عُرفي ومُخدرات وأفلام فاضحة.. المؤسف في الأمر
نقلا عن صحيفة الرأى العام
|
محمد عبدالقادر |
مَا كُنت أرغب في العودة إلى مقال نشرته على هذه المساحة الأربعاء قبل المنصرم بعنوان: (الجامعات.. عُرفي ومُخدرات وأفلام فَاضحة)، ولكني عُدت مُضطراً للتعليق على محاولات مؤسفة من هنا وهناك حاولت إخضاع محتوى المقال للتوظيف السياسي، فبعض المعارضين تجاوزوا الإحصاءات الملغومة وتناسوا خطورة الإفادات التي وردت على لسان مديري الجامعات ودبجوا كثيراً من المداخلات على مواقع إسفيرية كثيرة لتعرية الحكومة وتحميلها وزر ما حَدَثَ من تحولات طالت الشارع العام وسلوك الطلاب، بينما اجتهد آخرون في صف المؤتمر الوطني لاتهامنا بتحميل الأمر أكثر مما يجب وتَوفير حيثيات تجعل من أداء الإنقاذ محل (تندر وشماتة)..!
إخضاع القضايا الاجتماعية لرعونة التصنيف السِّياسي الذي لا يرحم واحدة من أكبر العيوب فى سوداننا، وافتراض أن كل مقال يخبئ وراءه أجندة حزبية تجعلك ناطقاً بلسان هذه الجهة أو تلك من أبرز تجليات أزمة الضمير العام لأنّ السياسة حقنتنا بمصل البحث عن مُؤامرة في كل ما نكتب..!
القضايا الاجتماعية سادتي تتراجع أمام سطوة السياسة وتغرق في محيطها حتى تختنق بتزاحم مفردات التجريم الذي يُمارسه بعضنا على الآخر، فكل قضية يُنظر لها من زاوية تعريتها لوجه الحكومة، وكَأنّما مهمة الصحافة هي توفير حيثيات يستخدمها السياسيون وأشياعهم لتفجير بعضهم البعض..!
المقال المنشور حول الأوضاع بالجامعات حاول باختصار إدارة حوار بشأن مخرجات ورشة شارك فيها ثلاثة من مديري الجامعات نطقوا بحقائق خطيرة تستدعي أن يتدارك الجميع مخاطرها قبل أن تدخل المخدرات كل بيت..!
وباختصار، فإنّ الساسة في بلادي يفترضون أنهم المعنيون فقط بأمر الجامعات، ناسين أو متناسين أن هذه الجامعات تضم فلذات أكباد السودانيين، وأن الخطر الأخلاقي الداهم يحتم علينا عدم (دفن الرؤوس في الرمال) هرباً من فواتير التصنيف السياسي، وشخصياً لديّ أشقاء في المراحل الجامعية يعنيني أمرهم كما يعني كثيراً من السودانيين الذين استودعوا أبناءهم أمانات لهذه المؤسسات التربوية التعليمية..!
نحن نكتب من منطلقات مهنية لا علاقة لها باللافتات السياسية، ولا نعمل على توفير حيثيات يُدين بها السياسيون بعضهم ونجتهد في إلتزام الموضوعية في ما نطرح من قضايا تهم إنسان هذا الوطن قبل ساسته..!
نسي البعض أنّ جامعة السودان توقف ما بين «5» إلى «7» طلاب أسبوعياً بترويج المخدرات، ولم يقرأوا أن الجامعة باتت لا تُفرِّق بين الطالب ومُروِّج المخدرات، ولم توجعهم الحقيقة القائلة بأن هنالك جهات تُوزّع المخدرات مجاناً، أهملوا الإحصائيات (المخيفة) عن تعاطي الحشيش وتفشي ظواهر الإنحلال الأخلاقي والزواج العُرفي وتبادل الصور والأفلام الفاضحة وسط الطلاب، تجاهلوا كل ذلك وحوّلوا الأمر إلى مزاد للتعبير عن الأجندة السياسية..!
القضايا الاجتماعية التي يواجهها شعبنا تقتضي النظر إليها بموضوعية تطرح الهموم وتستنبط الحلول، والمواجهة السياسية التي تستخدم أسلحة محرمة في ساحات المنفعة العامة سيدفع ثمنها المواطن، لأنّ الحشائش الصغيرة هي التي تتأذى دائماً من (صراع الأفيال)..!
سنظل نكتب عن الواقع الاجتماعي بما يمليه علينا ضميرنا المهني، وبأقلام لا تُعبِّر عن الواجهات السياسية، وإنّما تنحاز إلى هموم وقضايا إنسان هذا البلد غير آبهين، ولكن يؤسفنا أن تستسهل النخب السياسية قضايا بمثل هذه الخطورة سعياً وراء الكسب السياسي.