الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أول دعاء في كتاب الله تعالى ، جاء في سورة الفاتحة ؛ في قوله تعالى : " اهدنا الصراط المستقيم " ، وهذا الدعاء نكرره في اليوم والليلة على الأقل سبعة عشر مرة ، وهي عدد ركات الصلوات المفروضة في اليوم والليلة ، عدا السنن الرواتب والنوافل والصلوات الأخرى التي يؤديها المسلم ؛ حيث تجب قراءة سورة الفاتحة في كل ركعة من ركعات الصلاة ، وفي كل ركعة يكرر المسلم هذا الدعاء العظيم " اهدنا الصراط المستقيم " ، وهذا بلا شك يدل دلالة واضحة بينة لا لبس فيها على أهمية الهداية إلى الصراط المستقيم في حياة المسلم ، بل هي أهم شيئ .
الهداية تعني معرفة الحق واتباعه ومعرفة الباطل واجتنابه . فالمعرفة المجردة للحق دون اتباعه والعمل به لا يسمى صحابها مهتديا ، وكذلك معرفة الباطل دون تركه واجتنابه والبعد عنه ، أيضا لا يكون من هذا حاله مهتديا ، فلا بد من الجمع بين المعرفة والإيمان والتصديق وبين العمل ، ولقد جمع الله جلّ وعلا في كتابه الكريم في كثير من الآيات بين الإيمان والعمل الصالح ، كما في قوله جلّ وعلا : " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون " ، وقوله : " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " إلى غير ذلك من الآيات . ولهذا كان تعريف السلف للإيمان الصحيح ؛ أنه : اعتقاد بالقلب وهوالجنان ونطق باللسان ـ النطق بالشهادتين ـ وعمل بالجوارح والأركان ، وينزل على هذا المعنى للإيمان ؛ القول المأثور عن الحسن البصري ـ رحمه الله ـ ( ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل ) .
وبالرجوع إلى الدعاء الأول في كتاب الله تعالى : " اهدنا الصراط المستقيم " نجد أن هذا الدعاء قد اشتمل على معاني عظيمة ولطائف دقيقة تسترعي الانتباه والتأمل والتدبر ، لندرك السر العظيم في مغزى تكرار هذا الدعاء لأكثر من سبعة عشر مرة في اليوم والليلة ، من هذه المعاني :
الإيمان والإقرار بأن الله تعالى هو الهادي إلى الصراط المستقيم ، هداية بيان وإرشاد ودلالة إلى الحق ، كما في قوله عز وجل " " إنا هديناه السبيلا * إما شاكرا وإما كفورا " ؛ فالله تعالى بين الحق وبين الباطل بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وقبل إرسال الرسل وإنزال الكتب المبينة للحق من الباطل وللهدى من الضلال ؛ خلق الله الخلق جميعا على الفطرة السوية النقية ؛ كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، وإن كانا مسلمين أسلم ) . وأيضا فالله تعالى هو الهادي والموفق إلى سلوك الصراط المستقيم بعد بيانه ووضوحه ؛ كما في قوله جلّ وعز : " من يهدي الله فهو المهتد " وقوله لرسوله صلى الله عليه وسلم : " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " ، فهداية القلوب إلى الصراط المستقيم لا يملكها إلا خالق القلوب وعلام الغيوب ، أما هداية الإرشاد والبيان والدلالة فهذه الهداية يقوم بها الأنبياء والرسل وأتباعهم من الدعاة والعلماء والمصلحين ، كما قال الله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : " وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور " . نسأل الله تعالى أن يهدينا إليه صراطا مستقيما ولا يزغ قلوبنا بعد الهدى إنه سميع مجيب الدعاء .