طبعاً... فنحن لا نعرف شئ عن العباسي سوى أنه شاعر قصيدة يوم التعليم التي كانت مقررة في مقرر الشهادة السودانية. ولو لم تكن مقررة في هذا المقرر لقلنا أنا العباسي هو لاعب كرة قدم معتزل لعب في اتحاد مدني سنة أسكت.
ولد الشاعر في قرية (عراديب ود نور الدايم) بالنيل الأبيض في الثالث والعشرين من رمضان سنة 1298هـ الموافق 18 أغسطس 1881م وتنقل في صباه بين عدد من الخلاوي فحفظ القران وعرف شيئا من علوم الدين والعربية .وفي التاسعة عشرة من عمره التحق بالمدرسة الحربية في مصر وقضى بها سنتين (1899م – 1901م) ولم يتم دراسته، وعاد إلى السودان هو يحمل أجمل ذكري لتلك الفترة التي عاشها في مصر , وظل منذ ذلك الحين يردد هذه الذكرى في شعره , وكثير من قصائده إن لم يكن أكثرها يدور حول وفائه لمصر وذكريات شبابه فيها, يحن إليها حنينا قويا ويلوذ بها كلما حزبه أمر وعصفت به الشدائد. ولم ينس ذكرى (الشيخ عثمان زناتي) الذي كان أستاذا للغة العربية بالمدرسة الحربية في ذلك الحين، ويعده الشاعر صاحب يد لا تنسى في توجيهه إلى الأدب وتشجيعه على قرض الشعر.
والشاعر – فوق هذا – من بيت زعامة دينية فأبوه المهدي الكبير, وجده الشيخ أحمد طيب العباسي مؤسس الطريقة السمانية بمصر والسودان.
اشتهر العباسي في شعره بتمسكه بالمدرسة التقليدية وكان يفتخر بذلك. قال في احدى قصائده
غيري شدا فتعالوا اليوم فاستمعوا شعر النواسي من تلحين اسحق
ربما كان الشاعر الأستاذ محمد سعيد العباسي (1881م – 1963م ) من أكثر شعراء العربية حظا في توافر أكبر النقاد والدارسين على شعره نقدا وتحليلا وتأريخا. أما شعر العباسي حال كونه مادة للتراث، فلأن البداوة المحضة هي آية شعره وأصل أدبه، حتى أن الدكتور عبد المجيد عابدين (1915-1991م) حين عقد مقارنة بين العباسي والبارودي سجل علامة فائقة الامتياز للعباسي، ولكن البارودي يفوق العباسي في خشونة الألفاظ وجزالتها مع أن العباسي عبر عن البداوة أكثر مما عبر عنها البارودي ويعزى هذا إلى الدربة وتقليد الأقدمين. ومضى الدكتور عبده بدوي بأكثر من هذا، فعزاه إلى أن جزالة الحياة البدوية الواقعية التي عاشها العباسي أغلب على الشعر من جزالة التراث والتأثر بالأقدمين دربة وتقليدا كما مثلها البارودي
حظيت قصيدته عهد جيرون بصدى كبير في الوطن العربي. فالقارئ أو المستمع لهذه القصيدة يظن أنها من شعر العصر الأموي أو العباسي. حتى أنها قد وصفت بأنها أجمل شعر وادي النيل والتي يقول في مطلعها.
أرقت من طول هم بات يعروني يثير من لاعج الذكرى ويشجوني
منيت نفسي آمالاً يماطلني بها زماني من حين الي حين
ألقى بصبري جسام الحادثات ولي عزم أصد به ما قد يلاقيني
ولست أرضى من الدنيا وإن عظمت إلا الذي بكريم الذكر يرضيني
في الثاني عشر من شهر يناير 1963م توفي عن ثلاثة وثمانين عاما شاعر السودان الأول، وباعث نهضة الشعر في السودان الحديث السيد :محمد سعيد العباسي