لما أسلم عمر رضي الله عنه وأرضاه قال المشركون: [[صبأت، فقال عمر : كذبتم! ولكني
أسلمت وصدَّقت، فثاروا إليه، فما زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم،
وأعيى من التعب فقعد، فقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم! أحلف بالله أن
لو كنا ثلاثمائة لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا ]] كل هذا يحدث بعد إسلامه بلحظات
..!ولك أن تتأمل حين جاءه أبو سفيان وهو من أشراف قومه ليشفع له عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم في شد عقد الحديبية ، فقال له ببراء من أعداء الله:[[أنا أشفع لكم؟!
والله الذي لا إله إلا هو لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به ]] اجهر بصوتك أمام كل
معاند ((إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ
مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ
))
يجب أن يكون الشاب المسلم واثقاً بالمبادئ التي يحملها بين جوانحه ،
راسخاً في أفكاره رسوخ الجبالل يستشعر دائماً معنى العبودية لله و الانقياد له ، و
يعرض كل ما يستجد له على دينه فما خالف الدين نبذه ولو كان من أقرب الأقربين قال
تعالى : (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم
لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ و يسلموا تسليماً )) لا يكفى مجرد
الاتباع بل أن الغاية هي الاطمئنان إلى العقيدة و السعي الحثيث للتأثير لا التأثر .
و بهذا تكون القوة ، إننا في هذه الأيام نرى و نسمع كل يوم من يدعوا إلى تنحية كلام
الله و كلام رسوله – صلى الله عليه و سلم – من خلال دعواتٍ يُظهرها حثالة من
العملاء لأسياد الغرب و الشرق ، بتصريح أو تلميح ، فأين هم من الصدِّيق رضي الله
عنه وأرضاه يقول: [[لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت من أمره شيئاً أن أزيغ ]]^
((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ
أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) .
و لما أشار بعض المسلمين على أبي
بكر رضي الله عنه بألا يبعث جيش أسامة لاحتياجه إليه، قال: [[والله لو أن الطير
تخطفني، وأن السباع من حول المدينة ، وأن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين؛ ما
رددتُ جيشاً وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حللتُ لواءً عقده رسول الله
صلى الله عليه وسلم، والله لو لم يبقَ في القُرَى غيري لأنفذته، أفأطيعه حياً
وأعصيه ميتاً! ]]^ فأنفذه.ثم أعلنها حرباً على المرتدين، فقيل له: [[إنهم يقولون: لا إله إلا الله، قال: والله لأقاتلن من فرق بين
الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عَناقاً أو عِقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى
الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ]]
فنصر الله به دين الله . فرضي الله عنه
..
ذلك الجيل أسلم واستسلم وانقاد لحكم الله بلا خيار:
((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً
أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )) وبلا تنطع في البحث عن
الحكمة والعلة؛ لأن ذلك ينافي التسليم والانقياد ((لا يُسْأَلُ
عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ )) وبلا حرج في النفس عند تطبيق النص
الشرعي: يقول تعالى : ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً
مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً )) فليكن شعارنا: (بِمَ أمر
ربنا؟) لا (لِمَ أمر ربنا؟) ولئن أخذنا يميناً أو شمالاً لقد ضللنا ضلالاً بعيداً
..لم يكن هذا مقصوراً فحسب على الرجال ، بل كان للنساء فيه حظ وافر ، و ضربن بهذا
أروع الأمثلة في الانقياد و الاستسلام و الثبات دون اكتراث لما يحدث في واقعهن وهذا
يتجلى حينما يـختلط الرجال والنساء في الطرق عند الـخروج من الـمسجد، فيقول صلى
الله عليه وسلم كما ثبت في سنن أبي داوُد : {استأخرن.. عليكن بِحافَات الطريق }
فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من شدة لصوقها به.
ثانياً :
العلم العلم و أخص به علوم الشرعية و من أهمها علمُ التوحيد
الذي من أجله بعث الله الرسل إلى الناس قال تعالى : (( وما أرسلنا من قبلك من رسول
إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ))
إنك لو تأملت حال الغزو الذي يحاك
بالليل و النهار من الأعداء في الداخل و الخارج لوجدت مدارَه على أمرٍ واحد و كله
يدور في فلك الإطاحة بالثوابت ، التي هي سر البقاء ، عن عمر - رضي الله عنه- أنه
قال (إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به
أذلنا الله هذا ) رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين، هذا هو السر ،
و كل ما كان الناس إلى الله أقرب كانوا على أعدائهم أظهر و أغلب ، تأمل في حال
السهام الموجهة إلى صدورنا ومنابع عزتنا ، فسهم إلى حلقات التحفيظ أي ( القرآن )
الذي رفعنا الله به و سهمٌ إلى عقيدة و سهم إلى ذروة سنام الإسلام وهي الجهاد و
سهمٌ إلى الولاء و البراء التي ضرب فيها الأنبياء والصحابة و السلف الصالح أروع
الأمثلة و خلد القرآن شيئاً منها لنسير على خطاهم – صلوات ربي و سلامه عليهم أجمعين
ورضي الله عنهم – و سهم إلى المرأة التي بصلاحها صلاح المجتمع ، فهي كالقلب للجسد ،
كما أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ، فإن في
الأمة مرأة إذا صلحت صلح المجتمع كله و إذا فسدت فسد المجتمع كله ، ألا وهي الأم
..
إن الحوارات المؤتمرات و التقريرات التي نرى العدو يسعى حثيثا لإقامتها هنا و
هناك باسم الثقافة و الفكر و التواصل بين الحضارات ليست إلا فكرية الاسم عقدية
المحتوى في غالبها ..
و من هنا تأتي أهمية دراسة كتب العقيدة على منهج السلف
الصالح – رحمهم الله – هاهم اليوم يحذرون العالم من الفرقة المارقة في نظرهم و هي
الوهابية كما يسمونها ، و ألصقوا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التهم و الأباطيل
و الافتراءات و الأقاويل ، لأنهم يعلمون أن العقيدة الصافية الناصعة تشكل خطراً
عليهم ، فالعلم الشرعي هو السلاح فتسلح به لكي لا تنخدع بمقوله فاجر مارق ، روى عمر
بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن أخوف ما أخاف
على أمتي كل منافق عليم اللسان » .رواه أحمد في مسنده و ابن حبان في صحيحه
ثالثا :
الدعوة إلى الإسلام والله ما كانت أمريكا و من حالفها من الغرب
و الشرق ليثوروا على العراق و أفغانستان و غيرها من البلدان لولا انتشار هذا النور
المبين و السراج الوهاج و هي الدعوة السلفية في العالم حينما أصبح الإسلام يشكل
خطراً عليهم ، تعالت صيحات الحاقدين منهم على الإسلام ، تنادي بوقف المد الإسلامي
الذي بدأ ينتزع منهم هيبتهم ، فكانوا يُهاجمون دفاعاً عن أنفسهم ، (( يريدون
ليطفئوا نور الله بأفواههم و يأبى الله إلا أن يُتم نوره ولو كره الكافرون ))
..
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره : "والمقصود من أهل
الكتب والعلم تمييز الحق من الباطل وإظهار الحق ليهتدي بذلك المهتدون ويرجع الضالون
وتقوم الحجة على المعاندين لأن الله فصل آياته وأوضح بيناته ليميز الحق من الباطل
ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين فمن عمل بهذا من أهل العلم فهو من خلفاء
الرسل وهداة الأمم " ، كلٌ بحسب ما حباه الله من إمكانات ، و ما آتاه من قدرات ،
ولا عذر لنا في التقاعس عن دين الله تعالى و الدعوة إليه ، و أمم الأرض تنتظر منا
إيصال الرسالة الربانية ، و نشر هذا الخير العميم و الكنز العظيم ، و الصراط
المستقيم ،
رابعاً :
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -
: " لا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينفضها و يبين بطلانها كما قال تعالى
: (( ولا يأتونك بمثل إلا جئنــاك بالحقِ و أحسنَ تفسيراً ) قال بعض المفسرين : هذه
الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة " أ.هـ فلا يضق صدرك بما
ترى و تسمع ولا تأبه كثيراً بما يقوله المرجفون المنافقون لأن الله تعالى يقول : ((
بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون ))لا شك في أن
وعد الله بالنصر واقع قاطع جازم ((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا
)) وكلمة الله قائمة سابقة ((وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا
الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم
الْغَالِبُونَ ))هذه حقيقة ثابتة مهما رصد لها الباطل من قوى الحديد والنار وحرب
الأفكار،
خامساً :
التلقي من المصادر الموثوقة ، إن على المسلم أن يتلقى
من الدستور الذي رسمه له دينه وهو أكمل دستور و أصفى منبع و أعذب منهل قال تعالى ((
فاستمسك بالذي أوحي إليك أنك على صراط مستقيم )) و قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم كما في خطبة الوداع ( لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، كتاب الله
و سنتي ))
و هذا هو الثبات الحقيق و هو الانتصار الذي هو مطلب كل إنسان ،
فحقيقة الانتصار أن تموت و أنت على مبادئك دون مساومة أو أن تتنازل أو تتراجع
جاء عند البخاري عن عبدِ الله بن سَلامٍ قال: «رأيتُ كأني في روضةٍ، ووسَط
الروضةِ عمودٌ، في أعلى العمود عروةٌ، فقيل لي: ارقهْ، قلت لا أستطيع، فأَتاني
وصيفٌ فرفعَ ثيابي فرقيتُ، فاستمسكتُ بالعروة، فانتبهتُ وأنا مستمسكٌ بها.
فقَصَصْتها على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك
العمودُ عمودُ الإسلام، وتلك العروةُ العروةُ الوُثْقى لا تزال مستمسكاً بالإسلام
حتى تموت». فاللهم ثبتنا على الحق حتى نلقاكـ و أنت راضٍ عنا . . لقد حرصت الشريعة
كل الحرص أن تُبعد أبنائها عما يزعزع هذا المبدأ ، و يهز تلك الحقيقة ولم يزل رسول
الله صلى الله عليه وسلم يثبت في أصحابه هذا الأمر حتى بعد إيمانهم بسنوات تأكيداً
منه صلى الله عليه و سلم على ضرورة استصحابه ، بل كان يأطرهم عليه، ويحذرهم من
مصادر التلقي الأخرى ، روى الإمام أحمد في مسنده و الدارمي في سننه -رحمهما الله-
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: {أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسخة من التوراة، فقال: يا رسول الله! هذه نسخة من
التوراة، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل عمر يقرأ ووجه رسول الله صلى الله
عليه وسلم يتمعر ويتغير، فقال أبو بكررضي الله عنه وأرضاه: ثكلتك الثواكل يا بن
الخطاب ! ألا ترى ما لوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! -وفي رواية- أن عبد الله
بـن زيد قال: أمسخ الله عقلك! ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فنظر
عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب
رسوله، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فقال
صلى الله عليه وسلم: أمُتَهَوِّكون فيها يا بـن الخطاب ؟! ألَمْ آتِكم بها بيضاء
نقية؟ والذي نفسي بيده! لو بدا لكم موسى فتبعتموه وتركتموني لضللتم سواء السبيل،
والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني }.
سادسا :
الالتفاف حول
العلماء الربانيين لأنهم أفقه الأمة ، و أبرهم قلوباً و أعمقهم علماً و أصلحهم
تصوراً ، فلا نجاة للأمة إلا بهم إذا أنهم ورثة الأنبياء ، و العلماء لم يورثوا
دينارا ولا درهما و إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر . إن العالم الرباني
هو خير ما يُرجع إليه عند تلاطم أمواج الفتن ، و التباس الحق بالباطل لما يحمله بين
جوانحه من كلام الله و كلام رسوله صلى الله عليه و سلم ، إن العلماء يُبصرون مالا
يُبصره عامة الناس و طلاب العلم بل أقول أنهم يُبصرون ما يخفى على كثيرٍ من طلاب
العلم ، للعلماء مواقف في الشدائد وقف التاريخ متعجباً لها و خلّدها في جبين صفحاته
، علماء عاملون دعاة مخلصون ، ربانيون راسخون لقد كان علماء الإسلام في المحن من
أشـــد الناس ثباتاً على الدين و أقوى تمسكاً بالسنة ، فالمواقف ليست إلا جرعاً
تزيد في صلابتهم و قوَّتهم ..
فشيخ السنة وإمام هذه الأمة أحمد بن حنبل -عليه
رحمة الله- يمكث في المحنة عند ابن هانئ ثلاثة أيام -أيام الواثق - ثم بعد ثلاثة
أيام قال لابن هانئ : اطلب لي موضعاً حتى أتحول إليه، فقال ابن هانئ : لا آمن عليك
يا أبا عبد الله ، قال: افعل إن فعلت أفَدْتُك، قال ابن هانئ : فطلبت له موضعاً،
فلما خرج قلت له: الفائدة يا إمام، قال: لقد اختفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الغارثلاثة أيام ثم تحول، وليس ينبغي أن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الرخاء ويترك في الشدة .
أما الشافعي فخبره عجيب حينما سأله رجل عن مسألة،
فأفتاه بقول النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
كذا، فقال الرجل: أتقول بهذا؟ فارتَعَدَ الإمام الشافعي ، واصفر لونه، وقال: أرأيت
في وسطي زناراً؟! أرأيتني خرجت من كنيسة؟! ويحك! أيُّ أرض تقلني، وأي سماء تظلني إن
رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم أقل به؟! نعم! أقول به وعلى الرأس
والعينين، متى رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ولم آخذ به، فأشهدكم
-أيها الناس- أن عقلي قد ذهب...واعجباً لرجل مسلم يلفظ بالشهادتين قبل أن يتعلم
مسألة من مسائل الدين، يتعلم كيف يقع في علماء و دعاة المسلمين، من أين له الفلاح؟!
كيف يفلح من ديدنه الطعن في أقوامٍ لعلهم حطوا رحالهم في الجنة منذ سنين ..!؟ ً.
وإن هذا مما يندى له الجبين ، و مما بُلينا به اليوم في كثيرٍ من مجالسنا لقد بلينا
بأناس لهم ألسنةٌ كالسياط، ودأبها التربص، فالتوثب على أعراض العلماء القادة في
اعتراض، يضربون الثقة في العلماء الأجلاء ، طبع أصحابها -كما يقول ابن القيم عليه
رحمة الله- طبع خنزير، يمر على الطيبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيعه
ولغ فيه، وقمح، يسمع منك ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوئ فلا يحفظها، ولا
ينقلها، ولا تناسبه، فإذا رأى سقطةً أو كلمةً عوراء ولو في فهمه، وجد بغيته وجعلها
فاكهته، ألا بئس المنتجع وبئست الهواية، ويا ويلهم يوم تبلى السرائر يوم
القيامة!
قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسولَ و
أولي الأمر منكم )) قال بعض المفسرين : أولو الأمر هم العلماء ..
قال ابن سعدي –
رحمه الله – في قوله تعالى : ((ولو ردوه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم لعلمه
الذي يستنبطونه منهم )) أي يستخرجونه بفكرهم و آرائهم السديدة .و لأن العلماء فهوا
مراد الله و مراد رسوله كما فهمه السلف الصالح ، و للأسف ينادي بعض المنافقين
التغريبيين اليوم بدعوة جديدة وهي أن نبقي النصوص كماهي و نرجع إليها لكن بفهمنا لا
بفهم أسلافنا ..وهذه دعوة خبيثة ..
إذا أردت أن تنظر إلى مكانة أمةٍ ما بين
الشعوب فانظر إلى مكانة علمائها في المجتمع الذي يعيشونه ، إن أكثر ما يُجرئ
السفهاء من أمم الشرق و الغرب بل ممن هم بين ظهرانينا على الثلب في العلماء هو
التخلي عنهم حسياً و معنوياً ، و انشغال بأخطائهم هذا إذا سلّمنا أنها أخطاء ،
فكيثر من الجهلة اليوم يُبيحون لأنفسهم الثلب في عالمٍ ما لأنه أخطأ !!
و في
النهاية تجد المسألة التي جزم هذا الجاهل بأنها خطأ ، ليست إلا مسألة خلافية أخذ
الشيخ بقول مرجوح فيها ، و مَن يسلم من هذا ؟!
يؤسفنا أن أهل البدع و الخلل
العقدي يُكنون لأئمتم و مشايخهم الولاء و الحب و أهل السنة إذا أتت المصيبة فيبدؤون
بعلمائهم و قادتهم ، و هذا مما يندى له الجبين ..
سابعاً :
لا أنصح
الشباب بالخوض في النقاشات الفكرية في سنٍ مبكرة ، و هذا قد انتشر في الآونة
الأخيرة ، فيدخل الشاب الضعيف المسكين بلا رصيدٍ من علم ، وعلى ضعفٍ في إيمان ،
فيستمع لهذه الشبه التي تُلقى في قلبه فتبقى منها بواقي و رواسب ثم تتراكم في قلبه
شيئاً فشيئاً حتى تأتي ساعة ، لا يجد إلا أن يخضع لمثل هذه الأفكار و الآراء ، بل
إن الحصانة مطلوبة ، و كم من رجل فاق الناس علماً و تقوى ، فإذا به في طرفة عين
ينكص على عقبيه ، و يتخذ إله هواه ، والله المستعان ..أصبحت المجالس اليوم كأنها
منتديات يُطرح فيها الغث و السمين ، فيتفرق الناس ، وقد اكتسبوا ما يضرهم في دينهم
و دنياهم . و يحبط عملهم في أخراهم ، فالحجة هي السلاح في مثل هذه المواضيع ، و من
لاحجة لديه فكأنما دخل معركةً بلا سلاح ، فهو هالكٌ لا محالة ..
و كم تأثر متأثر
نتيجة جهله و إقدامه على مثل هذه الأمور من دون مشورة أو علم ، فضل و أضل
..
و أخيراً أسأل المولى القدير بأسمائه الحسنى و صفاته العلى أن يُعز
الإسلام و السلمين و أن يُمكن لعباده الصالحين في الأرض و أن يُصلح أحوالنا إنه
ولىُّ ذلك و القادرُ عليه .
و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه
أجمعين ..