تاريخ بلاد النوبة

منطقة النوبة :
تقع في إقليم ضيق على امتداد من الشلال الأول حتى دنقلا جنوبا , في منطقة
كثيرة التعاريج والجنادل التي أعاقت الملاحة النهرية وخاصة في الجزء
الأوسط من المنطقة التي تشمل السكوت والمحس حتى الشلال الثاني في عمكه
ويزرع السكان جروف الأنهار بمحاصيل سريعة النضوج ويفرسون أشجار النخيل.
وهذه المنطقة أصبحت طاردة في الفترات الأخيرة من تاريخها , فأبناؤها
يخرجون من بلادهم ولكنهم وإن طال الزمن يعودون إليها مرة أخرى.
اسم النوبة :
( أقدم تعريف للبلاد الواقعة جنوب مصر مباشرة جاء في نقوش الدولة المصرية
باسم ( خنث ) ومعناها الأراضي الجنوبية , وكذلك أطلق عليها ( تاتسي ) أي
الأراضي القاسية ومن الأسماء التي أطلقت على البلاد الواقعة جنوب مصر (
نحسيو ) ويقصد به الزنوج - وجاء في النقوش المصرية القديمة ذكر كلمة ( نوب
) ومعناها الذهب أي بلاد الذهب ) .
ولقد أشار بعض مؤرخي اليونان أمثال
أراتوسطين 200 ق.م. الذي كان أمينا لمكتبة الأسكندرية لكلمة نوبه في كتبهم
- وأخذها إسترايوان وقال إن المنطقة أخذت هذا الإسم من أحد الشعوب التي
سكنت الضفة الغربية لنهر النيل وهم النوبيون وأصبحوا أسياد المنطقة , -
وكذلك أطلق عليها بعض مؤرخي اليونان إسم ( اثيوبيا ) وتشمل المنطقة
الواقعة جنوب مصر حتى سواحل البحر الأحمر واطلق الأشوريون في القرن الثامن
قبل الميلاد اسم ( كوش ) على المنطقة الواقعة جنوب وادي حلفا - وفي العصر
الروماني أمتد نفوذهم الإداري لمنطقة النوبة السفلي , فأطلق على المنطقة
الواقعة ما بين أسوان والمحرقة (دوريكاشيتوس ) والمنطقة الواقعة ما بين
المحرقة وعكاشة ( تريا كونتاسينوس ).
ممالك النوبة :
دولة كوش ( كانت جزءا من دولة كوش التي امتدت من الشلال الأول إلى جهات
النيل الأزرق وكردفان , وقامت هذه الدولة حوالي 715 ق.م. على يد سلالة من
كهنة آمون هاجروا من طيبة إلى بلاد النوبة في منتصف القرن العاشر قبل
الميلاد على أثر سيطرة شاشانق الأول الليبي حكم مصر , وكانت عاصمة الدولة
( نباتا ) أو ( نبته ) عند جبل البركل. ونجح ملوكها في طرد الليبيين من
مصر وضموها لحكمهم وأتخذوا من طيبة عاصمة لهم وأنشأوا الأسرة الـ 25 في
مصر.
وتحت ضغط الأشوريين منذ عام 663 ق.م. رجعوا إلى نبته وأنتهى حكم
مصر . ولقد تشبه ملوك دولة كوش بفراعنة مصر في حضاراتهم وديانتهم ولغتهم
فكتبوا بالخط الهيروغليفي , وبنوا المعابد والإهرامات على نظام الهندسة
المصرية القديمة لدفن الملوك وعبدوا الآلهة المصرية إلى جانب معبوداتهم
المحلية.
في القرن السادس قبل الميلاد إنتقلت العاصمة إلى مروي جنوبا
عند منطقة الأبواب ( كبوشية ) حاليا. بسبب مواردها الزراعية الغنية ووجود
خام الحديد , وسهولة الإتصال مع كردفان وسواحل البحر الأحمر للتجارة, ولقد
عاصرت دولة مروي في تاريخها حكم البطالمة في مصر الذين لم يفكروا في مد
نفوذهم إلى جنوب أسوان. ولكنهم كسبوا صداقة حكام النوبة السفلي التي تقع
ما بين أسوان والمحرقة.
وأستمرت هذه الصداقة حتى دخل الرومان مصر عام
22 ق.م. والذين اتصلوا بالحكام النوبيين واخبروهم أن نفوذهم تمتد إلى
بلادهم. ولكن العلاقة لم تكن ودية بين الرومان والنوبيين فلقد هاجمت
قواتهم الحاميات الرومانية في أسوان ( الفنتين ) وحطموا تماثيل أمبراطور
الروم. فتقدم الرومان داخل دولة كوش حتى حاصروا نبته في عهد ملكتها (
كنداكه ) ورجع القائد الروماني منتصرا ووضعوا حامية في أبريم للدفاع.
ولكي يكسب الرومان صداقة دولة كوش أتخذوا سياسة سلمية فأنشاوا لهم معابد
دينية في فيله وكلابشة وكشفوا الطرق البرية التي توصل إلى كردفان ودارفور
للتجارة .وفي فترة وجود النفوذ الروماني في بلاد النوبة دخلت المسيحية هذه
المنطقة كديانة رسمية وحطموا المعابد الوثنية....
دخول المسيحية بلاد النوبة :
كانت بلاد النوبة في فترة انتشار المسيحية مقسمة إلى ثلاث ممالك مستقلة وهي :
(أ) مملكة النوباديين ( ما بين إسوان والشلال الثالث أسسها الملك ( سلكو ) حوالي عام 530 ميلادي وعاصمتها فرس ( نجراش ).
(ب) مملكة الماكوريين ( مقرة ) : ما بين الشلال الثالث وكبوشية والعاصمة دنقلا العجوزة.
(ج) ما بين الكبوشية وجنوب الخرطوم حاليا والعاصمة ( سوبا ) ونشأت على
أنقاض مملكة مروي بعد سقوطها في يد ( عيزانا ) حوالي منتصف القرن الرابع
الميلادي.