وزير الخارجية : هناك تناقضات داخل السودان فيما يتعلق بالتفاعل الأفريقي
عقب قمة سرت الأخيرة التي أجمعت فيها الدول الأفريقية على مساندة السودان ضد قرار المحكمة الجنائية.. ظهرت بعض الأصوات النشاز داخل القارة، تعلن مرة أنها موقعة على ميثاق روما وملزمة بالقبض على الرئيس البشير إن جاء، وتنفي تارة أخرى ما جاء على لسان بعض مسئوليها.. وبدورها تمتنع الحكومة عن التعليق مرة، وتجد المبرر لمثل هذه التصريحات في مرات كثيرة، وتهاجم الدولة التي بدرت عنها الأقوال في أحيان أخرى..
وإن ذكر اسم العلاقات السودانية الأفريقية يتبادر إلى الأذهان التوتر التشادي السوداني.. وربما جاءت هذه الندوة عن تعزيز العلاقات السودانية الأفريقية والتي اعتبرها البعض متأخرة كثيراً خاصة بعد أن أبدت الحكومة اهتماماً بتحسين علاقتها مع الولايات المتحدة في ظل الإدارة الجديدة و مع تشاد لحلحلة الملفات العالقة من مفاوضات وغيرها.. إلا أن وزير الدولة بوزارة الخارجية علي كرتي علق قائلاً لـ(الأخبار) لم تدفعنا مثل هذه الأسباب لعقد الندوة عن العلاقات السودانية الإفريقية، إنما هذه القضية تطرح بعد فترة طويلة من تحركات رئاسية ووزارية ودبلوماسية قوية جداً وعديدة.. جابت أفريقيا شرقاً، شمالاً وجنوباً.
وبالرغم من أن حديث كرتي يبدو صحيحاً في ما يتعلق بالتحضير للندوة من أوراق وموضوعات قدمها أشخاص ذوو أهمية وثقل سياسي وأكاديمي، إلا أن عدم الإعلان عنها بشكل مناسب يليق بطبيعة الندوة ظهر أثره بشكل واضح في قلة الحضور والمشاركين.. فالكراسي الفارغة كانت السمة الغالبة على القاعة الرئاسية بقاعة الصداقة أمس.. حضور قليل من الممثلين الدبلوماسيين من الدول الإفريقية لم يكن بينهم سفراء أفارقة، جلسوا على قلتهم جنباً إلى جنب.. كانت سمتهم ارتداء الزي الأفريقي المتشابه، كما ارتدى الزي أيضا منظمو وعاملو مركز السودان للبحوث والدراسات الإستراتيجية تضامناً مع الأفارقة وعنوان الندوة!
الندوة اشتملت على ثلاث محاور أساسية، سياسي واقتصادي، ثقافي وإعلامي، وآخر اجتماعي، بدأت منذ التاسعة صباحاً واستمرت إلى قرابة التاسعة مساء.. تحدث فيها عدد من الخبراء الأكاديميين، السياسيين، العسكريين والدبلوماسيين.
"العلاقات السودانية الأفريقية" اسم لم يتردد أمس فقط بالندوة، إنما أعلنت وزارة الخارجية قبل يومين على لسان ناطقها الرسمي علي الصادق في مؤتمر صحفي عقدته الوزارة - كان يناقش ذات القضية - أن مركز السودان للبحوث ينوي عقد ندوة بالتعاون مع وزارة الخارجية في قاعة الصداقة، إلا أن الإعلان صاحبه تصحيح من الصادق والذي قال " الندوة هي برعاية وزير الخارجية دينق ألور وليس علي كرتي كما أعلن، لذا وجب التنويه"
الوزير .. وافتتاحية شيقة
وهكذا.. بدأ الوزير دينق ألور كلمته الافتتاحية بحديث شيق لم يخلُ من جرأة، اتهم فيها بعض السودانيين أنهم يتحدثون عن أفريقيا بخجل ويفضلون العروبة ويميلون لها اكثر من الانتماء للقارة.. فقال هناك تناقضات داخل السودان فيما يتعلق بالتفاعل الأفريقي، لأن السودان أكثر ميلا للعروبة وأن كثيراً من السودانيين يتحدثون عن أفريقيا كأنها جسم وليس كياناً.. لأن السياسيات التي اتخذتها الحكومات السابقة لم تكن تساعد في التقرب الإفريقي وهي السبب الأساسي في إجهاضها للعلاقات السودانية الأفريقية، ودعا مراكز البحوث للتعرف على إفريقيا بكل جوانبها والتفاعل معها وضرورة إعادة النظر في مناهج التربية وتعريف طلاب المدارس بإفريقيا..
والتقط ألور عبارات مهمة عادة ما يستخدمها السودانيين والمسئولون مثل " أشقاءنا العرب وأصدقاءنا الأفارقة" ، واعتقد أن هذه الأشياء تؤثر على العلاقات لذا أكد سعيهم في وزارة الخارجية لتغيير المفهوم لاعتبار أن إفريقيا وقفت مع السودان في لحظات حرجة وخلال مراحل صعبة، وقال: "هي ساعدتنا على توقيع اتفاق السلام الشامل و أبوجا وهي مهتمة أيضا بالمشكلة السودانية".
وأضاف أنه لابد من تغيير نظرة بعض السودانيين تجاه إفريقيا والذين يتحدثون عنها بصورة خجولة، "لأن التحول يبدأ بتغيير المفاهيم والسياسات" وطرح الوزير عدة أسئلة مثل: "هل نحن أفارقة سودانيون أم سودانيون أفارقة، أم هل نحن عرب أفارقة أم أفارقة عرب..؟؟ وكانت إجابته أن السودان هو الأصل وهو جزء من أفريقيا.. وبهذا بدا واضحاً رأي الوزير في المسألة!.
الخبراء يتحدثون
د.آدم محمد أحمد أشار في ورقته ( العلاقات السودانية الأفريقية ) الى أن السودان يتطلع حضارياً نحو العالم العربي والإسلامي، سواءً أكان على صعيد الحكومات أو معظم الشعب السوداني، وأن الحكومة اعتنت منذ الاستقلال بعلاقاتها العربية وأولتها الاهتمام ولم تعر علاقاتها الأفريقية عناية تذكر، خاصة أن أفريقيا غارقة في مشاكلها الداخلية، واعتبر أيضاً أن السودان اهتم بعلاقاته مع الدول العربية البترولية وأنه حتى الهجرات كانت صوب تلك الدول ولم تعط أفريقيا أي اهتمام لفقر دولها، وحاجتها هي الأخرى لمن يعينها، ونوه إلي أن العرب في السودان يضطهدون القبائل غير العربية وهو الأمر الذي جعل موقفهم من السودان معادياً ولم يتحمسوا كثيراً لتوطيد علاقاتهم معه، ولخص أمرين بأنهما مستحقات لابد من إنفاذها لتنمية العلاقة مع أفريقيا وهي تسوية المشاكل الداخلية‘ وأن التكامل مع أفريقيا يفيد السودان.
السفير د.محجوب الباشا في ورقته السودان والمنظمات الأفريقية الإقليمية دعا إلى العمل على تسديد مساهمة السودان في ميزانية المنظمات الإقليمية وعلى رأسها الاتحاد الإفريقي، والاهتمام بتدريب الدبلوماسيين لترقية الأداء، التحضير الجيد للاجتماعات الإقليمية على مختلف المستويات، تسهيل الإجراءات الخاصة بسفر الوفود المشاركة في الاجتماعات، وبذل مزيداً من الجهد في إعداد الكوادر المؤهلة للتنافس على الوظائف الكبيرة.
الندوة ناقشت عدة محاور أخرى مثل التحولات الدولية على أفريقيا، علاقة السودان بحركات التحرر الأفريقي، علاقاته بالدول الفرانكفونية، التداخل اللغوي والقبلي بين السودان والدول الأفريقية .
كرتي: السفير التشادي شخص محترم
وزير الدولة بالخارجية علي كرتي التقته الأخبار في ردهات القاعة، نفى جملة وتفصيلاً أن يكون التحضير للندوة جاء متأخراً، وقال الندوة عبارة عما كان يدور طويلاً في الخارجية، لأنه منذ فترة طويلة "قمنا بتحركات قوية واتصالات واسعة في أفريقيا سواءً أكانت رئاسية ، وزارية أو دبلوماسية" جابت أفريقيا شرقاً شمالاً وجنوباً، وأكد أن أفريقيا هي التي دعمت السودان في أوان احتياج السودان لها، وهي التي أوفدت القوات لتأمين الأوضاع في دارفور دون غيرها، وهي التي دعمت السودان في كل قضاياه، ووقفت معه ضد المحكمة الجنائية.. و اعتبر كرتي أن مسألة الأصوات النشاز مسألة عابرة ليس لها علاقة بالمنشط، وأن مثل هذه الندوات يمكن أن تساعد على احتواء تلك الأصوات.. وأشار لبحثهم عن أواصر العلاقات بين السودان وأفريقيا وكيف أن دفع هذه العلاقات مع الدول يساعد على التواصل معها "لأنها قد تكون لأسباب داخلية أو علاقات خارجية اتخذت مثل هذه المواقف" لافتاً أنه شأن سيادي يخص الدولة إلا أنه بالتواصل معها يمكن إعادة مثل هذه الأمور لنصابها"...
" هذا حال الأمور بين السودان وتشاد"
كان ذلك رد وزير الدولة على التوترات الأخيرة.. و قال في أحيان كثيرة تتطور الأوضاع وفي أحيان أخرى تتراجع إلى الخلف ولكن السودان ظل يقول رأياً واحداً وبوتيرة واحدة بأنه لا يمانع في إقامة أي علاقات حسنة وصحية مع تشاد.. وفي رده حول عدم حضور السفير التشادي أو من ينوب عنه قال كرتي: ( الدعوة قدمت للسفراء الأفارقة وربما بعضهم لم يحضر.. هذه أسباب لا علاقة لها بتشاد، فالسفير التشادي شخص محترم وهو يتمتع بكامل حصاناته وعلاقاته مع وزارة الخارجية..) وعن عدم استدعائه بسبب الخروقات الأخيرة كما درجت على ذلك عادة وزارة الخارجية، أوضح أن مثل هذا الاستدعاء يكون قد فات الأوان عليه،وأضاف ماذا سيقول السفير التشادي، المسألة ليست مسألة السفير الموجود معنا إنما مسألة منهج تتبناه دولة..
الندوة التي بدأت منذ التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساء.. أعطت رؤية تاريخية سريعة عن شكل العلاقات السودانية الإفريقية، وعن المستقبل الذي يمكن أن تصل إليه في حال نفذت عدة خطوات والتزمت بها دول القارة إلا أن الأمر الذي ظهر جلياً أن الفقر الذي تعاني منه القارة عموماً هو السبب في وضع مصالحها الاقتصادية فوق علاقاتها الأخوية والتاريخية.