِ الأبراجَ وحطَّمت الأبواب، ومع توالي القصفِ أصبح واضحًا أنَّ المدينةَ لن تحتملَ الحصارَ، وأنَّها قاب قوسين أو أدنى من السُّقوط، فعرض السُّلطانُ العثماني على الإمبراطورِ قسطنطين الحادي عشر تسليمَ المدينة مقابلَ تأمينِ سكانِها على أنفسِهم وأموالهم، ومنحه ولايةً أخرى يحكُمها باسمِ العثمانيين فأبى إلا المقاومة، وظلَّ يناضلُ حتَّى سقط قتيلاً، واقتحم الجندُ العثماني - وكان منهم عددٌ كبير من العلماء والفقهاء - المدينةَ العذراء لأولِ مرة، بعد أن استعصتْ على جميعِ الفاتحين عبر التَّاريخ، وما لبث العثمانيون الفاتحون أن تعرَّفوا على قبرِ أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - وأولوه عنايةً واهتمامًا بعد أن حرَّروه من أسرِ الرُّوم، وصار رمزًا لهذا الجهادِ الطويل.

    وظهرتِ الرُّوحُ الإسلامية السمحة في يومِ الفتح، فقد دخلَ السلطان محمد الثاني القسطنطينية في سنة (857هـ/ 1453م) وهو صائم، فسجد لله شكرًا في تواضعٍ جم، ومعه العلماءُ ورجالاتُ الإسلام، ونهى الجندَ عن الاعتداءِ والنَّهب، ومنع القتلَ وسفكَ الدِّماء، وأمَّنَ الآهلين وقرَّر حريةَ العباداتِ للنَّصارى الأرثوذكس، ومنح اليونانَ والأرمن من أهلِ القسطنطينية امتيازاتٍ خاصة.
    وردًّا على ما فعله الإسبانُ بالمسلمين في الأندلسِ، وتحويل مساجدهم إلى كنائس، ومنها المسجد الجامع في قرطبة، أمر السلطانُ بتحويلِ كنيسة أيا صوفيا أكبر كنائسِ القسطنطينية إلى مسجد، وأضيفت إليه أربعُ مآذن، وعندما ظهرَ أتاتورك حوَّل هذا المسجدَ إلى متحفٍ ومنع الصَّلاةَ فيه، وظلَّ كذلك حتى الآن، ولم تستطع الحكومةُ التركية أن تفتحَه للصَّلاةِ فيه لاعتراضِ اليونان والدول الأوربية على ذلك!

    واكتسب العثمانيون بهذا الفتحِ تقديرَ العالم الإسلامي، وأقيمت الزِّيناتُ في سائرِ بلاد المسلمين ابتهاجًا بهذا النصر المبين، وتحقَّق وعدُ الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم.

    وسقطتْ منذ ذلك التاريخِ الدولةُ البيزنطية إلى الأبد، واعتبره المؤرِّخون خاتمةً لما عُرِف بالعصورِ الوسطى وبدايةً للتاريخ الحديث، وتحوَّلتْ القسطنطينيةُ إلى عاصمةٍ إسلامية تحملُ اسمًا جديدًا؛ هو "إسلام بول، أو إستانبول"؛ أي: مدينة الإسلام.

    وتخلَّصَ العثمانيون والمسلمون جميعًا من عدوٍّ لدود هو الرُّوم، الذين كان لهم دورٌ كبير في شنِّ الحروبِ الصليبية على العالم الإسلامي لمدة قرنين، وكانوا باستمرارٍ يؤلِّبون القوى النَّصرانية، ويشحذون عزائمَ الملوكِ في أوربا لغزوِ المسلمين، ويصدرون قراراتِ الحرمان ضدَّ كلِّ من يتقاعسُ عن ذلك، واكتسبتِ الدولةُ العثمانية قوةً سياسية واقتصادية ضخمة، فأصبحتْ أعظمَ دولةٍ في حوضِ البحر المتوسط، ودانت لها دولُ أوربا بالجزية.

    وأصبحت إسلامبول أو الأستانة بعد ذلك مقرًّا للسلطان العثماني المسلم الذي تلقَّبَ بأمير المؤمنين، ومقرًّا لشيخِ الإسلام، وظلَّت حاضرة للدولة العثمانية الإسلامية حتَّى قام أتاتورك بنقلِ العاصمةِ إلى أنقرة، رمزًا لنبذِه الحضارةِ الإسلامية والاتجاه الإسلامي.

    وترتَّبَ على سقوطِ القسطنطينية رحيلُ كثيرٍ من علمائها وأدبائها إلى دولِ غربي أوربا؛ مثل فرنسا وألمانيا، فشاركوا في حركةِ النهضة الأوربية الحديثة،ِ ونقلوا إليها فنونَ اليونان والرُّوم.

    فتوحات العثمانيين في شرقي أوربا
    كان من السَّهلِ على العثمانيين بعد ذلك مواصلة الفتوحاتِ في شرقي أوربا، ومنطقةِ البحرِ الأسود وغيرها من ممتلكات الدولة البيزنطية المنهارة، وأصبحوا هم الوريث لها، وضمُّوا إليهم بلادَ الصِّربِ والبوسنةِ والهرسك وشبه جزيرة المورة من بلادِ اليونان، وبلادِ القرم الواقعةِ على البحر الأسود، واستولوا على محطاتِ الجنوبيين التَّجارية في بحرِ إيجة، كما قاموا بمحاولاتٍ لفتح بلجراد وإيطاليا، وأثينا، وذلك في عهد السلطان محمد الفاتح أيضًا.

    وتواصلتِ الفتوحاتُ في أوربا في عهدِ بايزيد الثاني بن محمد الفاتح (886 - 918هـ/ 1481 - 1512م)، فغزا بولندا والبنادقة، ودحر تحالفًا صليبيًّا في معركةِ ليبانتو سنة (905هـ/ 1499م)، وأرسل أساطيلَه إلى البحرِ المتوسط لنجدةِ المسلمين المطرودين من الأندلس، وساهم في نقلِهم إلى الشَّاطئ المغربي، وهزمَ أساطيلَ البابا وإسبانيا والبندقية.


    المصدر: موقع شبكة الألوكة.


    --------------------------------------------------------------------------------

    [1]أحمد: المسند (18977)، الحاكم: المستدرك (8300). الطبراني: المعجم الكبير (1216).

    [2]ابن كثير: البداية والنهاية 7/53.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
    عادل عثمان مصطفي
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات
    عادل عثمان مصطفي


    عدد المساهمات : 6481
    تاريخ التسجيل : 19/10/2010
    العمر : 67
    الموقع : كانبرا - استراليا

    قصة الخلافة العثمانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قصة الخلافة العثمانية   قصة الخلافة العثمانية I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 10, 2014 9:15 am

    سقوط الدولة العثمانية


    الخليفة محمد الخامس (1328- 1337هـ)


    الخليفة محمد الخامس أصبح الاتحاديون هم الحكام الفعليين للبلاد، أما الخليفة فلم يكن بيده أي شيء.

    تسلم محمد الخامس منصب الخليفة عام 1328هـ بعد عزل أخيه.

    احتلال إيطاليا لليبيا:
    لم يتبق للعثمانيين في إفريقيا غير ولاية طرابلس (ليبيا)، بعد أن احتل الإنجليز مصر، واحتلت فرنسا المغرب العربي، فأرادت إيطاليا أن تأخذ نصيبها من تركة الرجل المريض، فأصبحت ليبيا هدفها، وبدأت التخطيط لاحتلال ليبيا بشراء الأراضي وإرسال البعثات النصرانية وغيرها، من وسائل التمكين، حتى إذا ما أتيحت لها الفرصة جاءت للعثمانيين بالذريعة التي تمكنها من احتلال ليبيا، وهى أن العثمانيين يقفون عقبة في سبيل تحضر الشعب الليبي، واحتلت إيطاليا ليبيا عام 1238هـ. وبرغم المقاومة من العثمانيين بقيادة عزيز المصري والفدائيين، وتحقيق بعض الانتصارات على إيطاليا، إلا أن إيطاليا هددت باحتلال إستانبول وضربت مرافئ الدولة، فاضطرت الدولة لتوقيع معاهدة سلام مع إيطاليا عام 1329هـ، تنسحب بها من ليبيا تاركة المقاومة للمجاهدين وعزير المصري.

    الحروب البلقانية:
    1- الحرب البلقانية الأولى 1330هـ: اتحدت دول البلقان المستقلة والمتمثلة في الجبل الأسود والصرب وبلغاريا واليونان، ليتوسعوا على حساب العثمانيين, ويحتلوا ولاية الرومللي الشرقي وقد تمكنوا من الانتصار على العثمانيين، واستخدمت الطائرات لأول مرة في هذه الحرب في قصف مدينة أدرنه، وكان من نتائج الحرب استقلال ألبانيا عن العثمانيين وتقسيم الرومللي الشرقي بين أعضاء التحالف البلقاني.

    عودة الاتحاد والترقي

    وما إن انتهت الحرب البلقانية الأولى بهزيمة العثمانيين حتى قام أنور باشا أحد الضباط الاتحاديين الذين حاربوا في طرابلس بانقلاب عسكري، ومعه العديد من الضباط الاتحاديين، واستطاع أن يجبر الوزارة على الاستقالة، ويكون وزارة جديدة كان رئيسها محمود شوكت الذي لم يكن من الاتحاديين، فقتل بعد توليه بستة أشهر، وتولى مكانه أحد الضباط الاتحاديين.

    2- الحرب البلقانية الثانية 1332هـ: وقعت بسبب اختلاف دول التحالف البلقاني في تقسيم مقدونيا بينهم، حيث أصرت بلغاريا على حقها في كل مقدونيا، بينما أرادت دول البلقان الأخرى نصيبًا من مقدونيا، فاندلعت الحرب بين بلغاريا من جهة، ودول البلقان الأخرى، اليونان ورومانيا والصرب، من جهة أخرى وانضمت الدولة العثمانية للتحالف ضد بلغاريا فانهزمت بلغاريا وقسمت مقدونيا بين الصرب واليونان وبلغاريا، في حين حصلت الدولة العثمانية على جزء مما فقدته في الحرب البلقانية الأولى متمثلاً في تراقيا ومدينة أدرنه.

    الحرب العالمية الأولى

    استطاع أنور باشا والذي كان يشغل منصب وزير الحربية أن يجر البلاد إلى الحرب العالمية الأولى, بفرض الأمر الواقع على كل من عارضه، وكان القرض المالي الذي عرضته ألمانيا على العثمانيين والمقدر بـ (5 ملايين ليرة ذهبية) من الأشياء التي شجعت المعارضين على الرضوخ للحرب.

    وفى البداية أرادت الدولة أن تساوم الحلفاء في دخول الحرب، فقدمت لهم مذكرة مقابل حيادها تمثلت في إلغاء الامتيازات الأجنبية وخروج الإنجليز من مصر وضم جزر بحر إيجة للعثمانيين، ومنع روسيا من التدخل في شئون العثمانيين، فلم يرد الحلفاء على شروطها, فدخلت الدولة العثمانية الحرب، والتي كانت بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير، وكان القتال على أربع (4) جبهات هي:

    1- جبهة شرقية: وحاول فيها أنور باشا بنفسه اجتياح روسيا من الشرق في الشتاء القارص، ولكنه مُني بالفشل الذريع واضطر للانسحاب.

    2- جبهة قناة السويس: سارت القوات العثمانية في سيناء متجهة إلى قناة السويس، وقاموا بالهجوم قبل الموعد المحدد مع المصريين الذين اتفقوا معهم على حرب الإنجليز، وفشل هذا الهجوم الذي أتبعه هجومان آخران بقيادة الألمان ولكنهما فشلا أيضًا.

    3- جبهة عدن: وحاول فيها العثمانيون طرد الإنجليز من عدن ولكنهم فشلوا، وساعد الإدريسي حاكم اليمن الإنجليز في عسير على العثمانيين.

    4- جبهة الدردنيل: حصّن العثمانيون مضيق الدردنيل حتى يعجز الأعداء عن الوصول إلى إستانبول, وبدأ الإنجليز في هجومهم على الدولة العثمانية واستطاعوا دخول فلسطين، وعندما وصل القائد الإنجليزي اللنبي القدس قال عبارته المشهورة: الآن تنتهي الحروب الصليبية. واستطاع الفرنسيون احتلال سوريا.

    الخليفة محمد السادس (وحيد الدين ) (1328- 1337هـ)

    الخليفة محمد السادس - وحيد الديناستلم الخلافة في أثناء الحرب العالمية الأولى، والهزائم تتوالى على العثمانيين، حتى استطاع الحلفاء أن يحتلوا إستانبول لتسقط لأول مرة منذ فتحها السلطان الغازي محمد الفاتح.

    واحتلت إيطاليا جزءًا من جنوب الأناضول، بينما احتلت اليونان القسم الغربي من الأناضول، بالإضافة إلى تراقيا فاستسلمت الدولة العثمانية، وهكذا في الوقت القليل الذي تسلم فيه الاتحاديون الحكم في البلاد أضاعوها، وأعادوها إلى الخلف عدة قرون، مع إلباسها لباس الذل والمهانة والهزيمة النكراء.

    وفي هذا الوقت الذي تولى فيه الخليفة محمد السادس قرب إليه مصطفى كمال, الذي كان يرافقه في رحلته إلى برلين عندما كان وليًّا للعهد وكان مصطفى كمال قد بدأ يعمل لنفسه فرفض الخليفة أن يكون صورة كمن سبقه، فتنازل عن الخلافة لعبد المجيد الثاني ابن الخليفة عبد العزيز.

    مصطفى كمال أتاتورك

    مصطفى كمال أتاتوركومما هو جدير بالذكر أن نعرف القارئ بمصطفى كمال الذي يطلق عليه أتاتورك (أي أبو الأتراك)، فهذا الرجل ولد في سالونيك أكبر تجمعات يهود الدونمة في الدولة العثمانية، ولذلك رجح الكثير أنه كان من يهود الدونمة؛ نظرًا لأفعاله الخسيسة ومحاربته الشديدة للإسلام، وكان أحد رجال الاتحاد والترقي, وكان أحد القادة في الجيش العثماني في الشام، وكان دائم الفرار أمام جيوش الحلفاء حتى قيل إن فراره امتد من الشام إلى بلاد الأناضول في الحرب العالمية الأولى, ووجد أعداء الإسلام فيه ضالتهم، فهذا الرجل هو الذي سيضرب المسلمين في مقتل؛ لأنه يدعي أنه من المسلمين.

    فأراد الحلفاء أن يرفعوا شأنه في البلاد حتى يتركوا له المهمة فيما بقي من أراضي الدولة العثمانية، ففوجئ الجميع به في سيواس يعقد مؤتمرًا للدفاع عن البلاد، ويعين رئيسًا للمؤتمر، ثم انتقل إلى أنقرة وناهض الحكومة العثمانية، وساعده الحلفاء بإملاء الشروط القاسية على الحكومة، بل وأجبروها على قبولها وقد تضمنت من الشروط: إقامة دولة في إستانبول، وفصل بلاد العرب عن العثمانيين، استقلال أرمينيا، الاستقلال الذاتي لكردستان، ضم تراقيا وجزر بحر إيجة لليونان، وضع المضائق تحت إشراف دولي, وسيطرة الحلفاء على المالية، توجيه الجيش العثماني وتحديد عدد أفراده من قبل الحلفاء.

    وفي ذلك الوقت كان أتاتورك قد أعلن عن قيام مجلس جديد للعثمانيين, أي حكومة أخرى في أنقرة، وأعلن رفضه لشروط الحلفاء، وأطلق الحلفاء العنان لأتاتورك ليظهر بمظهر البطل. فتركوا اليونان تواجه تركيا بمفردها، فحققت تركيا بعض الانتصارات أشهرها موقعة سقاريا، واضطرت اليونان إلى الانسحاب من الأناضول وتراقيا الشرقية عام1340هـ، وكذلك تركت فرنسا كيليكيا، وانسحبت إيطاليا من أنطاكيا، أما الروس فقد انشغلوا أثناء الحرب بالثورة الشيوعية، ثم اتفق أتاتورك معهم على أن يترك لهم مدينة باطوم على البحر الأسود في مقابل وقف القتال بينهما.

    الخليفة عبد المجيد الثاني (1340- 1342هـ)

    مؤتمر لوزان

    الخليفة عبد المجيد الثانيعقد مؤتمر لوزان سنة 1341هـ بعد ثلاثة أيام من تولي عبد المجيد الثاني الخلافة، وحضره ممثلون من حكومة أنقرة، وضع الإنجليز فيه شروطًا للاعتراف باستقلال تركيا عُرفت بشروط كرزون الأربعة وهي:

    1- إلغاء الخلافة العثمانية.

    2- قطع كل صلة بالإسلام.

    3- إخراج أنصار الخلافة والإسلام من البلاد.

    4- اتخاذ دستور مدني بدلاً من دستور تركيا القديم المؤسَّس على الإسلام.

    وحاول البعض الالتفاف حول الخليفة، ولكن أتاتورك قد قويت شوكته واستطاع أن يزيح كل من وقف في طريقه, وأعلن إلغاء الخلافة عام 1341هـ وأعلن قيام جمهورية تركيا, وألغى الوظائف الدينية وسلط جنده على السكان يجردون النساء من حجابهن وجعل من نصوص الدستور أن يكون له تمثال في جميع أنحاء تركيا, وجعل الأذان باللغة التركية، وجعل كتابة اللغة التركية بحروف لاتينية بعدما كانت كتابتها بحروف عربية، وغيرها من الجرائم البشعة التي لا يتجرأ على فعلها الكفار.
    ..............................................................................................


    وهكذا، وبكل الحسرة والألم انتهت آخر خلافة للمسلمين منذ عهد الرسول وحتى وقتنا الحالي.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    http://الهوتميل abouhind1982@hotmail.com
     
    قصة الخلافة العثمانية
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » الخلافة الراشدة....

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    كبوشية إصالة التاريخ  :: المنتدي الإسلامي :: المنتدي الإسلامي العام-
    انتقل الى: