حسـن الخلـق
الحمد لله رب العالمين ونبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم أما بعد :
حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال حدثني شقيق عن مسروق قال كنا جلوسا مع عبد الله بن عمرو يحدثنا
إذ قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا وإنه كان يقول { إن خياركم أحاسنكم أخلاقا }
حديث مسروق " كنا جلوسا عند عبد الله بن عمرو بن العاص " ورجاله إلى الصحابة كوفيون
وقوله فيه : " إن خياركم أحاسنكم أخلاقا "
في رواية الكشميهني " أحسنكم " ووقع في الرواية الماضية " إن من خياركم " وهي مرادة هنا . وقد أخرج أبو يعلى من حديث أنس رفعه " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا " وللترمذي وحسنه والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة رفعه " إن من أكمل المؤمنين أحسنهم خلقا " ولأحمد بسند رجاله ثقات من حديث جابر بن سمرة نحوه بلفظ " أحسن الناس إسلاما " وللترمذي من حديث جابر رفعه " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا " وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده , ولأحمد والطبراني وصححه ابن حبان من حديث أبي ثعلبة نحوه وقال : " أحاسنكم أخلاقا " وسياقه أتم , وللبخاري في الأدب المفرد وابن حبان والحاكم والطبراني من حديث أسامة بن شريك " قالوا : يا رسول الله من أحب عباد الله إلى الله ؟ قال : أحسنهم خلقا " وفي رواية عنه " ما خير ما أعطي الإنسان ؟ قال : خلق حسن " ومن الأحاديث الصحيحة في حسن الخلق حديث النواس بن سمعان رفعه " البر حسن الخلق " أخرجه مسلم والبخاري في " الأدب المفرد " , وحديث أبي الدرداء رفعه " ما شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق " أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " وأبو داود والترمذي وصححه هو وابن حبان وزاد الترمذي فيه وهو عند البزار " وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ درجة صاحب الصوم والصلاة " وأخرجه أبو داود وابن حبان أيضا والحاكم من حديث عائشة نحوه , وأخرجه الطبراني في " الأوسط " والحاكم من حديث أبي هريرة , وأخرجه الطبراني من حديث أنس نحوه , وأحمد والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو , وأخرج الترمذي وابن حبان وصححاه وهو عند البخاري في " الأدب المفرد " من حديث أبي هريرة " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة , فقال : تقوى الله وحسن الخلق " وللبزار بسند حسن من حديث أبي هريرة رفعه " إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم , ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق " والأحاديث في ذلك كثيرة . وحكى ابن بطال تبعا للطبري خلافا : هل حسن الخلق غريزة , أو مكتسب ؟ وتمسك من قال بأنه غريزة بحديث ابن مسعود " إن الله قسم أخلاقكم كما قسم أرزاقكم " الحديث وهو عند البخاري في " الأدب المفرد " , وقال القرطبي في " المفهم " الخلق جبلة في نوع الإنسان , وهم في ذلك متفاوتون , فمن غلب عليه شيء منها إن كان محمودا وإلا فهو مأمور بالمجاهدة فيه حتى يصير محمودا , وكذا إن كان ضعيفا فيرتاض صاحبه حتى يقوى . قلت : وقد وقع في حديث الأشج العصري عند أحمد والنسائي والبخاري في " الأدب المفرد " وصححه ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن فيك لخصلتين يحبهما الله : الحلم , والأناة . قال : يا رسول الله , قديما كانا في أو حديثا ؟ قال : قديما . قال : الحمد الله الذي جبلني على خلقين يحبهما " فترديده السؤال وتقريره عليه يشعر بأن في الخلق ما هو جبلي , وما هو مكتسب
قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا )
فيه الحث على حسن الخلق , وبيان فضيلة صاحبه . وهو صفة أنبياء الله تعالى وأوليائه . قال الحسن البصري : حقيقة حسن الخلق بذل المعروف , وكف الأذى , وطلاقة الوجه . قال القاضي عياض : هو مخالطة الناس بالجميل والبشر , والتودد لهم , والإشفاق عليهم , واحتمالهم , والحلم عنهم , والصبر عليهم في المكاره , وترك الكبر والاستطالة عليهم . ومجانبة الغلظ والغضب , والمؤاخذة . قال : وحكى الطبري خلافا للسلف في حسن الخلق هل هو غريزة أم مكتسب ؟ قال القاضي : والصحيح أن منه ما هو غريزة , ومنه ما يكتسب بالتخلق والاقتداء بغيره . والله أعلم .
عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله}
عن أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يلج الناس به النار فقال { الأجوفان الفم والفرج وسئل عن أكثر ما يلج به الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن الخلق}
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها { إنه من أعطي حظه من الرفق ؛ فقد أعطي حظه من خير الدنيا ةالآخرة . وصلة الرحم ، وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ، ويزيدان في الأعمار } .( صحيح )
عن أنس قال : لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال : يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر ، وأقل ( في الميزان ) من غيرهما ؟ قال : بلى يا رسول الله ،{ قال عليك بحسن الخلق ، وطول الصمت ، فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما } . حسن
عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال بلغني أن المرء ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل الظامي بالهواجر .
وقوله أن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل الظامئ بالهواجر يريد والله أعلم أنه يدرك بحسن خلقه درجة المتنفل بالصوم والصلاة لصبره على الأذى وكفه عن أذى غيره والمعارضة عليه مع سلامة صدره من الغل.
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا أبو وهب عن عبد الله بن المبارك أنه وصف حسن الخلق فقال هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى .
قال ابن رجب في كتابه جامع العلوم والحكم : قد روي عن السلف تفسير حسن الخلق فعن الحسن قال حسن الخلق الكرم والبذلة والاحتمال وعن الشعبي قال : حسن الخلق البله والعطية والبشر الحسن وكان الشعبي كذلك .
وسئل سلام بن أبي مطيع عن حسن الخلق فأنشد شعرا فقال :
تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله
ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله
هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله
وقال الإمام أحمد : حسن الخلق , أن لا تغضب ولا تحقد . وعنه أنه قال : حسن الخلق أن تحتمل ما يكون من الناس .
وقال إسحاق بن راهويه هو بسط الوجه وأن لا تغضب ونحو ذلك , قاله محمد بن نصر .
( مسألة ) ومن حسن الخلق مجاملة الزوجة والأهل ومعاشرتهم والتوسعة عليهم قال مالك ينبغي للرجل أن يحسن إلى أهل داره حتى يكون أحب الناس إليهم , قال في المختصر وهو في سعة من أن يأكل من طعام لا يأكل منه عياله , ويلبس ثيابا لا يكسوهم مثلها , ولكن يكسوهم ويطعمهم منه وأكره أن يسأل الرجل عما أدخل داره من الطعام , ولا ينبغي أن يفاحش المرأة ولا يكثر مراجعتها ولا تردادها , والأصل في ذلك ما روى مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المرأة كالضبع إن أقمتها كسرتها , وإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج , وروى أبو حازم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا .
وصلى الله وسلم على نبيه محمد