وافقت اليونسكو على تسجيل مواقع آثار الحضارة المروية (النقعة، المصورات، أهرامات البجراوية، المدينة الملكية، الحصا وود بانقا)، ضمن (42) موقعاً أثرياً لقائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو. جاء ذلك ضمن الاجتماع الـ (35) للجنة التراث العالمي باليونسكو، والذي عقد بالعاصمة باريس خلال الفترة من 19 وحتى 29 يونيو الجاري، بمشاركة كافة دول العالم الأعضاء في اللجنة، وناقش المشاركون في الاجتماع للجنة التراث العالمي عدداً من الموضوعات من أهمها الحفاظ على الممتلكات الثقافية والطبيعية المُدرجة على قائمة التراث العالمي، وترشيح عدد من المواقع الثقافية والطبيعية ذات الأهمية والصفة الاستثنائية والصفات الفريدة لإدراجها على قائمة التراث العالمي.
وهي المرة الثانية التي تدخل فيها الآثار السودانية ضمن هذه القائمة إذ سبق تضمين مجموعة جبل البركل عام 2003م. وتضم الآثار التي تمّ إدراجها خمسة مواقع يفوق طولها ستين كيلومترا، وتحمل آثار الثقافة النوبية (900-270 قبل الميلاد)، والمروية (270 قبل الميلاد–350 ميلادية) وهما الحضارتان السائدتان وقتها. وتبرز أهمية الآثار السودانية بفضل الاكتشافات المتواصلة والتي تقوم بها بعثات وطنية وأجنبية، ويؤكد خبراء أن الكشوفات التي تمت أخيراً من شأنها أن تغير النظر إلى تاريخ الحضارات القديمة.
وقال مدير الهيئة العامة للآثار والمتاحف د. حسن حسين إن البعثات الأجنبية ممثلة بالبعثة البولندية والفرنسية والسويسرية ظلت في حالة تنقيب لما يقرب خمسين عاماً مساهمة في كشف آثار جديدة كان آخرها آثار حضارة مملكة "كرمة" بمنطقة الشلال الرابع والخامس وهي حضارة سودانية أفريقية، إلى جانب الكشف عن مبني من طراز نوبي به الكثير من تماثيل ملوك (نبتة) واستخدام الفخار والطوب الأحمر بعمليات البناء.
وأضاف حسين أن الحملات كشفت عن صهر النحاس واستخدام الأختام على البضائع الواردة والصادرة، وآثار لممالك مصرية ومسيحية وإسلامية بمنطقة (صاي) شمالي السودان تم الكشف عنها من قبل بعثة فرنسية.
وأكد مدير الهيئة العامة للآثار والمتاحف أن هناك ربطاً كبيراً بين الحضارات الواقعة على ضفة النيل، إذ كشفت الدراسات عن تواصل الحضارات السودانية التي كان لها تنسيق مع الحضارة الإغريقية في مصر، كما كان لممالك المصريين دورها شمالي السودان، إضافة إلى أن الأسرة المالكة (25) وهي سودانية تواصلت شمالاً حتى مصر، وأشار حسين إلى أنه بفضل الدراسات والاكتشافات المتصلة يمكن كشف الكثير عن الحضارات ووضعها.
من جانبه قال مدير عام السياحة والآثار بولاية نهر النيل، عبد الباقي عجيب لـ"سونا"، إن هذه الخطوة تمكِّن السودان من طلب المساعدة المباشرة من المؤسسات المانحة واليونسكو لترميم وصيانة وحفظ الآثار بالولاية. وأشار إلى أنها تضمن أيضاً لحركة السياحة بالبلاد مزيداً من الأفواج السياحية عبر برامج الدعاية والترويج التي تقودها منظمة اليونسكو، موضحاً في هذا الصدد أن الشركات العالمية ترسل وفودها السياحية إلى المواقع المسجلة عالمياً فقط. وقال: إن المنظمة تعمل على إشراك المجتمعات المحلية المحيطة بمواقع الآثار والسياحة في إدارتها والاستفادة منها سياحياً.
وقال أستاذ الآثار بكلية الآداب بجامعة الخرطوم علي عثمان محمد صالح إن السودان غني بالآثار في كل المراحل التاريخية، ودلت الكشوف الأخيرة على عراقة الحضارة السودانية، خاصة حضارة وادي النيل التي سادت ثم بادت.
وأشار صالح في حديث سابق لـ(الجزيرة نت) إلى أن آثار "مروي" تعنى بالإنسان السوداني، فيما تعنى الآثار المصرية بملوك مصر، لافتاً إلى أنه يوجد بالسودان حالياً 232 هرماً من أجود ما صنع الإنسان، وهي شواهد وليست قبوراً كما هو الحال بمصر.
يشار إلى أن ولاية نهر النيل بدأت مساعيها لتسجيل المواقع الأثرية في سجل التراث العالمي منذ العام 2006م، وأعدت حولها ستة ملفات أعدتها الهيئة العامة للآثار والمتاحف وعدد من الجهات المهتمة بالتراث والآثار. كما تسعى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" لحثّ دول العالم على تحديد المواقع التراثية الثقافية والطبيعية في كل منها، وحمايتها والحفاظ عليها نظراً لكونها تمثل قيمة كبيرة للبشرية، وقد تجسد ذلك في معاهدة دولية أطلق عليها اسم "اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي" والتي تبنتها اليونسكو في العام 1972م.